ماذا وراء كل هذا الضجيج الإعلامي في الأردن؟ | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية
ماذا وراء كل هذا الضجيج الإعلامي في الأردن؟
أشك أن أحداً من الشعوب العربية تعرض لضغط نفسيٍ جراء ما حدث حوله من معاناة الشعوب العربية أو الإسلامية الأخرى مثل الشعب الاردني الطيب. و بلغ من شدة معاناته أنه نسي أمر نفسه تماماً. فكان دائماً متناغماً مع القضية العربية الكبرى ممثلة بالثورة العربية الكبرى؛ فكان جل جنودها من رجالات الأردن، و لا أذكر تواجداً كبيراً لأي مجتمع عربي بحجم التواجد الأردني بهذه الثورة. و استمر الهمُّ العربيُّ على أكتاف الاردني إلى ما بعد قيام الثورة العربية الكبرى. فقد انكفأ الكثير من رجالات الشعوب المجاورة على أمورها الداخلية حيث اهتمت ببلدانها؛ فذهب السوريون إلى سوريا، و اللبنانيون إلى لبنان ليبنوا بلدانهم، و انصرف آل سعود إلى السعودية ليقيموا مُلكاً جديداً، و يؤسسوا لعهد جديد. و كذلك الفلسطينيون فقد انصرفوا إلى فلسطين ليعمروها.
دوناً عن بقية هذه الشعوب بقيت الأطياف الأردنية تبحث عن مكان لها تحت الشمس بين هذه الشعوب المحيطة فلم تجد إلا صدوداً وتهكماً من الجميع؛ و رغم كل شعارات العروبة و الحرية التي كان الجميع يرفعونها و ينضوون (كلهم) تحت لوائها في الثورة العربية الكبرى إلا أن إرث سايسكس بيكو لم ينل بالعار إلا الأردنيين، مع العلم أن كل دول الثورة العربية الكبرى كانت نِتاج سايكس بيكو أو غيره. لهذا ظل الأردن يحمل هذا الوزر وحده، و بقي الأردنيُّ ينظر يمنة و يسرة باحثاً عن بقعة أخرى من هذا العالم ليحمل همها تحت مسمى العروبة. ورغم أن كل مؤسساته كلها كانت عروبية و ليست أردنية خالصة، و رغم أن أهم مؤسسة فيه و هي الجيش بقيت تحمل اسم الجيش العربي ، مع ذلك لم ينج الأردن و الأردنيون وحدهم من سيل الاتهامات بأنهم صنيعة الاستعمار.
ولأن من سياسة الدول العربية (الشقيقة) أن تعمل على زعزعة الدول المجاورة لتغطية فشلها في تنفيذ ما وعدت به شعوبها، كان الأردن دوماً يتعرض إلى ضجيجٍ إعلاميٍ كبيرٍ من تلك المحطات الاعلامية تقلب أبناءه عليه و تشكك بكل جهد أردني و تضع عليه أكثر من علامة استفهام. لهذا و ربما من منطلق صد هذه السهام الموجهة من تلك الجهات و من منطلق العروبة كان الأردن ككيان يعربي الوجهة الأولى لكل (مظلوم) على شكل موجات تختلف بعددها و كان أكبرها طبعاً الهجرة الفلسطينية. و بمجرد وصول هذه الدفعات المهجرة قسراً للأردن تم التعامل معهم كأمر واقع و ليس كحالة طارئة، و نتج عن هذا تغييرٌ في الديمغرافيا الأردنية كلياً.
يلاحظ المتابع للشأن الداخلي الأردني هذه الأيام و منذ بداية الربيع العربي أنه بدأ يسمع ذات الضجيج الاعلامي الذي لا يختلف عن ذاك الضجيج مع اختلاف آلة الضجيج؛ فبعد أن كانت الإذاعات فقط أصبح لدينا التلفزيون و المحطات الخاصة، و ثالثة الأثافي المواقع الالكترونية إياها.
من الجديد بأمور هذا الضجيج هو مساهمة الحراكات بهذا الضجيج بمختلف أطيافها، فهي ترتفع و تنخفض انعكاساً لما يحصل بالدول المجاورة. فالحراكات التي ترتفع سقوفها فوق الإصلاحات و التي تستفز النظام بتصريحات تهدف للمواجهة معه هي أحد ركائز هذا الضجيج.
و لقد دخل على الخط في هذا الضجيج الإعلامي السياسيون و الكتاب المشهورون العالميون و إعلام إسرائيل. فكثرت تصريحات الصحفيين الغربيين و السياسيين من وزراء و أعضاء مجالس النواب من أصحاب السعادة السناتورات و الصحف الاسرائيلية كلها تثير نقع الضجيج فوق رؤوس الأردنيين نظاماً و شعباً بحيث أصبح جل همهم متابعة ما يصدر من تصريحات و تحقيقات أكثر من اهتمامهم بمتابعة الشؤون الداخلية و الاقتصادية للبلد مما أدى لارتفاع نسبة الفوضى و التطاول على هيبة الدولة و ارتفاع المديونية إلى أرقام غير مسبوقة.
هذه الأيام التي يعم الربيع العربي العالم العربي من شرقه إلى غربه يطيب للبعض أن يتباهى بأن ربيعنا أخضر و لن يكون أحمر بإذن الله. و لكني لا أستغرب أن يكون أحد الأهداف من هذا الضجيج أن ينسى الشعب الأردني نفسه مرة أخرى ليعود ملتفتا هنا أو هناك كلما دقت طبول الحرب ببلد آخر مجاور و أصبح ينتظر بعد كل مصيبة موجات من اللاجئين، و هي ظاهرةٌ أصبحت موضوعاً للتندر بينهم، مما يؤدي الى تغيير جديد للديموغرافيا الأردنية يفقد فيه الأردنيون ما تبقى لهم نتيجة الموجة الأولى.
مطلوب من الجميع تمييز الخبيث من الطيب مما يسمعون حتى لا نجد أنفسنا ضحية هذا الضجيج.
هل نحذر أم أنه قد فات الآوان؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق