عاملة الوطن في
الأمثال الشعبية
في بداية الحديث
عن مهنة المرأة هذه الأيام أسأل السؤال التالي : متى كانت مهنة المرأة عموما
مقبولة اجتماعياً في الأردن؟؟ فبالرغم من
كل ما يُقال عن حقها في المشاركة في بناء المجتمع و وقوفها إلى جانب الرجل.... إلخ
من الأسباب من قبل مؤسسات حقوق المرأة، و إذا استثنينا بعض الحالات الترفيهية
الاستثنائية، لوجدنا أن ما يُخرج المرأة للعمل و القبول بأي وظيفة هي الحاجة
المادية فقط؛ فنحن مجتمع لنا طبيعته التي تأنف أن ترى المرأة بالعمل خارج البيت
إلا للضرورة.
فلو استعرضنا مراحل مرور المرأة وظيفياً نجد أنها
خرجت من البيت إلى المزرعة عندما احتاجها الرجل إلى جانبه لعدم تمكنه من القيام
بمهمته لوحده و لعدم قدرته على استئجار عمال لمساعدته.
و لم يتم قبول
مهنة (معلمة) لاحقاً أبداً ببداية عهدها، حيث كانت تقابل بالاستهجان، و كانت تتعرض
المعلمات إلى مختلف الأقاويل حول المهنة؛ و هنا تذكرت معلمتين فاضلتين كانتا من
أوائل المعلمات اللواتي دخلن قريتي جديتا
و هما الست فيروز و الست نهيل، و لهما مني كل التحية و الاحترام.
و عندما دخلت
مهنة التمريض للفتيات قوبلت بالرفض القاطع و حدّثنا دولة الدكتور عبد السلام
المجالي عن معاناته الكبيرة عندما حاول إدخال الفتيات للتمريض. لكن هذا الرفض لمهنة
التمريض للفتيات كان له فائدة و هو إقبال الناس
على دخول الفتيات لمهنة (معلمة) فوجدوها أكثر ملائمة للمجتمع من التمريض.
و استمر المسلسل
من التمريض للعمل بالقطاع الخاص كسكرتيرات
و عاملات في المصانع الى آخره من الوظائف
الأنثوية. و كانت كل مهنة تُقدِّم لأخرى
أشد صعوبة و لكنها بنفس الوقت تبرر قبول
المجتمع للمهنة السابقة.
بالفترة الأخيرة دخلت الفتيات مهناً أخرى أشد
قسوة و تحتاج إلى جَلَد الرجال ليثبتن أنهن كالرجال، فدخلن الجانب الشرطي كمجندات
ميدان، و رأيناهن نشميات يفخر الوطن بهن.
و طبعاً كانت الحاجة المادية للعائلة السبب الرئيس وراء ذلك.
هذه الأيام تثور
ثائرة المجتمع على القرار الحكومي بخصوص
عاملات الوطن. و للتوضيح فهو يقول " السماح" و ليس الإلزام؛ فلن
تذهب البلدية لسحب السيدة من دار أبيها للعمل كعاملة وطن؛ إنما هي كما قال المثل
" شو اللي بوزيك على المُر؟ قال اللي أمَر منه". و مع التقدير و الاحترام
لمهنة موظف عامل وطن إلا أنها و لطبيعة مجتمعنا ما زالت لا تحظى بالتقدير اللازم
حتى بالنسبة للرجال، لهذا لا يلجأ اليها
إلا من هو تحت سوط العوز و الحاجة سواء كان ذلك رجلاً أو إمرأة؛ و ربما تكون حاجة الرجل أكبر لأنه لا
يقبل أن يكون عالة على أحد.
أما بالنسبة
للمرأة فإن ما يلجئها للعمل بمثل هذا المهنة ربما يكون ما هو أقسى من المُر، ألا و
هو الأسواء: كأن تكن مسؤولة عن عائلة قضت الظروف أن تكون هذه الفتاة (أرملة أو
مطلقة) مسؤولة عنها لغياب الرجل. فما العمل؟
قد يقول قائل التنمية الاجتماعية و لا أدري كم ستغطي ميزانية التنمية من
طبقات ببلد نعرف جميعاً إمكانياته بارتفاع مستوى خط الفقر بالأردن.
لهذا و أعود للأمثال
الشعبية و هذه المرة يقول المثل " بدل ما تقول كش، إكسر إجرها" يعني أن نعالج السبب بدلاً من النقد الدائم. لم
أسمع و لم أقرأ بكل ما جرى من حراكات أو
احتجاجات توجهاً اجتماعياً بتقديم اقتراح عملي لحل أي مشكلة و من ضمنها مشكلة
عاملات الوطن.؟ و العملية كلها مناكفة للحكومة يقودها البعض و نساعدهم نحن بهذا بطيب
قلب و نية صادقة لإنقاذ المرأة؛ فعلى كل من يعارض انضمام الفتيات لهذه المهنة أن يقدم لهن الحل و
المساعدة.
هنا أعيد الجميع
لاقتراح الشيخ غالب الربابعة إمام مسجد الملك حسين طيب الله ثراه بإحدى خطبه عندما
كان الحديث عن قضية الجوع. لقد اقترح
الشيخ (جزاه الله كل خير و جعل كل شتيمة تعرض لها حسنات في ميزانه يوم يقف الجميع
ليوم الحق) إنشاء صندوق على مستوى العشيرة أو الفخذ أو البيت يدفع فيه كل موظف
خمسة دنانير تعطى لكل محتاج آخر الشهر؛ لكننا نغضب ممن يواجهنا بمسؤوليتنا تجاه
هذا المجتمع.
لهذا يا سادة
عندما ترون السيدات يعملن كعاملات للوطن فلا تصبوا جام غضبكم عليهن و على الحكومة
فقط و لكن لينظر أحدنا لنفسه و يرى ماذا قدّم (كمجتمع) لهذه المرأة لتبقى في بيتها
مع أطفالها.
و لا بد لنا قبل
أن نختم أن نعرج على مثل شعبي آخر و هو " إجا يكحلها عماها" ذلك أننا و
في جملة حماسنا للدفاع عن المرأة قد أسأنا من غير قصد إلى المهنة ككل بإرجاعها إلى
اسمها الأصلي زبّال.
تحياتي لكل عامل وطن و اعتذر له إن جرحنا شعوره و نحن
ندافع عن ماجدة أردنية اقتضتها ظروفها أن تكون عاملة وطن لأننا لم قدمنا لها
الجعجعة و لم نقدم لها الطحين.
كتلخيص لما سبق
أقول أنني لست مع عمل المرأة كعاملة وطن بشرط أن نقدم لها البديل.
كل عام و الجميع
بألف خير