الثلاثاء، 7 يوليو 2020

كتابة المذكرات وصنعة الحكواتي


كتابة المذكرات وصنعة الحكواتي
نتداول بالتراث الأردني وربما بالعربي أيضًا مثلًا دارجًا وهو ( يكفيك شر شاب إذا تغرَّب وشايب ماتت أجياله) وسبب هذا المثل أن المجال مفتوح لهذين الصنفين من البشر أن يقولوا ما يشاؤوا لأنه لا شاهد نفي موجودٌ لينفي أو يُصدِّق ما يمكن أن يحلق به خيالهم حول قصصهم ويجعلها مثارًا للشك. ومن سوء حظ هؤلاء أنه ومع تقدم التكنولوجيا أصبحت فرصتهم بالزيادة أو النقصان لروياتهم ضعيفة لأن نقض حديثهما سيسهل على المستمع عند البحث عن مصدر الرواية. تذكرت المثل السابق وأنا أتابع هذا السيل العرم من كُتّاب المذكرات الشخصية؛  وبالمناسبة فإن كتابة المذكرات ليست حِكرًا على كبار القوم فالمجال مفتوح للجميع ولكن اهتمام الإعلام ينصب دائمًا على شخصية وكاريزما الراوي نفسه وما يحمل في روايته من أحداث.
وكتابة المذكرات قديمة طبعًا ولكنها لم تكن بهذا الانتشار إلا بنهايات القرن الماضي لدخول الفضائيات هذا المجال، وكان للجزيرة التفرد بالبداية بنشر تحليلات محمد حسنين هيكل، وهي وإن كانت تحليلات سياسية  إلا أنه يمكن أن تعتبر نوعًا من المذكرات أو السيرة الذاتية للسيد هيكل، فضمير المتكلم (أنا) منفصلًا أو متصلًا، ظاهرًا أو مستترًا كان دومًا موجودًا بين سطوره. لذلك هي مذكرات أو كما جاء ببرنامج الجزيرة لاحقًا عندما راقت الفكرة لأصحاب القناة فاخترعوا لنا ما يسمى ببرنامج ( شاهد على العصر) الذي كان موجهًا بامتياز لغايات محددة.  وفي هذا البرنامج حلَّق كل (الشياب الذين ماتت أجيالهم) للحديث عن أهم الأحداث كما يشاؤون؛ ولجأت الجزيرة طبعًا للأشخاص الجدليين في بلدانهم حتى يحققوا قفزات إعلامية كبيرة. 
وعندما يخطر ببالك أن تسأل عن كمية أو أهمية الإضافة التي اضافتها هذه الشهادة على العصر تجد أنها ليست بهذا القدر المهم، أو تحاول أن تجد سببًا مقنعًا لهذا الانتشار الكبير للمذكرات فلا تجد إلا رغبة عند الشهود بتتبع سقطات السياسيين في بلدانهم أكثر من الأفعال نفسها، ورغبة من المشاهدين بتتبع عورات مسؤوليهم؛ أقصد أنه لم يكن هناك داعٍ لكل هذا بما أن كل ما أورده أصحاب الشهادات مكتوب بالكثير من الكتب باستثناء بعض التعليقات التي تُعبِّر عن شعور شخصي من صاحب الشهادة تجاه الشخص موضع الشهادة، وهذه لا علاقة له بالحدث نفسه وعادة يسقطها المحررون عند تنسيق الكتاب. وهنا تذكرت مقولة سيدنا عمر لعمرو بن العاص عن مكتبة الاسكندرية بشأن الكتب فيها حيث قال إن كان فيها ما جاء بالقرءان فعندنا كتاب الله، وإن كان فيها ما لا يوجد بالقرءان فقد أغنانا الله عنه. وطعبًا هذه نقضها عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية عمر.  فكل ما حدث بحرب اكتوبر مثلًا موجود بالكتب فما الداعي لمقابلة الصحفي فلان أو المشير علان ليحدثنا عن أكتوبر على التلفزيون!!!
إذا لم يبقَ بالإضافة للشهرة الإعلامية للقناة إلا الابتزاز الرخيص أو التحرش بالشخصيات السياسية التي على رأس عملها أو الدول نفسها نفسها وبالتالي تصبح القناة رُمحَ ممولها لمحاربة الدول الأخرى؛ فإذا أرادت دولة أو قناة أن تلوي ذراع دولة أخرى أحضروا منها شخصية تبحث عن مجدٍ زال ولن يعود ليحدثنا باسم التوثيق أو الشهادة عن أحداث جدلية لتثير فتنة طائفية أو عرقية أو سياسية أو مذهبية، وتعطيه الكامرا ليسرح ويمرح مُوجَهًا من مذيع محترف له أجندته الخاصة أضافة طبعًا لأجندة القناة فيعصره بأسئلة دقيقة تجعل الضيف ألعوبةً ساذجةً بيده. وربما يكون الابتزاز ماليًا لتسكت القناة عن بلاوي هذه البلد أو الشخصية الضحية.  ويذكر معظمنا فلم الراقصة والسياسي عندما أرادت الراقصة أن تكتب مذكراتها؛ انهالت عليها العروض بالملايين لتسكت. ويبدو أن موضوع المذكرات أو هذا النوع منه قد راق للجمهور فأصبح متابعًا قويًا للقنوات وأصبح السائد هو مبدأ (الجمهور عاوز كده) وكثر جمهوره فاندفعت معظم القنوات تضخ الحلقات الكثيرة من هذه المذكرات مع الجميع. 
إن أكبر ضرر يمكن أن تقدمه هذه المذكرات على اختلاف مسمياتها لجمهورها هي أنه توقعه في تناقض فبدلًا من خلق جيلٍ يبحث عن الحقيقة نجده تائهًا يُصدِّق هذا أو ذاك بكثرة المتناقضات فيصبح من جماعة ( والله الراجل ده بيتكلم كلام زي الفل) لينطلق لمحطة أخرة فيقول نفس ما قاله عن السابق رغم تناقض المحتويين كما جاء بفلم السفارة بالعمارة لعادل إمام؛ فقد يتصادف أن يكون نفس الموضوع مطروحًا على قناتين متناحرتين تُسبٍّح كلٌ منهما بفلك دولتها.  إذا أي قيمة يمكن أن تحصل عليها عندما  تسمع من هذا أو ذاك.     
هذه الأيام أتابع برنامجًا ينشر مذكرات شخصية على إحدى القنوات وهو تمامًا كغيره من البرنامج لكن ربما كان أصدق من الآخرين فذهب إلى جوهر الأشياء وجلّل اسمه باللون الأسود؛ أي أنه مختص بالسواد من هذه الأمة. لم أرتح لكل ما سمعت باستثناء شهادة أو صندوق الدكتور عبد الله النفيسي وهو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت.  لقد جمع الدكتور النفيسي بين تسجيل حوادث التاريخ وتحليلاته السياسية لها فكان مؤرِّخًا ومحللًا في نفس الوقت وأنا بطبعي أرتاح لمثل هؤلاء الشهود على العصر؛ لا أريده فقط ناقلًا للحدث بل أريد أن أراه هو (المحلل) بين السطور. وربما يسأل سائل وما الجديد فيما قدمه الدكتور النفيسي حتى نال رضاي؟ وأجيب أن ما عرضه أو شهد به الدكتور النفيسي وافق هوى نفسي أنا فاعتبرته شهادة لصالح معلوماتي، أي أن أفكاره تطابقت مع أفكاري الشخصية حول الأحدث المشتركة بيننا.  فقد عرض لأحداث تأثر بها الأردن، وكذلك عرض لأحداث قوية وقديمة في بلدٍ عملتُ فيه ربع قرن وكان صادقًا أيضًا ومطابقة لما سمعت من أهل تلك البلد أنفسهم.
إن كان من فائدة لكل ما سبق من أحاديث الذكريات أو المذكرات أنها استغلت ضعف الإقبال على الكتب فتوجهت لصياغة كل هذا ببرامج مسجلة فجمعت بين المعلومة والترفيه. وهنا تشترك مع مهنة الحكواتي بمقاهي زمان والتي يخرج منها السامع بالكثير من المتعة وربما بالكثير من المعلومة حسب قدرة الحكواتي على التمثيل للوقائع؛ وأسوأ انواع حكواتية هذه الأيام هم المسؤولون السابقون فلا يُمتع حديثُهم ولا تصدق روايتهم إلا إذا ماتت أجيالهم عندها لن يوجد من يقول لهم : كفى.
  دمتم بخير

الخميس، 25 يونيو 2020

الرجاء عدم الوقوف أمام المنزل

إلى مدى يحق لصاحب المنزل أن يضع مثل هذه اللافتة ليطلب من الناس عدم الوقوف امام المنزل! لا اتحدث  عن مدخل جراج سيارة إنما عن سور طويل عريض.. أين ستقف اذا كانت عمان كلها لافتات من هذا القبيل.
اعترض أحدهم مرة على وقوفي فاتصلت على الشرطة فقالوا لي ولا ترد عليه. ممنوع ان تعيق حركة السير  فقط. بعدها صف وين ما بدك.
تبقى قضية العُرف مسألة أخرى.

الاثنين، 22 يونيو 2020

التعليم عن بُعد



سأخالف المعهود وأبدأ مقالي هذا بما يجب أن أختم به وهو التوصية؛ كانت لي مداخلة الاسبوع الماضي على برنامج متابعات بالإذاعة الأردنية حيث كانت الضيفة عطوفة الدكتورة نجوى قيبلات الأمين العام لوزارة التربية والتعليم وكانت الحلقة عن التعليم عن بُعد.  قلت لا اعتراض لدي على برنامج التعليم عن بعد أبدًا ولكن ستكون الفائدة الحقيقية منه لم تتحقق إن وجدنا أنفسنا العام القادم في حيص بيص وفي حيرة من أمرنا إن نفذت نقابة المعلمين تهديها وأعلنت الإضراب. وفي ردها على المداخلة أعتقد أنها لمحت لجاهزيتهم لهذا الوضع.  ارتحتُ لوصية أوصلتها وأرجو أن أكونَ فهمتُ تلميحات عطوفتها بشكل صحيح.
وبالعودة للتسلسل المنطقي للمقالات أستعرض على عجل بعبارات قليلة خلفية التعليم عن بُعد بالقول أن هذا النوع من التعليم لم يكن أبدا بِدْعًا من الأنواع بل قديمٌ ومن القرن الماضي لكنه كان باتجاه واحد ( one way) كما هو الحال بمنصة درسك حاليًا مثلاً؛ فقد درسنا ودرسّنا لاحقًا باستعمال ما كان يُعرف بالتلفزيون التربوي. وما زلت أذكر الاستاذة سعاد فركوح عليها رحمة الله وهي تطل علينا لتشرح درسا بقواعد اللغة الانجليزية مثلا. ولا أدري ما حل بهذا البرنامج لاحقًا.  المهم أن فكرة التعليم عن بُعد لم تكن مستحدثة أبدًا.
ما حدث بالتعليم عن بعد بحُلته الجديدة أن طريقته قد تطورت وانتقلت باستخدام البرامج المنتشرة Zoom  or Meet فجعل من التعليم  حواريًا أي باتجاهين وبهذا  خرج من التلقين إلى الحوار على مستوى التعليم العالي.  لكن هذه النقلة في التعليم لم ترق للبعض وقبلوا به باعتباره جاء نتيجة حالة عامة مرت بها الدولة والعالم أجمع  بسبب الكورونا، ولكن شاب هذا القبول معاراضات وربما محاولات لاستغلال الظرف حتى نضمن عدم العودة اليه بعد انقضاء حالة الطوارئ.  ومن هذه الاعتراضات ما كان مقنعًا كالاعتراض على تكلفة الانترنت فالطالب مثلا دفع رسومه للكلية لتصله المعلومة من المحاضر أو بأي طريقة، فعند الأزمة يجب أن تتوفر له المعلومة وهو في بيته، لهذا كان من المفروض توفير خدمة الانترنت المجانية للطلاب، وكنت أتوقع أن يكون أحد قوانين الدفاع لرئاسة الوزراء حول وجوب مساهمة شركات الاتصالات بمجهود البلد وتفتح الانتنرت مجانًا طيلة الفصل الدراسي.  وهذا يجب أن يكون إن اضطرت الدولة للتعليم عن بعد ثانية.
الطرف الآخر المعارض كان من شقين: الأول هو بعض الأكاديمين الذي لم يطوروا أنفسهم حاسوبيًا وبقيت معلوماتهم متقوقعة في إطار ضيق.  لقد  انقسم هذا الشق الى قسمين فمنهم من طوّر نفسه وأصبح بلبلاً صدًاحا في عالم الانترنت ومنهم ما بقي في صومعته وظل جهاز الحاسوب يشكل بعبعًا  مخيفًا فلجأ لأسلوب آخر خاصة من كان بالتعليم العالي فكان يعطي الطالب واجبًا عن طريق الايميل فينجزوه ويرسلوه للمحاضر بنفس الأسلوب؛ ومنهم من كان يسجل محاضرته ويرفعها على اليوتيوب أو على الفيس ولم يكن هناك حوارٌ أبدا بين الطالب والمحاضر.  وهذا كله دليل قصور تكنولوجي في أمور الحاسوب.  وكان من المفروض أن تكون هناك دورات تدريبية للمحاضرين وبرامج مفهومة يسهل التعامل معها، حتى يشعر المحاضر بأن مؤسسته جادة بالتعامل مع هذا الوضع.
كان بعض الطلاب هم الشق رقم اثنين المعارض للتعليم عن بُعد، ربما لأنهم كانوا يعتقدوا أن المسألة شهر زمان وتنتهي لهذا أحبوا أن يأخذوها إجازة مدفوعة العلامات وتفاعلوا كثيرًا مع هاشتاق كلنا ناجحون ولم يرتاحوا لموضوع راسب /ناجح باعتبار أن هناك فرصة للرسوب؛ ثم تطورت مطالباتهم "لنا الخمسون حقا" وما نحصل عليه طريقة عادل إمام (من جد وجد) هو زيادة على الخمسين لهذا كانت العلامات لو نجح هذا المطلب كلها تسعين فما فوق؛ تصور أن يكون التوجيهي فيه علامة 100 والطلاب بالتسعينات؛ عندها ستكون الدنيا قمرة وربيع.  وللأسف ساعد بعض الأكاديميين الطلبة بهذه المطالبات، لكن غالبية الطلاب لم تشعر بجدية التعليم عن بعد إلا بعد أن شعروا بأنه لا تراجع عن هذا، وهو الفيصل بالنتيجة فواظبوا على الدوام. 
شخصيَّا لم أرى هذا النوع من التعليم الا نقلة نوعية في عالم التعليم الأردني على كافة المستويات وربما سيكون له أبعادٌ اقتصادية كبيرة بالمستقبل. فهي أولا كانت دافعًا للمعلمين والمحاضرين  ومنهم كاتب هذه السطور لتطوير أنفسهم في هذا المجال؛ وستكون فتحًا جديداً في عالم الاتصالات  توفيرا للخدمة وطرحًا لأنواع جديدة من الهواتف أو الألواح حتى تواكب القدرة على تحميل الملفات  فما عادت التلفونات البسيطة تكفي وأصبحت الحاجة ملحة لهواتف أكثر تعقيدًا.
أما على الصعيد الطلابي ربما ينطبق هنا المثل "رب ضارة نافعة" على واقع الحال بالنسبة لهم.  فقد كان لجائحة الكورونا التي عصفت بالعالم أثرها الايجابي على الطلاب رغم اثرها المرعب على الصعيد الاقتصادي والصحي. ومن هذه الاثار الايجابية التشجيع على التحول بشكل فعلي للتكنولوجيا الحديثة وكذلك  الاعتماد على الذات في البحث على المعلومة وربما لن يكون أخرها الجانب الاقتصادي.
لقد نقل التعليم عن بُعد الطلبة من التعامل مع التكنولوجيا في مجالات التواصل الاجتماعي والبحث عن الإثارات السياسية والبث الحي لموضوع تتحطم فكرته بمجرد الانتقال لموضوع أكثر سخونه، وسيتوجه الطلاب الان إلى المجالات والاستعمالات الاكاديمية للتكنولوجيا؛ تلك السياسيات التي قرأ عنها بالكتب ولم يمارسها فعليا؛ ربما سمع أو شاهد  بأحد الأفلام كيف يتواصل الطلاب مع محاضريهم بالألواح الاكترونية وكان استعمالها بالنسبة له ضربًا من الخيال.  وهذا هو  الان يحضر محاضراته الكترونيا ويتابعها ويكتشف شيئا فشيئا أن هذا ممكنًا للطلبة العرب أيضا؛ وبعد أن كان يسمع عن مدارس بالأردن تُدرِّس عن طريق الانترنت والمخصصة للطبقة الثرية وجد أنه أصبح ينتمي لهذه الطبقة بهاتفه المتواضع.
أما الاعتماد على الذات أو تسهيل الاعتماد عليها فقد أصبحت متيسرة جدا بعد أن فقد الشروحات التفصلية من مدرس المادة في قاعة المحاضرات، لهذا أصبح شرح المحاضر غير كاف ولهذا فعليه السؤال والبحث، فيسأل زملاءه أو يبحث في المصادر عن بغيته.  لقد فقد الطالب بعدم التواصل  الصفي مع المحاضر ما جعله استاذ نفسه في تخصصه.
أما في المجال الاقتصادي فقد تأثر الطالب إيجابيا بهذا فهو يوفر مصروفه اليومي  فلا حاجة له بالذهاب للجامعة ويحصل تعليمه ويُختبر وهو في بيته فيوجه مصاريفه ربما لتطوير هاتفه أو ربما سيشتري حاسوبًا محمولا فيكون أداؤه أفضل في هذا التعليم الالكتروني.  ومن يدري ربما سيوفر للطالب فرصة الحصول عل عمل فتتغير حياته دون أن يؤثر ذلك على مستقبله العلمي.
إن كان من توصية لي بهذا المجال إضافة للتي بدأت  مقالي بالجاهزية دائما للمطبات النقابية القادمة أوصي الزملاء المحاضرين والمدرسين وأحبائي الطلبة أن يطوروا أنفسهم كثيرا بمجال تكنولوجيا المعلومات الحقيقية فهذا العلم ليس تواصل وتيك توك إنما عالم جديد يدخلك إلى أبواب المعرفة الحقة لتعرف أين تقف في هذا العالم، فالقادم كله على بُعد وليس فقط التعليم.
ملاحظتان:
 تركز معظم ما كتبتُ عنه عن التعليم العالي لكوني فيه؛ ولم أركز كثيرًا على التربية والتعليم الا إشارة خفيفة بموضوع درسك والتلفزيون التربوي حيث لم يكن التدريس تفاعليا.
هناك رافض ثالث للتعليم عن بعد تجاوزتُه قاصدًا؛ يقول أصحابه أن فئة معينة من الموظفين هم المقصودون به ولهذا يجب أن يُرفض.
أما عن نتائج هذا  الفصل فلم ألحظ اختلافًا كبيرًا بينها وبين الامتحانات التي كانت تجري بالكليات؛ فسيروا على بركة الله.

السبت، 20 يونيو 2020

همبكة المدارس

عند إخواننا المصريين يتسعمل القرع للدلالة على الهمبكة أو الفهلوة أو على شان نقول نحنا بنشتغل. الهمبكة بالمدارس عندنا هو عدد الدفاتر التي تطلب ببداية الفصل الأول والتي تشكل عبئا ثقيلا على ظهور الطلاب عند حملها هذا أولا ونوعا من أنواع الهمبكة التي تتضح بنهاية الفصل الدراسي حيث يكتشف الأهل أن بعض الدفاتر لم يكتب فيها الا صفحة أو اثنتين وذلك لإصرار المعلمات (كما هو الحال بمدرسة أولادي) على دفتر لكل مهارة ففي اللغة العربية مثلا هناك دفتر للمفردات وآخر للتعبير وثالث للاملاء ورابع للقواعدوكان بالامكان استخدام دفتر او دفترين والاجتماعيات ثلاثة دفاتر واح للوطنية وثاني للتاريخ وثالث للجغرافية وكتابة الا 5% من الدفتر من باب الاحتياط. وأكثر ما يلفت النظر وأكبر همبكة هو اللغة الانجليزي؛ فإذا جاي الكتاب من دار ابوه عفوا أبيه ومعه كتاب الطالب والتمارين لها أسطر للحل وأمكن للكتابة فاي داعي للدفاتر. ربما تكون الرياضيات أولا واللغة العربية ثانية أقل الهمباكات في حين باقي المواد كلها همبكة بالدفاتر ويا حبيبي على دفتر الحاسوب.

الجمعة، 5 يونيو 2020

العلاقة بين سلطنة عُمان ودول الخليج العربي


ينشغل هذه الأيام المهتمون بالشأن الخليجي كلٌ حسب هواه بالتسجيل الصوتي المُسرَّب حول حديث جرى بين العقيد معمر القذافي والوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان عن مستقبل الخليج العربي عمومًا والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. وقد انقسمت الأراء حول هذا التسجيل بين مستغرب أو غاضب كما يحصل عادة بمثل هذه التسريبات، لكن القليل فقط شكك بالتسجيل، وانصب الغضب على كيفية التسريب. شخصيًا،لم استغرب ما سمعت ببداية التسجيل من كلمات (نعم) التي كان يرددها معالي الوزير واعتبرتها محاولة من معاليه وهو السياسي المُحنَّك لتجنب غضب القذافي، فلا ندري في  أي خيمة  كان الاجتماع؛ فقلت بنفسي أن معاليه لا يريد أن يكون موسى الصدر رقم اثنين بعهد القذافي ففضل مجاراة القذافي بأفكاره خاصة أنه قد فرغ من إهدائه خنجرًا عُمانيا ثمينًا. إلا أن الإسهاب في الحديث جعل معاليه يطمئن وربما فتح شهيته للحديث بموضوع البديل للسعودية فتحدث واقترح النموذج الإيراني بديلًا  عن النظام السعوي وتطور الحديث عن تقسيم المملكة، وهذه سقطة لا تُغتفر وهي ربما غلطة الشاطر.  وأقصد بالغلطة ظهورها بالعلن لكن بالنوايا ربما لم تكن غلطة؛ فالرجل يعي ويدرك ما يقول دائمًا.
ومن فوائد مثل هذا التسجيل الذي بثته قناة ظفار الحرة  للمعارض الظفاري العُماني في لندن  أنه ربما كان إنذارًا لدول الخليج لوجوب تغيير نظرتها للسلطنة بحيث يكون التعامل معها بمنطق المثل والنِد أو الانتباه أو الحذر كما جاء بمقابلة الدكتور عبد الله النفيسي عندما تعرض للسلطنة ببرنامج الصندوق الأسود لقناة القبس الكويتية. فالسلطنة كما رأيتُها عن قرب وبعد خدمتي فيها مدة ربع قرن في كلياتها الجامعية يجب أن تكون محط اهتمام الخليج من حيث سياسيتها غير المعلنة؛ فالمعلنة عبَّر عنها جلالة المرحوم بإذن الله السلطان قابوس ذات لقاء بأنه يتمنى أن ينظر إلى الكرة الأرضية فلا يجد عداوة للسطلنة مع أي بلد على وجه الأرض.  وقد صرَّح وزير الإعلام العماني الأسبق من أيام التسعينيات معالي عبد العزيز الرواس أن السلطنة لا تميل للعداوة أو التمحور مع بلد ضد بلد من أجل بلدٍ آخر.  وهنا أراهم يتناغمون سياسيًا مع ما جاء بفيديو يتداوله الناس هذه الأيام على لسان  نيلسون مانديلا  بأنه من أخطاء المحللين السياسين أنهم يعتقدون أن أعداءهم يجب أن يكونوا أعداءنا أيضًا.
من منظوري الشخصي وعند تقييم علاقة سلطنة عمان مع دول الخليج ربما لإعادة النظر فيها للوصول إلى شكل أفضل يجب أن يُنظر اليها من جوانب سياسية ومذهبية واجتماعية؛ وقبل المضي بالتحليل الشخصي أحب أن أؤكد أن عُمان رغم انتاجها النفطي إلا أنها ليست غنية لدرجة الثراء الكبير كباقي دول الخليج فهي تعتمد أو كانت على الدعم الخليجي لتنفيذ بعض المشاريع الكبرى وخاصة المتعلقة بشق الطرق  الطويلة أو الصعبة بين جبالها الشاهقة وربما كان هناك أيضًا غيرها. وسأبدأ بالحديث عن هذه المجالات بشكل تفصيلي كما شعرت به أو رأيته خلال فترة إقامتي الطويلة.
ففي الجانب السياسي أعتقد اعتقادًا قريبًا للجزم أن الأسرة البوسعيدية الحاكمة في سلطنة عُمان هي الأقدم تاريخيًا على مستوى الخليج أو ربما العالم العربي كله؛ فجذورها تمتد إلى القرن الثامن عشر وكانت تسيطر على امبراطورية شاسعة تمتد من بلوشستان بشبه القارة الهندية إلى أواسط افريقيا في زنجبار وكلها تحت العلم العُماني وهذا التفسير لوجود أصول مختلفة يحملون الجنسية العُمانية فيها وأصبحوا وزراء فيها؛ كانت الإمبراطورية العُمانية الكيان السياسي الوحيد في المنطقة الذي جاب أسطوله عرض البحار والمحيطات وطولها حاميًا للحدود وناقلاً للبضائع من الشرق لأفريقيا وبالعكس؛ كانت الأقدم بإقامة علاقات وتوقيع اتفاقيات مع أمريكا، وكانت أساطيل الدول الكبرى تعبر المحيط الهندي تحت العلم العُماني حماية لها. وهم قديمًا أساتذة في علم البحار ولا مجال هنا للإطالة في هذا المجال فهو ليس موضوعنا.  
عندما قَدِمتُ لكلية المعلمين بصلالة 1990 وقفت أمام خريطة للامبراطورية العُمانية القديمة معلقة على جدار المكتبة، فقلت كم ظلم هذا البلد نفسه إعلاميًا عندما لم نكن نسمع بمثل هذا قبل أن أحضر لعُمان. والسبب لإطالتي بعض الشيء بهذا المجال لأعرج منه إلى علاقة عمان مع غيرها خليجيًا من خلال مجلس التعاون الخليجي. أرى أن دولة بتاريخ عُمان لا يمكن أن تقبل (ولو داخليًا) أن تكون مجرد تابعة لدولة كبرى أخرى في المنطقة ولا استغرب أن يكون قد دار في خلد بعض السياسيين فيها أسئلة من قبيل متى سيشعر هؤلاء أننا امبراطوية ومتى سيدركون أننا أثبت منهم وأقدر.  وهنا أريد أن استذكر مع القرّاء على سبيل المثال موقف السلطنة من قرار السعودية (نعم قرار السعودية رغم أنه أخذ صبغة مجلس التعاون لاحقًا؛ فقد كان دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بداية الأمر) بدعوة المملكة الأردنية والمغربية للانضمام لمجلس التعاون الخليجي. لقد سمعت الدول الخليجية بهذه الدعوة من الأخبار مما جعل السلطنة تنتفض بأنها غير موافقة على هذه الدعوة ليس كرهًا بالاردن والمغرب ولكن احتجاجًا على هذا التجاهل لباقي الدول رغم التبرير الظاهري بأن هذا يخالف مبادىء مجلس التعاون، وعندما اقتُرِح بأن يتحول المجلس لاتحاد للسماح بضم الأردن وغيرها قال وزير الخارجية العُماني صراحة أنه إذا قام هذا الاتحاد فعُمان خارجه ولن تكون فيه.  فهل يمكن أن تكون دولة بهذا التاريخ مجرد تابع!! 
لهذا لم تشغل السلطنة بالها كثيرًا بما يسمى العمل العربي المشترك فهي بالآخر تنفذ سياسيتها ولها أجنداتها وتبريراتها ومصالحها، ومن هذه على سبيل على سبيل المثال عدم قطع العلاقات مع مصر 1978  كما فعلت باقي الدول العربية بعد زيارة السادات لاسرائيل؛ وكانت حجتها أن العرب بعد سنوات عادوا لمصر: أي أن سياسيتها هي الأصح؛ وهذا التبرير غير  صحيح، فالعرب عادوا لمصر بعد تغيُّر نظام الحكم واغتيال الرئيس السادات وأصبحت العلاقة مع اسرائيل ضمن معاهدة، ولا يمكن للعرب أن يبقوا على مصر في عزلة فعادوا تباعًا؛ وكان جلالة الملك الحسين رحمه الله أول من استصدر قرارًا بالقمة العربية بعَمَّان بأن العلاقة مع مصر شأن سيادي يخص الدول نفسها، وكان أول من ذهب لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك رحمه الله وكان له استقبال حافل وألقى كلمة بمجلس الشعب المصري.  ولاحقًا حدث أن أقامت  السلطنة أو أعلنت ببداية التسعينيات من القرن الماضي عن علاقاتها مع اسرائيل على شكل مكتب تجاري كما فعلت قطر بنفس الوقت ولا أدري إن كان هذا قبل أوسلوا أو بعدها بقليل ولكنه قطعًا قبل معاهدة وادي عربة. وللحديث شجون في هذا  المجال لكن أشير الى التناغم الدائم بين عُمان وقطر بموضوع العلاقة الخليجية الداخلية وأرى الكويت في الدائرة كذلك مما قد يمهد لحلف جديد أو شكل جديد من أشكال التعاون السياسي ولا أستغرب إن ظهر لاحقًا لأيران دور فيه.  ومن يدري ربما هذا ما قصده معالي الوزير العُماني بمقابلته مع العقيد القذافي.
أما الجانب الثاني فهم جانب مذهبي يقابله مذهب مختلف بباقي دول مجلس التعاون الخليجي.  فمذهب  الدولة الرسمي هو الإباضي وفي مناطق أخرى بالسلطنة الشافعي كما كان في  صلالة التي تننشر فيها أيضا الصوفية وإن كان بنسبة تقتصر فقط على جزء من سكانها يطلقون عليهم السادة نسبة للأشراف؛ وقد كان لي حضور أحيانًا لبعض احتفالات الصوفية بالمولد ومنها احتفال برعاية معالي الوزير علوي  نفسه (وهو من السادة ايضا).  وربما قال قائل وما علاقة المذاهب بالموضوع؟ وله أقول: وهل كانت معظم مشاكلنا إلا لخلافات مذهبية فانظر حولك لترى ما يجري بالعراق واليمن وسوريا. لا تقنعني كل الادعاءات بأنه لا خلاف ولا تكتيكات سياسية في الشرق العربي لا تكون مرجعيتها مذهبية في الكثير من الأحيان، وربما تكون بعض التحالفات السياسية لو أمعنت فيها لرأيت مناكفة مذهبية بالموضوع.  لكن إذا كان الجانب السياسي يمكن أن يتم التعامل معه فإن هذا الجانب المذهبي (مُقفل) وسيطول إلا إذا تحولت هذه الدول إلى دول مدنية وهذه الأمنية ليست قريبة المنال كما تشير المعطيات ولا أريد الإفاضة في هذا الأمر حتى لا أغضبهم مني أو يتهمونني بعدم الوفاء؛ فهم قد يتغاضون عن أي انتقاد إلا إذا لمست الجانب المذهبي. وقبل أن اقفز للجانب الأخير اشير أن المذاهب أيضًا لها أجنداتها وحساباتها وهي بالأخير ستقف مع المذهب الأقرب لها مذهبيًا وهذه إشارة لا تخفى على لبيب.  
أما الجانب الاجتماعي فهو منصهر مع الجانب الاقتصادي.  كما أسلفت سابقًا لم تكن عمان يومًا دولة ثرية كثراء بعض الدول وخاصة في الحقبة التي سبقت حكم السلطان قابوس قبل 1970 لهذا كان الكثير من العمانيين ييتوجهون لدول الخليج الأحرى للعمل بمختلف المهن المتواضعة لهذا كانت نظرة تلك الدول لهم نظرة دونية كجنسيات عربية أخرى تعمل عندهم وأخشى أن هذه النظرة ما زالت موجودة. وبالمناسبة استمر العمانيون بالعمل بدول الخليج بعد النهضة مع اختلاف الحال عن ما قبل النهضة فأصبح منهم المهندسون والمعلمون مثلا في تلك البلاد، إلا أننا مثلاً لم نسمع بإماراتي أو قطري أو كويتي يعمل بعُمان. لهذا يراودهم شعور "متى سيتوقفون عن الاضطرار  وهم دولة بترولية للعمل عند الآخرين! فالعمل عند الآخرين يسلب الأشخاص بعض حريتهم وهو دليل أن حال بلادهم ليست كالبلاد الأخرى." وهذا خلق عندهم الشعور بالغيرة.
ومهما كان من أمر إن اعتبرتَ ما قلتُه سابقًا صحيحًا أو لا، فإن هذا لا يبرر أبدًا أن تصل درجة المناكفة السياسية للتآمر على شقيقة عربية.  إن ما قاله معالي الوزير واضح ولا يمكن أن يُقال عنه مجتزأ أو أخرج من سياقه.  أعرف أن السياسة مصالح لكن ليس لمرحلة الموافقة على تقسيم الشقيق واقتراح التنسيق مع أعداءه.  بالمناسبة لا يشكل دهاء القذافي نقطة في بحر السياسية العُمانية وما كان  لمعالي الوزير العُماني علوي أن يجاري القذافي لولا أن وجد الموضوع في نفسه بعض الهوى.  ولهذا يجب أن أعيدكم وأعيد مجلس التعاون الخليجي لنصيحة الدكتور  عبد الله النفيسي وهو أستاذ العلوم السياسية الجهبذ بجامعة الكويت بأن لا تغفل دول الخليج عن عُمان  فهي ليست سهلة كما يظن الغافلون، ورضاها واجب والتنسيق معها حِنكة سياسية كبرى.  لا تتجاهلوا سلطنة عُمان أو تغفلوا عنها فهي كبيرة وذات وزن سياسي عظيم. ولكم أن تأخذوا ما قاله الدكتور النفيسي على محمل النصيحة أو التحذير فهذا شأنكم.  
اختم بمقولة سمعتها من الرئيس صدام حسين حيث قال عندما عرضت سوريا التوسط بينه وبين إيران "عندما يتعرض الشقيق للاعتداء فمن العار على الشقيق الآخر الوقوف بموقف الوسيط بين شقيقه وعدوه".
دمتم بخير.

الجمعة، 22 مايو 2020

الكورونا والنموذج الأردني


لم تفلح كل الدعوات بأن يكون عام 2020 عامًا سعيدًا ينعم فيه العالم بالرخاء الاقتصادي والسياسي وما إلى ذلك من أصناف الدعاء ؛ بل كانت على النقيض من ذلك بما جرته على العالم من بلاء وامتحان شديد.  فما أن توقفت دقات الساعة معلنة دخول العام الجديد  حتى طالعتنا أنباء الشؤم بهذا الفايروس اللعين الذي اخترق العالم فأقام في بلدانٍ وسرح ومرح فيها طولًا وعرضًا ونسي أخرى أو تناساها!. لكن هناك من يقول رب ضارة نافعة وسأحاول في هذا المقام المتواضع أن أبحث فيما إذا كانت  حقًا نافعة فعلا أم لا. 
 بداية الأمر كان الإعلان عن الكورونا في الصين في منطقة وااهان. وكان الحديث عنها اشبه ما يكون بالنكتة تداوله الناشطون عالميًا وعربيًا وأردنيًا كأنه طرفة. ومنهم من قارن بينه وبين حالات انفلونزا مشابهة وسابقة بدأت بانفلونزا الطيور وتلتها  الخنازير؛ لهذا كان السؤال دائمًا ماذا بعد الكورونا! بمعنى أي فلم هندي قادم سنرى؟  
ورغم السؤال المُحِق حول عدم ظهور الكوورنا بالكثير من الدول المهيأة لهذا الفيروس صحيًا وبيئيًا على مستوى النظافة بسبب الفقر والحروب والكوارث باستثناء بعض الحالات التي تُذكر على سبيل ذر الرماد في العين وكأنهم يخافون عليها من الحسد، إلا أن العالم كان أكثر انشغالا بالأعداد التي ترتفع عكسيًا مع أسعار البترول، فكان عداد الإصابات والوفيات بارتفاع يقابله هبوط  باسعار النفط. وربما لم يحن الوقت لإثارة هذا التساؤل بشأن هذه العلاقة العكسية.  
كانت بداية دخول الكورونا للاردن بعد أربعة أشهر من ظهور الفايروس في الصين؛ وكانت أول الاجراءات الحكومية بمنع المسافرين من الصين وكوريا بدخول الأردن ثم إدخالهم تحت اشراف الحكومة وبتنسيقها؛  لكن الحزم الحكومي تمثَّل بالجدية التي حرص الاعلام أن يوصلها  للجمهور بعد تشخيص حالة كورونا قادمة من ايطاليا بأن الأمر لا علاقة له بالنكتة.  وكان بداية الأزمة الحقيقية  الإعلان عن "لدينا حالة كورونا". 
ولأننا دولة  تختلف عن باقي الدول ربما بسبب أنه ليس لنا فرصة  للحياة الا بالنجاة من هذا الوباء، لا بل والتفوق على باقي الدول، لهذا  سار الأردن بأكثر من أسلوب: إعلاميًا  ودينيًا وصحيًا  وتربويًا  من خلال ما يُعرف بخلية الأزمة.  وتتشكل خلية الأزمة من كل القوى المؤثرة على مسار الحياة في الأردن ويتقدمها الجيش الذي يحظى بثقة الجمهور الأردني كثيرًا والسبب أن يد الجيش لم تتلطخ أبدًا بدماء الشعب الأردني.  وقد تبين في تصريح  لأحد أعضائها بأن الخلية قد تدربت ومنذ عام 2017 على خطة نجاة لو تعرض الأردن لوباء مميت.  وبالمناسبة لم يسبق أن سُميت موجات الانفونزا السابقة بالوباء كما هو الحال بالكورونا؛ لا بل استعمل الأردن لها اسمًا مؤثرًا ألا وهو الجائحة. 
من هنا انتقلت الجدِّية إلى وجوه الشعب الأردني عندما كثرت التصريحات الحكومية حول ضرورة تتبع الاجراءات الصحية التي كان يعلن عنها وزيرٌ قُدّر للأردن أن يكون سمح الوجه طلق اللسان ذا نبرة تفاؤلية يطلق من خلالها التحذير الجدي بأن الأمر جلل وليس بالسهل.  فأصبح الحديث عن التباعد بين الأشخاص وارتداء الكمامات  شيئًا ضروريًا ؛ ولم يعد الحديث عن ضرورة تغيير بعض العادات الاجتماعية أمرًا مستهجنًا .  وأصبح التصريح الوزاري يصدر بشكل دوري ويومي وفي وقت محدد وأصبح انتظاره حدثًا عائليًا مهمًا في الأردن.
وبعد التهيئة الحكومية لهذا الوباء الخطير أصبح من الضروري الانتقال للمرحلة الثانية من مكافحة الوباء فظهر تذمر حكوميٌ من عدم جدية الناس بالتعامل مع الاجراءات لهذا كان إصدار قانون الدفاع الذي يخوّل رئيس الوزراء إصدار الأوامر والاجراءات الدفاعية التي لها سلطة القوانين التشريعية فبدأت بتعطيل الدوائر الحكومية كلها وحظر التجول تحت سيطرة الجيش  وإدارته وحزمه . وكان لا بد من السيطرة على بعض حالات الاجتماعية من الفلتان وعدم الجدية بالنظرة للأمور  الصحية ومنها الأعراس والتجمعات والمخالفين لأوامر حظر التجول بتغريمهم وحجز سياراتهم.   
أصبح الأردنيون – وهذه عادتهم عند كل أمر جديد- خبراء بتحليل النتائج ومتابعة الأخبار العالمية حول الكورونا وكلما سمعوا بحالات وفاة بهذه الدولة أو تلك كانوا يشبعونها  تحليلاً بالنهاية يصدقون هذه النتائج أو  بعضها أو يرفضوها. كذلك  لوحظ  أن الفجوة بين الشعب والحكومة قد ضاقت كثيرًا  وإن اتضح لاحقا أن هذا بسبب الخوف من الجائحة.  فقلّت الشائعات كثيرا ببداية الأزمة باستثناء  اشعاعات كان يطلقها جماعة عرفت بالاردن بأنهم ( بتوع اللايفات أو البث المباشر) وصاروا مصدرًا للنكتة وهاج الأردنيون ضدهم عندما اقترب أحدهم من الجيش. ويمكن اعتبار هذه الثقة بين الحكومة والشعب إحدى الفوائد للكورونا ولو أنها كانت (جُمعة مشمشية) إذ سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة بعد أن شعر الأردنيون بالاطمئنان نتيجة تجاوزهم المحنة كما ظهر عندما بدأ مسلسل صفر حالة من معالي الوزير التفاؤلي. 
ولقد اختلط الجانب الاجتماعي بالصحي وبالديني  في طيف واحد؛ فقد تغيرت عند الأردنيين  الكثير من العادات التي ما توقعنا أن تحدث فاختفت عادة التقبيل والمصافحة الدائمة عند كل لقاء كمؤشر على زيادة الوعي الصحي؛ وتقبل الناس فكرة اغلاق المساجد من باب الفرار من قدر الله الى قدر الله، وهذه ليست بالأمر اليسير على الأردني الذي يمشي فيه الدين ممشى الدم ولم يستوعب ابدًا أن يأتي يوم تُغلق فيه المساجد حتى لم يكن يصلي فيها الكثيرون، وكان حالهم كحال الذي لا يصوم رمضان ولكن كان يصر على أن تحضِّر زوجته له السحور محتجًا بمقولة يعني مش بكفي ما بنصوم كمان ما نتسحر!!
وقد شكل مفهوم التعليم عن بعد تغييرًا جذريًا وتحقق بفضل إصرار الدولة عليه و لا أنسب الفضل فيه للشعب، فما زال الشعب  يشكك في جدواه.  وقد أُشارك الشعب هذه المخاوف لو كان الوضع مخططا له من قبل، لكن الوضع كان مفاجئًا للجمييع وكان لا بد من قرار.  وحتى نكون منطقيين يجب الاعتراف بأن هذا النمط من التعليم قادم لا محالة آجلا أو عاجلا فالمسألة مسألة وقت؛ وسمعت أن بعض المدارس الخاصة في الأردن تطبق مثل هذا التواصل مع طلابها للتعليم، لهذا لن يكون مستهجنًا ذات يوم. لكنني أشارك تخوف الناس من ما يسمى بصدق النتائج من حيث التسهيلات الكثيرة.  أما على الصعيد الشخصي فإنني معجب بالتجربة  وبحماس الطلاب الجاديين  لها ولا أتحفظ إلا على موضوع الانترنت حيث كان يجب أن يكون الانترنت مجانا وبموجب قانون دفاع يلزم شركات الاتصال بتوفير الخدمة مجانًا بهذه الفترة الحرجة. واعتقد كذلك أن تجارة التاب  ستزدهر قريبًا حتى تتحمل كل هذه المجلدات الضخمة.  كذلك كشفت هذه التجربة عورة بعض الأكاديمين الذين كانوا غير مستعدين لمثل هذا النوع من التدريس. 
وفي الختام وليس من باب الإحباط لكن من باب الاستدراك لأقول أن كل ما ذكرت سابقًا عن فوائد أزمة الكورونا  أنه بداية التحول وليس التحول كله والدليل أنه ما أن أتيحت للأردنيين  فرصة الانعتاق من قيود الحظر حتى تزوجوا وأقاموا الدبكات واختلطوا وتباوسوا  ورموا بالكمامات جانبًا وطنشوا موضوع التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان وتساوى فيها الناس عالمهم وجاهلهم كما دلت حالات الكورونا التي اكتشفت بعد ذلك بسبب عامل التباعد الوهمي.  ولك أن تتصور حالة الناس عندما تعود الناس للمساجد ولو جاء بعد فترة طويلة من الزمن. ودلت كذلك على أن الأردنيين هم تماما كباقي الشعوب يلتزموا بالقوانين إذا ألزِموا فيها وبالقوة لكن عند أول فرصة لا نتحدث عن وعي شعوب أبدًا.
لكن الدرس المستفاد من أزمة هو أن تكون الدولة جاهزةً إذا قُدِّر لها أن نقع بمثل هذه الأزمات.  فلس من المعقول أن نبدأ دائما من المربع الأول إذا أضطرتنا الظروف لمثلها. لنعتبرها مناورةً تدريبية للقادم من الأزمات.  ويبقى الأمر الأخير متعلق بالشعوب وهذه فيها من الكلام الكثير.

الثلاثاء، 5 مايو 2020

في بحور الشعر


اليوم كنت أحضّر لابنتي درسّا بالعروض فعادت بي الذكرى للصف الأول الثانوي عندما تعلمنا العروض على يد استاذي الدكتور شفيق عجاج رحمه الله الذي حدثتكم عنه كثيرا لدرجة أني أخال معظم أصدقائي أصبحوا يعرفونه.  كان العروض نوعا أو بابا جديدا من أبواب العربية التي تميزتُ بها على يديه بالإعدادي لكن العروض كان  علما جديدّا لم نعهده من قبل بالمدرسة. 
المهم بدأنا بالمادة وكان استاذنا عليه رحمة الله يعلمنا بحور الشعر وكان أولها الهزج لكنه حولها من حصة تقليدية إلى حصة غنائية جعلت من كل طلاب جديتا بتلك  الفترة ينتظرون الحصة بفارغ الصبر، فكان أن علمنا البحور  غناءا أو تمثيلاً فحدثنا عن بحر الهزج بأنه يشبه مشي الجمل فكان يمثل بيدية هزجنا في بواديكم مفاعيلن مفاعيلن .  ثم انتقلنا  الى البحر البسيط فقال هو شبيه بأغنية سميرة توفيق  لا تطلعي عالدرج يا عليبة القهوة  فابدعنا بحفظه وخاصة ب ريم على القاع بين البان والعلم  //  أحل سفك دمي بالأشهر الحرم (جربوها هههه )  ثم  البحر الوافر وبحور الشهر وافرها جميل على لحن الدراويش الصوفية وبعدها الرمل  رمل الأبحر ترويه الثقات  وهذا على بحن أهزوجة عطريق الغور جنك ساحبات .
الله يرحم استاذنا الكبير ونسيت احيكلكم أنه عندما سبقنا صف لمدرسة دير ابي سعيد أخبرنا الطلاب أن الأستاذ ونس الطقة الله يرحمه لا يعترف بالغناني ويطلب التفعيلة وشكلهم الشباب  تشلبكوا هناك.  فأخبرنا الأستاذ شفيق الذي قال مهو اذا انت واياه عرفت البحر شو ظل عليك. هه تفضلوا الحرف الصوتي الواحد  زي حرف الباء بدون نقطة والأكثر من مقطع شحطة. وبنفس الحصة اصبحنا نقطع البيت بعد أن نعرف بحره وبعدها عرفنا الطريقتين. 
ومن طرائف الشعر والعروض أنه عندما انتقلنا نحن لدير ابي سعيد دخل الاستاذ ونس وكان رحمه الله استاذا متميزا فأحب أن يختبرنا بالعربي كحصة أولى وشكله كان سامع عن سولافتنا بالشعر فأعطانا بيتا على بحر البسيط فرفع الاستاذ محمد آدم أصبعه وغناه فضحك الصف والاستاذ وقال ليس هكذا فرفع اصبعه واحد أنا بعرفه جدا اصبعه وقطع البيت وقضي الأمر واستوت على الجودي فأخذ الاستاذ ونس فكرة أن فينا طلابا ممتازين.
عندما التقيته رحمه الله بدار أخي (هو عم زوجة أخي) وكان ذلك قبل وفاته بمدة بسيطة استغرب أني لا اقول الشعر، فقال خليني اقعد معك شوي وضحك وقال واذا بعدك مثل ما كنت بالمدرسة بطلعك شاعر.  فضحكنا  ثم افترقنا.
حكي بجر حكي والدنيا  بتروح سوالف.