دعني بداية أستبق الاحتجاج على عنوان الموضوع بالتأكيد على شرعية
الاحتجاجات، فلا يوجد أبدا أي مسوغ للاعتراض على من يطالب بالإصلاح أو حقوق شخصية،
و لكننا هنا نتحدث عن حادثة إلقاء أحدهم حذاءه تجاه المنصة التي كان يجلس عليها
دولة الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء.
و قد نقلت الأخبار أن القاذف إنما كان يحتج على إدارة الجلسة لعدم السماح
للمواطنين بالحديث مع دولته، و بالتالي يمكن تفسيرها بأنها لا تقصد شخص دولة
الرئيس لشخصه الكريم و إنما الإدارة.
و لقد أخذت الحادثة جدلاً كبيراً بين رواد الفيس بوك و كان لها من يبررها
على قلة عددهم مقارنه مع من كان ضد الحادثة باعتبارها خروجاً عن المألوف الأردني
من حيث احترام الضيف أو رفض هذا الأسلوب بالاحتجاج. فالبرغم أن دولة الرئيس هو
صاحب الولاية العامة، و يتفقد رعيته كجزء من ولايته، إلا أن الأردنيين اعتادوا على معاملة المسؤولين
معاملة الضيوف، و هذا هو تراثنا و ليس من السهولة التخلي عنه. و كلنا يعرف طبعاً أن زيارة المسؤول بروتوكولية
نخرجها نحن الأردنيين من صفتها الرسمية إلى الاجتماعية فور وصول الضيف: فتبدأ
بفناجين القهوة السادة و تنتهي بالمناسف؛ و لم نسمع بمسؤول زار منطقة معينة دون
المرور بهذا البرنامج. و إذا أصر المسؤول
على القيام بمهتمه بشكل رسمي يرتفع الهمس و اللمز و الغمز بأن سعادته / معاليه
.... زعلان. لهذا يعتبر مسؤولونا ضيوفاً عندنا.
و لهذا شكلت الحادثة إحراجاً للمنظمين عامة و لأهل القاذف خاصة؛ فبادروا
بالاعتذار لدولته في حينها. و كان الرفض لها من أنها جاءت بوجود ضيفٍ مسؤولٍ كبير
السن عف اللسان، فلم ينقل عنه أي إساءة لأي طرف من الأطراف. لهذا كان يجب أن يكون الاحتجاج بطريقة تليق بنا كأردنيين. و إذا كان هناك من يذكّرنا بحادثة حذاء الزيدي فهذا الشخص نسي أن الزيدي عراقي احتلت أرضه
فضرب المحتَل الغاصب لبلده المقوض لنظامه الرئيس بوش، أما في حادثة جرش فالاعتراض عليها أنها جاءت من أردني إلى أردني؛ و هناك فرق.
لكن هناك نقطة أريد أن أتوقف عندها و هي حبنا لتقليد الآخرين (كإلقاء
الأحذية) في موضوع الحراك و الربيع عموماً، فكانت حراكاتنا (أسلوباً و شعارات) إنعكاسات لصور الربيع الأخرى في الخارج رغم
اختلاف الصورة؛ و أستنثي من ذلك اعتصام ختيارية الفوسفات الذين كانوا يغنون يابا
الخير. و لنعد الى بداية بداية الربيع و خاصة عندما اقترب منا و بالتحديد في
مصر. ففي مصر خيموا في ميدان التحرير و في اليوم الثاني راقت الفكرة لجماعتنا فأرادوا التخييم على دوار
الداخلية رغم أننا نسبقهم بالحراك، فلماذا لم ننتبه لموضوع الدوار مثلاً قبل هذا؟ و سال الدم في مصر و في غيرها فأراد الإخوان
هنا (و لا أقصد الإخوان المسلمين طبعا فهؤلاء عادة يحضرون بآخر العرس) أن يسيل
الدم أردنياً فكان مسلسل الاستفزازات لقوى الأمن العام ( الله يقويهم) مستمراً منذ
بداية الربيع لغاية الآن، و لن يكون أخرها الاعتصام أمام دائرة المخابرات العامة كمنطقة أمنية محظور الاقتراب أو التصوير قربها كعرف
دولي كونها مؤسسة عسكرية. لهذا أخشى إن استمر مسلسل التقليد أن يسيل هذا الدم
لأن هناك من ما زال ينفخ بكير الفتنة. و أسأل الله أن يرد كيده إلى نحره.
بالعودة إلى موضوع قذف الحذاء
أتوجه بالشكر لدولة الدكتور عبد الله النسور لأمره بطي صفحة القضية و كأن
شيئا لم يكن؛ لقد كان فعلا الحكيم الذي
يجبر يد المكسور؛ فالبلد ليست بحاجة لمزيد من الأزمات. و مرة أخرى نؤكد على أهمية الاحتجاجات و لكن
ليتذكر الأردنيون أن قذف الحذاء له مدلولات أكثر من مجرد الاحتجاج أردنياً؛ فلا
يخرجنا حبنا للتقليد عن موروثنا الأردني الأصيل.
و دمتم أردنيين نشامى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق