يا أهل فرنسا لقد عكّرتم علاقتكم
معانا
قمة الرد الساخر على تواجد كل المشاركين في مسيرة الوقوف
ضد الإرهاب بباريس هو نشر تلك الصور الكاريكاتورية المسيئة لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم؛ نعم هو إحراج لمن شارك من
أصدقاء الفرنسيين للوقوف معهم في مصابهم؛ و لا أظن أن أحداً من المشاركين كان يقصد أن تعيد الجريدة الكرَّة بنشر تلك
الصور. لا يمكن أن يكون هذا بمخيلته. هل يُعقل
أن يكون هذا هو الرد عليهم؟ و قد وَضح هذا جلياً في بيان الديوان الملكي العامر
الذي أدان إعادة نشر الصور و اعتبره تأجيجا لمشاعر المسلمين.
و هناك شيء لا أفهمه كذلك في الشأن الغربي عموماً، و
ربما يفيدنا أصدقاؤنا الذين يعيشون في الغرب بهذا الخصوص. ينفق هؤلاء الأوروبيون
المليارات لدراسة واقعنا العربي كجزء من هذا الشرق. نعم يعرفون عنا كل شيء حتى أصغرها؛
و لم لا؟ فنحن زبائنهم و سوقهم الكبيرة؛ و
لكنهم مع ذلك لا ينفقون دولاراً واحداً ليدرسوننا من الناحية العاطفية إلا بما
يثير العربي جنسياً للعزف على هذا وقت الضرورة، و لكنهم لا يعرفون هذا الحس
العاطفي عند الشرق عموماً و منها العرب طبعا و هو حبهم للأديان. و الحديث هنا عن
الديانات جميعاً، فهذه سمة الشرق؛ و لا أظن أن الإخوة المسيحيين الشرقيين سيكونون
مسرورين لو تمت السخرية بالسيد المسيح عليه السلام، و هم أيضا لا يعجبهم أبداً ما
حصل بباريس مؤخراً من نشر لصور سيدنا محمد.
نحن يا أصدقاءنا الغربيين تربطنا مع أنبياء الله جميعاً
عاطفة حب و احترام كبيرة؛ فلا نذكر اسم نبي من أنبياء الله إلا قدّمنا بكلمة
سيدنا، و أتبعناها بعبارة عليه السلام. و
تربطنا كمسلمين مع رسول الله محمد صلوات الله عليه و سلامه علاقة حب و عاطفة قوية؛ فقمة سعادتنا أن نسمي أبناءنا محمداً، و قمة
طموحاتنا التي نرددها بعد كل صلاة أن نشرب من يده الكريمة شربة لا نظمأ بعدها أبدا،
و منا من يطمح برفقته في الجنة. فلماذا لا
تفهمون هذه؟ أين علماء الاجتماع عندكم ليعرفوا سر هذا العشق.
نعم لا يوافق غالبية المسلمين على كل الصور الإرهابية
التي تُنظم باسم الاسلام، و الاسلام منها براء؛ إنما ينفذها بشر تدور الدوائر أنهم
من صنع أيديكم أنتم. و الأمثلة كثيرة. و لو افترضنا جدا أنهم مسلمون يقومون بهذا إسلامياً؛ فهذه الأعداد القليلة يقابلها
الملايين ممن يقفون ضد تفكيرهم التكفيري و ضد القتل و ضد كل هذه المناظر التي
نراها بالإعلام. نشجب ما يقومون به، و تطاردهم الأجهزة الأمنية و يحكمهم القانون
بما يستحقون. فماذا بعد؟ هل هناك تخطيط
بأن تجعلوا كل هذه الملايين من المسلمين المسالمين أعداءكم استعداد لحرب عالمية
قادمة؟ إنكم تدفعون كل أصدقائكم دفعاً
ليكونوا (بين أقواس كثيرة) إرهابيين. لا
يمكن أن يكون كل هذا التثوير للناس و
شحنهم ضدكم بهذه القوة إلا مقدمة لحروب و قتال مستمر.
لا تقبلون بشجب علماء الدين لكل الإرهاب! و لا تسمعون لنصيحة قداسة البابا
بأن الانتصار للفكر لا يكون بإثارة مشاعر
الشعوب. لماذا الربط بين الإرهابيين و الإسلام
حتى لو كانوا كلهم مسلمين؟ هل نحن بنظرهم مشروع
إرهابيين و لكننا لم نجد الفرصة؟ هل يمكن أن تتخيلوا كاتب هذه السطور أو
قارئها يوماً ما إرهابياً؟ لماذا هذا
الإصرار الكبير على عدم سماع الطرف المعتدل من المسلمين و هو ليس بالقليل؟
و ماذا لو تكرر المشهد و تم قتل الصحافيين مجدداً هل ستكون
النتيجة مسيرة أخرى و إعادة نشر الرسوم إلى آخر القصة. بصراحة لا تعجبني هذه الديمقراطية الغربية في المجتمع الغربي
الذي لا يتدخل في مثل هذه الأمور؛ أي ديمقراطية هذه التي لا تحترم مشاعر الغير
سواء كانوا بالمليارات أو بالعشرات. ألا يوجد عندكم قانون كقانوننا يسجن من يعكر
علاقتكم بالشعوب الأخرى؟ طبعاً أعرف
الجواب. الوضع مختلف. فالمعكِّر و
المعكَّر مختلفان.
و في الحقيقة لقد زاملتُ العديد من الإخوة الغربيين في
العمل، و هم شريحة لا بأس بها لكن لاحظت
أن ما يهمهم عندما يتحدثون عن العرب اجتماعيا فإنهم لا يعرفون الا المنسف و
المحاشي حسب المنطقة، و عن الاسلام تعدد الزوجات فقط و الإرهاب طبعا هذه الأيام. و قد لاحظت أن جانب المنطق و العلم و القانون
يحكم عندهم أكثر من العاطفة. لم
أجدهم أبداً مندفعين عاطفياً. عندما كانوا يسمعون أن هناك من يريد المساعدة
فإنهم يساعدون و بسخاء لكن ببعد أن يطلعوا (عين أبونا) كما يقول المصريون بالسؤال
عن أدق التفاصيل عن الحالة موضع المساعدة؛ و بعد أن يقتنعون بها فإن مساعدتهم تكون
كبيرة و تظهر مساهماتنا لا شيء بالمقارنة مع ما يقدمون؛ و كثيراً ما كنا نزيد
مساهماتنا لاحقاً حتى لا تظهر قليلة مقارنة معهم. فأين المشكلة إذا؟
المشكلة برأيي المتواضع هو أننا و لهذه اللحظة ما زلنا
فاشلين بتقديم قضايانا للعالم الخارجي. هؤلاء
شعوب لا تؤمن إلا بالمنطق و الحوار و الإعلام العقلي الذي يقبل الرأي و
الرأي الآخر. هكذا هم، فهل سنحسن علاقتنا معهم كما يجب. إذا كانوا هم
لا يتقدمون نحونا في هذا المجال فيجب أن نتقدم نحن؛ فنحن الحلقة الأضعف رغم هذا
الغثاء الملياري. و سنبقى ندور بذات
الدائرة.
هؤلاء جماعة سيستمرون
بتعكير صفو العلاقات معانا و لا يبالون أبداً، رغم أننا أكبر زبائنهم و لكن
أي سنذهب ؟ ما في مجال إلأ سوقهم. ولا نحسن حتى استعمال السوق و لا يسألني أحد كيف؟
فأنا و الله لا أعرف لكنني أفترض أن مسؤولينا
يعرفون. فهل سنبقى نتظاهر و هم يرسمون!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق