إسرائيل والتعداد السكاني الأردني القادم
أيام وتبدأ عملية التعداد السكاني الأردني كاستحقاق وطني
كل عشرة سنوات. ولا يخفى على الجميع طبعاً
ما للإحصاءات العالمية من أثر في عملية التخطيط المستقبلي للدولة؛ وليس المجال هنا
لعرض هذه الفوائد. وبغض النظر عن مدى الفائدة
منه محلياً كما يُظهِر واقع الحال على الطبيعة إلا أنه يبقى ضرورياً ولو من باب الاحتياط.
هذا العام برزت مشكلة في بيان الإحصاء كما يقول بعض
الحراكيين والحزبيين من طيف معين وهو أن هذا البيان أو المنشور يحوي كلمة إسرائيل. وهدد هذا الطيف بمقاطعة التعداد إن لم تُحذف كلمة
إسرائيل وتستبدل بكلمة فلسطين. وأصبح عدد هذا الطيف في تزايد على صفحات مواقع
التواصل الاجتماعي مما يستدعي مناقشة هذا الأمر كفكرة طبعاً من باب حرية الرأي.
بداية نقول إن كان الأمر هذا من باب اتخاذ موقف وإظهاره
لإبداء الرأي فله ما يبرره؛ ومن باب العروبة أجدني أنا أيضاً متفقاً معهم تماماً؛
فأنا ممن يجزم أن الكيان الموجود غرب نهر الأردن هو فلسطين فقط شاء من شاء وأبى من
أبى؛ وقد كان أجدادنا يعملون هناك أيام الخير وكان يُقال أن فلاناً يعمل بفلسطين؛
فلم تكن منطقة الخليج في تلك الفترة قد ظهرت كنقطة استقطاب للعمالة العربية.
وعلى سيرة إبداء الرأي أذكر أننا عندما كنا في كلية مجتمع
حوارة، واتُّخذ القرار بأن تصبح الكلية مختلطة عام 1986 أحب الدكتور راضي الوقفي
(الله يذكره بالخير) أن يخرج القرار
إخراجاً ديمقراطياً فدعانا لاجتماع بنهاية العام الدراسي 1985- 1986 وقال
هناك توجه لتحويل الكلية إلى مختلطة فمن مع هذا التوجه ومن ضده؟ فرفعنا أيدينا
جميعاً مع القرار باستثناء زميل كريم يحتل مركزاً حزبياً مهماً هذه الأيام؛ فقد رفع يده معارضاً؛ بعد الاجتماع قلنا له: القرار مصاغ وجاهز وأنت تعلم ذلك فلماذا عارضت؟ قال من
باب اتخاذ موقف؛ ضحك وضحكنا جميعاً فلم يكن في تلك الفترة تشنجٌ وغضبٌ ومقاطعةٌ
عند الاختلاف بالرأي كهذه الأيام. لهذا
وعودة لموضوع الإحصاء نقول إن كانت معارضتهم تحت بند اتخاذ موقف فلهم ذلك. أما إن
كانوا جادين في ذلك فلهم الحرية كذلك، ولكن ليسمحوا لنا بالحديث حول هذه النقطة كموقف
أيضاً وإن كان مخالفاً لموقفهم. وأرجو
منهم أن لا يغضبوا ويكونوا كما كان الصديق الزميل الكريم أيام كلية حوارة.
تعلمون أن هذا التعداد على وشك الانطلاق ولا أعتقد أن
الوقت مناسب لمناكفة الحكومة بهذا الوقت لأنها قطعا لن تستجيب بسبب ضيق الوقت
أيضاً ولأنها لا تضمن بعد أن تنتهي من
الشكل الجديد أن ينال هذا الشكل أو النموذج رضاهم! فمن يدري ماذا في جراب الحاوي
بعد مناكفات.
كذلك إن الإحصاءات ونماذجها لها صيغة دولية وليست
محلية. و لا أدري إن كنتُ مصيباً أم لا
ولكني أفترض ذلك. ولا أعتقد أن حكومة
تتطلع دائماً إلى صندوق النقد الدولي والعالم الذي يدعم شرعية وجود هذا الكيان
الذي نحتج عليه، للمساعدة. ولا أظن أنها
تسعى لإغضابه- أقصد العالم. فأمام
الحكومة الكثير من المشاريع التي تقوم على المال الذي يأتي كمساعدات أو قروض أكثر
من اعتمادها على وعود لا تأت أبداً من هذه الجهة أو تلك لها أجنداتها الخاصة على
ساحتنا الوطنية. وقد صرح وزير المالية
المستقيل بأن المنحة التي وعدت بها جهة معينة قد أسقطت من الميزانية الأردنية
لأنها لم تأت أبداً؛ بقيت حبراً على ورق.
وفي مجال السياسية كذلك أقول باستحالة تنفيذ مطلب
الجماعة بحذف كلمة اسرائيل؛ فما يربط
المملكة سياسياً مع هذا الكيان هو معاهدة سياسية دولية وبضمانات دولية. فلا يُعقل أن تحذف اسم دولة تربطك بها معاهدة
واتفاقيات.
والأمر الأخير ربما هو أننا سواء غضبنا من هذا المسمى أو رضينا فهو واقع
وموجود بكل خرائط العالم وقَبِل به أقرب الناس إليه وهم أصحاب القرار وهم أصحاب
القول الفصل في ذلك وهم الفلسطينيون. فإذا كان القاضي راضياً فما بال الآخرون غاضبين وهم من سيقال عند اللزوم وقد
قيل سابقاً في مناسبات قديمة " وانتو مالكو" على رأي الإخوة المصريين.
لهذا وختاماً نعيد القول أنه إن كان الأمر للموقف فقد اتخذتموه وفكرتنا جميعاً وصلت، لكن
ولصالح الوطن يجب علينا جميعاً المشاركة بهذا الجهد الوطني الإحصائي في الاعداد لما له من فائدة كبرى لنعرف أين نحن في هذا الوقت بالذات. نعم إن كان هذا
التعداد في السابق إجراء روتيناً فهو الآن وفي هذه الأيام ضرورة وطنية يجب أن
ندعمها حتى يعرف بلدٌ تتلاطم فيه أمواج اللاجئين من كل صوب كيف يخاطب العالم.
هل نكون مع الدولة أم ضدها؟ وهل نسمح لهذا الكيان أن يؤثر علينا داخلياً كما
أثر على العالم خارجياً؟ الجواب عندكم.