الحراك الأرثدوكسي الأردني
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتوجه بها الأخوة
الأرثدوكسيون بالنداء لجلالة الملك للتدخل
لإنصافهم في قضيتهم التي لم تُحل من فترة بخصوص تعيين بطريرك لكنيستهم من غير أردني
كما فهمتها بالإضافة إلى عدة أشكال من الجور الديني لديهم كما جاء بالأخبار؛ فقد
علا صوتهم محتجين أكثر من مرة حول الظلم الذي تكرر بخصوصهم؛ و لأنهم أردنيون لجأوا
إلى حكومتنا لإغاثتهم. و لهذا و من باب الأردنية الصرفة لا أشعر
بالحرج كمسلم بالدخول على هذا
الأمر الإداري المسيحي الخالص. فقضيتهم
تتمحور حول موضوع إداري أثاروا حوله الكثير من النقاط التي يجب أن تُناقش على أكثر
من صعيد. و لن أدخل في الشأني الديني
الخالص لهذا الأمر فهو أمر داخلي. لكن
يهمني إثارة بعض النقاط المدنية حول
الموضوع. فلهم في أعناقنا حق المواطنة و حق الذمة إذا أخذنا الجانب الديني
بالاعتبار.
فهم أولاً استصرخوا جلالة الملك كأردنيين يجب على الدولة
حمايتهم بصفة المواطنة أولاً و بالصفة
الوصاية على الأماكن المقدسة بالقدس عموماً و لهذا فإن الحديث عنها أردنياً لن
يكون بعيداً عن الموضوع. فمن لهم إن لم تنتصر لهم بلدهم و حكومتهم ضد هذا الجور
الواقع عليهم؟
أما من وجهة النظر الدينية فتجب مناصرتهم استناداً
لمقولة عمر بن الخطاب و الله ما أنصفناك إن أخذنا منك الجزية شاباً و تركناك كهلاً. نعم، أدرك أنه لا جزية مفروضة في هذا المجال، و
لكن هؤلاء الإخوة هم مواطنون كاملو المواطنة، و دافعوا ضرائب شأنهم شأن باقي الأردنيين،
لهذا وجبت نصرتهم. و حتى نبقى بنفس السياق
نستذكر أن مسألة العيش الإسلامي المسيحي كان محوراً من محاور رسالة عمان الشهيرة؛
فبالفزعة لهم نكن قد نقلنا هذا المحور من النظرية إلى التطبيق.
و ربما كان هذا الحراك الأرثدوكسي يفتح الباب لمناقشة
الأديان جميعاً بالدول العربية و الأردن خاصة بصفته رائداً بهذا المجال. و هنا
أعود لاقتراح الدكتور أحمد كريمة عندما اقترح أن يمتد نشاط وزارة الأوقاف ليشمل
رعاية باقي الأديان على أرض الوطن من تعهد لكنائسهم و تعيين و دفع رواتب رجال دينهم على أن يتغير مسمى وزارة الأوقاف ليصبح وزارة
الأديان. فيكون حال كنائسهم كحال المساجد، و رجال دينهم كالشيوخ. و لهذا الأمر أهمية سياسية و دينية أيضا. و لا يحتج أحد بالميزانية فالمساجد معظمها على كتوف الأجاويد إلا الرئيسة منها، لهذا إضافة الكنائس لن يزيد
العبء على الوزارة. و من الناحية الدينية
و الإدارية سيكونون مسؤولين أمام الوزارة شأنهم شأن الأماكن الإسلامية، و خاضعين
لتوجيهاتها. فليس ممن المعقول أن تأتي
التوجيهات لهم من الخارج.
و للإشراف على
الأماكن الدينية المسيحية أهمية سياسية و خاصة في مجال السياسة الوقائية التي
اشتهر بها الأردن؛ فيجب استباق الريح قبل هبوبها. فالإخوة الأرثدوكسيون ملتزمون بالقانون و لا نوجه لهم أي اتهام؛ و
لكن لا ندري من سيركب موجتهم لاحقا كباقي الموجات السابقة. فالمسيحيون عموماً لم يشاركوا بالقرن الحديث
بالتوجهات الدينية السياسية بالمنطقة رغم أنهم كانت لهم جولات طبعاً إبان الحروب
الصليبية قديماً. و رغم بُعدهم لهذه
اللحظة إلى أنهم ربما يقررون دخول هذا المعترك في ضوء ازدياد المد الإسلامي
السياسي و المتطرف منه، و في ظل الإعلان الجديد لإسرائيل ليهودية الدولة سياسياً رغم أنهم يمارسون يهودية
الدولة فعلِياً منذ إنشائها؛ لهذا ربما
فكر الإخوة المسيحيون بالدخول بهذا المعترك أيضاً، فمن يدري ؟ و إذا ما قرروا ذلك فلك أن تتخيل مستقبل الأردن
لأنه سيكون كما يُخطط مستقبِلاً لمزيد من الأزمات لأن قدره أن يكون حل مشاكل الآخرين
على حساب الأردن و الأدنيين. سيكون الوضع
كما يقول الشباب المعاصر هذه الأيام " دندرة".
و ختاما تذكرت مقولة لأستاذي عندما كنا بالإعدادية حيث قال ممازحا أحد
الزملاء الطلاب المسيحيين لي بالصف الأول إعدادي على ما أذكر "و الله ما أنا
عارف كيف سيدنا المسيح من عندنا و الحج المسيحي عندنا و قداسة البابا من أوروبا:
ليش ما يكون من عندنا". و هنا آمل أن لا أكون بهذه المقولة قد خربتُ ما
بدأت به من محاولة لإصلاح وضع الإخوة.
فهل ستقول الحكومة للإخوة الأرثدوكسيين أبشروا بالفزعة؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق