أقلعوا الشعب قبل أن تقلعوا زلمكم
بداية وبعد السلام عليكم فضلت أن تغلب العامية على هذه
الإطلالة حتى نبقيها بسياق سوالف التراث التي أعشقها لما فيها من حكم ودروس. كذلك ربما تخرجنا العامية من حالة الجدية لحظات
فنرسم على الشفاه بسمة قد ترى النور.
مقالي اليوم هو قصة بعنوان "اقلعني قبل ما تقلعه". آمل أن تنال
إعجابكم.
حدثنا مديرنا الأستاذ مصطفى الدبابي وكنا في جمعٍ من
المدرسين في مدرسة كفرسوم الثانوية عام 1979 نشرب الشاي في رزقة الشمس ذات يوم دافئ
عن قصة ذلك الضيف الذي نزل بدار رَجلٍ (لا أدري بموعد أو بدون موعد) وقد اقترب
موعد الغداء. وكان من أصول الضيافة أن قدم له دجاجة واحدة فقط ولم يشر الراوي أهو
ضيق ذات اليد أم ضيق الوقت أم البخل؟
المهم أنها دجاجة واحدة فقط لا غير.
وكما ستوضح القصة لاحقاً فعلى ما يبدو لم يكن هناك توابع لها؛ نعم، كانت
واحدة مجندلة على طبق بعد أن كانت قبل ساعات تسبح الرحمن بصوتها الشجي بحوش الدار.
وقبل أن يقول المعزب للضيف تفضل عالميسور، وحضرتوا وما
حضر واجبكوا والمعذرة على القصور يا ضيف الرحمن أطل أحد الأولاد الصغار برأسه من
باب الغرفة ونظر إلى الدجاجة. شعر المعزب بالحرج (المصطنع) من الضيف ولكنه لم
يشأ أن يعود الولد بخفي حنين فقسم للولد فخذ الدجاجة وقال له خذ هاي وانقلع؛ وما
أن انقلع الولد حتى أطل شقيقه ووقف منتظراً
بنفس المكان ففهم الوالد المغزى وقال خذ هاي وانقلع فأخذها الولد وولى
منقلعاً. وقد كانت القطع تصغر مع كثرة
العدد فالرجل يعرف عدد أولاده، وعادة ما تكون القلعة الكبرى لصاحب النصيب الأول. وكان يحضر كل مرة أحد الأولاد يأخذ قطعة
وينقلع. وكان الضيف حائراً فلم يقل له
المعزب تفضل؛ هل يكتفي بالفُرجة فقط. وعندما وصل الأمر إلى آخر قطعة أطل قريد العش
(آخر العنقود يعني) مد الرجل يده وقبل أن ينطق بالجملة إياها أمسك الضيف يده وقال
له يا زلمة اقلعني أنا الأول قبل ما تقلعه وأخذ آخر قطعة من الدجاجة لنفسه
والتهمها على عجل.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر ألا يخشى ولاة الأمر وهم
يمارسون سياسة " خذ هاي وانقلع" كلما أطل أحد المتنفذين برأسه أو يصدح
بصوته في مكان ما أن يمسك الشعب بيدهم ويصيح بأعلى صوته أقلعونا قبل أن تقلعوهم؟؟؟
وسلامتكو ؛ فخير الكلام ما قل ودل.
توضيح : زَرقِة الشمس
لا علاقة لها باللون الأزرق طبعا ولكنها كلمة تعني سرعة الظهور من بين الغيوم
وغالباً ما تقال بأيام الشتاء حيث تقل فرص ظهورها. وكانت تستعمل بمواقف مشابهة
مثلا كأن نقول زرق الولد من جنبي وما شفته (لهجة اربد) فاقتضى التنويه والتفسير.
على كفرسوم ومدرستها والزملاء الكرام وطلابي الأعزاء
السلام.