سأخالف المعهود وأبدأ مقالي هذا بما يجب أن أختم به وهو التوصية؛ كانت لي
مداخلة الاسبوع الماضي على برنامج متابعات بالإذاعة الأردنية حيث كانت الضيفة
عطوفة الدكتورة نجوى قيبلات الأمين العام لوزارة التربية والتعليم وكانت الحلقة عن
التعليم عن بُعد. قلت لا اعتراض لدي على
برنامج التعليم عن بعد أبدًا ولكن ستكون الفائدة الحقيقية منه لم تتحقق إن وجدنا
أنفسنا العام القادم في حيص بيص وفي حيرة من أمرنا إن نفذت نقابة المعلمين تهديها
وأعلنت الإضراب. وفي ردها على المداخلة أعتقد أنها لمحت لجاهزيتهم لهذا الوضع. ارتحتُ لوصية أوصلتها وأرجو أن أكونَ فهمتُ
تلميحات عطوفتها بشكل صحيح.
وبالعودة للتسلسل المنطقي للمقالات أستعرض على عجل بعبارات قليلة خلفية
التعليم عن بُعد بالقول أن هذا النوع من التعليم لم يكن أبدا بِدْعًا من الأنواع
بل قديمٌ ومن القرن الماضي لكنه كان باتجاه واحد ( one way) كما هو
الحال بمنصة درسك حاليًا مثلاً؛ فقد درسنا ودرسّنا لاحقًا باستعمال ما كان يُعرف
بالتلفزيون التربوي. وما زلت أذكر الاستاذة سعاد فركوح عليها رحمة الله وهي تطل
علينا لتشرح درسا بقواعد اللغة الانجليزية مثلا. ولا أدري ما حل بهذا البرنامج
لاحقًا. المهم أن فكرة التعليم عن بُعد لم
تكن مستحدثة أبدًا.
ما حدث بالتعليم عن بعد بحُلته الجديدة أن طريقته قد تطورت وانتقلت
باستخدام البرامج المنتشرة Zoom or Meet فجعل من
التعليم حواريًا أي باتجاهين وبهذا خرج من التلقين إلى الحوار على مستوى التعليم
العالي. لكن هذه النقلة في التعليم لم ترق
للبعض وقبلوا به باعتباره جاء نتيجة حالة عامة مرت بها الدولة والعالم أجمع بسبب الكورونا، ولكن شاب هذا القبول معاراضات
وربما محاولات لاستغلال الظرف حتى نضمن عدم العودة اليه بعد انقضاء حالة الطوارئ. ومن هذه الاعتراضات ما كان مقنعًا كالاعتراض
على تكلفة الانترنت فالطالب مثلا دفع رسومه للكلية لتصله المعلومة من المحاضر أو
بأي طريقة، فعند الأزمة يجب أن تتوفر له المعلومة وهو في بيته، لهذا كان من
المفروض توفير خدمة الانترنت المجانية للطلاب، وكنت أتوقع أن يكون أحد قوانين
الدفاع لرئاسة الوزراء حول وجوب مساهمة شركات الاتصالات بمجهود البلد وتفتح
الانتنرت مجانًا طيلة الفصل الدراسي. وهذا
يجب أن يكون إن اضطرت الدولة للتعليم عن بعد ثانية.
الطرف الآخر المعارض كان من شقين: الأول هو بعض الأكاديمين الذي لم يطوروا
أنفسهم حاسوبيًا وبقيت معلوماتهم متقوقعة في إطار ضيق. لقد
انقسم هذا الشق الى قسمين فمنهم من طوّر نفسه وأصبح بلبلاً صدًاحا في عالم
الانترنت ومنهم ما بقي في صومعته وظل جهاز الحاسوب يشكل بعبعًا مخيفًا فلجأ لأسلوب آخر خاصة من كان بالتعليم
العالي فكان يعطي الطالب واجبًا عن طريق الايميل فينجزوه ويرسلوه للمحاضر بنفس
الأسلوب؛ ومنهم من كان يسجل محاضرته ويرفعها على اليوتيوب أو على الفيس ولم يكن
هناك حوارٌ أبدا بين الطالب والمحاضر.
وهذا كله دليل قصور تكنولوجي في أمور الحاسوب. وكان من المفروض أن تكون هناك دورات تدريبية
للمحاضرين وبرامج مفهومة يسهل التعامل معها، حتى يشعر المحاضر بأن مؤسسته جادة
بالتعامل مع هذا الوضع.
كان بعض الطلاب هم الشق رقم اثنين المعارض للتعليم عن بُعد، ربما لأنهم
كانوا يعتقدوا أن المسألة شهر زمان وتنتهي لهذا أحبوا أن يأخذوها إجازة مدفوعة
العلامات وتفاعلوا كثيرًا مع هاشتاق كلنا ناجحون ولم يرتاحوا لموضوع راسب /ناجح
باعتبار أن هناك فرصة للرسوب؛ ثم تطورت مطالباتهم "لنا الخمسون حقا" وما
نحصل عليه طريقة عادل إمام (من جد وجد) هو زيادة على الخمسين لهذا كانت العلامات
لو نجح هذا المطلب كلها تسعين فما فوق؛ تصور أن يكون التوجيهي فيه علامة 100
والطلاب بالتسعينات؛ عندها ستكون الدنيا قمرة وربيع. وللأسف ساعد بعض الأكاديميين الطلبة بهذه
المطالبات، لكن غالبية الطلاب لم تشعر بجدية التعليم عن بعد إلا بعد أن شعروا بأنه
لا تراجع عن هذا، وهو الفيصل بالنتيجة فواظبوا على الدوام.
شخصيَّا لم أرى هذا النوع من التعليم الا نقلة نوعية في عالم التعليم
الأردني على كافة المستويات وربما سيكون له أبعادٌ اقتصادية كبيرة بالمستقبل. فهي
أولا كانت دافعًا للمعلمين والمحاضرين ومنهم كاتب هذه السطور لتطوير أنفسهم في هذا المجال؛
وستكون فتحًا جديداً في عالم الاتصالات
توفيرا للخدمة وطرحًا لأنواع جديدة من الهواتف أو الألواح حتى تواكب القدرة
على تحميل الملفات فما عادت التلفونات
البسيطة تكفي وأصبحت الحاجة ملحة لهواتف أكثر تعقيدًا.
أما على الصعيد الطلابي ربما ينطبق هنا المثل "رب ضارة نافعة"
على واقع الحال بالنسبة لهم. فقد كان
لجائحة الكورونا التي عصفت بالعالم أثرها الايجابي على الطلاب رغم اثرها المرعب
على الصعيد الاقتصادي والصحي. ومن هذه الاثار الايجابية التشجيع على التحول بشكل
فعلي للتكنولوجيا الحديثة وكذلك الاعتماد
على الذات في البحث على المعلومة وربما لن يكون أخرها الجانب الاقتصادي.
لقد نقل التعليم عن بُعد الطلبة من التعامل مع التكنولوجيا في مجالات
التواصل الاجتماعي والبحث عن الإثارات السياسية والبث الحي لموضوع تتحطم فكرته
بمجرد الانتقال لموضوع أكثر سخونه، وسيتوجه الطلاب الان إلى المجالات والاستعمالات
الاكاديمية للتكنولوجيا؛ تلك السياسيات التي قرأ عنها بالكتب ولم يمارسها فعليا؛
ربما سمع أو شاهد بأحد الأفلام كيف يتواصل
الطلاب مع محاضريهم بالألواح الاكترونية وكان استعمالها بالنسبة له ضربًا من
الخيال. وهذا هو الان يحضر محاضراته الكترونيا ويتابعها ويكتشف
شيئا فشيئا أن هذا ممكنًا للطلبة العرب أيضا؛ وبعد أن كان يسمع عن مدارس بالأردن تُدرِّس
عن طريق الانترنت والمخصصة للطبقة الثرية وجد أنه أصبح ينتمي لهذه الطبقة بهاتفه
المتواضع.
أما الاعتماد على الذات أو تسهيل الاعتماد عليها فقد أصبحت متيسرة جدا بعد
أن فقد الشروحات التفصلية من مدرس المادة في قاعة المحاضرات، لهذا أصبح شرح
المحاضر غير كاف ولهذا فعليه السؤال والبحث، فيسأل زملاءه أو يبحث في المصادر عن
بغيته. لقد فقد الطالب بعدم التواصل الصفي مع المحاضر ما جعله استاذ نفسه في تخصصه.
أما في المجال الاقتصادي فقد تأثر الطالب إيجابيا بهذا فهو يوفر مصروفه
اليومي فلا حاجة له بالذهاب للجامعة ويحصل
تعليمه ويُختبر وهو في بيته فيوجه مصاريفه ربما لتطوير هاتفه أو ربما سيشتري حاسوبًا
محمولا فيكون أداؤه أفضل في هذا التعليم الالكتروني. ومن يدري ربما سيوفر للطالب فرصة الحصول عل عمل
فتتغير حياته دون أن يؤثر ذلك على مستقبله العلمي.
إن كان من توصية لي بهذا المجال إضافة للتي بدأت مقالي بالجاهزية دائما للمطبات النقابية
القادمة أوصي الزملاء المحاضرين والمدرسين وأحبائي الطلبة أن يطوروا أنفسهم كثيرا
بمجال تكنولوجيا المعلومات الحقيقية فهذا العلم ليس تواصل وتيك توك إنما عالم جديد
يدخلك إلى أبواب المعرفة الحقة لتعرف أين تقف في هذا العالم، فالقادم كله على بُعد
وليس فقط التعليم.
ملاحظتان:
تركز معظم ما كتبتُ عنه عن التعليم
العالي لكوني فيه؛ ولم أركز كثيرًا على التربية والتعليم الا إشارة خفيفة بموضوع
درسك والتلفزيون التربوي حيث لم يكن التدريس تفاعليا.
هناك رافض ثالث للتعليم عن بعد تجاوزتُه قاصدًا؛ يقول أصحابه أن فئة معينة
من الموظفين هم المقصودون به ولهذا يجب أن يُرفض.
أما عن نتائج هذا الفصل فلم ألحظ
اختلافًا كبيرًا بينها وبين الامتحانات التي كانت تجري بالكليات؛ فسيروا على بركة
الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق