الأربعاء، 10 يونيو 2015

طارق عزيز من آخر الرجال المحترمين

طارق عزيز من آخر الرجال المحترمين
ها هو فارس من فرسان السياسة العراقية العربية الدولية يترجل عن صهوة مجد تليد تركه خلفه للتاريخ ليذكره بما يليق به، ويحط رحاله في الأردن موئل الأحرار أحياءً وأمواتاً بعد أن تضيق بهم جنبات بلادهم.  رحم الله الشاعر عمرو بن الأهتم التميمي إذ قال:
 لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها **** ولكن أحلام الرجال تضيق. 
نعم لم تضق أرض العراق أبداً بأهلها إلا عندما ضاقت أحلام الرجال فيها.  لقد كانت أحلام الرجال في العراق بزمن الإباء العربي تتسع لكل العرب ضيوفاً وطلاب علم؛ ولن ينسى العرب للعراق سعة أحلام رجاله؛ ولن ننسى لهم قِدْرَهم (الجِدِر) الذي جادوا به وهم أحوج الناس إليه عندما فزع العرب للأردن.  نعم، ومن غير عمّان يمكن أن تكون محط رحال هذا الفارس الشهم طارق حنا عزيز وهي التي احتضنت من سبقه من أبناء الرافدين فأقاموا فيها معززين مكرمين. 
بترجل طارق حنا عزيز فإننا نودع رجلاً من آخر الرجال المحترمين الذين ما خذلوا بلدهم ولا قائدهم يوماً وقد كانت الدنيا تفتح ذراعيها له بإشارة منه؛ حيث كان بإمكانه اختيار عدم الرجوع إلى العراق وسيلقى كل ترحاب بتلك الدول ولكن طبعا لن يذكره أحد بعد ذلك. اختار رحمه الله حضن العراق وهو يعلم ما ينتظره هناك. 
إننا عندما ننعى طارق عزيز فإننا ننعى به رجلاً لم يتنكر لتاريخه ولم يدر ظهر لقائده؛ رجلاً كان عندما تختفي الرجال.  لم يحاول تبرير أي شيء وتحمل مسؤولياته كاملة ولم يتنصل منها؛ وهو قطعاً قد تعرض لضغوطات وإغراءات وهو في سجنه ولكنه بقي صلباً ورفض أن يغادر الدنيا إلا كما عرفناه. كيف بنا نسيان مقارعته لجلاده ولا أقول القاضي وهو يطلب منه عدم الإشادة بصدام حسين.
إننا عندما ننعى طارق عزيز فإننا ننعى زمن عز وكرامة ما زال جرحها ينزف في كل ببيت عربي في هذا الجزء من العالم.  وهنا استدرك بأن النظام العراقي بتلك الفترة عليه من المآخذ الكثير ولكني عندما أنظر إلى ما آل اليه الوضع العربي أكتشف أنه كان واسطة العقد العربي بلا منازع، وبانقطاعها انفرط العقد وتناثرت حباته فوق صفيح ساخن لا نستطيع إعادة الوصل بينها.
قبل لحظات كنت في حديث مع زميل يمني عن الوضع اليمني ولكن بصيغة العربي فأنا لا أفصل بين الحالات العربية فكلها نسخ كربونية مكررة.  وجدتني استذكر معه مقولة بيكر وزير خارجية أمريكيا عندما قال للمرحوم طارق عزيز سنعيد العراق مائة عام إلى الوراء. قلت لصديقي إنهم بإعادتهم للعراق مائة عام فقد أعادوا العرب كلهم إلى الوراء أكثر من مائة عام. أي مليارات يمكن أن تصلح حال الأمة العربية لتعود كما كانت قبل 1990.  لا نريدها مُواكِبة للعالم بالقرن الحادي والعشرين؛ نريدها فقط أن تعود كما كانت بنهاية القرن العشرين عندما اختطفوها منا؛ فقد بدأ منحنى السقوط العربي منذ ذلك الزمن البعيد. إننا عندما ننعى طارق عزيز فإننا ننعى معه زمان الوصل ببغداد حيث كانت فزعة لكل العرب.
إننا عندما ننعى طارق عزيز فإننا ننعى معه آخر أيام الوحدة العربية التي اختفت فيها حتى الشعارات الوحدوية وبرزت فينا نزعة التشرذم والتقوقع كل أمة حول نفسها. وأصبح جل همها أن تحافظ على كيانها واقفاً حتى لا يسقط؛ فسقطت الأنظمة ولا أتحدث عن الحاكم نظاماً إثر نظام ولا يبدو لها فرج في القريب العاجل.
وحده أردن العرب كان إسماً على مسمى.  فبدأ عروبي النشأة، إسلامي الهوى والثقافة واستمر كذلك. لهذا ليس بمستغرب على هذا الحضن العربي الدافئ أن يستضيف أشبال العراق وحرائره عندما ضاقت بهم السبل. وليس غريباً أن تكون وصية الراحل الكبير أن يوسد الثرى الأردني بين أسرته التي سبقته وأهله وعزوته الأردنيين بالأردن.  ليس المهم أن يدفن في الفحيص أو الكرك أو غيرها فكلها الأردن؛ كلها تسقى من مزن واحدة وتتنفس هوى عربياً عرفه كل من مر بهذا الحمى الطيب. 
يوم أمس -والأحداث لا تأتي عبثاً أو مصادفة- سلَّم جلالة الملك الراية الهاشمية لقواتنا المسلحة؛ درع الوطن وحامية حماه. ومن تابع المنشور حول دلالة الراية وألوانها وما ترمز إليه يدرك البعد العربي والإسلامي العام لهذه المملكة التي هي بحجم بعض الورد.  ما زالت الراية تحمل ذات الأهداف التي توارثها الأباء عن الأجداد وسيورثوها للأبناء. نعم جاءت هذه المناسبة لتؤكد أننا ما زلنا والحمد لله نملك ما يمكن أن نقري فيه ضيوفنا ونغيث الملهوف و(ننتخي) لمن يطلب فزعتنا.  نعم والحمد لله ما زلنا أردنيين المظهر والجوهر، ولا نتوقف عند مفاهيم الربح والخسارة التي تحكم السياسات هذه الأيام.  
وحتى نتمكن في الأردن من فعل كل هذا يجب علينا نحن الأردنيين أن نعين بلدنا على ذلك الأمر سواء كان ذلك بجنازة المرحوم أو أي أمور أخرى لها علاقة بالدول العربية الأخرى؛ فليست كل الدول العربية كالأردن فهناك من الأشقاء من يتعكر خاطره سريعاً وإذا تعكر الخاطر نسي كل أيادي الأردن البيضاء سابقاً؛ ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من الشرح.
مرحبا بطارق عزيز عزيزاً حياً وميتاً في الأردن ولترقد روحه بسلام وطمأنينة في هذا البلد الآمن دائماً بعون الله. 
عزاؤنا لعائلة المرحوم ولكل أحرار الأمة العربية بوفاة فارس من فرسان الزمن الجميل ورجلٍ من آخر الرجال المحترمين؛ فما زال الخير موجوداً بمن هم على الدرب سائرون.


الجمعة، 29 مايو 2015

والله لَنِفْنِch

والله لَنِفْنِch
نحن مولوعون جداً باختراع التعبيرات التي تعبر عن حالة شعبية متفردة بالاردن في كل مرة تجتاح بها الوطن مجموعة من الاحتجاجات الداخلية حول قضية ما؛ فبدأنا ب(ذبحتونا)، وبعدها (قبّعت) وكنا نظنها ختمت بالتعبير المشهور (والله لنكيّف).  لكن ما رأيكم دام فضلكم  أن يكون لنا السبق بإضافة هذا التعبير التراثي الذي ورثناه عن الأجداد والآباء (والله لنفنch)؟  فما هو المقصود بالفنCHان ومتى يحق للأردني أن يفنch ؟
اعتقد أن هذا التعبير جاء من كلمة الفك والذي يقال بالعامية (الفِch) والفنchان تعني فتح الفك على مصراعيه انبساطاً  أو اندهاشاً أو حيرة أو قهراً من عدم فهم سبب الحالة التي هي موضوع الساعة، فيوشك أن يفتح فكَّيه للكلام بما لا يجب أن يقال دون حسيب أو رقيب فيقال فلان افنتش، وعند الوعد بحالة كتلك يقال (والله غير نفنch). ربما كان جيل الشباب  لم يسمع ىهذا التعبير أو أن منطقة أربد فقط اختصت به؛ هذا هو الشعور الأولي ولكن هذه الحيرة لن تدوم طويلا وسيستعوبها الشباب كما استوعبوا مفرادات أجدادهم من زمان مثل كلمة فياعة.
وهناك أكثر من سبب للأردني أن يشعر بأنه سيفنch إذا بقيت الأمور سائرة على الطريق؛ فهو لم يفق بعد من صدمة نفي الحكومة لإشاعة رفع سعر الخبز؛ فقد اعتاد أن يفهم النفي بالصورة الصحيحة بأنه استعداد للأثبات؛ استفاق بعدها على خبر جمعية المثليين كما جاء بالمواقع؛ فعندما يصبح الرعاية للمثليين بدولة ما زالت متمسكة بعادات وتقاليد تعتز بها ولم ترمي بها وراء ظهر التاريخ بعد، ويُطلب منه أن يفهم المتغيرات الحديثة باستيعاب هذه الفئة من الناس عندها حُق له أن يصيح بأعلى صوته "والله لنفنch".
لماذا لا يفنchالأردني وهو يرى أن الرعاية لهذه الجمعية أصبحت رسمية حيث تقول الأخبار بأنها جمعية مرخصة؛ ولا ندري هل منحت هذه الفئة الترخيص كما تناقلها الناس لتعمل (أشكرة خبر وعلى عينك يا تاجر)، أم أنها جمعية خيرية في ظاهرها وباطنها هي المطالبة بحقوقهم المنقوصة التي استقوي بها على مجتمع فلاحين طيب مازال يتحدث عن العيب والخجل، ويتحدث عن حلال وحرام.
وبمناسبة الحقوق المنقوصة فحق للأردني أن يفنch لأنه الوحيد على أرضه الذي يتمتع بحقوق كاملة؛ فأصحاب الأصول المختلفة قد تحدثوا صراحة وبدون ورقة التوت عن حقوقهم المنقوصة ووجدوا أن هناك من يسمع لهم دولياً ويفزع لهم صائحاً " الله أكبر" بأننا أكلنا حقوقهم. الوحيد الذي لم يتحدث أحد عن نقصان حقوقه هو الأردني (على الحِل)؛ فعندما يتذمر من ارتفاع شيء ما يقال له أحمد ربك يا موطن واشكر فضله.  الحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
ولأن أصحاب الجمعية المذكورة  هم فعلاً على ما يبدو من جماعة الحقوق المنقوصة فقد انتفضت لهم السفيرة الأمريكية لتحضر اجتماعهم لتشد من أزرهم؛ ولما لا؟ وهي تمثل أكبر دولة مُصدِّرة للديمقراطية إلى هذا الجزء من العالم بدءاً بافغانستان ولن تكون سوريا آخرها.
وبالمناسبة أنا لست ضد هذه الفئة من الأردنية أصحاب الجمعية أعلاه؛ فهم مواطنون أردنيون رغم كل شيء؛ وأرى أن قضيتهم تحتاج إلى علاج أكثر من محاربة؛ فهم مبتلون بهذه الصفة وإن زين لهم المجتمع الدولي والشيطان أعمالهم.  ولم أكن لأستغرب هذا الإعلان عن الجمعية لو كان الأمر بدولة غير الأردن. لكن أن يتم هذا بدولة كالأردن فهذا يعني أن  هناك إصرار  دولي على نزع عرق الحياء من جبين الأردنيين ليحولوهم إلى جماعة طنش تعش لتنتعش.  
وهذا الاستنتاج يقودنا لوضع علامات استفهام أيضاً على الكثير من الجمعيات المنادية بأصحاب الحقوق المنقوصة مدنياً، لنعرف أهدافها ومن وراءها.  هذه الجمعيات التي عبثت بالكثير من المجتمعات وقوضت أركانها بأن كانت عوناً لإعدائها عليها، لينتهي الأمر بخراب المجتمعات وبقاء أصحاب الحقوق إياها  مكانك سر.  ومن هنا أيضا أجدني متفقاً مع كل الأنظمة (وأخرها بوتين روسيا) التي بدأت تفكر بوضع القيود على مثل هذه الجمعيات ذات العلاقة الخارجية للبحث عن مصادر تمويلها وأهدافها المبطنة وليس فقط الظاهرة. وأطالب الأردن بأن يبحث في ملفات هذه الجمعيات.  أما إن بقيت الأمور على حالها عندها يحق لنا أن نضيف إلى قاموسنا العبارة الجديدة (والله لنفنch).  فهل أضفناها فعلاً؟

بعد الانتهاء من هذا المقال ظهر لنا مدى حب العرب لنا بانتخابات الفيفا... هنا فقط استشعرت أهمية هذا التعبير الذي استحق بجدارة أن يحل محل  والله لنكيف.  نعم والله لَنِفْنِch   لو صوتوا معنا.



  

الأحد، 17 مايو 2015

لحس الخُمْرَة

لحس الخُمْرَة
أصبحت الخُمْرَة مفهوما تراثياُ بحتا بعد أن تعذر معرفتها لجيل الشباب؛ وهي تختلف عن حبيبات الخميرة التي تضاف للكيك أو خبز بعض الشطائر.  الخُمْرَة كما رأيتها بيدي والدتي رحمها الله هي قطعة عجين مختمرة من العجنة السابقة تضاف الى العجين الجديد ليختمر بسرعة، وبدونها يبقى العجين عويصاً ويتأخر كثيراً حتى يخمر.  وقد كانت الخُمْرَة تُستعار بين الجارات عندما تنفذ الخُمْرَة من إحداهن أو إن كان في عجلة من أمرها لم تتمكن من تربية الخُمْرَة الجديدة.  وللخُمْرة طعمٌ غير مقبول لتركز الخميرة فيها وتفاعلها  مما يجعل من المستحيل خبيزها والاستفادة منها كخبز؛ وللنساء رحمهن الله (فمعظم من تعاملن بها في رحمة الله الآن) طريقة في معرفة جودة الخُمْرَة بلحسها بطرف ألسنتهن ثم يتفلن ما علق منها. 
هذه الأيام والحديث عن الخبز الذي ما فـتئ دولة الرئيس يلمح لنا به ويصرح أحيانا برفعه بطريقة أيصال الدعم لمستحقيه وذلك لوضع قطار الاقتصاد الأردني على السكة الصحيحة؛ لا أدري لماذا تذكرت الخُمْرَة وتساءلت إن كان في نية دولته أن يلحسنا الخُمْرَة أم لا. ودولته رجل إن قال فعل رغم تصريحات معالي وزير الإعلام بالنفي الذي اعتدنا عليه.  لقد وعدنا برفع اسطوانة الغاز وفعل، ورفع كل شي وفعل، فلماذا لا يرفع سعر الخبز! لقد تجرأ على ما لم يفكر به من سبقه أبداً.
أدرك تماما أن لا نية لدولته أن ينضم لمجموعة تراثيات مع الشباب على الفيس بتلحيسنا الخُمْرَة ولكني أذكره بأننا لا نملك الخُمْرَة إن كان يعول أن الشعب ما زال يملك الخُمْرَة التي تسد رمق الطفارى من أبناء هذا الشعب الذي تحمل الكثير الكثير وما زال كاظم الغيظ، و يتسقبل دولته بكل ترحاب بكل محافظة يزورها، ويتسابق مع نفسه للإعراب عن اعتزازه بدولته كابن العشيرة المعروفة والبلدة العريقة ويمرر خلال الخطب الرنانة بعض العتب على السياسات.  لا أعتقد أن هذا الشعب  سيجد ما يقوله لدولته إن زار محافظة لا تعرف خطوط الطبقة الوسطى وما فوقها؛ كانت دوما تحت خط الفقر.
لقد تناوب على هذا الشعب الصابر العشرات من أصحاب الدولة؛ وكلهم طالبونا بشد الأحزمة من أجل وضع قطار الاقتصاد على السكة ولكننا كنا نلاحظ ضمور خصورنا ليس من الرجيم طبعا وانتفاخ بطونهم (معنويا فهم يحافظون على لياقتهم) ولكنهم والشهادة لله كانوا دائما يتركون لنا الخُمْرَة.
وللتاريخ نشهد بأن موضوع الخبز (وهو بروتينات الفقير) لم يتجرأ عليه أحد قبل دولة أبي زهير إلا دولة عبد الكريم الكباريتي الذي دفع قبل أن يرفع؛ دفع الدعم ورفع الخبز؛ وبعد فترة وجيزة طار ما دفعه لنا وبقي ما رفعه مرفوعاً إلى يومنا هذا.  هذه الأيام نعود للدعم ونعود للرفع والحجة هي ذاتها إيصال الدعم لمستحقيه. وعند الحديث عن الدفع تأخذنا الذكريات لأيام مستحقات  المحروقات ودفاتر الحكومة التي حسبت علينا الخارج منا على أنه دخل أضافي كالأقساط التي ندفعها للضمان الاجتماعي. ويتكرر  مسلسل دعم المحروقات.
إن كان هذا الرفع وما سبقه من رفوعات هو محاولة لقياس صبر المواطن كقصة (بدنا نشوف لحد وين معه)  أو (بدنا نشوف قديش بمشي المواطن بالرغيف) أذكر أصحابها بقصة ذلك الرجل الذي أراد أن يعلم حصانة قلة الأكل؛ فأصبح يقلل له الكمية يوماً بعد يوم إلى أن نفق الحصان؛ فقال في نفسه يا خسارة؛ لقد مات بعد أن تعود قلة الأكل.
لا تقربوا عيش المواطن؛  لقد رفعتم كل شيء، ويتيبن لنا بعد كل رفع أن قطار الاقتصاد لم يكن على السكة الصحيحة يوماً في حياته؛ وإن كان الجواب خلاف ذلك فأخبرونا  لماذا  نرفع  إذا؟  وإذا كانت كل هذه الاحتفالات التي تنفق على المناسبات بأنواعها عموما مؤشراً على أن القطار على السكة الصح، فلماذا نرفع؟ وإذا كانت كل هذه العلاوات والرواتب لأصحاب السلطات الثلاث  فلماذا نرفع؟  لم نسمع أن مستوى دخل أي من أبناء هذه السلطات الثلاث قد تأثر بوضع القطار سواء كان على السكة أم خارجها.     
إن كان هناك من جواب فأخبرونا يا رعاكم الله.  أم أن عينكم  على الخُمْرَة؟ أطمئنكم  بأن حساباتكم غلط؛ فالمواطن لم يعد يملك حتى الخُمْرَة.  من يدري ربما كان بنية الحكومة أن تعيدنا لأيام الخُمْرَة والخبيز بأفران الطابون!!  بجوز  بس وين الخُمْرَة؟
وبالعودة للحديث عن الخُمْرَة نذكّر بأنها  لا تُخبز لوحدها ولا تؤكل أبداً  ، هي تُلحس لحساً فقط عند الحاجة، وعندما يصل الوضع للحس الخمرة من أجل العيش فاعلم أن ما بعد الخمرة  هو صاج لقن العجين؛  فهل لحسنا الخُمْرَة أم لم نلحسها بعد؟


الأحد، 3 مايو 2015

التحالفات والعواصف وحسني البورزان

التحالفات والعواصف وحسني البورزان
بدءاً بالتحالف الدولي لمحاربة القاعدة في أفغانستان وليس انتهاء بعاصفة الحزم  مروراُ بالحالف الدولي ضد العراق وسوريا والمرء يحار في فهم العلاقة بين التبريرات (الأهداف) لهذا التحالفات ونتائجها على أرض الواقع. فكل التحالفات قامت في ظاهر الأمر وكما يقول عرّابوها لنصرة الشعوب الواقعة تحت الحكومات الدكتاتورية وبشرتهم بالديمقراطية تماماً كالتي بَشَّرَنا بها السيد أوباما ببدايات الربيع العربي بخطابه الشهير الذي ألقاه بعد سقوط النظام المصري السابق (إن كان فعلا سقط)، وحدثتنا فيه عن رغد العيش الذي سيعم البلاد والعباد بعهد الديمقراطية الجديد.
نظرة سريعة لما يجري حولنا نرى أنه لا الديمقراطية جاءت، ولا شبع المواطن العربي الخبز الحاف؛ وزاد الأمر سوءاً أن تشتت الملايين لاجئين لتصبح كالأيتام على موائد مشرديهم ينتظرون كسرة الخبز أو كيس الحليب الجاف؛ وبالمناسبة ما زلت أعتقد بأن مشرد الشعوب ليس أنظمتهم فقط وربما كانت الأنظمة أقلهم تأثيراً بهذاً.  لهذا نعود لمحاولة فهم العلاقة بين أهدافهم وما نراه على الواقع.  لقد شاهدتُ قبل لحظات صورة لمواطنين يمنيين يملأون جالوناتهم البلاستيكية بالماء وهم يقفون بالدور.  وقلت ربما كان هذا أيضاً هدفا لمهندسي التحالفات والعواصف وهو تعليم الشعوب الدور مثلاً؛ وربما كان وضعهم لجاولوناتهم في صناديق وجرها بالحبل هو أيضاً خطوة بالاتجاه الصحيح لتشجيعهم على ابتكار وسائل جديدة للنقل.
المهم، لا يستطيع أي عاقل أن يقتنع بأن هذه الصور التي يراها على الانترنت والتلفزيونات من قتل وتشريد وتجويع وذل ومهانة أن تكون نتيجة لأهداف سامية مثل التبشير بالديمقراطية والعيش الرغيد للشعب.  ولأنني أجزم ومن خلال ما نقرأ عن هذا العالم المحيط بنا بأنه لا يتخبط ويعرف أين يضع خطواته ويخطط لكل أمر بشكل دقيق، فلابد إذن أن نسير بالمقلوب فنحاول البحث عن الأهداف من خلال النتائج. عندها فقط يفغر المواطن فاه حيراناً ليتساءل هل  هذه هي الأهداف الحقيقية؟ ويرفع عقيرته وحواجبه دهشة عندما يحاول أن يسأل إن كان المسؤولون عنا على وعي بهذا الأهداف الحقيقية أم لا؟ وهنا يردد مع الشاعر
إن كنت تدري فتلك مصيبة              وإن كنت لا  تدري فالمصيبة أعظم.
فأين نريد أن نرى هؤلاء؟  هل نصنفهم مع الذين يدرون أو لا يدرون؟؟
القضية يمكن فهمها ببساطة على طريقة حسني البورزان؛ فمن هو حسن البورزان؟ السيد حسني البورزان  رحمه الله هو فنان سوري اسمه الحقيقي نهاد قلعي ورفيق درب الفنان غوار الطوشة (دريد لحام) أطال الله عمره. السيد البورزان ظهر في المسلسل الشهير (صح النوم) كصحفي يحاول كتابة مقاله الصحفي ولكنه لم يتمكن من إكماله بسبب شغب غوار معه في منافسة على قلوب فطوم. فما علاقة حسنى ومقاله بالتحالفات والعواصف يا ترى؟
كان السيد البورزان يبدأ مقاله بكتابة " إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فعلينا إن نعرف ماذا في البرازيل؛ وإذا أردنا أن نعرف ماذا في البرازيل فعلينا أن نعرف ماذا في إيطاليا". وهكذا لم يتمكن السيد حسني البورزان من معرفة ما يجري في إيطاليا أو البرازيل.
لا يختلف حالنا كثيراً عن حالة حسني. فإذا أردنا أن نفهم أهداف التحالف فلننظر إلى النتائج؛ وإذا أردنا أن نعرف النتائج فعلينا أن نسأل عن الأهداف.  فعندما تتطابق الأهداف مع النتائج عندها فقط يمكن أن نفهم ما يجري حولنا وربما في البرازيل كذلك. ما نراه حالياً لا يدل على أن الأهداف المعلنة نزيهة.
في ضوء الحقيقة الماثلة أمامنا إذاً وكما نشاهد على التلفزيون يحق لنا أن نجزم ولا نسأل أن هناك أهدافاً سرية لا نعلم عنها.  إن النتائج تكذب كل إدعاءات أصحاب الأهداف الظاهرة.  لا يجب أن نبقى منخدعين بما يُصرح به إعلام هؤلاء ولننظر  فقط إلى نتائج ضرباتهم.
دمتم


السبت، 18 أبريل 2015

أبناء الأردنيات والتجنيس والمواطنة وللحديث شجون

أبناء الأردنيات والتجنيس والمواطنة وللحديث شجون
 يطلع عليها في الأردن بين الفينة والأخرى بعض الأصوات النسائية المنادية بحقوق الأردنيات المتزوجات من غير اﻷردنيين للمطالبة بتجنيس أزواجهن وأولادهن كذلك باعتباره حقاً دستورياً وليس مِنة من أحد (وهذه موضة جديدة هذه الأيام بخصوص قضية حقوق وليست مكارم ). وينبري المدافعون ضد هذه الفكرة بالحديث عن المخاوف الديموغرافية؛ وهم محقون من وجهة النظر الداخلية للبلد.  ومنهم من يثير قضية المواطن والمواطنة؛ و هذا مواطن أصيل وهذا غير أصيل  إلى آخره من التصنيفات مما يجعل للحديث شجوناً كثيرة. 
وبغض النظر عن مدى أحقية كل طرف بتبني الموقف الذي يريد فإنني أرى الموضوع جزءاً من حالة عربية عامة وليست تخص الأردن وحدة؛ وأقصد بها تواجد غير المواطن (وأعني العربي طبعاً) في البلدان العربية الأخرى، وأسأل عن نقطة التخوف من موضوع المواطنة لأطرح هذا التساؤل: هل يوجد بلدٌ في العالم يتخوف من موضوع المواطنة إلا الدول العربية بحجة الخوف على تغيير الخارطة الديموغرافية لبلدانهم فتراهم يتحفظون على تواجد غير المواطن ويُنظر إليه كحالة استثنائية رغم أن هذا ( غير المواطن ) ﻻ يشكل عالة أبداً على سكان البلد اﻷصليين من حيث المعيشة.  ﻻ بل أنه شكل تمازج كامل مع أبناء البلد اﻷصليين برغبة مشتركة من الجانبين في حالات كثيرة.   فلماذا الخوف منهم؟
تدخل البلد العربي اﻵخر مهاجراً لظروف قهرية لها علاقة بالوضع العربي العام أو اختيارية للعمل أو الدراسة فلا تجد القبول إلا على سبيل المجاملة، ولكن يبقى الشعور مشتركاً بأنك طير غريب واﻵخر هو البلبل صاحب الدوح مهما بلغتَ من العمر أو سنوات الخدمة في هذا البلد أو ذاك، في كل حين تسمع دائماً ( أحرام على بلابله الدوح / حلال للطير من كل جنس).  في حين أنك تذهب لبلد آخر غير عربي فتستحق فيه جنسية هذا البلد قانونياً ودستورياً وليس منحة تُمنحها بعد مضي عدد من السنين تحدده قوانين تلك البلد، وﻻ تشترط عليك أن تتخلى عن جنسيتك الأصلية، لا بل تبقى تُجلها وتحميك من جميع الجنسيات ما عدا جنسيتك الأم.  فقط في البلاد التي يقول إعلامها صباحاً و مساء أن اللغة والدين والعادات والتقاليد تربطها و تنادي ببلاد العرب أوطاني ﻻ تجد هذه الميزة؛ تدخلها مغترب وتخرج منها كما دخلت إلا من بعض الذكريات الجميلة أو المرة.
نعود للسؤال اﻷول لماذا الخوف من غير المواطنين في الأردن إذا افترضنا أن هناك أصلي وآخر تايواني؟  أهو الخوف على مستقبل البلد سياسياً مثلا؟  أم اقتصادياً أم ماذا؟ ألا يجب علينا أن ننظر إلى من يتحكم في اقتصاد البلد مثلا فنكسب ودهم لأننا يجب أن نعترف بأن من يَملك الاقتصاد مَلك السياسة أيضا شئنا أم أبينا. لماذا إذاً ﻻ نعطي بين قوسين (غير المواطن) الشعور بالأمان حتى ﻻ يبقى يشعر أنه طارئ على هذا البلد وينتظر قرار ترحيله بأي لحظة مثلاً. 
وبالعودة لموضوع أبناء اﻷردنيات فإنني أدرك أبعاد السياسية التي تسوقها الحكومة دائماً وربما أزيد عليها؛ لكني أرى أيضا أن اﻷردن هو جزء من هذه المنظومة العربية التي تنادي بكل مبررات الوحدة  بالعلن إلا أنها تسير كباقي الدول العربية في هذا المجال ففيها من يتحدث عن أصلي وتقليد؛ ومع كل هذا ستنتصر الحركات النسائية وستحصل الأردنيات صاحبات القضية على ما يتمنين لأن هناك من الجمعيات متعددة الأغراض تدعمهن داخلياً وخارجياً. 
هنا أرى من المناسب الإشارة لمقولة " يا ضيف ما كنت معزب!". فالمواطن الأردني (الأصلي) شأنه شأن العربي هو مواطن أصلي في بلده وضيف في مكان آخر.  وﻻ يبدو أن بارقة ﻹمل قريب بأن يركب العربي سيارته من المشرق إلى المغرب أو العكس ﻻ يخشى على غنمه إلا الذئب تلوح بالأفق.  فالمواطن العربي مواطن في بلده وغير المواطن غريب على اختلاف مسمياته  في البلدان.  لكن أشد أنواع الغُربة هو ذلك الشعور الذي تشعر فيه بوطنك وبعد عودتك إليه بعد اغتراب طويل؛ ففي بلاد الضيافة كنت غريباً وفي بلدك تمارس الغربة إحساساً وربما أكثر من ذلك ممن حولك.  فيصلح أن تحمل لقب صاحب الغربتين.  لهذا يفترض فينا أن نضع أنفسنا في الجهة المقابلة دائماً لنحكم على الأشياء بشكل دقيق. 
فالأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين لهن كل الاحترام والتقدير و لأولادهن صدر البيت؛ فأبناء النشميات نشامى أيضاً. ومن المناسب أن أشارككم معلومة عندي عن المملكة المغربية وهي أن المرأة المغربية واحتراماً لها لأنها مغربية فإنها تُعطِي الجنسية لأبنائها إكراماً لها. وإذا كان قدرنا الذي اخترناه بإرادتنا أن يكون في بلدنا هذا التنوع السكاني فمرحباً به؛ لأننا إذا أردنا الانتظار ليكون هناك سياسة عربية عامة بخصوص العرب المتواجدين على أراضي عربية أخرى فإن انتظارنا سيطول؛ وسنبقى نحلم؛ أما في الحقيقة فهي كما قالها الأخ السوداني في النكتة التي تحضرني عن السوداني الذي شارك في مظاهرةٍ في مصر على أيام عبد الناصر إيماناً منه بالوحدة؛ فكان هذا السوداني الحالم يهتف ويقول مصر والسودان حتة وحدة؛ مصر والسودان حتة وحدة.  وأثناء المظاهرة تم نشل محفظته فحاول النزول عن أكتاف المتظاهرين للحاق بالنشال فلم يستطع فصار يهتف "مصر والسودان ستوميت حِتة".
لا بد من الحديث وبصراحة كبيرة بين السادة وزراء الداخلية العرب وهم الجهة الوحيدة في الدول العربية التي لم تختلف يوما كما نسمع عن موضوع ازدواجية الجنسية العربية، فالقضية أشمل وأعم من موضوع اللاجئين العرب في الأردن أو أبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين.
بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان

.