الأحد، 20 أبريل 2014

القهوة العربية السادة


دعونا نتوقف عن أحاديث السياسة والانتخابات مؤقتاً, فسأحدثكم اليوم حديث الهيل للدلّة كما قال الشاعر عمر الفرا.  فبعد أن كتبت عن المنسف وطقوسه الاجتماعية في مقال سابق, أكتب اليوم عن القهوة العربية الأصيلة التي تكافح من أجل البقاء في دلالها ساخنة تحي الضيف وتودعه.  القهوة ألتي أصرت نيران الضرائب أن تلحق بها  لتجعلها بعيدة عن شفاه الأجاويد, لكن هيهات, فكله إلا القهوة.

القهوة العربية يا سادة يا كرام  مشروب انتشر في بلاد الشام والجزيرة العربية قبل أن ينتشر إلى باقي دول العالم على شكل نسكافيه أو اكسبريس أو قهوة تركي.  تنبت القهوة عربياً طبعا في بلاد اليمن وهنا بالمناسبة لا أدري لماذا لا نستورد القهوة من اليمن بدلاً من البرازيل, أم لعلهم يستوردون, لا أدري.   

قديما كان تحضير القهوة يمر بخطوات من تحميصها  على النار بالمحماسة ذات الذراع الطويلة, إلى طحنها بالنِجِر (المهباش) بصوت شجي هو صوت المهباش, وتُغلى على النار لمدة معينة ثم تترك حتى ترسي, ويضاف لها الهيل و جوزة الطيب حيث ورد بالأغنية الشعبية : يا بهارها جوزة الطيب.  وتُصب بالدلة وتوضع قرب النار أو بالسخان لتبقى ساخنة.   ومن المفيد لنا أن نذكر سبب تسمية المهباش بهذا الاسم.  يُحكى أن أحد الشيوخ كان يرسل خادمة واسمه مهباش ليدعو الناس على طعامه إذا جاءه ضيوف. وبعد مدة الزمن توفي مهباش هذا.  فأصبح صوت النِجِر بمثابة الدعوة للطعام, فقال الناس عن صوت النجر هذا صوت مهباش الشيخ الجديد, وبهذا أصبح يطلق على النِجِر اسم مهباش.

 تسكب القهوة بكمية قليله في فناجين خاصة وتصب للضيف أو لمن حضر. ويختلف حجم الفنجان من مكان إلى آخر ولكنها تتشابه في أنها ذات فتحات أكبر من قاعدة الفنجان وليس لها مقبض.  يقدم المعزب القهوة لضيوفه واقفاً بعد أن يبدأ بنفسه مطمئنا الضيوف ليشعروا بالأمن.  وتُسكب كما يسكب الشاي المغربي بحيث ترفع الدلة الى الأعلى ثم تنزل على الفنجان محدثة صوتاً  عند التقاء الدلة بالفنجان لتنبيه الضيف ان الفنجان قد جهز, ويقدمها لهم بيده اليمين, ويبدأ بالضيف ثم إلى من على يمينه إلى أن ينتهي من جميع الضيوف.  أما القول السائد بأن القهوة عن اليمين حتى لو كان أبو زيد على الشمال فهذه عندما يكون الموجودون محلية أي ليس بينهم ضيوف.

 يتناول الضيف الفنجان بيده اليمين أيضاً وباليمين يرجعه بعد أن ينتهي, ويقال ان من يتناول الفنجان باليسار  أو يعيده للمعزب باليسار لا يستحق أن يعرض عليه الفنجان الثاني إلا إذا كان من أصحاب الأعذار.  وبما أن عدد الفناجين محدود فلا يحبذ أن يحتفظ الضيف بالفنجان في يده طويلا أو ينشغل بالحديث مع من حوله وهو يحمل الفنجان, إذ عليه أن يفرغ من الفنجان سريعا حتى لا يبقى المعزب واقفاً وحتى يتمكن من تقديم القهوة لمن بقي من الموجودين.  يعلن الضيف عن اكتفائه من شرب القهوة بهز الفنجان.  ومن العيب رفض القهوة بقول "شارب قبل شوي, أو شكراً مش عاوز" وتوجب  حق العرب لأن هذا انتقاص من قيمة المعزب.

يحدد عدد الفناجين بثلاثة فناجين ولا يزيد عليها, لأن الزيادة عن ثلاث يعتبر طعناً في جودة القهوة للمعزب ويقال أنها كالماء, إذ تكفي ثلاثة فناجين لتكيف رؤوس الرجال.  فالفنجان الأول للضيف وهذا يتساوى فيه الجميع, ثم هناك الفنجان الثاني وهو للكيف أي لمن أعجبته القهوة ويريد أن يُكيّف نفسه منها,  ومن هنا فإن الفنجان الثالث إنما هو للسيف أي في حالة الغزوات كان يعلن الشيخ أن هذا فنجان فلان فمن يشربه, فيشربه احد الفرسان أصحاب السيف دلاله على قبوله المهمة التي كلفه بها الشيخ.  ومن الغريب أن خبر فنجان فلان سرعان ما ينتشر إلى أن يصل إلى الشخص المقصود.فيبحث صاحب الفنجان عن شاربه ويقابله ولا يعود إلا بقتله أو يُقتل دونه. وبما أنه لم يعد هناك سيوفاً وغزوات ومبارزات, فالواجب يقتضي أن تكتفي بفنجانين فقط.  
إذن: 
الفنجان الأول للضيف
الفنجان الثاني للكيف
الفنجان الثالث للسيف

أما الفنجان الرابع فقلة حيا بالضيف (المعذرة, هكذا سمعتها)

يعتبر انتقاد القهوة تلميحاً أو تصريحاً من الأمور المعيبة بحق المعزب وتستوجب اللجوء إلى القضاء العشائري.  فلا يجوز الإشارة إلى قِدم القهوة أو  تغير طعمها أو درجة سخونتها, بل تشرب القهوة عند الغانمين كما تقدم لك ثم تهز الفنجان وتقول دايمة إلا إذا  قُدمت القهوة بالعزاء.  وهنا دعوني أروي لكم هذه القصة المختصرة من تراث البادية حول هذا الموضوع.

يحكى أن شخصا طلب بنت شيخ القبيلة مرة وثانية وثالثة والشيخ لا يجيبه إلى طلبه ويرفض كل الجاهات. فتم الاتفاق بين الشاب والبنت التي كانت تبادله نفس الحب أن تضع عشبة في قهوة أبيها وينتقدها الشاب أمام الحضور. وفعلا تم ذلك وفي بيت الشعر وبعد تناول الشاب الفنجان من القهوجي رشف رشفة ثم رمى بالفنجان وقال للشيخ: قهوتك صايدة ** يا شيخ, فاستشاط الشيخ غضباً وقال وماذا إذا لم تكن صايدة فقل الشاب اقبل بحكمك أما إن كانت صايدة فعلاً فتعطيني طلبي فوافق الشيخ. وعند سكب القهوة من الدلة على الأرض وُجدت العشبة في القهوة فقال الشاب أنا طالب فلانة فقال له الشيخ جتك.  يقال أيضا أن الشيخ والحضور أدركوا الحيلة وأن قهوة غير صايدة أصلاً, ولكن لم يكن بوسع الشيخ التراجع عن طلب الشاب.

وللقهوة معان أخرى غير تحية الضيف, فهي التي تطلب بها العرايس  بمناسبات الزواج أو  يفتتح بها الكلام بجاهات الصلح بين الأطراف المتخاصمة.  فيوضع الفنجان أمام كبير الجاهة ليفتتح به  الكلام حول الموضوع الذي جاء من أجله.  وتعتبر عبارة "اشرب قهوتك, وابشر باللي أجيت فيه" علامة قبول الطلب.  وهناك مفهوم خاطىء بهذا الخصوص عند بعض الناس وهو إذا لم يتحقق طلبه يقوم ولا يشرب القهوة, وهذا لا يجوز, ففنجان القهوة إنما يوضع طلباً للكلام فقط, لكن إذا لم يحصل الشخص على مراده فلا يجوز أن يضع المعزب في هذا الموقف المحرج بعدم شرب القهوة.  كلنا نعرف طبعا أنه في حالات الصلحات  وخاصة بالدهس يأتي بعض الوجهاء بطلبات فيها تضيع حقوق لأيتام, فهل يجوز أن نخسر حق الأيتام من أجل فنجان القهوة؟؟

وتطيب القهوة بالمضافات والتعاليل عندما يكون الأهل والقرايب والعزوة مجتمعين فيقول كبير الجالسين  لأصغر الموجودين :" دير هالقهوة عمو" فيبدأ الحديث ويتشعب والكل في لحظة صفاء نفسي.  يقوم الناس إلى نومهم بعد أن يكونوا قد رتبوا العالم على كيفهم وكما يحلوا لهم.  وبما أن هذه الأيام تشهد تجمعات كبيرة للانتخابات فان فنجان القهوة ربما يحسم التصويت لشخص معين دون الآخر.  وقديما قال الشاعر  راكان بن حثلين

يا محلا الفنجان مع سيحة البال  // في مجلس ما في نفس ثقيلة          

هذا ولد عم وهذا ولد خال        //  وهذا رفيق ما لقينا مثيله

شروا  الحاضرين

هذه نبذه سريعة عن القهوة العربية, فهل بعد كل هذا تستحق القهوة كل هذه الضرائب الحكومية؟  إنني أقترح بدلاً من فرض الضرائب صرف بدل قهوة للأردني لأن هذا إعانة له على الحفاظ على هذا الموروث الشعبي الأصيل. 

 تحياتي لكم جميعا واشربوا قهوتكوا وابشروا بالللي جيتوا فيه ويا هلا بيكم.


** القهوة صايده للشباب الذي يجهلون ذلك دلاله على وجود حشرة بالقهوة غيرت طعمها.



السبت، 19 أبريل 2014

فروة أبو الحصينييات

يحكى علاقة صداقة قامت بين أبي الحصين (ابو الحصينيات) و أحد النسور. و توطدت إلى وصلت أن يجلب النسر صيده لأبي الحصينيات و يأكلوا مع بعض. و لأن أبو الحصينيات لا يمكن أن يعيش دون مكر فكر في طريقة يمازح فيها النسر.
فقال له يا صديقي: أنت فضلت على راسنا من فوق: كل يوم تأتي بأكلك لي و انا لا أستطيع فعل نفس الشيء معك.  لهذا ما رأيك أن أحملك على ظهري و أتجول فيك في الغابة فترى الأشجار و الأزهار. فوافق. و في سيرهم بالغابة تطاير ريش النسر من كثرة اصطدامه بالشجر فلم يعد يقدر على الطيران؛ فأصبح مضحكة الحيوانات و ابي الحصين نفسه. و بقي على هذا الحال الى أن كبر ريشه ثانية و طار.
لكنه فكر بأمر ابي الحصين و رد المقلب به؛ و ذات يوم قال له لقد صنعت بي معروفا بجولتك في الغابة فما رايك أن أريك السماء فوافق. و حمله على ظهره و طار به؛ و كان يسأل كيف ترى الأرض فيجيبه عن جبالها و اشجارها و هو مبسوط فيصعد به الى اعلى و فجأة قال له لا أرى الأرض. فأدار  ظهره و ألقى به من عل فهوى الى الأرض؛ و كانت صلاته و دعائه اثناء الانحدار  : يا رب  بيدر ؛ يا رب  فروة.... لعلمه انه إذا وقع على بيدر أو بفورة فلن يتأذى.
و فعلا استجاب الله دعاء ابي الحصين فوقع في فروة لمزارع، فلبد فيها مؤقتا من حم الوقعة. و بينما كان يهم بالخروج منها ثاني يوم شاهده فيها أسد قد انهك البرد عظامه فقال لابي الحصينيات شو من وين هالفروة يا ابو الحصينيات؟ فقال هاي شغلي انت ما بتعرف اني صرت فرا!.  أي صانه فراء . فقال الاسد أخوي ساويلي فروة. قال ابو الحصينيات ابشر بس بدنا خمسة خرفان على شان الجلد.
ثاني أحضر الاسد الخرفان فقال له ابو الحصينيات أسبوع و بتخلص. 
بعد اسبوع شافه الاسد. قله شو خلصت للفروه؟ قلله ابو الحصينيات هانت بعد الاكمام. خلص الخرفان و بدنا كمان خروفين  و الجلد ما كفى. 
صادله كمان خروفين.
بعد اسبوع  قاله الفرورة؟؟  قله كمان خروف  على شان الزيق ( القبة) على شان تطلع فروة أسد عن جد.
و راحت اسابيع و الاسد يصيد و ابو الحصينيات يسمن و يعرض على حساب خرفان الأسد. 
و تزوج ابو الحصينيات و خلف و صار وراه عر ولاد. 
يوم الاسد حشره مع ولاده بعد أن أيقن أن اابو الحصينيات ضحك عليه. و قاله اقعد هون.  انت بتفكر حالك شاطر. هاسا بدي الفروة.
قاله ابو الحصينيات  لا لا  خلصتو  صارلي بدور عليك زمان بس انت مش باين. هاسا بروح اجيبها. 
قاله لا يا شاطر بدت تهرب . ودي واحد من الأولاد. 
قاله طيب. روح يابا  للكبير،  ابحش و غمّق (يعني لا ترجع) و جيب فروة عمك المزيقة ترى. 
راح و ما رجع. 
قال للثاني روح يابا هذا اخوك مش نافع. ابحش و غمق و جيب فروة عمك المزيقة. 
ظل يروح واحد وراء الثاني حتى خلصوا. طبعا ابحش و غمق يعني فوت الموكرة (الوكر) ووسع لاخوك وراك.
قال ابو الحصبنيات للاسد هذول الاولاد غشيمين و ما عرفوا الفروة من كثر الفراء. 
الاسد ما بقي معه خيار و قاله بس اوعى تضحك علي؟ 
قام ابو الحصينيات و تسهل و شد حاله و ركض و لما ابعد قال للاسد :بدك افراء من ابو الحصينيات . اي من .....زي اذا بتقظب افراء....و انهزم.
هجم عليه الأسد و لم يتمكن الا من ذيله فقطعه. فقال له وين ما رحت راح اعرفك ابو الحصينيات الازعر (مقطوع الذيل) .
بقي ابو الحصينيات في وكره فترة لا يقدر على الخروج لأنه أزعر.   و كان لا بد من طريقة للخروج.
و تحت جنح الليل قام يزيارة لكل اقاربه و قال انه داعيهم على سهرة بكرم عنب قريب، و لبت الثعالب الدعوة و اكلت من العنب حتى سكرت و داخت و نامت. و اثناء نومهم ربط ذيولهم ببعضها  لأنه لم يأكل بحجة انه يراقب صاحب الكرم.
و عندما تأكد انهم مربوطين جيدا صاح بأعلى صوته معلنا ان صاحب الكرم قد أتى فأفاقت الثعالب و من كثر الشد للخلاص من صاحب الكرم تقطعت ذيولهم  فأصبحوا زعران كأبي الحصين نفسه.
ثاني يوم خرج ابو الحصينيات من وكره و إذا به وجها لوجه مع الاسد فهجم عليه. فاستغرب لماذا؟ فقال له ابو الحصين  خير في معرفه سابقة؟ قاله انت أكلت الخرفان و لك تصنع الفروة لي .  فقال مستحيل و بعدين  ما دليلك  قله انت ازعر  شوف ذيلك  أنا قطعته بيدي.
قال ابو الحصينيات  يا عمي  احنا عشيرة منها ليها كلها زعران و هاسا بتشوف . صاح مناديا جماعته و الا هم حوالي  خمسون ثعلبا  كلهم زعران.

غادر الاسد و هو يعرف  انه وقع ضحية ثعلب أزعر  

حال بعض مؤسساتنا التي ننتخبها شكلها راح تقللنا مثل ما قال ابو الحصينيات للاسد

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

استنساخ الاحتجاجات: إلقاء الأحذية مثلاً

دعني بداية أستبق الاحتجاج على عنوان الموضوع بالتأكيد على شرعية الاحتجاجات، فلا يوجد أبدا أي مسوغ للاعتراض على من يطالب بالإصلاح أو حقوق شخصية، و لكننا هنا نتحدث عن حادثة إلقاء أحدهم حذاءه تجاه المنصة التي كان يجلس عليها دولة الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء.  و قد نقلت الأخبار أن القاذف إنما كان يحتج على إدارة الجلسة لعدم السماح للمواطنين بالحديث مع دولته، و بالتالي يمكن تفسيرها بأنها لا تقصد شخص دولة الرئيس لشخصه الكريم و إنما الإدارة.
و لقد أخذت الحادثة جدلاً كبيراً بين رواد الفيس بوك و كان لها من يبررها على قلة عددهم مقارنه مع من كان ضد الحادثة باعتبارها خروجاً عن المألوف الأردني من حيث احترام الضيف أو رفض هذا الأسلوب بالاحتجاج. فالبرغم أن دولة الرئيس هو صاحب الولاية العامة، و يتفقد رعيته كجزء من ولايته،  إلا أن الأردنيين اعتادوا على معاملة المسؤولين معاملة الضيوف، و هذا هو تراثنا و ليس من السهولة التخلي عنه.  و كلنا يعرف طبعاً أن زيارة المسؤول بروتوكولية نخرجها نحن الأردنيين من صفتها الرسمية إلى الاجتماعية فور وصول الضيف: فتبدأ بفناجين القهوة السادة و تنتهي بالمناسف؛ و لم نسمع بمسؤول زار منطقة معينة دون المرور بهذا البرنامج.  و إذا أصر المسؤول على القيام بمهتمه بشكل رسمي يرتفع الهمس و اللمز و الغمز بأن سعادته / معاليه ....  زعلان.  لهذا يعتبر مسؤولونا ضيوفاً عندنا.
و لهذا شكلت الحادثة إحراجاً للمنظمين عامة و لأهل القاذف خاصة؛ فبادروا بالاعتذار لدولته في حينها. و كان الرفض لها من أنها جاءت بوجود ضيفٍ مسؤولٍ كبير السن عف اللسان، فلم ينقل عنه أي إساءة لأي طرف من الأطراف. لهذا كان يجب أن يكون  الاحتجاج بطريقة تليق بنا كأردنيين.  و إذا كان هناك من يذكّرنا  بحادثة حذاء الزيدي  فهذا الشخص نسي أن الزيدي عراقي احتلت أرضه فضرب المحتَل الغاصب لبلده المقوض لنظامه الرئيس بوش،  أما في حادثة جرش فالاعتراض عليها أنها جاءت  من أردني إلى أردني؛ و هناك فرق.
لكن هناك نقطة أريد أن أتوقف عندها و هي حبنا لتقليد الآخرين (كإلقاء الأحذية) في موضوع الحراك و الربيع عموماً، فكانت حراكاتنا (أسلوباً و شعارات)  إنعكاسات لصور الربيع الأخرى في الخارج رغم اختلاف الصورة؛ و أستنثي من ذلك اعتصام ختيارية الفوسفات الذين كانوا يغنون يابا الخير. و لنعد الى بداية بداية الربيع و خاصة عندما اقترب منا و بالتحديد في مصر.  ففي مصر خيموا  في ميدان التحرير و في اليوم الثاني  راقت الفكرة لجماعتنا فأرادوا التخييم على دوار الداخلية رغم أننا نسبقهم بالحراك، فلماذا لم ننتبه لموضوع الدوار مثلاً قبل هذا؟  و سال الدم في مصر و في غيرها فأراد الإخوان هنا (و لا أقصد الإخوان المسلمين طبعا فهؤلاء عادة يحضرون بآخر العرس) أن يسيل الدم أردنياً فكان مسلسل الاستفزازات لقوى الأمن العام ( الله يقويهم) مستمراً منذ بداية الربيع لغاية الآن، و لن يكون أخرها الاعتصام أمام  دائرة المخابرات العامة كمنطقة  أمنية محظور الاقتراب أو التصوير قربها كعرف دولي كونها مؤسسة عسكرية.  لهذا  أخشى إن استمر مسلسل التقليد أن يسيل هذا الدم لأن هناك من ما زال ينفخ بكير الفتنة. و أسأل الله أن يرد كيده إلى نحره.
 بالعودة إلى موضوع قذف الحذاء أتوجه بالشكر لدولة الدكتور عبد الله النسور لأمره بطي صفحة القضية و كأن شيئا  لم يكن؛ لقد كان فعلا الحكيم الذي يجبر يد المكسور؛ فالبلد ليست بحاجة لمزيد من الأزمات.  و مرة أخرى نؤكد على أهمية الاحتجاجات و لكن ليتذكر الأردنيون أن قذف الحذاء له مدلولات أكثر من مجرد الاحتجاج أردنياً؛ فلا يخرجنا حبنا للتقليد عن موروثنا الأردني الأصيل.
 و دمتم أردنيين نشامى


الثلاثاء، 8 أبريل 2014

مخيم الزعتري: قنبلة موقوتة أم خلية نائمة؟

يُحكى في القصة المشهورة أن أحدهم قال للآخر و هو يفاخره أن والده يجبر المكسور، فرد عليه الآخر أن والده كان أكثر حكمةً حيث أنه يجبر المكسور قبل أن يُكسر. و لا أدري عند حديثنا عن مخيم الزعتري إن كان المجال ما زال مفتوحاً لجبر هذا الكسر الكبير أم أنه قد فات الأوان. ما نسمعه أو نقرأه أو يتداوله الفيسبوكيون من قصص حول مخيم الزعتري يثير القلق منذ بدايته، حيث أن بدايته قد كانت مع تهديد الجانب السوري الوقائي و على لسان حزب الله بأن هناك خلايا نائمة للحزب في الأردن، إضافة لآخرين يأتمرون بأمر النظام هناك. و باعتقادي لا يوجد مكان مناسب لاحتمالية وجود مثل هذه الخلايا أفضل من مخيم الزعتري؛ لهذا كان القلق.

لا نشكك أبداً بقدرة جهاز الأمن العام بمختلف مرتباته على التعامل مع المخيم بما فيه من مشاكل؛ و لا أؤمن بما جاء بمقال القدس العربي الذي نقلته بعض المواقع الأردنية التي اهتمت للأسف باللاجئ القتيل أكثر من اهتمامها بعشرات الجرحى من نشامى الأمن العام، و الذي جاء فيه أن المخيم لم يعد تحت سيطرة الحكومة الأردنية؛ لكن مع هذا لا بد من الإشارة إلى أن الاردنيين بات يقلقهم هذا الارتفاع المتصاعد للجرحى بين أفراد الأمن العام عند حدوث أي شغب داخل المخيم. إن كنا قد وجدنا التبرير لسياسة الأمن الناعم في التعامل مع الحراكات الداخلية فلا أدري أي تبرير يمكن أن نسوقه لتفسير هذا العدد الكبير من الجرحى بين صفوف هؤلاء الشباب من الشرطة و الدرك و غيرهم في الزعتري عند كل مشكلة. لا بد من تغيير سياسية الأمن العام بالمخيم لتظهر أكثر حزماً، فيرتدع من يضمر الشر لهذا البلد سواء من كان داخل المخيم أو خارجه؛ بصراحة لا نريد لجهاز الأمن العام أن يكون دائماً الخاسر الأكبر في كل فوضى تحدث في البلد. 

و بما أن أحد أسباب المشاكل في المخيم هو تهريب اللاجئين، لا بد من التوضيح هنا أن التهريب إنما يتم على أيد مهربين مهرة، و ربما يكون من ضمنهم أردنيون؛ فليس من المعقول الافتراض أن المهربين قادمون من المريخ. و لا ندري بأي لغة نخاطبهم و لكني أقول لهم (للأردنيين منهم) أن الثمن الذي يبيعون فيه الأردن هو ثمن بخس مهما كان حجمه، و سيخضعون للقانون طال الزمان أو قصر.

و عند الحديث عن حالة اللاجئين في مخيم الزعتري لا بد من التعريج على حالة المناطق السكنية المحيطة في المخيم، فهم أقرب الناس للمخيم و أقدر على معرفة حقيقة ما يجري بداخله و حقيقة وضع الناس الإقتصادي هناك. جيران المخيم لا ينكرون صعوبة حياة اللاجئين و لكنهم بنفس الوقت يعانون أكثر من اللاجئين إقتصادياً لأن اصحاب المخيم ينافسونهم في كل شيئ خارج المخيم في حين أنهم يتحدثون عن مساعدات كبيرة لهم بالمخيم و تجارة مزدهرة هناك. لهذا يجب أن تنتبه الحكومة لهذه المناطق و تفرض لها سهماً مما يحضر من مساعدات مالية لتنمية هذه المناطق، فهذا حقهم و لا يستجدونه من أحد. 

ندرك جيداً أن من اللاجئين من يريد أن يعيش مستوراً و بسلام بانتظار عودته، و لكننا ندرك أيضا أن منهم من أتى لمهمة معينة أو ناكرٍ للجميل يردد ما يسمعه هنا و هناك عن حقوق اللاجئيين التي يراها منقوصة حسب ميزانه الشخصي أو ما يرشح لديهم من إعلام السوء و البزنس . لهذا يجب الانتباه فعلا لهذا المخيم لأنه إن فلت عقاله و أصبح كما قال مندوب القدس العربي فسيكون موجاً كبيراً يتأثر به كل الأردن و عندئذ لا ينفع الندم. إن كان وجود هذا المخيم بتلك المنطقة السكنية غلطة كبيرة ببداية الأمر، فلا أقل من الانتباه إلى خطره الذي يتعاظم يوما بعد يوم. 

رعى الله النشامى الذين يتعاملون مع ملف اللاجئين و حماهم من كل أذى. 
و ردّ الله الإخوة اللاجئين إلى ديارهم و قد تحقق لهم الأمن و الآمان

الخميس، 3 أبريل 2014

تسييس القضاء: شكرا سيد أوردوغان

تسييس القضاء:  شكرا سيد أوردوغان
بعيداً عن ما حدث بتركيا  كشأن داخلي إلا أن تصريحات نجم السياسة التركية أوردغان  شكلت المفتاح للحديث عن موضوع تسييس القضاء.  لقد شكل منشور لي على الفيس بوك عن تخوفي على مستقبل تركيا حيث أن تهديدات أوردوغان  لمنافسيه و اتهامهم بالخيانة و الوعيد بالخلاص منهم كونهم (خونة) و لا يستحقون إلا العقاب مفتاحاً للنقاش مع الأصدقاء. 
لم يعرّج الاصدقاء على منجزات أوردوغان من سدادٍ للمديونية و الارتقاء بالاقتصاد التركي لأنني أرحتهم منها بالمنشور نفسه و لم يبق لهم إلا  الدخول لصلب الموضوع و هو التهديدات، فأكدوا بأن الخلاص من هؤلاء الخونة سيكون بالقانون و سينفذ أوردوغان القانون. و هنا خطر ببالي  السؤال فيما إذا كان القضاء بالدول عموماً مُسيساً أو بعيدا عن السياسة و هل هو هو قضاء حر 100%. 
تذكرتُ أن الحكم على مبارك و أبنائه كان بالقانون بعد وصول مرسي للرئاسة، ثم بعد ضعف مرسي تم تبرئة أبناء مبارك و بالقانون  أيضا.  و بعد الثورة ضد مرسي  تم سجن مرسي بالقانون، و توجيه التهم له بالتخابر ضد مصر بالقانون و سيكون الحكم عليه بالقانون. و حُكِم بالإعدام على ما يزيد عن خمسمائة بني آدم بالقانون. لا أدري إن كانت قاعة المحكمة هي نفسها و القُضاة هم أنفسهم من حكم على هذا و برأ ذاك بالقانون أو غيرهم.  
و أردنياً استشهد بحادثتين الأولى بقضية خالد شاهين؛ حيث حُكم عليه بالقانون، و تم تسفيره للندن للعلاج بالقانون و أعيد بالقانون رغم عدم إتمام علاجه؛ و الثانية  للسجين الدقامسة، فقد حكم مؤبد بالقانون و أصبحت سنة السجين المؤبد أربعة و عشرين شهراً بالقانون، و كنتُ أظن سنة السجين تسعة أشهر فقط.
هذه الحالات تثير السؤال عن ما يسمى بنزاهة القضاء، و هل هو حقا بعيدٌ عن التأثر يالسياسة. هل يمكن أن تصدر القرارات بالحكم بسجن فلان و إخراج علاّن بالتلفون مثلاً؟ و هل حقا يتوفر الغطاء القانوني لكل  القضايا السياسية؟ و إذا كان الجواب بنعم فكيف  يغفل القاضي عن هذا الغطاء و يفتح الله عليه أو على ما جاء بعده فتحاً مبيناً فيكتشف لاحقا  أن المحكوم فلان بريء مثلا  أو العكس. 
المهم و بعيداً عن تسييس القضاء، يقلقني القادم في تركيا  حيث أنه بدأ بحجب الحريات كالتويتر و اليوتيوب، و لن ينتهي بالتهديد بتصفية كل ( الخونة) و طبعاً هم منافسو أوردوغان؛ فهذه الحلقة دائرة ليس من السهل الخروج منها إن وقعت تركيا فيها رغم وجود ما يُسمى بالغطاء القانوني، و ما قوم مصر عن تركيا ببعيد.
لا أدري  إن كانت تركيا تملك القوة الكافية لمناكفة العالم كله كروسيا مثلاً؛ فروسيا تملك تاريخ الاتحاد السوفياتي و الأهم من التاريخ ترسانته العسكرية؛ في حين أن أوردوغان يملك مناصريه بتركيا و مظاهرات الاخوان المسلمين بالأردن.
لكن حتى نفي الرجل حقه اقول كل الشكر للسيد أوردوغان فقد كانت تصريحاته النارية وراء فكرة هذا المقال.

  

الاثنين، 24 مارس 2014

نحو أردن خال من الرياضة

نحو أردن خال من الرياضة
للتوضيح طبعاً لا أقصد كل أنواع الرياضة، إنما أخص كرة القدم بالذات؛ و لا أتحدث عن دوري الدرجات الأخيرة، و لكني أتحدث عن الدوري الممتاز؛ و لا أعني كل نواديه طبعا إنما أتحدث عن صراع الديكة بين الناديين الأكبر  و هما الفيصلي و الوحدات.
إلى متى سنستمر بمتابعة هذه المشاهد المحزنة بعد كل مباراة تجمع بين قطبي الكرة الأردني بلا منازع؟  نعم رغم حزننا لما نراه بعد كل مباراة إلا أننا نعترف  لهم بالرفعة الكروية ليس على المستوى الأردني فقط بل العربي كذلك؛ فقد كان لنا شرف استقبالهم عندنا في صلاله/ سلطنة عُمان أكثر من مرة.  و لكن هذه الشهادة لا تغني عنهما شيئا، إذ أن هذه النقيصة بهما بعد كل مباراة تزعزع ثقتنا بهم.  
ما يجري  بين هذين الفريقين بعد كل لقاء لا يمكن تصنيفه ضمن شغب كروي؛ هو خراب وطني للأسف.  و تمكن خطورته أنه أصبح مادة إعلامية أساسية لمن ينفخ بكير الفتنة بالأردن و من يشكك بهذا يذكر قصة تقرير الجزيرة المشئوم إياه.  كذلك يشكل هذا الخراب القدوة للأندية الصغير لتقلد فطاحل الكرة حيث أصبحنا  نسمع عن  هوشات صغيرة (كل واحد و علامه) بين هذا الأندية بعد المباريات مع اختلاف بنتائج الشغب.
 ما قرأناه عن العقوبات بحقهما بهذا الشكل لا تكفي طبعاً فالقضية ليست غرامة مالية؛ فكلنا نعرف  أن مشجعي هذه الفرق هم من أصحاب الملايين و لا تشكل المصاري لهم شيئا؛ و سنسمع عبارة سندفع الغرامة و (بفرجيهم) المباراة القادمة. و كل الخوف من أن يكون هذان الفريقان ينفذان أجندة البعض ببث بذور الفتنة في اللُحمة الوطنية.
و لا يكفينا منع الإداري فلان أو علان من حضور المباريات لأنهم سيحضرون طبعاً و سنغض الطرف عنهم من باب الحكمة.
يجب أن تكون العقوبة صارمة بحق الفريقين، و لا يمكن تحميل فريق  دون الآخر مسؤولية ما جرى و يجري بعد كل مباراة سواء فاز فيها هذا الفريق أو ذاك حيث تنتشر صوره إداريي الفريقين بعد المباريات:  هذا ينظر شزراً و ذاك يلوح بيده مهدداً و آخر يوجه اصبعه محذرا؟  ما هذا؟ 
يجب أن تفهم كل الفرق و بالتحديد الفيصلي و الوحدات أن الوطن أهم من الفيصلي و أعظم من الوحدات.  و إذا كانت هذه المناظر هي ضريبة  كأس الدوري  أو أي مسمى فالله الغني عن الأثنين.  نستطيع إنجاز الدوري  بالفرق المتواضعة  و ليكن في الاستغناء عنهما درساً لهما ليلتقيا سوياً  بوجه مختلف عن الوجه الذي تعودنا عليه.
و توجه نفس الرسالة لمشجعي الفريقين أيضا  علها تصل.
عندما لا تفلح العقوبة  بالحد من الفوضى فتجميد نشاط الفريقين  قد يكون أنجع.

و الرفعة دائما للأردن و بهذا فليتنافس المتنافسون.  

  

الثلاثاء، 18 مارس 2014

حجر النواب الكبير

حجر النواب  الكبير
يُقال في الأمثال الشعبية الأردنية " اللي بكبّر حجره ما بضرب؛ أي ليس جادا بتهديده" ، و هذا مثلٌ أتذكره كلما رأيت أصحاب السعادة بالمجلس الكريم يناقشون القضايا السياسية الساخنة جداً، و آخرها طبعا قضية الكنيست الاسرائيلي برفع الوصاية الهاشمية عن المقدسات، و مقتل الشهيد القاضي زعيتر. و لا أدري إن كان أصحاب السعادة جادين في طروحاتهم أم أنها مجرد مناكفة للحكومة كالتي سبقنها فقط لتحسين صورتهم أمام ناخبيهم بعد أن تجاوزوا أهم القضايا التي تمس عيش المواطن و قوته اليومي، و أقروها.
ربما كان المواطن محقاً بالاعتقاد أن الأردن دولة عظمى حتى تطرد السفير و تسحب السفير و تلغي معاهدة وادي عربة كلها دفعة واحدة أو على دفعات و ربما تشن  حرباً على إسرائيل.  لكن هل من المقبول من النائب صاحب السلطة التشريعية أن (يطيش عشبر مية)  كما قال الشاعر الزعبي و ليس الكاتب بقصيدته (هظول إحنا) فيطلب نفس الطلبات؟ أليسوا مطّلعين على بواطن الأمور وخفايا السياسة بحكم وضعهم النيابي.  إذا كانوا حقاً مطّلعين عليها فلماذا اللعب بمشاعر المواطنين؟ أما إن لم يكونوا يدرون ما يجري فالمصيبة أعظم. 
لا أقلل من أهمية الحادثتين، و لكن ما أعرفه يا سادة أنه لا يوجد شيء في السياسة اسمه طرد السفير و لكن يوجد شيء اسمه سحب السفير للتشاور، كمؤشر على توتر العلاقة أو احتجاج على تصرف ما من الدولة الأخرى، و يعود هذا السفير إلى مكان عمله  بعد أن تكون الرسالة وصلت.  إن طرد السفير  دون سبب مقنع أهمه سلوك السفير نفسه في البلد المضيف و ليس موقف الدولة هو عمل عدواني و غير مقبول سياسيا إلا إذا قُطعت العلاقة رسميا بين الدولتين؛ و هذا ليس في صالح الأردن الذي خرج من حالة حرب مع اسرائيل و يتربط بمعاهدة دولية معها، و إلغاؤها يعني الرجوع إلى حالة الحرب، فهل أنتم مستعدون لها؟
إن الحالة الوحيدة في الأردن التي تم فيها طرد السفير في الأردن كان في عام 1970 كما جاء بمقابلة دولة السيد زيد الرفاعي على الجزيرة، وكانت طرد السفير الأمريكي (نعم السفير الأمركي)  عندما أساء للاردن بأنه بلد غير آمن لاستقبال وزير الخارجية الامريكي، و لم أسمع بالتاريخ أن السفير الأمركي قد طُرد من أي بلد.  طبعا تفهمت أمريكا موقف الأردن و عينت سفيرا جديدا.
عند نشر المقال هذا لا أدري ما ستكون عليه نتيجة خطابات النواب بجلسة الثلاثاء و لكني أهمس في أذانهم أن الشعب ينتظر منهم أن يقفوا مع قوته اليومي و لا يدخلوا البلد في أزمات سياسية إضافة لسلسة الأزمات التي يعاني منها.  أريحوا الشعب بخبزاته و كازاته و لا تدغدغوا عواطفه؛ إلا إذا كنتم عاجزين عن هذا الأمر و أردتم البحث عن إنجاز في مجال  السياسة ؛ هذا إن فعلتم شيئاً.
لا أتحدث عن استسلام أو انبطاح و إنما أتحدث في سياسة فن الممكن.