الأرقام و الإستطلاعات
و الحقيقة عند الشعب
تطالعنا الأخبار بين الفينة و
الأخرى باستطلاعات أجراها المركز
الفلاني أو العلاني حول مسألة معينة، فتأتينا بأرقام يشعر الناظر لها
بالدهشة لأن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، و لا يدري القارئ هل يصدّق الإحصائيات أم الواقع الذي يراه رأي
العين. و لنأخذ بعض الحالات كأمثلة.
هذا الأسبوع و بمناسبة يوم
الصحافة و الإعلام العالمي جاء في بيانه أن مركز الأردن تراجع لمراكز متأخرة ليضعه
قريباً من مصاف الدول الدكتاتورية إعلامياً؛ و طبعا ما أن ينتشر خبر كهذا حتى تنتشر
الصور إياها على الفيس: فهذه صورة لشخص تم خياطة (براطمه) و أخر وُضع لفمه سحاب فأغلق فاه عن الكلام؛ وصورة ثالثة
لسلك شائك يغرز في الشفاه بمنظر مقزز.
عند قراءة هذا الخبر تساءلنا على
الفيس هل يمكن لمثل هذا الاستطلاع أن يكون صحيحاً أردنياً؟ هل هذا العدد الهائل لهذه المواقع الإلكترونية في بلد بحجم الأردن يدل فعلا على تراجع مركز
الأردن بخصوص الحريات الصحفية؟ إن هذا الإقبال الأردني على الكتابة في هذه المواقع
لكتّاب يقدر عددهم بالألاف و معلقين على
ما يُكتب يقدروا بالملايين لا يدل على أن
شفاه الأردنيين قد خيطت بمسلة؟ و إذا أضفنا أعداد الأردنيين المتواصلين على مواقع التواصل
الاجتماعي تصبح النتيجة مذهلة. هذا الوضع يجلس الأردن بالمركز الذي يستحق بخصوص
الحريات الإعلامية في مراكز متقدمة و ليس العكس، و لنا الفخر.
هنا ربما يقفز بعض الناس ليذكرنا
بقضية مرفوعة ضد الصحفي الفلاني مثلا، أو عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم على الصحفيين
و لا أدري عددها؛ و هنا أسأل من يقول بهذه المقولة هل هذه القضايا مرفوعة من
الحكومة على الصحفيين أم من أشخاص معينين ارتأووا أنهم اغتيلت شخصيتهم أو تم
التعريض بهم فرفعوها؟ و لو أرادت الحكومة
اتهام بعض الصحفيين أو الكتاب بتهمة التحريض مثلا لكان الكثيرون بالمحاكم. هل
الصحفي منزه عن الخطأ فلا تجب محسابته؟ هل نطالب بحصانة للصحفي كما هي للنائب؟ لهذا أرى أن هذا التصنيف إنما هو تصنيف مجحف بحق
الأردن من ناحية الإعلام.
و قبل شهر نذكر الاستطلاع الي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة
الاردنية حول مدى ثقة الناس بحكومة دولة الدكتور عبد الله النسور فأشار الاستطلاع إلى
ارتفاع ثقة المواطن بحكومة دولته. و من سمع بالخبر طبعا تمنى ذلك و لكن بنفس الوقت ننظر
حولنا فلا نرى لها مادحاً إلا بعض منا ( و أنا منهم)، وهؤلاء يصنفهم المعارضون
ظلماً بالسحيجة و لكنهم طبعا الآملون بغد
مشرق و الناظرون إلى النصف الممتلىء من الكأس فيسأل نفسه عن أي ثقة يتحدثون عنها و
يثيرون شكوكا حول اختيار العينات للاستطلاع.
و ينطبق الحال كذلك عن عن خبر
الستين ألفاً من الأردنيين الذي قضوا عطلة عيد العمال و نهاية الأسبوع بالعقبة.
فالمتفحص للخبر يستغرب طبعا أن يكون مثل هذا البذخ بالأردن في حين أن المتابع يرى
الناس بوضع لا يسمح لها بالتنزهة بالعقبة و لا غيرها.
ومثلها
الأرخبار التي تشير إلى تعافي الاقتصاد الأردني.
لكن تبقى هذه الأرقام لغة مبهمة لا يفهمها إلا الراسخون بها و المواطنون طبعا ليحكموا على مصداقيتها أو
خلاف ذلك.
في رواية الكاتب جورج أورول (Animal Farm ) كان صاحب الأرقام الشهير (Squealer ) يحدث مستمعيه عن التقدم و الازدهار في المزرعة و
ينظر المستعمون في وجوه بعضهم فلا يرون الا هزالاً و جوعاً و بؤساً مقابل ساعات
عمل تزيد يوماً بعد يوم.
ما وددت قوله أننا يجب أن لا نحكم
على الأشياء بما نسمع أو نقرأ من أرقام و استطلاعات، إنما ننظر على واقع الحال
لنرى إن كانت الأرقام تعكس الحال أم العكس.
لكن من عندي أنا أرى في هذه الاستطلاعات أنها أيضا يتم توظيفها لتدعم أو
تحارب نهجا معيناً.
ليس دائما
واحد زائد واحد يساوي أثنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق