الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

العشائرية والعشائر

أعتقد والعلم عند الله أن هناك فرق كبير بين العشائر والعشائرية. فالعشائر مكون اجتماعي لا يخلو منه أي تجمع سكاني. كل خلق الله عشائر
العشائرية كما أفهمها هي التمترس حول أحقية ابن العشيرة لكل مناصب الدولة ان قدر لأحد أبنائها ان يتبوأ منصبا معينا في جهاز الدولة سواء استحقوا ذلك او ركبوه في لحظة استقواء على الدولة
ومن العشائرية ايضا هي الفزعة لابن العشيرة على مبدأ وهل انا الا من غزية
هذه الأنماط العشائرية هي من تقف في وجه اي جهد إصلاحي الا اذا مر من بوتقتها هي فقط أو تمثل في نسبة معينة من أبنائها في جهاز الدولة. و يا ما قرأنا عن تساؤلات حول نسبة العشيرة الفلانية في التشكيل الحكومي الجديد ونسمع عن زعل العشيرة الفلانية نتيجة التهميش او لان نسبة العشيرة الفلانية اكثر منها
قرأت ما نسب لدولة الفايز في مؤتمر الشفافية فوجدتني التقي معه بموضوع العشائرية ان كنا حقا نريد الإصلاح الفعلي . ولم أقرأ انه تطرق للعشائر كمكونات ابدا فهو ابن عشيرة وشيخ مشايخ. وقرأت قبل قليل على شريط الأخبار تأكيد دولته على اعتزازه بالعشائر
السؤال لماذا هذه الحساسية من اي اقتراب للعشائر ولو بعيد؟ هل أصبحت منطقة ممنوع الاقتراب او التصوير حولها؟ هل أصبحت مثلها مثل باقي الممنوعات اردنيا وهي كثيرة ؟ 

الاثنين، 31 يوليو 2017

البُقجِة


البُقجِة كلمة ظهرت مع فترة اللاجئين وهي صرة ممن القماش فيها ما هب ودب من الألبسة المستعملة وكذلك الأحذية وطبعا كله مستعمل. لكن الملفت للنظر هي أن هذه الألبسة بقياسات مختلفة وقد لا تستفيد منها الأسرة فيتم مبادلتها مع عائلات أخرى,
هذه الأيام دخلت البقجة على التجارة ولكن على شكل حاويات.
عندما تشتري قطعة المفروض أنها شاحن تلفون ب 5 ليرات ولما توصل البيت تجدها لا تعمل توقن بأن هذا الشاحن إنما جاء بحاوية من الصين بثمن أقل من البخس. وكنت دائما أسأل نفسي عن ثمن هذه القطعة من الصين لتباع ببيادر وادي السير ب 5 ليرات ولو فاصلته بوخذها ب 3 ليرات؟ مثل هذه القطع إنما تكون بوكالة كوكالة عبد الغفور البرعي بالمسلسل.

حتى تكون ال 5 دنانير ثمنا مربحا فيجب أن يكون ثمنها بلاش الا ربع.

الأحد، 18 يونيو 2017

ابن معاليه


دروس من قصة ابن معاليه المظلوم
لم تكن قصة ابن معاليه الأخيرة أول القصص ولن تكون الأخيرة؛ فمنذ أن وعيينا على هذه الدنيا ونحن نعرف أن دولة /معالي/ سعادة فلان هو ابن دولة/ معالي/ سعادة فلان رحمه الله أو أطال عمره. ربما كان في الأحداث الأخيرة وبعد الانفجار الالكتروني فرصة أكبر للتعرف على أبعاد أخرى للقضية غير التعيين الوراثي.  
أول هذه الأبعاد هو على ما يبدو أن لهذه الطبقة فَهمٌ آخر للآية الكريمة "وأمرهم شورى بينهم" فتم التركيز على (بينهم) لتنحصر البينية بينهم هم فقط، فتجدهم يبدون استغراباً واستهجاناً كبيرين عندما تتناول العامة قضية تخصهم هم، أي خارج بينهم. ولأن الأمر بينهم فإنه يتم حل هذه المسألة بينهم أيضاً وينتهي الأمر بينهم بأن يتم أثناء تبادل بوسات اللحى عبارات مثل أن الأمر ليس كما ظهر وكما قيل أو كما فهمه العامة  من الناس؛ والله يلعن الشيطان وساعته.
ثاني هذه الأبعاد هو أنه وبعد قبول  العامة بتبرير جماعة بينهم بأنه ليس من الإنصاف أن يتم تجاهل ابناءهم بالوظائف بسبب آبائهم فابن السياسي  سياسي؛ إلا أن الجديد بالأمر على ما يبدو هو عدم اشتراط الدوام لابن معاليه ولأول مرة نسمع بمنصب لا يشترط فيه الدوام إلا آخر الشهر؛ فغبطناهم، فهم لهم نظام خدمة مختلف عن باقي شرائح الموظفين. لقد كان لقب مستشار يعطى لموظف قديم سنة أو سنتين قبل أن يحال للتقاعد ؛ ولهذا كان يحرص على الدوام قبل كل الموظفين حتى يثبت أنه حي يرزق؛ أما الدوام عن بعد فهذه بدعة جديدة.
ويأتي تسريب مثل هذه الأخبار  ليؤشر إلى قضيتين أراهما مهمتين الأولى أن هذه الطبقة (جماعة بينهم) لم تعد تتمتع بخصوصية ممنوع الاقتراب أوالتصوير فأخبارهم أصبحت تُسرب للصحافة ويجب عليهم الانتباه لهذا. والأمر الثاني يطرح تساؤلاً عن الهدف من تسريب مثل هذه الأخبار القديمة في وقت معين؟ فهل من سرب أو أغمض عينيه عن هذا الأمر واحد منهم لم ينله نصيب من الكعكة فأراد أن يقول أنا هنا أيضا؟ وهذا يدل على أنه ليس أفضل ممن سبقه؛ هو فقد يريد نصيبه.
ومهما يكن من أمر إلا أن هذا يدل على أن جماعة (بينهم) أصبحت تكبر بحيث أن من المستحيل إرضاءهم في نفس الوقت ويجب تدوير أو تقصير عقد الاستشارية أو استحداث منصب مستشار مستشار عندها يمكن حل مشكلة الكثيرين من هذه الطبقة.
بعد هذا التناول ازددت قناعة بأن الأمر بينهم هم فقط ونحن (كثار غلبة).  أي إحنا شو دخلنا.


الخميس، 1 يونيو 2017

الرئيس بوتين في العراضة السورية

الرئيس بوتين في العراضة السورية
إن من أهم النتائج غير المباشرة التي نتجت عن مؤتمر القمة ثلاثي الأطراف مع الرئيس الأمريكي هي أنها فتحت الباب على مصراعيه لتحالف جديد مشروع (ربما) وهو بين الشيعة وروسيا ومن ترغب من الدول الأخرى الراغبة ذات المصالح المشتركة.  لهذا ستكون منطقتنا وقود الصراعات القادمة بين الأقطاب والتي بدأ التخطيط لها منذ زمن.  فالأقطاب لها أجنداتها طبعاً وباقي الأطراف ستنال الفتات. وبما أن اللعب أصبح عالمكشوف وأصبحت الدولارات هي الهدف فليس مستغرباً أن ترى الرئيس بوتين يرقص العراضة السورية وهي لا تختلف كثيراً عن العرضة السعودية؛ وليس مستغرباً أن نرى الرئيس الروسي بوتين يلبس شروالاً سورياً ويحمل بيده سيفاً ويهتف بعلو صوته : صلوا على محمد ؛ مكحول العين وعاليااااااااااا ؛ عريس الزين يتهنى.  ليس المهم الاتقان ولكن الدولارات تبيح المحظورات على رأي سيدنا الشيخ محمود غريب رحمه الله.
المهم خاض الكثيرون بأمر المؤتمر الأمريكي السعودي الخليجي الإسلامي ونتائجه وما هو قادم من أمور، لكني بصراحة لا أرى ما يجري يختلف عن ما جاء بقصيدة الجزية (Dane-Geld)  للشاعر (Rudyard Kipling) فهي تلخص العلاقة بين الدول القوية المتغطرسة من جهة والدول الضعيفة الغنية مالياً من جهة أخرى فهو يراها  ابتزازاً مالياً فقط.  وحتى يتحقق مراد الطرفين يبرر هذا الطرف ابتزازه والآخر يبرر خضوعه ويسوقون المسوغات لكلا الموقفين. يمكن البحث عن القصيدة وقراءتها بالانجليزية لمن يرغب.
تقول القصيدة في المقطوعة الأول بلسان حال الأمة القوية المبتزة المغرورة بقوتها "لقد غزوناكم من قبل ونحن مستعدون لهذا ثانية  إلا إذا دفعتم لنا الجزية لنذهب" والتبرير بالمقطوعة الثانية؛ فتقول الأمة المغرورة بقوتها " كل ما عليكم هو دفع المال وبالتالي تجنبوا نفسكم عناء الحرب".
أما الأمة الضعيفة الخاملة فيأخذها الغرور بثرائها فتقول في المقطوعة الثالثة " نعلم أن علينا أن نحاربكم ونهزمكم ولكننا حقيقة مشغولون بما لدينا من أمور؛ لهذا - تقولها بعنجهية- سندفع لكم الجزية لتذهبوا" ويقول الشاعر بالمقطوعة الرابعة " وهذا ما يسمى دفع الجزية؛ ولقد اثبتناها مرة بعد مرة أنه إن دفعت الجزية مرة واحدة فلن ينتهي هذا الابتزاز."
ويمهد الشاعر لنصيحته الأخيرة بالمقطوعة الخامسة بأن من الخطأ لكل الأمم وخاصة الدول الضعيفة الثرية أن يأخذها الغرور الزائف وتخضع للابتزاز والتحرش من الغير، ويجب أن يكون ردها  وهنا ينتقل للمقطوعة السادسة "  لن ندفع لكم أي مبلغ مهما كان تافها بالنسبة لنا لأن الأمم التي تدفع الجزية هي أمة منتهية وستزول."
لا أدري لماذا لم يقدم الشاعر النصيحة أيضا للدول القوية المحتلة بأن تتوقف عن الابتزاز؛ ربما لأن النصيحة ستذهب أدراج الرياح؛ فللقوة غرورها القوي. لكن ما أعرفه أن نصيحته للدول الغنية الضعيفة لم تُستجب أيضاً، وذهبت دعوته مع الريح.
وبالعودة إلى مؤتمر القمة الأخير كان تخوفنا ليس على المليارات التي تم ضخها في ميزانية الولايات المتحدة تلقاء بزنس الحماية؛ فهم أصحاب المال ولا نملك الاعتراض على قراراتهم. لكن الخوف هو من الهدف الريس منه.  فعندما وضح أن الهدف ليس حماية السعودية أو الخليج فقط ولكنه حلف لما يسمى بمحاربة الإرهاب وتحت هذا المسمى يتم قوننة التدخل في شؤون الدول الأخرى كما يتم حالياً؛  رغم ورود ببند في البيان الختامي ضد التدخل في شؤون الغير؛ فهذه الصراعات في دول ما يسمى بالربيع ما كان لها أن تكون دون تدخلات من الخارج. من السهل جداً إشعال فتيل الفتنة في أي بلد عربي ويُسمى لاحقا إرهاباً ويبدأ مسلسل تدمير هذا البلد أو ذاك.
أما الخوف الثاني كما أشرت بالبداية فهو فتح الطريق لحلف جديد أو ربما أحلاف أخرى تجد نفسها مقصودة مباشرة بهذا التحالف؛ فلماذا لا تتحالف هي أيضا تحت أي مسمى فالاسم لا يهم هنا. ويجب القبول بهذه الفرضية وإن لم تعجب  الحلف المقابل. ولا نستغرب عندها أن نرى أن بعض الدول التي انضوت تحت الحلف الاسلامي الأمريكي تقفز الى الحلف الآخر إذا كانت المكافأة أكبر هناك.  لقد حيرت تركيا مثلاً عقول العلماء منذ بداية الأزمة السورية وهي تارة مع هذا وتارة مع ذاك.

الله وحده أعلم كيف سيكون سيناريو الأحداث القادمة، والخشية أن نكون نغوص بالفوضى ونحن نظن أنفسنا على طريق النجاة.

الأربعاء، 17 مايو 2017

الباشا يريد أن يبقى باشا

الباشا يريد أن يبقى باشا
بداية يجب التأكيد على أن لفظة باشا وإن كانت تركية لغوياً إنما جاءت وبعد البحث والرجوع للويكبيديا من الكلمة الفارسية (شاه) وأعتقد أن التركية أضافت لها باش  فجاءت باشا؛ ولا أعتقد أنه لها علاقة بالأحذية أو ما شابهها فلا يُعقل أن تقبل جنرالات الجيوش التركية وغيرها من كبار البلد وكراسيها لاحقاً بهذا اللقب لو كان كما يشاع عنه من معنى.
بالتراث الأردني نعيد القارئ للمثل المعروف الذي نتداوله بيننا " فكرنا الباشا باشا: اثاري الباشا زلمة". ويبدو ونتيجة تسارع الأحداث وتغير الظروف قد طال هذا المثل أيضاً بعض التغيير بالمفهوم؛  فهناك رفض كبير من قبل الباشوات له وأدخلوا عليه بعض التعديل بحيث يبقى باشا على طول وليس فقط زلمة حاف : يعني زلمة باشا. وكذلك فقد توسعت مداركنا بأن ضممنا إليه المسؤولين الكبار كلهم وليس فقط من مُنح اللقب وظيفياً وهنا يمكن ضم أصحاب المعالي  والعطوفة والسعادة ضمن هذا التصنيف.
لا نمانع في اللقب فنحن في بلد يعشق الألقاب جداً ونحن نخلعها على من يقابلنا ربما ليس حباً فيه ولكن حتى نشعر مَن حولنا بأننا نعرف فلان باشا أو فلان بيك (أفندي  ما حدا جاب سيرتها) وهذا يعيدنا للتراث أيضاً حول الرجل الذي أراد أن يوهم الآخرين بأنه يعرف الباشا فخسر ما خسر نتيجة لذلك. وثاني الأسباب لخلعنا الألقاب على من يقابلنا هو أننا نريده أن يخلع علينا نفس اللقب  فنصبح بيك مقابل بيك أو باشا مقابل باشا.  شخصياً أخلع على معظم من يقابلني لقب باشا فأنا من هذا المجتمع وينطبق علي بيت الشعر التالي:
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت//   غويت، وإن ترشد غُزية أرشد
وتتحمل الدولة أيضاً جزءاً من المسؤولية تجاه هذه القضية لأنها تضفي عليهم هالة كبيرة أثناء الوظيفة  وتحمل همهم حتى بعد ترك الوظيفة ؛ فبالإضافة  لكل الامتيازات التي يحصلون عليها أثناء الوظيفة تراها ( أي الدولة) تسعى  كما قال الفنان موسى حجازين لتوظيفهم بالقطاعات الأخرى بعد التقاعد  فيبقون على نفس الامتيازات الاجتماعية وهي الهم الأكبر طبعاً وتتقدم حتى على الجانب المادي.  لهذا يبقى المسؤول السابق بنفس البرج العاجي الاجتماعي.
وبالمناسبة ليس حسداً بما هم فيه حتى لو حاولنا ذلك، فالحسد كما أفهمه يكون بين أفراد الطبقة الواحدة بمعني أن يمكن لباشا أن يحسد باشا آخر أو صاحب معالي يحسد صاحب معالي أما ما نكتبه نحن فلا يقع بباب الحسد، إنما مناقشة لظاهرة منذ القدم ولا أظنها زائلة قريباً لأننا نحن عامة الشعب من نقدمهم لا بل نسعى إليهم ليتقدموا جاهاتنا ويتحدثوا باسمنا بكل مناسبة حتى لو كانت زيارة لمسؤول كبير.
أنا أعتقد وأجري على الله أن كل امتياز (بما فيه اللقب) يحصل عليه أي مسؤول أثناء الوظيفة يجب أن يكون لوظيفته وليس لشخصه الكريم (مع وافر الاحترام) بمعنى أن يكون امتيازاً وظيفياً يتركه بعد مغادرة هذا المنصب حتى لو ذهب لوظيفة أخرى ولا يجوز أبداً أن تنتقل ملكية هذه الامتيازات له وتسجل باسمه شخصياً فهي ملك للمنصب ولمن جاء بعده. وربنا يفتح عليه بمؤسسة أخرى بعد ترك المنصب يرأس مجلس إدارتها ويبدأ عهده بسيارة كأول الغيث طبعاً.
 وبمناسبة الامتيازات أستغرب مثلاً عندما أسمع بمسؤول بدأ عهده بسيارة جديدة ؛ هل جاء للمؤسسة سيراً على الأقدام أو بباص مؤسسة النقل العام بحيث يحتاج لسيارة بمجرد جلوسه على كرسي المؤسسة ؟ أو أن المؤسسة فقيرة ولا يوجد بها سيارة لتقل سيادته أو عطوفته أو معاليه لبيته؟
وأستغرب أيضاً مسألة تحسين الوضع التي أسمع بها (غير موثقة بصراحة) ولا أدري مدى صحتها؛ لكن هذا الأمر إن صح يطرح التساؤل التالي: ألا يجوز أن يصبح المرء وزيراً أو عيناً أو نائباً ويسكن بيتاً متواضعاً مثلاً أو بقرية نائية؟ لماذا يجب أن ينتقل فوراً للعاصمة !! ولماذا يتوجب على الدولة نقله لفئة أو مجتمع الباشوات بيوم وليلة؟
ربما نكون قد اعتدنا على كبار القوم ولكن مشكلتنا هذه الأيام هي بتدوير أبنائهم. وبالعودة لأصل المثل التراثي حول الباشا أسأل معالي / سعادة / عطوفة  الباشا إن كان يفضل أن يبقى باشا أو زلمة حاف  مثلنا أقصد بعد ترك المنصب.
ولأن الأمور غير خاضعة للتعميم فإنني أتقدم من كل باشا خدم بلده بصدق وهو في موقع المسؤولية وعاد بعد التقاعد إلى صفوف أهله مواطناً صالحاً كما كان وعاش معهم بدون ألقاب؛ فالألقاب بعد التقاعد يمنحها الشعب وليست الدولة.   



السبت، 13 مايو 2017

معضلة الإعلام الديني الأردني (1)

معضلة الإعلام الديني الأردني (1)
قادني نقاشٌ عابر مع أحد الأصدقاء ذات لقاء عن داعش ومن لف لفهم إلى التساؤل عن مدى نجاح الجهود الدعوية الإعلامية الأردنية لتوعية الأجيال دينياً؛ وتفرع منه أيضاً الحديث عن كثرة حوادث القتل والانتحار التي نسمع عنها في مجتمعنا. والمتابع للإذاعة يسمع البرامج الدينية يومياً.  وكان السؤال لماذا كل هذا ونحن لا يكاد يمر يوم بدون برنامج ديني؛ ومن الغريب أننا نسأل في  هذه البرامج عن كل شيء متحريين الحلال والحرام بخصوص العبادات ونغفل عن المعاملات اليومية باستثناء ما يتعلق (بالقروض) التي تشغل  بال الكثيرين.  تزدحم شوارعنا الأردنية باللافتات الروحانية التي تدعونا للاستغفار والتسبيح ومراجعة أسماء الله الحسنى بالشوارع الطويلة بالمدن ولا نرى لافتة تشير  للجانب السلوكي؛ فما الذي يجري بمجتمع لا تسمع ولا ترى فيه إلا مظاهر التدين ؟ ولماذا لا تترجم هذه المظاهر سلوكياً؟
باعتقادي وكمدخل للحديث حول هذه الظاهرة أن المجتمع و الإعلام الرسمي الأردني متأرجحان بين مصطلح الدولة المدنية والدولة الدينية؛ ورغم كل مظاهر التأكيد أن الدولة المدنية لا تمس المعتقد الديني للشخص إلا أن هناك خوفاً كبيراً من أن لا يكون هذا هو الصحيح؛  ولهذا تحرص الناس أشد الحرص على الظهور بكل مناسبة على أنها مجتمع ديني كتلك الحملة الشعواء التي قادها البعض عندما اختفت كلمة الديانة من البطاقة الذكية واعتبرت طمساً للهوية الدينية رغم توضيح الدائرة بأن الديانة موجودة بالملف وستظهر عند طلب الهوية؛ وكنتُ أتساءل دائماً هل سيكون دخول الجنة والنار (عالهوية) مثلاً!!  ناهيك عن رفض كل ما أشيع عن النية بتنظيم مهرجانات كمهرجان الألوان والبيجامات رفضاً دينياً باعتبارها أعياد الكفار وليس لسبب اجتماعي أردني صرف.  لهذا يحار المواطن أحياناً كثيرة بأمره هل هو بدولة مدينة أو دينية.
وتشكل الموسمية في الطروحات سبباً آخر لعدم نجاح الإعلام الديني بشكل كامل. لا يوجد برنامج طويل الأمد لهذا الإعلام باستثناء محاولة وزارة الأوقاف الأخيرة لتوحيد خطبة الجمعة حتى توحد الخطاب الديني؛ وهذه أيضاً تجد أحياناً معارضة حتى من الخطباء أنفسهم. وأقصد بالموسمية هو أننا إن سمعنا بحالات انتحار مثلاً نجد كل البرامج تتحدث عن الانتحار على أنه حرام شرعاً؛ وتكثر حالات القتل فنسمع البرامج تتحدث عن حرمة قتل النفس إلا بالحق. وتأتي التعليمات بمحاربة الفكر الداعشي فيصبح الحديث كله عن الوسطية. والملاحظ بالأمر أن الحديث كله شرعي وليس اجتماعياً أو نفسياً، فلا نسمع رأياً لعالم اجتماع أو عالم نفس يتحدث حول هذه القضايا باستثناء محاولة البعض لتسييس هذه القضية والقول بأن الجوع سبب رئيس في الانتحار أو حتى الالتحاق بداعش. نسأل عن رأي دائرة الإفتاء بكل صغيرة وكبيرة ولا يهم بعدها أن نعمل بالفتوى أو لا. وهذه النقطة تقود لما بعدها وهو غياب الرأي الآخر.
وفي خارج الإطار السابق يسرح الإعلام المضاد ويمرح الرأي الأخر. نعم، هناك بعض الفئات من لا يقبل بفتوى دائرة الإفتاء ولهم فتواهم الخاصة في كل الأمور وهذا ليس بخاف على أحد فلماذا لا نصل إليهم ونحاورهم أو نبين بطلان حججهم أمام جماعاتهم وليس على منابرنا نحن. لماذا تبقى بعض المساجد حكراً على خطباء معينين ولا يقربها غيرهم. لقد شكى الكثير من المصلين على البرامج الدينية من أن الشيخ فلان قال كذا أو فعل كذا بالمسجد أو امتنع عن كذا مدعياً أنه ليس من الدين. فلماذا يترك لهم الحبل على الغارب؟  وأذكر أن أحد الخطاء المشهورين نبه إلى مثل هذا ذات مرة بأن هذه الفئة لا تسمعنا ولا تصلي معنا فكيف سنحاورهم؟ والسؤال هنا هل يعمل هؤلاء بمساجد وزارة الأوقاف أم بزوايا خاصة لا تصل إليها يد الوزارة؟  أين سياستنا الوقائية من كل ما يجري.  لا يجب الاكتفاء بالدعاء بأن ينير الله قلوبهم فقط.
نقول ما قلنا ونحن نعرف صعوبة الانتقال إلى الدولة المدنية وربما سيأخذ الأمر وقتاً طويلاً ما دام يوجد بين صفوفنا من يشكك بكل ما تقوم به الدولة تجاه هذه الخطوة. ولهذا سيبقى الإعلام الديني يلهث ولا يحقق الكثير حتى إن قال منظموه أو منظروه بأنهم نجحوا بذلك.
___
(1)  لقد تحدثت عن النموذج الأردني حتى لا أتهم بالتدخل بشؤون الآخرين مع يقيني أن الحال لا يختلف كثيراً بباقي الدول العربية.




السبت، 18 مارس 2017

الراعي الرسمي للمسجد

الراعي الرسمي للمسجد
من الذكريات المفيدة بأيام الجامعة الأردنية أتذكر ما قاله معالي الدكتور عبد السلام العبادي أطال الله في عمره بإحدى محاضرات مادة نظام الإسلام عام 1975 عن موضوع خُطب الجمعة للمشايخ زمان (زمان كانت تعني بالخمسينات من القرن الماضي) أنه لم تكن للكثير من الأئمة رواتب من وزارة الأوقاف، وخاصة المعينين بالمناطق البعيدة؛ لكن قيل لهم أن الناس طيبون وما راح (يقصروا معهم)؛ لهذا  كانت معظم الخُطب تنصب بتلك المناطق على الصدقات والدعوات للولائم وخصوصاً تلك التي يُخص بها الأئمة وأهميتها للدخول للجنة من أوسع الأبواب. وقد سمعنا الكثير من القصص والنوادر حول هذه المسألة؛ وأذكر أن أحدهم قال قبل أن يتوجه لآخر المسجد لجمع ما تجود به النفس أن على الأمة أن تدفع للإمام ما يكفيه ستين عاماً؛ وكانت الأمة بالنسبة له من حضر بالمسجد بتلك اللحظة.
ما دفعني للحديث حول هذه الظاهرة أنها لم تختفي أبداً ولكنها أخذت شكلاً جديداً بعد تنظيم عمل الأئمة ودفع الرواتب لهم من قبل الدولة كموظفين. والشكل الجديد هو أن هذا التسول أو التبرع الذي يؤخذ بسيف الحياء إنما أصبح ظاهرة واضحة في العديد من المسجد باستثناء المساجد الرئيسة بالمدن الرئيسة أيضاً.  إذ لا تكاد خطبة جمعة تخلو من العبارة المشهورة (لا تنسوا هذا المسجد من فضل خيركم) ويعرض الخطيب مشاريع اللجنة المسئولة عنه بأنها ستدفع فاتورة الكهرباء أو تركب المكيفات للمسجد أو إنشاء مئذنة للمسجد وأخرها الدعوة للتبرع من أجل انظمة الطاقة البديلة (الخلايا الشمسية) لتخفيض فاتورة الكهرباء. ولا يتردد الخطيب أن يعلن مراراً عن عدم رضاه عن المبالغ المجموعة ويحث على المزيد لأن المبلغ المطلوب هو كبير جداً.
سؤالي ماذا تفعل وزارة الأوقاف حيال هذه الظاهرة التي تعم المساجد؟ هل تسير  على نفس النهج الذي أشار له معالي الدكتور عبد السلام العبادي (الذي شغل منصب وزير الأوقاف في حقبة معينة) وهو أن الناس لن تقصر بالتبرع لبناء المساجد وصيانتها للدخول إلى الجنة؟ إن كان الجواب بنعم سأقول  لها بأن هذه قسمة ضيزى!!  يدفعون رواتب الأئمة ويتركون صيانة المسجد علينا نحن المصلين! فلنتبادل الأدوار: نريد أن ندفع رواتب أسيادنا الأئمة ولتقم الوزارة بالصيانة فهي الأقدر على ذلك؛ ونسال الله العون بدفع راتب الإمام فهو أسهل وأخف كثيراً ويمكن أن يتدبر أمره المصلون.
سمعتُ قبل سنة أو سنتين على الإذاعة الأردنية بأن هناك ستة ألاف مسجداً منتشرة في الأردن وأتساءل هنا أي شعب يستطيع الإنفاق على هذا العدد الكبير منها؛ و لا نريد أن نناقش جدوى هذا العدد من المساجد إذا عرفنا بأنه وفي بعض المناطق يوجد أكثر من مسجد  لا يبعد إحداها عن الآخر إلا بعض المئات من الأمتار.
هنا أريد أن أرجع إلى فكرة الراعي الرسمي للمسجد والتي كان طرحها معالي الدكتور محمد نوح القضاة على التلفزيون ولا أدري أين ذهبت. وكانت تتلخص فكرة معاليه كما فهمتها هو أن يفتح باب الرعاية للمسجد من قِبل رجال الأعمال في المنطقة وأصحاب الشركات؛ فيؤجرون دينياً ويستفيدون دنيوياُ بتخفيض الضرائب عنهم؛ ولا بأس (وهذه من عندي أنا) بأن يكون هناك لافتة  مكتوب عليها بأن هذا المسجد تحت رعاية المحسن فلان أو الشركة الفلانية. إن هذا أفضل مرة من هذه الصناديق التي توضع قرب الباب لتجمع التبرعات.
لقد عملتُ في سلطنة عُمان وفي محافظة ظفار تحديداً محاضراً في الكلية التقنية بصلالة ربع قرن من الزمن ولم أشهد هذا المنظر الذي يحث فيه الإمام على التبرع لدفع فاتورة الكهرباء بنهاية خطبة الجمعة. وأرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أن سبب هذا هو أن السلطنة بلد نفطي وتغطي الحكومة كافة نفقات المساجد. بالعكس، فإن المساجد التي تقع تحت إشراف وزارة الأوقاف  العُمانية في صلالة هي ثلاثة مساجد فقط لغاية 2015 فقد غادرت صلالة بعد ذلك ولا أدري إن زاد العدد عن هذا؛ وأتحدث هنا عن الإشراف المالي فقط؛ أما خُطَب الجمعة والتعليمات فهي من وزارة الأوقاف طبعاً.
تنتشر المساجد حديثة البناء والمصليات بطول صلالة وعرضها ويشرف عليها مالياً أصحابها الذين بنوها لوجه الله من مخصصات شركاتهم الكبرى ولهذا فهي  تحمل أسماء هذه الشركات أو أصحابها ولا يتهم أصحابها بالرياء؛ ويشمل الإشراف تعيين الإمام وخادم المسجد وكل ما يتعلق بالمسجد من خدمات ولا تنتهي خطب الجمعة بالعبارة المشهورة بأن لا تنسوا هذا المسجد من فضل خيركم؛ لكنها طبعا تحمل الدعاء للمحسن صاحب الشركة التي تتكفل بالمسجد فيكون الدعاء لمن أجرى الخير على هذا المسجد ويخلف عليه بالحلال ....الخ. 
لتعلم الوزارة والحكومة أن ظاهرة جمع التبرعات للمسجد أصبحت مقلقة و لا تليق بالوزارة والمساجد فما لهذا الأمر وجدت المساجد.  وإذا لم يكن بالإمكان العناية بالمساجد فلتتوقف الوزارة عن  إعطاء المزيد من الموافقات لبناء مساجد جديدة؛ فكاهل المواطن لم يعد يحتمل المزيد من النفقات المالية نتيجة الضرائب المتلاحقة. فالتبرع لم يعد لدفع فاتورة فقط لكنه يتجاوزه لمشاريع جديدة والحديث عن الخلايا الشمسية أولها ولن يكون أخرها  فالمشاريع والأفكار كثيرة بما أن المتبرع هو المواطن.   
لم أتحدث عن الصناديق المنتشرة أيضا بالمساجد للتبرعات للأسر المحتاجة أو الجمعيات التي يصرح لها بالإنشاء لمجرد حصولها على العدد المطلوب من الأعضاء المؤسسين ليطلق لها المجال لتجمع التبرعات أيضا.