الأحد، 27 أكتوبر 2013

http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=171067

سعادة رئيسة مجلس النواب
حلمٌ يراودني منذ بداية الإدراك السياسي و هو أن أرى في الحكومة سيدة أردنية نشمية بوزارة سيادية من الوزارات إياها؛ فإذا استثنينا معالي سهير العلي كوزيرة للتخطيط فإن كل الوزارات التي أعطيت للسيدات يغلب عليها النعومة و طابع الرقة الأنثوي كالشؤون الاجتماعية أو التنمية أو شؤون المرأة أو السياحة و الأثار و وزراة الثقافة. لا أقلل من قيمة هذه الوزارات، و لكني لا أقتنع بمقولة "هذه تناسب المرأة أكثر".  أحلم بأن أرى المرأة وزيرة للخارجية مثلاً أو الداخلية أو الإقتصاد، و لا أريد أن أرفع من سقف أحلامي لأحلم بأن أراها تحمل لقب دولة رئيسة الوزراء. و لا أدري إن كان يوجد بدستور المملكة الأردنية الهاشمية ما يجعل هذه المناصب حصرياً ذكورية.
و بما أن موضوع المرأة قد أخذ جانباً كبيراً من بيانات السادة النواب أثناء حملاتهم  الإنتخابية، فقد آن الأوان ليترجموا ذلك للحقيقة بإيصال إحدى الفاضلات لرئاسة مجلس النواب ليكونوا بذلك قدوة للسلطة التنفيذية.  فالمتابع لنشاطات العضوات الفاضلات يجد أن لهن من المواقف التي تقدمت على مواقف الرجال من أعضاء المجلس لدرجة نالت إعجاب المجتمع بما فيهم أصحاب الحراكات الكثير الكثير، و أقصد موقفهن من حكومة دولة السيد سمير الرفاعي.  و يتمتع الكثيرُ منهن بفكر ثاقب تلمسه من مداخلاتهن بالمجلس.
كذلك لا يوجد بينهن متهمة بمال سياسي أو أي تهمة أخرى تمس شخص النائب و ذمته فيتمترس وراء الحصانة ليماطل بالمثول أمام القضاء، و لم نسمع بحادثة عنف لفظي قامت بها أي عضوة من أعضاء المجلس الكريم تجاه زميل أو تجاه الحكومة رغم حدة طروحاتهن في بعض الحالات. 
لا أرتاح إلى هذا الوضع الذي ما زالت فيه المرأة تمارس دور المقترع فقط أو المنتظر لبعض المعادلات لتكون رئيسة للجنة برلمانية أو مقررة لها، أو ربما بمجلس الرئاسة في المجلس الكريم. و لا أرتاح أبداً للمقياس السائد بأن هذا يناسب طبيعة المرأة أكثر كما اسلفت، فلا يأخذ رأيها  أحد لتكون مرشحة للرئاسة. و هنا أنتظر منهن أن لا يتوقعن كوتا لتحمل إحداهن للرئاسة، فعليهن واجب المبادرة حتى لو لم تنجح المحاولة. 
أستعرض أسماء السيدات عضوات المجلس، و هنّ جميعاً أهل للمنصب و لهن كل التقدير و الاحترام،  و لكني أتوقف مثلاً عند سعادة النائب وفاء بني مصطفى، فاسأل نفسي ماذا ينقصها لتكون رئيسة للمجلس، فقد شهدناها على القنوات الفضائية حكيمة عالمة ببواطن أمور المجلس و صاحبة حجة قوية.  
ستبقى كل الشعارات حبراً على ورق و يبقى المقياس ذكوري صرف إذا لم نجد أخواتنا بمناصب سيادية قوية سواء كان ذلك بالسلطة التشريعية أو التنفيذية.  فهل سنسمع يوماً دولة رئيس الوزراء ببيانه الوزاري  يقول سعادة الاستاذة  رئيسة المجلس، أو يخاطب النواب دولة الرئيس بدولة رئيسة الوزراء؟ 
تتقدم المجتمعات بكل مكوناتها من ذكور و إناث، و لا يوجد بسيداتنا ما يجعلهن أقل شأننا من غيرهن من سيدات العالم.  لقد جربت الدولة الذكور كثيراً بالوزارات المفصلية، و الحال يغني عن السؤال،  فلماذا لا تجرب السيدات فعسى أن تكون خبراتهن أفضل، و يكون القادم خيراً.  لماذا لا نبادر بذلك فنكون قد تقدمنا على باقي الدول العربية و حققنا إصلاحاً سياسياً بنكهة أردنية مميزة. و لو قُدّر لرئاسة المجلس أن تكون نسائية لكانت مدونة السلوك النيابي الصارمة على سلم أولوياتها.
هذه الأيام يكثر الهرج و المرج بخصوص الرئيس القادم  للمجلس الكريم، و نستعرض أسماء الذين ينوون ترشيح أنفسهم للرئاسة، و بالمناسبة هم نفس الأشخاص الذين شغلوا المنصب أو ترشحوا له من قبل باستثناء الدكتور مصطفى العماوي، فهل نتوقع أن نرى سيدة بين الأسماء لتنافس على سدة الرئاسة قريباً؟  آمل ذلك.
كل عام و الوطن بخير.



الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

الحراك المفقود حراك سيادة القانون

الحراك المفقود حراك سيادة القانون
منذ بداية فترة الربيع العربي  و الحراكات بأنواعها المختلفة و أعدادها الغفيرة بعرض الأردن و طوله تركز على موضوعٍ واحدٍ كشفت عنه بالفترة الأخيرة من الحراك ألا و هو سلطة الشعب، و عودة السلطة لصاحبها ألا و هو الشعب. و كان يصاحب كل هذه الحراكات (بغفلة أو تراخٍ من الحكومة و الحراكات) تراجع اقتصادي و ارتفاع في المديونية و تراجع بتطبيق القانون، و هذا تطور إلى فلتانات أمنية، و انتشار للأسلحة و تنوعها بين الناس، فأصبحنا نسمع بأنواع لم نألفها من قبل،  و لوحظ عدم التردد باستعمالها إلى درجة وصلت الى بيت السلطة التشريعية ممثلة الشعب، و لم يجد الناس حرجاً باستعمالها بوجه أقاربهم بالنسب و الدم؛ حالةُ تردي أمنية غير مسبوقة إذا استثنينا الفترة بين 1967 – 1970.  لم يعد هناك كبيرٌ يسمع الناس قوله و يمتثلون بأوامره إذا صاح المنادي  حي على السلاح.
كل هذا و أصحاب الحراكات مشغولون بالمطالبة باسترجاع سلطة الشعب متناسيين الشعب نفسه. فالشعب الذي يسعون لقيادته ( فهم طبعا يرون أنفسهم فقط قادة للشعب) يجب أن يكون آمنا أولاً، فالأمثلة كثير عند من حولنا بموضوع الأمن. لم نسمع أو نشاهد أي شعار يُرفع أثناء الحراكات ينادي بالأمن الاجتماعي  للناس، بل على العكس ربما رأى البعض في هذا الفلتان فرصة لرفع الشعارات العالية بما أن السقف لم يعد موجوداً.
تنتفض الحراكات كلها و تعتصم و تتظاهر إذا أعتقل شخصٌ من الحراكيين و يهددون بالويل و الثبور و عظائم الأمور إن لم يُطلق سراحه، و تساندهم العشيرة بذلك  فزعة لزلمتها، و لكنهم لا يقيمون اعتباراً و لا يحركون ساكناً إن قُتل شخص و اشتعلت الفوضى بين منطقتين، و كأن  الأمر لا يعنيهم إلا بالقدر  الذي يمررون فيها بعض أجنداتهم فقط بالتحريض على الدولة؛ و من المفارقات أنه و رغم كل هذا الذي نسمع من استقواء على القانون و الدولة من قبل البعض، ما زالت هناك شعارات تُرفع ضد الدولة و يتهمونها بالقبضة الأمنية و يطالبون برفعها!!!! و لا أدري ماذا سيبقى إن رفعوها.
و حتى نكون متوازنين بالطرح يجب عدم إغفال دور الدولة بهذا الوضع عندما سعت لاسترضاء الحراكات و خطب ودهم و ربما التباهي إعلامياً و عالمياً  بالأمن الناعم الذي بالغ في نعومته حتى وصل الأمر للهجوم على الشرطة ممثلة القانون. و إذا كان للدولة عذرها بهذا النوع من الأمن ببداية وهج الربيع لامتصاصه، فلا عذر لها  بعد مرحلة النزول من نقطة الذروة (climax ) لهذا الحراك ليتستمر الأمن الناعم و تستمر معه مظاهر العنف الاجتماعي في كل الأردن.
تتجه عيون كل الأردنيين من شماله إلى جنوبه إلى الحكومة لإصدار قانون يمنع حمل السلاح و اقتنائه؛ هناك شغف كبير لاقتناء الأسلحة كنوع من الدفاع عن أنفسهم كما يبررون ذلك، و لهذا فهم يتهمون الحكومة ضمنياً بالتقصير في هذا المجال.  و بصراحة أجد أننا نقترب شيئا فشيئا من النموذج اليمني في هذا المجال و لا أستغرب إن سمعت أن بعض المناطق تمتلك سيارات مصفحة، و لا أدري فربما تكون موجودة فعلا.
نقدّر للدولة حفاظها على أرواح المواطنين بالحراكات حيث لم تزهق روح أردنيٍ حراكيٍ طيلة فترة الربيع، و لكن هناك أرواحٌ أخرى أزهقت لرجال الأمن العام حماة الحراكيين، و هم مأمورون بعدم إطلاق النار، و هناك أرواح ذهبت قتلا بالمشاجرات نتيجة التراخي الأمني؛ فمن لهؤلاء الأبرياء؟  ألا يُعتبر هؤلاء الأبرياء موطنون أردنيون أيضاً، لهم الحق بأن نحافظ على أرواحهم بنفس القدر الذي نحافظ فيه على أرواح أصحاب الفضيلة أو الرفاق.
تتجه عيون الأردنيين إلى الدولة لحمايتهم من عواقب اقتناء الأسلحة، و إصدار القوانين اللازمة لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يحظى هذا القانون باهتمام أصحاب السعادة النواب ليقروه؛ فهذا القانون يتقدم على كل القوانين بما فيه قانون التقاعد النيابي و ليس المدني.
نريد الحرية، و نريد اقتصاداً مزدهراً، و نريد التخفف من أعباء المديونية،  و لكننا قبل هذا نريد الوجه الآخر للأمن و الأمان وهو  أن نكون آمنين  في سربنا على أقل تعديل بما أن موضوع قوت يومنا  فيه قولان هذه الأيام.  نريد لهذا الوطن أن يكون وطن الأمن و الآمان و سيادة القانون.
كل عام و الوطن بأمن و آمان من كل الجوانب.
كل عام و أنتم بخير


الخميس، 3 أكتوبر 2013

هل نفذنا من عنق الزجاجة؟




ألجواب و ببساطة شديدة (لا) لم ننفذ بعد، و أخشى أن يطول بقاؤنا فيها. و الحديث هنا عن ما يُسمى "الربيع العربي" الذي تلفح وجوهنا رياحه كل يوم؛ أي ربيعٍ هذا الذي جلب لنا ريح السموم فأهلكت الحرث و النسل! نعم إن كان الحديث عن الألوان فإنني أتفق مع من يقولون أن ربيعنا ليس أحمرا ؛ و لا أقلل من شأن هذا الأمر طبعاً؛ فالإصلاح الذي لا يحافظ على أرواح البشر ليس بإصلاح أبداً، و أكرر ما قلته دائماً: لأن يتأخر الاصلاح مائة عامٍ أفضل عندي من أن تُزهق روح واحدة.
 لكن السؤال الأهم و الحديث عن الألوان هو: هل كان ربيعنا أخضرا و دون مضاعفات؟؟  أشك بهذا. و لمزيد من التوضيح ربما كان من الأفضل النظر  كمقدمة إلى حالات الربيع العربي من المحيط إلى الخليج؛ فمخطىء من يظن أن تسونامي هذا الربيع إنما ضرب الدول الظاهرة للعيان فقط، فقد كانت له فقاعات في كل العالم العربي، و ربما كان تسليط الضوء هنا أو هناك هو سبب ظهورها و تضخمها بقوة هنا و ضعفها هناك.  و يبرز السؤال المهم هل كان الهدف من الربيع العربي إسقاط الأنظمة أي الرؤساء ؟ فإذا كان الجواب بنعم، فما بال هذا الخراب الذي يطالعنا في كل يوم في الدول التي سقط رؤساؤها؟  هنا تتضح النظرة الثاقبة و التفسير المنطقي لجلالة الملك عبد الله الثاني بخصوص مفهموم النظام و هو شمولية الدولة و ليس الأشخاص، فالمطلوب هو الدول ذاتها و ليس الأشخاص.
نتوقف عند الشأن الأردني لنطالع الصورة المحليه من بدايات هذا الربيع؛ إنبهار بكل ما يجري حولنا فرقصنا له و عيون الراقصين و المسحجين له (و لا أتحدث عن السحيجة الذين أشار إليهم مراراً الدكتور أمجد قورشة، فالربيع له سحيجته أيضاً) متلهفة ليكون لها نفس الربيع. مظاهرات و مطالبات و استجابة فورية لكل طلبات الحراكات ( و أول طلباتهم و أهمها كان العودة لدستور 52) ثم ارتفاع سقف المطالب، فأمنٌ ناعم بالغ في نعومته إلى أن أصبح أنعم من الحرير، حالات عديدة و متزايدة لفلتان و استقواء على الدولة و على هيبة الدولة، انشتار المظاهرات و الاعتصامات إلى أن أصبحت موظة و فُرجة؛ نعم فرجة، فأصبح لها معجبوها؛ رفضٌ تام للحوار مع الدولة باعتبارها غير جادة بالإصلاح، و بنفس الوقت لهاثٌ مسموع و قبولٌ سريع لأي منصب يُعرض عليهم أو على أقاربهم، و ينقلب الحال من المطالبة بالإصلاح إلى ضرورة التروي و أخذ العبرة مما يجري مع غيرنا و حولنا.
و بين كل هذه المظاهر يبقى المواطن الأردني الذي لا أجندة لديه يتابع العلاقة بين السلطتين التنفيذية و التشريعية و هما محور الإصلاح الذي ينشد بعين الدهشة.  فهو تفهّمَ الضغوط على الحكومة بالرفع الاول للمحروقات و وضع يده على قلبه خوفاً من إنهيار الدينار، و طمعاً في أن نضع قطار الإصلاح الاقتصادي الشامل على السكة الصحيحة، و لغاية اليوم ما زال هذا القطار لم يجد السكة الصحيحة ليكون عليها، و الخوف على الدينار ما زال قائماً رغم رفع الدعم و رغم الضرائب التي أصبح ينتظرها المواطن كل يوم. و أصبحت جملة " لا نية لدى الحكومة لرفع الدعم عن المادة الفلانية إشعاراً بقرب الرفع، و جملة لا ضرائب هذا العام تهيئة لضرائب لا تنقطع بشهر يناير من العام الذي يليه. و الغريب أنه و رغم كل هذه الإجراءات القاسية فإننا لا نرى أثراً ملموساً لها إلا ارتفاعاً مرعباً للمديونية التي ترتفع على البلد بشكل مضطرد مع كل رفع حكومي للأسعار؛ وكان آخر الأخبار وصولها الى سبعة عشر مليار دينار أردني بدون الفراطة.    
يتابع المواطن كل هذا و يُنفّذ تعليمات الحكومة بشد الأحزمة و توجيهات خطباء المساجد بالتقشف و الإقتداء بسنة النبي المصطفى بوضع حجرٍ على بطنه الشريف، و النصائح الطبية بضرورة المشي و تخفيف الأكل؛ لكنه مع هذا لا يرى التقشف بالحكومة نفسها؛ فسياراتها الفاخرة بازدياد، و مصاريفها كما لو كنّا دولة خليجية، و لم نعد نسمع بقرارات حكومة دولة السيد سمير الرفاعي باقتطاع 20% من رواتب الوزراء لصالح صندوق الفقير، بل لم نعد نسمع بالصندوق نفسه.  لم نسمع بقرار _ رغم لهفتنا لذلك _ يلزم الوزراء بالسفر على الدرجة السياحية مثلاً كما فعل الدكتور محمد نوح القضاة مثلاً.  لا نجد أي أثر لهذا كله على أصحاب المعالي أبداً، إلا إذا كانوا يعملون بالخفاء طمعاً في الأجر و الثواب.  لماذا لا يشاركنا أصحاب المعالي مثلا شد الحزام؟
 شارك المواطن الغلبان بالعملية الديمقراطية الانتخابية النيابية، و لم يستمع لكل الدعوات المناهضة بمقاطعتها، و لم يأخذ بنصائح بعض الكتاب بأن يشتري دلو لبن و لحم و يذهب ليهش و ينش و ينسى الإنتخابات؛ ذهبَ و انتخبَ رغبة منه في الوصول لبرلمان الشعب ليمثله، و لم يكن هدفه أن يكون مجلساً مناكفاً للحكومة و لنفسه. يشعر كل مشارك بالانتخابات  بالخجل و يتكور على نفسه عندما يشاهد على التلفزيون مظاهر العنف اللفظي و الحركي من أصحاب السعادة، و لا يقتنع بالتبريرات النيابية أن هذا يحصل بكل برلمانات الدنيا. برلمان يلحق بعضه بعضاً بما طالته الأيدي و لا يحرك نظامه الداخلي ساكناً لتبييض وجهه أمام ناخبيه إلى أن وصل الأمر لإطلاق النار. و هنا أقول حيا الله جلالة الملك، فلولا تدخل جلالته لما حدث شيء و لمرت الحادثة كما مر غيرها و تم لفلفة الأمر بجاهة كما جرت العادة.
يعُضّ المواطن على شفتيه حزناً و ألماً عندما يرى المجلس يمرر الرفع تلو الرفع و الضريبة تلو الضريبة التي تُقتطع من لقمة عيش أبنائه ثم يراهم أسوداً في الدفاع عن رواتب تقاعدهم، و هنا لا بد من الإشارة إلى أن جلالته رد قانون التقاعد المدني لهم ليناقشوا كل القانون لكل الموظفين من الآذن بمدرسة الرويشد إلى أكبر منصب. و لم يكن ببال جلالته أن يرجعوا لتقاعد النواب؛ و الأمل معقود أن يُرد هذا القانون مرة أخرى.  إن أسوأ ما في هذا الأمر أن أصحاب السعادة يتهموننا بعدم فهم ما كان ببالهم و هو تخفيض راتب الوزير و ليس رفع رواتب النواب. كيف يريدوننا أن نصدق هذا و هم يحدثوننا عن الحقوق المكتسبة لبعض النواب  بالجمع بين الراتبين فلا يقربوها و بنفس الوقت يريدون أن ينقضّوا على الحقوق المكتسبة للوزراء.   
نتيجة لهذا الوضع أصبح عندنا في الاردن حالة عدم ثقة مبررة بين الأطراف كلها و هذه لا تطمئن المتابع للربيع الأردني: فالحكومة لا يعجبها  الشعب لأنه كثير الشكوى و التذمر، والشعب لا تعجبه الحكومة لأنها لا ترحمه؛ و كلاهما غير معجب بمجلس النواب، و النواب لا يعجبهم  الإعلام لأنه يبرز أخطاءهم و يُغفل إيجابياتهم .....  الخ. الخ. فالقائمة تطول و تتجه خطوطها باتجاهات متفرقة و لا تتقاطع أبداً، و محورها تبادل الاتهامات بأن الأطراف الأخرى هي من تعطل الإصلاح المنشود.
و إذا أضفنا الى كل ذلك هذه الموجات المتلاحقة من اللاجئين فإننا سنخلص إلى أن رياح الربيع ما زالت تضربنا في الأردن بقوة رغم كل محاولات الدولة الصمود بوجه هذا الإعصار؛ تهزنا بعنف، متأثرة بكل ما يجري؛ و العدو ينتظر تهاوينا لتمرير مخططاته، و القريب ينتظر ضعفنا لنأتيه راكعين ساجدين مسبحين بفضله الدائم كما ورد بتراثنا واضعين عُقُلنا (جمع عقال) برقابنا معترفين بذنوب لم نرتكبها راجيين السموحة و طامعين بوصّلِهِ القادم.
لست متشائماً، و أشعر بالفخر لعدم سقوط أي قتيل أردني بهذا الربيع، و أفاخر الدنيا ببلد الأمن و الآمان،و سأفاخر الدنيا أيضاً إن استطعنا الخروج من عنق الزجاجة إياه؛  و لكني أيضاً أرى أننا ما زلنا في فيها و لم نخرج منها بعد، و الوطن كله أمانه في أعناقنا جميعا.
 وفي الختام لا نملك نحن المواطنين إلا الدعاء لله بأن يحمي هذا البلد من كل سوء و يحبط كيد أعدائه داخلياً و خارجياً إنه سميع مجيب الدعاء.

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

جمعية أصدقاء البدلة البرتقالية | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

جمعية أصدقاء البدلة البرتقالية | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

جمعية أصدقاء البدلة البرتقالية
لن يكون معالي السيد عقل بلتاجي الأخير ممن ارتدوا البدلة البرتقالية (بدلة عامل الوطن) كما أنه لم يكن الأول؛ فقد كان - على ما أذكر- معالي الدكتور بسام العموش من أوائل من ارتدوا هذا الزي الشريف. هذا العام و بعد انتهاء الانتخابات البلدية كثرت الظواهر هذه من الأفاضل رؤساء البلديات و هي لبس البدلة البرتقالية لعامل الوطن. هذه الظاهرة يجب التوقف عندها لنسأل هل نريد البريق الإعلامي أم العمل الحق و الإنجاز. فأما إن كان من باب البريق الاعلامي و الشهرة فقط فهذا نتركه ليعالجه الجزء الأخير من الحديث النبوي الشريف "فهجرته إلى ما هاجر إليه" و أمره إلى الله؛ أما إن كان العمل و الانجاز و الخدمة العامة فليسمح لنا أصحاب السعادة بوضع هذه الأفكار و الطروحات أمامهم.
أولى هذه الطروحات هو مدى حاجة الأخ عامل الوطن لمن يتنازل و يلبس بدلته ساعة من نهار ثم يعود إلى مكتبه المكيف بعد انتهاء التصوير، فهذا كله بالنسبة لعامل الوطن لا (يقلي بيض) كما نقول بلهجتنا الأردنية. هذا العامل يحتاج إلى التكريم الفعلي ليرفع من مستواه المعيشي؛ و نحن لا نمنُّ عليهم بذلك، فلو أضربت هذه الفئة أسبوعاً واحداً فقط لعرف الكبير منا و الصغير قيمتهم فعلاً. لهذا يجب أن تكون زيادة رواتبهم على سلم أولويات معاليه أو سعادته؛ فهي لن تكلف الكثير و لن ترهق الميزانية لو خفف معاليه و سعادته من مصاريف الضيافة و الرفاهية بمكاتبهم و مكاتب البلديات عموماً.
هم أيضا بحاجة للتعامل معهم كبشر و موظفين على قدم المساواة مع غيرهم من الموظفين. بالصيف الماضي قُدّر لي أن أسمع شكوى أحدهم على برنامج وسط البلد لهاني البدري على الأف أم و قال و يبدو أنه من مصر الشقيقة و يتحدث الأردنية ( إحنا بشر و مش أغنام حتى يحشرونا ببكم ديانا ليوزعونا على المناطق الصباح و يجمعونا المساء). نعم هذه كانت شكواه، فلا يجوز أن يتم التعامل معهم بهذه الطريقة المهينة؛ يمكن لباص كوستر طبعا أن يقوم بهذه المهمة و إعطائهم الكرامة التي يستحقون. و في موضوع الكرامة أذكّر كل المسؤولين أن جلالته قد استقبلهم بأحد الأعياد و قضى العيد بينهم.
أما نحن كمواطنين و بعد تقديم آيات الشكر و العرفان لمن يلبس البدلة البرتقالي فبحاجة إلى تواجد عمال النظافة يومياً تماما كتواجدهم إلى جانب معاليهم مبتسمين أمام الكاميرا. لا نريد أن نراهم على المناسبات. و إن تواجدوا تكون مهمتهم جمع النفايات و تكويمها بجانب الحاويات التي تمر من جانبها سيارات البلدية مسرعة دون أدنى التفات لها.
هذا الصيف قفزتُ مذعوراً من مكاني أمام البيت عندما سمعت صوت كومة حديد ترمى، خرجتُ للشارع مستفسراً و إذا بي وجهاً لوجه أما حاوية نفايات جديدة (طخ، بتلمع) أمام المنزل. شمرت عن ساعدي و جمعت ككل النفايات من حولها و وضعتها فيها للحفاظ عليها حتى لا يسحبها أحدهم لمكان آخر، و مستبشرا أن تتوقف يوما عندها سيارة البلدية. مرت عشر أيام و لم تتوقف هذه السيارة المبروكة، و لا أدري ماذا حل بالحاوية؛ و أرجو أن لا تكون قد تحولت إلى منطقة تجميع للنفايات لتُصبح مشكلة بدلاً من أن تكون الحل الذي ننشد.
لقد انتشرت بالصيف ظاهرة حرق النفايات للتخلص من رائحتها الكريهة أمام منازلهم و لكنها طبعاً استبدلت بتلوث هوائي أزكم أنوف الجيران و ألزمهم بيوتهم مع إحكام إغلاق النوافذ، و يجب نسيان الجلوس بالبرندة أو أمام البيت في المساء. أما إذا حدثت أحدهم معترضاً على هذا الحرق فيكون جوابه أين نذهب بهذا النفايات؟ لهذا أتمنى فعلا أن يكون عمال الوطن أكثر انتشاراً في مناطقهم.
و قبل أن أختم، و حتى نتيح للجميع شرف ارتداء البدلة البرتقالية، و حتى لا يكون الخطاب للجهات المسؤولة فقط، فإنني أقترح على الجهات الشعبية تشكيل جمعية أصدقاء البدلة البرتقالية أو جمعية أصدقاء عمال الوطن، أسوة بالعديد من جمعيات أصدقاء هذا الشأن أو ذاك. و لا تشترط هذه الجمعية أي شرط للانتساب لها؛ كل ما في الأمر أن يُحضر العضو البلدة البرتقالية بنفسه على مقاسه، و يقبل بمرافقة أحد عمال الوطن بمنطقته ساعة من نهار أو أقل؛ أما إن تعذرت المرافقة فيكفي أن نقوم بالتنظيف أمام منازلنا و لكن بارتداء البدلة البرتقالية تقديراً لجهودهم.
كذلك أرى أن من واجبنا أن نخصص مبلغاً بسيطاً من المال يومياً يجمع بنهاية الشهر و يعطى لهذا العامل من باب المحبة لكونه أصبح من أبناء المنطقة. فلو خصصت ( قجة) تجمع فيها (الفراطة) يومياً فإنك ستجد أنك جمعت مبلغاً جيداً كل شهر لهذه الغاية النبيلة. و لقد سمعتُ قبل أسبوع رأياً من أحد الشيوخ على بعض المحطات كجواب على سؤال أنه لا يبيح إعطاء الاكراميات للعمال لأنهم ( برأيه) قد يتقاعسون عن العمل، أو لا يؤدوه على الوجه الأكمل طمعاً بالإكرامية. شخصياً لم أرتح لهذا الرأي و خاصة فيما يتعلق بإكرام عامل الوطن، فنحن بحاجة له أكثر من حاجته هو لإكرامياتنا بدينار أو دينارين شهرياً.
تحية من القلب لكل عمال الوطن و أتمنى أن يكون تكريمهم بالمرات القادمة بشكل أفضل من مجرد لبس البدلة البرتقالية فقط.

alkhatatbeh@hotmail.com

السبت، 14 سبتمبر 2013

يتيم في الخمسين | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

يتيم في الخمسين | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

يتيم في الخمسين
" أمي ماتت" قلتها لزوجتي عندما سألتني  "شو فيه" بعد  أن أنهيت مكالمة قصيرة مع أخي في الأردن. قلتها و انفجرت في نوبة بكاء كطفل تركته أمه في يومه الأول في المدرسة بعد أن رأى أمه تبعد بعيداً من خلفه، و عصا المعلم تنتظره في الصف الأول. كانت الساعة الثانية و النصف من صباح يوم الأحد الموافق الثامن من شهر أيلول.  هذا اليوم التحقت الوالدة الجليلة أم طلال لتلحق بمن سبقها من عائلتها الطيبة أخوالي و خالاتي و رفيق الدرب و الطفولة أبن أخيها و صهرها  أبو هيثم رحمهم الله جميعاً، فهذا العام كان عام فراق الأحبة. 
ألحاجة أم طلال لم تكن يوماً ممن تقام المناسبات تحت رعايتهن، و لم تكن ممن يفتتحن الأيام الخيرية لرعاية الاسر المعوزة لتعيش العوز ساعة ثم تعود إلى أرستقراطيتها في إحدى الفلل البعيدة عن الفقر و الفقراء، و لم تلبس أم طلال الشرش (الثوب الأسود) كثوب فلكلوري في عرض أزياء شعبي.  هي (و الحديث هنا لمن يقاربني في السن) كأمهاتكم جميعاً؛ كانت هي الأم و الأب لنا عندما كانت إجازات الأب يومين أو ثلاث كل عدة شهور، يعود بعدها إلى عمله في القوات المسلحة أو الشرطة بعد أن وضع بيدها عدة دنانير لا تكفي لوجبة من الوجبات السريعة هذه الأيام كمصروف الشهر. هي كانت المربية  و مدبرة المنزل؛  هي الوجه الذي كنا نفيق على صوته صباحاً لنفطر خبز وزيت و شاي قبل الذهاب إلى المدرسة، و ننام على صوتها بعد أن تقول لنا (خلصتوا قراية يمه) فقد كانت حريصة على ذلك رغم أنها لا تقرأ و لا تكتب.   لهذا ليس من العسير عليكم التعرف  على أم طلال : فيكفي أن تنظر بوجه والدتك لتراها إن كنتَ ما زلتَ من المحظوظين بالنظر إلى وجهها الكريم. أم طلال و أمثالها عشن حياتهن مجاهداتٍ بهدوء و رحلن بهدوء كما كانت حياتهن دون ضجيج.
في عيد الأم الماضي ناجيتها بمقال على هذا الموقع بعنوان " إلى أمي في عيدها" و لم أكن أدري أنها ستكون المناجاة الأخيرة، و  استعرضتُ معها شريطاً من الذكريات، ذكرتها ببعض الأشياء  فلم يكن من الممكن استعراض هذا التاريخ الطويل بمقال. عرفت أن أخواتي قد قرأن المقال لها، فابتسمت رحمها الله البعض المواقف و دمعت عيناها لبعض الأمور و لكنها قالت " الله يرضى عليك يا طلال".  سعدت جداً عندما أخبروني بذلك.  هذا الصيف تحديداُ لا أذكر أنني رأيتها أكثر سعادة في يوم من الأيام كما رأيتها بهذا الصيف. كانت كلما رأتني  أو أحداً من أسرتي الصغيرة ( تهاهي و تزغرد). بنهاية الصيف شهدت أسرتنا فرحاً بزواج إبني أخي أمين: أنس و أنيس، فلم تسعفها قوتها أن تشارك في الفرح، فهي رفيقة كرسي متحرك ضمها بحنان لسنوات، و لكنها كانت تراقب من بعيد دخول العرائس و العرسان الذين اقتربوا منها و قبّلوا يديها طالبين الدعاء بالتوفيق، كانت تصفق و تغني  و تهاهي و تزغرد لوحدها كما لو كانت وسط كل هذا الغناء.  قبل سفري بيومين  حضرتُ لوداعها فقبّلت يديها و رأسها مودعاً و راجياً الدعاء.  عدت محمّلاً بالدعوات بالتوفيق و الكثير من أقراص العيد من صنع أخواتي و إشراف أم طلال.
لا اعتراض على حُكم الله و لا راد لقضائه و لا مغير لمشيئته، فقد شاءت إرادته جل و علا أن تفيض روحها الطاهرة و أنا بديار الاغتراب بعيداً عنها، و لن ألعن الاغتراب  فلم نغترب رفاهية  طبعاً. لكن عز علي أن تذهب دون أن أسمع كلمة المسامحة منها؛ ينتابني شعورٌ بالحزن و الأسى لذهاب التي كنا نُرزق بسببها، و أُغلقت إحدى طرقنا إلى الجنة و هي طريق الأم، و عزاؤنا أن الأخرى موجودة بوجود الوالد العزيز أطال الله في عمره و أعطاه الصحة و العافية. و أحسست بشعور باليُتم لحظة سماعي بخبر وفاتها؛ أدرك حديث الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم أن "لا يتم بعد إحتلام"؛  إنما هو مجرد شعور لا أستطيع اخفاءه، فأنا لآ أطالب بكفالة اليتيم، و لكني  لا أدري ما الذي جعلني أقول لزميلي  من السودان الشقيق الذي جاء النادي الاجتماعي الأردني بصلاله معزياً بوفاة الوالدة أنني أشعر باليتم بعد وفاة الوالدة؛ و دار حديث مع من حضر من الإخوة الأردنيين و العُمانيين و السودانين و اليمنيين  من زملائي بالكلية حول دور الأم و أثرها في الأسرة.   
أليوم هو مرور  أسبوع لحلول الوالدة الحاجة مريم (أم طلال) ضيفة برحاب المولى عز وجل و أدعوه أن يغفر لها ويكرم نزلها و يوسع لها في دارها و يحشرها مع الصالحات من عباده إنه هو البر الكريم.  إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع، و إنا على فراقك يا امي لمحزونون، و لكن لا نقول إلا ما يرضى الله و رسوله " إنا لله و إنا إليه راجعون".
كل الشكر و التقدير و العرفان لمن تفضل بالحضور إلى بيت العزاء بجديتا مُعزياً إخوتي أو إلى النادي الاجتماعي الأردني بصلاله لتعزيتي و من تفضل كذلك بتقديم التعازي على صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي  الفيس بوك و تويتر أو اتصل هاتفياً معزياً. لكن و الطمع بالأجاويد أمثالكم أرجو ممن قرأ هذا المقال أن يقرأ الفاتحة على روح والدتي الحبيبة  رحمها الله و يدعو لها بالمغفرة.
لا يتم بعد احتلام، و لكن اليتم بوفاة الوالدة بعد الخمسين شعور مختلف، فإذا مررتم بمن تيتم بعد الخمسين فارأفوا به و واسوه فإن مصابه جلل.
رحم الله الوالدة و رحم أمواتكم.
لا أراكم الله مكروها بعزيز.          


السبت، 7 سبتمبر 2013

سوريا قلب العروبة النابض: قلبي على مصر | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

سوريا قلب العروبة النابض: قلبي على مصر | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

سوريا قلب العروبة النابض: قلبي على مصر
لا شيء يميز سوريا عن غيرها من الدول العربية لأعتبرها قلب العروبة النابض إلا وقوفها _و قد حان دور جزرها شأنها شأن من سبقها من الدول العربية و من سيلحق بها _ في صف المجزورين. نعم هي قلب العروبة النابض كما كان العراق و تونس و ليبيا سابقاً و مصر  لاحقاً إذا استمرت  الأحداث بالسيناريو نفسه، فليس من الصعب التنبؤ بالنتائج  لما يجري في الدول العربية التي وقع عليها الاختيار لتكون ضمن منظومة الربيع العربي؛ تبدأ الاحداث بالحقوق الإنسانية و تعنت حاكم فجبهة معارضة في حضن الغزاة تناشدهم الفزعة لتخليص الشعب من ظلم حاكمه لتهور الحاكم بقمع الشعب لتلفيق التهم و النفخ فيها عبر  قنوات الشؤم إياها من عربية إلى جزيرة و عالم الكتروني لا يهمه إلا زيادة عداد الزيارات، فقدوم الغزاة (مُحرِرين)، فيُستَقبلوا بالورود ثم الحكم على الحاكم و إعدامه أو الإرشاد عن مكانه و تركه لمصيره بين يدي شعبه.
ليس من الصعب التنبؤ بمستقبل المنطقة ككل، فالحال أشبه ما يكون بمجموعة من الذبائح تساق الى مصيرها المحتوم بالمسلخ ضمن مسار محدود لا يتيح لها الإنفلات  لكن مع بعض الحرية ليقدم القويُ الضعيفَ إلى مصيره غير مدركٍ أن دور هذا القوي قادم بعد ان تنتهي الذبائح و لا يجد الجلاد إلا هذا الكبير ليجزره.  نعم "مؤامرة" و "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"  نحفظها كلها و لكننا نقع دائما بنفس الأخطاء تماما كما الغزاة أنفسهم؛ لكننا نقع فيها دائما جهلاً و غباءً و يقع فيها الغزاة استعلاءً و عدمَ اكتراث؛ فلماذا يخططون للجديد من الأساليب!
الضربة القادمة على سوريا هي بداية العدوان الشامل و لن تكون محدودة الأهداف باستثناء الضربة الأولى ربما، و ستحصد الأرواح البريئة فلن يتم تشفير القنابل و الصواريخ لتقصف الأبنية و المواقع و يخرج منها قاطنوها سالمين.  وستخرج روسيا و الصين من اللعبة طائعين أو قابضين أو مرغمين، و ستثبت الأيام كذب مقولة الكيماوي كما ثبت كذبهم بالعراق، و هم يدركون ذلك، لكن الأمر لديهم هو مسوغ شخصي لهم فقط  ليغزوا هذا البلد و يدمروا  بنيته التحيته و الفوقية و لا يهمهم الملايين التي ستتشرد من البشر، و الملايين التي ستتأثر بتشريدهم فالقضية ستكون قضية لاجئين أو نازحين تعالجها الأنوروا بالمخيمات و أكياس الدقيق و سيـتأقلم البشر معها، و للمنطقة تجربة سابقة بهذه القضية.
و سيثبت ايضا أن القضية ليست القضاء على بشار الأسد كما أنها لم تكن الإطاحة بصدام حسين؛ القضية هي البلدان العربية المزدهرة التي تحاول أن تجد لها موضع قدم في هذا العالم الذي لا يرحم؛ و سيكون الدور بعد سوريا على الدولة التي تليها، فالعقد ستنفرط حباته إن انقطع خيطه؛ و خيط العروبة انقطع  منذ سنين، لهذا كما أسلفت أن المسألة مسألة دور فقط.
لكن لماذا نضع اللوم كله على الغزاة؟ من يوفر لهم التربة الخصبة للقدوم؟  نحن أول من "جاب  الدب لكرمنا" كما يقول الإخوة بالشام، و من أعطى الضوء الأخضر بقدوم الغزاة هو حافظ الأسد نفسه عند ما قال "لا يمكن لأي قوة عربية إخراج صدام حسين من الكويت" لتبرير وقوفه مع أمريكا في خندق واحد ضد ابن حزبه و منطقته و عروبته و دينه. و  ما يشبه هذه العبارة قالها من يؤيد قدوم الأمريكان لسوريا الآن، و سيقولون مثلها لتبرير دخولهم الى مصر ربما.
 ندرك أنه لا وقت للوم و لكن يجب أن ندرك جميعاً أننا كنا مسؤولين عن ما حدث بسوريا من التحريض المستمر و تشجيع ما يسمى بالجهاد في سوريا و بالمشاركة بتسليح المعارضة و تمويل حملات تهجير المواطنين من المدن السورية لخلق قضية عالمية، تماما كمسؤولية النظام نفسه. 
و بنفس القدر الذي نتحسر فيه على سوريا فهي أصبحت  عراق 2 نضع أيدينا على قلوبنا  على مصر واسطة عقد الأمة العربية، فما ينتظرها  ليس بالأمر البسيط و ان كان لا يبدو كذلك بأوله.
أما الدول التي لم يلحقها الدور فيجب عليها التوقف عن النفخ تحت نار الصراعات الداخلية بالدول الأخرى و خاصة فيما يجري بمصر فقلبي على مصر أيضاً، فما يحدث بالدول العربية من أول خريف عربي الى آخره لا علاقة له بمطالب شعوب و حقوق إنسان، إنما هو استعمار من نوع جديد تستعمر فيه الشعوب نفسها لصالح القابع هناك في مكان ما من العالم و لا أقول البيت الأبيض، إذ ربما سيُظهر المستقبل أن البيت الابيض نفسه ضحية لهذا القابع هناك.
و إن كان هناك  فسحة من الوقت أنصح أن تتوصل الشعوب وحكامها لنقطة التقاء و لا يصر كل طرف على نوع معين من الإصلاح لا يرى فيه الآخر  الإصلاح المطلوب؛ فالعاقل من اتعظ بغيره.  هذا اقتراح إذا هناك في هذا الجزء من العالم من ما زالت لحيته بيده لا بيد غيره.
أما عن سوريا فلا نملك  لها الا الدعاء إن كنا صالحين و تنبطق علينا شروط الدعاء أن يحفظ الله سوريا وطناً و شعباً و مقدرات.  إنها سوريا أتفقنا مع نظامها أم اختلفنا؛  إنها سوريا، و لن يدرك  ماهية سوريا إلا الأردنيون و سنبقى معها لأننا بوقوفنا الى جانب سوريا نكون قد وقفنا  مع أنفسنا هنا بالأردن.
سلام من صبا بردى أرق // و دمع لا يكفكف يا دمشق
و معذرة اليراعة و القوافي // جلال الرزء عن وصف يدق

هل سيكفي الشعر و النثر للإعتذار لسوريا و العراق و ما سيتبع؟؟
حمى الله الأردن و سوريا

 
Top of Form


الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

الغُربيِّة و الانتخابات البلدية | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

الغُربيِّة و الانتخابات البلدية | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية


الغُربيِّة و الانتخابات البلدية
لقد كتبتُ الكثير في مقالاتي حول ضرورة المشاركة  بالانتخابات الوطنية: البرلمانية منها و البلدية، و كثيراً ما كنتُ أمني  نفسي بالمشاركة فيها خاصة أنني كنت محروماً منها أكثر من ثلاثة و عشرين عاماً بسبب الاغتراب.  هذا العام أيضا قطعت الأمل أيضاً بسبب حجوزات الطيران؛  لكن قدر لي الله أن يتم تأجيل السفر لما بعد الانتخابات؛ لهذا داخلني شعور بالفرح لأن أملي سيتحقق أخيراً و سأقف بطابور المقترعين أمام الصندوق.
أعلنتُ لمن حولي كلهم أن سفري قد تأجل، و أنني بصدد المشاركة بالانتخابات دعماً لمسيرة الديمقراطية و ترسيخاً لنهجها، و لكن لم يكترث أحدٌ بما قلت و لم يأخذني أحد (على جنب) أو يتصل بي ليطلب مني التصويت لفلان مثلاً؛ فقلت ربما سيزورني بعض المرشحين بالبيت كما جرت العادة قديماً لطلب الثقة، و سأجلس أمامهم بكل ثقة مؤكداُ على أن صوتي لن يذهب إلا للأصلح؛  على ما يبدو  أن هذا أيضاً هو أملٌ قد تبخر.  كذلك استغليت وجودي بجاهة عرس حيث جرى حديث جانبي حول جماعة سيجتمعون لترشيح فلان للعضوية و ليس للرئاسة؛ تساءلت بصوت مرتفع عن أصلح شخصية يمكن أن أنتخبها باعتبار أن الوجوه المعلقة على اللافتات غير معروفة لي، نظر الحضور إلى بعضهم و لم يجبني  أحد و لم ألح بالسؤال.  فهمتُ من عدم الإجابة أن الأمور محسومة عشائرياً و لا يهم صوت كصوتي مثلاً إن ذهب لمرشحهم أم لغيره. و ربما يعود السبب أنني أنتمي لفئة تسمى ببعض المناطق (بالغُربيِّة) فمن هم الغُربيِّة يا رعاك الله؟  
الغُربيِّة (و هي من الأغراب) عن المنطقة طبعاً هم ممن تملكوا أراضي بالمنطقة و عمروها بالبيوت و سكنوها، و بهم امتدت المناطق و اتسعت و كبرت.  و لا تقتصر مناطق تواجد الغُربيِّة على محافظة دون أخرى، فهم ينتشرون من شمال الأردن إلى جنوبه.  و للتذكير طبعا لم تكن الأراضي التي سكنها الغُربيِّة زكاة أموال أهل المناطق.  و لأن الغُربيِّة متعددو الأطياف و الأصول و المنابت فهم يشكلون قِلّة من ناحية العدد أو الاجماع على رأي واحد؛ فمهما علت مكانة الغربية وظيفياً إلا أنهم يظلوا أعداداً فقط، و لا يشكلون عددياً وزناً انتخابياً يمكن التعويل عليه.  لهذا يكون حضورهم أو عدمه سيان عند المرشحين.
و بما أن قانون الانتخاب الحالي قد رسّخ الالتفاف  العشائري حول المرشح ربما تشجيعاً لصلة الرحم فإن قضية الغُربيِّة يجب أن ينظر اليها بجد كشريحة من المجتمع المحيط، فلا يجوز أن نبقى مهمشين. و إذا كان بعض الغُربيِّة يعملون في الخارج فإنهم يعانون من غربتين داخلية و خارجية عن هذه الأفراح الوطنية.
كنت قد اقترحت بأكثر من مقال سابق على أحقية المغترب بالانتخاب و هو في الخارج و هنا أؤكد على ضرورة تشجيع الغُربيِّة على المشاركة بالانتخابات.  و نظراً لصعوبة هذا بسبب البعد العشائري سالف الذكر فإنني أقترح مثلاً أن يعود الغُربيِّة إن شاءوا ليترشحوا أو ينتخبوا بمسقط رأسهم و ليس حسب السكن. و هذا الاقتراح يقوي الروابط بينهم و بين أهليهم و يرفع نسبة المشاركين بالانتخابات.
ربما يعيب علي البعض بقولهم  نحن نريد أن "نتخلص" من العشائرية بالانتخابات و أنت تكرسها وهنا أسألهم عن البديل في ظل القانون الحالي.  نسمع الكثير عن البوتقة الواحدة التي تصهر كل مكونات المجتمع و لكن الممارسة الانتخابية تشير دائماً إلى خلاف ذلك.
شخصياً ما زال لدي الإصرار الكامل على ممارسة حقي الانتخابي بالاقتراع، و سأعطي صوتي لمن تقع عيني  على اسمه أولاً لأنني لا أعرف أياً من المرشحين؛ و كذلك الأمر بالنسبة للأعضاء.
مع أطيب التمنيات للجميع بالتوفيق في خدمة بلدياتهم و مواطنيها.