مسيرة باريس و من يُشيطِن من
لا أخفيكم أنني و رغم حزن المناسبة إلا أنني لا أستطيع أن أخفي ابتسامة
تتسع يوماً بعد يوم عندما أتخيل الصف الأول من المسيرة التي توافد إليها الرؤساء
أو من ينيبون عنهم للتنديد بالإرهاب و الوقوف في وجهه. و مصدر
الابتسامة هي أنني في كل مرة تمر الصورة من أمامي يطلع في مقدمتها شيخ الإرهابيين و حامل لوائهم
نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصيهوني ممثلا لأكبر كيان إرهابي عرفه التاريخ
المعاصر؛ فكيانه الصهوني بحد ذاته أكبر إرهاب؛ فأي إرهاب يمكن أن يكون أكثر من
(السلبطة) على أرض الغير و محو تاريخ شعبها وتدمير بيوتهم إن حاولوا الشكوى من وجع
الاحتلال.؛ لا حظوا أنني لا أتحدث عن مقاومة و لكن مجرد الشكوى. و يزداد الأمر سخرية عندي عندما أتخيل شارون لو
كان حياً أنه أيضاً سيكون في المسيرة؛ و لكن سرعان ما أتذكر أن هذا من هذا و لا
فرق.
و بالعودة لموضوع المسيرة و بنفس الوقت الذي ندين و نشجب القتل و الموت إلا
في ميادين الرجولة أو الأحكام القضائية؛ فالأولى شرف و الثانية قصاص و قضاء رغم
أسف سعادة السفير البريطاني عندنا. و نشجب
كذلك سلب حرية الآخرين و التغول على أفكارهم و مصادرتها؛ إلا أننا نسأل السؤال
الأهم في هذا كله و هو مَن يُشيطن مَن ؟ و من جعل من هذا إرهابيا و ذاك ضحية؟ و من
جعل منهم هذا مجرماً و الآخر ضحية. نحن
نسارع دائماً للحكم على نتيجة الأشياء و نقفز دائماً عن مسبباتها. و على طريقة الفلاش باك و بالرجوع لموضوع
المسيرة ربما كان مسبب الإرهاب الرئيس
(بريطانيا) الذي زرع هذا السرطان الإرهابي
في هذه البقعة من الأرض التي كُتب عليها أن تتحمل القتل و تغرم الدِيّة في نفس
الوقت ليس ببعيد عن شيخ الإرهابين في نفس
الصف و لم أستطع التمييز إن كان فرحاً أو مسروراً. فعن أي إرهاب يتحدثون؟
هل هناك إرهاب أكبر من أن تقتل شخصاً و تطالب ذويه بتحمل نفقات دفنه، لا بل
تطالبهم بدفع ثمن الطلقة التي قتلتَ ابنهم بها؟ و هل هناك إرهاب أكبر من أن تقنعهم
بأن ابنهم القتيل المضرج بدمائه أمامهم
مجرم و يجلب العار لقبيلته و عليهم التخلص من عاره فيسارعون بإرسال برقيات الشكر
لكم على قتله؟ هل هناك إرهاب أكبر من أن
يتصدر القاتل ولائم الاحتفالات بمناسبة قتل ولدهم
و تدار له القهوة العربية و نرقص أمامه
بكل ألواننا الشعبية، و نتقدم من سيادته أن يشاركنا رقصتنا فيرقص معنا
بهبلٍ و استهزاء و ازدراء و نحن نصفق له مبتهجين و نلتقط معه الصور
التذكارية؟ أعجب من يد أمة تصافح يد قاتل
إبنها.
و هل هناك إرهاب أفظع من تشيطن أديان الله و تحولها من أديان شعارها
السلام إلى أدوات قتل و تشريد. لقد نادت
كل الديانات بالسلام كما جاء بالكتب المقدسة جميعها و لكنهم حولوها إلى أديان قتل
و تشريد للشعوب بعد أن ركب هذا النمط من الساسة
صهوة الدين. فكل الأراضي التي
سُلبت تم باسم الأديان، و شردت الشعوب و قتلت باسم الدين. حملات التصفيات العرقية
تتم باسم الدين أيضا؛ و الدين منهم براء. و حديثي
لو رجعنا للتاريخ ينطبق على كل الأديان. أيعقل أن يكون من يقتل الناس هو من أتباع القائل
" أفشوا السلام بينكم"!
أي إرهاب هذا الذي لا تأخذه بالضعفاء إلاً و لا ذمة.
ندرك نحن أهل القتيل ( الإرهابيين) أن كل ما يجري من إرهاب هو إرهاب منظم
تديره عقول كبيرة و نحن لا نملك الا قراراً واحداً و هو انتظار دورنا لسكين
المقصلة . ندرك أن هذا الإرهاب إنما هو
إرهاب بزنس فقط و كل ما نشاهد إنما هو تمثيل في تمثيل الهدف منه الوصول لخيراتنا،
و لا بأس إن سقط في سبيل الوصول إلى ذلك الضحايا من أي جنسية أو طيف. إرهاب فيه القاتل و المقتول شهداء و هذه معادلة
تستعصي على الفهم إلا على فهم واضعها فقط؛
فمثلا الرسامون الفرنسيون شهداء الفكر ، و قاتِلوهم شهداء الدفاع عن الرسول. و في
الحقيقة أجد الطرفين ضحايا لمُنظِم هذا الإرهاب.
فمن وراء ذلك لنعود لنفس نفس السؤال من يشطين من؛ تستثير غيرك فيقتلك و
نقتله فيضيع الدليل و ننسى الجرم و دمتم.
ما حدث بباريس ليس بعيداً عن ما
حصل بنيورك بتدمير مركز التجارة العالمي و الدليل أن بعد هذه المؤامرة المنددة
سيكون هناك مؤتمر دفع الفواتير في أمريكا،
حيث سيتم توزيع الغنائم بالطريقة التي تراها القوة الأعظم في هذا العالم. و سنرى
شركات الإعمار و البزنس تطل من جديد جنباً إلى جنب مع شركات تصنيع السلاح؛ فالسلاح
يدمر و يقتل و الشركات تعمر؛ البائع واحد و الزبون جاهز هو هو نفس الزبون. ألسنا يا رعاكم الله أصحاب القول ( يد تحمل
السلاح و يد تبني).
يبدو أن أحداث باريس ستقود إلى شكل آخر و متطور عن السيناريو السابق نتيجة
لحرب الإرهاب التي أسسوا لها بدعاش و سيظهر على الساحة أبطال جدد من أهل القتيل من
الساعيين للشهرة و الأضواء ممن كان بعضنا يراهم ثوريين مقابل مغنم يرضي غرورهم. لكن أهل القتيل يقولون لشيوخ الأرهاب (أعني
قادتهم): اجتمعوا و نددوا و نظموا المسيرات و افعلوا ما شئتم، و لكن تذكروا أن من
يطفئ نار الإرهاب فقط هو من أشعلها إن أراد لها ذلك؛ و ليتذكر هو أنها ستحرقه هو في يوم عسى أن يكون
قريباً، مع علمي الحقيقي أن الأماني لا تقلي بيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق