الثلاثاء، 31 يناير 2017

نموذج المقاطعة بداية الوعي الشعبي الأردني

نموذج المقاطعة بداية الوعي الشعبي الأردني
بغض النظر اتفقنا أو اختلفنا مع حملة المقاطعة الحالية للبيض والبطاطا لارتفاع  السعر إلا أنها شكلت بداية منظمة لهذا الوعي الجديد الذي لم يعد يمشي بنظام الفزعة مستقبلاً حتى لو كان بعض منه الآن هو من باب الفزعة، بدليل الحديث عن مدى جدية بعض المقاطعين بالمقاطعة، أما دليل الوعي هو أن هذه الحملة قد أسست لحملة مقاطعة جديدة  للاتصالات.
ولا يجوز تثبيط عزيمة الناس بأنها ضد المزارع البسيط ومستقبلاً ضد السادة المساهمين بشركات الاتصالات ولاحقاً ضد المستثمرين المساكين؛ فمن يعمل ضد المزارع البسيط  وباقي الشرائح هو من لا يحميهم من جشع السماسرة أو الوسطاء ولا يوفر لهم البديل.  من غير المقبول أبداً أن يكون هذا المواطن المستهلك جمل المحامل، فيحمل هم المزارع والسمسار وبائع الجملة؛ فمن يحمل هَمّ المستهلك البسيط؟  وإذا أضفنا أن من مسؤوليات هذا المواطن أن يدعم خزينة الدولة فسيكون هَمّه أضعافاً مضاعفة.
إن سبب حملة المقاطعة وجيه جداً، وهي حق للشعب جماعات وأفراداً سواء كانوا منظمين أم لا عندما يحدث ما يهدد لقمة عيشهم أو حتى جانباً من جوانب رفاهيته؛ من قال إن حق مواطن القرن الحادي والعشرين هو مجرد لقمة العيش؟ من حق الجميع أن يقاطع وينظم نفسه بشرط أن لا يكون بطريقة تهدم المعبد على رؤوسهم ورؤوسنا جميعاً.   
لكن ومن باب النصيحة وحتى تؤتي هذه المقاطعات أكلها يجب الانتباه لبعض النقاط برأيي الشخصي المتواضع.
في البداية يجب أن يكون لهذه المقاطعة هدفاً تسعى لتحقيقه؛ ويبقى هذا الهدف ثابتاً لا يتغير فيطلب المزيد إن لمست الحملة استجابة معينة من الجهات المعنية.  إن سبب فشل الكثير من الحملات هو الانخداع بتحقيق الهدف فيطمع المنظمون بما هو أكثر إلى أن نصل الى طريق مسدود؛ عندها (والحديث ما زال عن البيض والبطاطا) ربما يفتح  باب التصدير على مصراعيه مثلاً أو أي أسلوب من ما في جعبة الحاوي، فيتم تصريف البضائع في أماكن أخرى فلا يعود للمقاطعة أثرها.  أذكر مثلاً أن أحد الشباب الحراكيين (أيام الحراك زمان) قال عندما سُئل عن هدف الحراك : ليس لنا هدف ثابت؛ فمطالبنا تعلوا كلما علا الحراك وكلما استجابت الحكومة لمطالبنا!  يعني بورصة مطالب؛ يوم نرفع ويوم نخفض.  سُقت هذا السبب لأنني بدأت أسمع أن هناك مطالب باستمرار المقاطعة حتى تصبح كرتونة البيض بليرة وربع!!
يجب أن لا تصبح هذه الحملات فرصة للبعض للظهور إعلامياً وإلى الاختلاف حول  من  يمثل الحملة ومن يحق له أن يُصَرِّح للإعلام أولاً.  فعندما يدب الخلاف حول من يمثل من يبدأ الجميع بالإنسحاب شيئاً فشيئاً فتضيع المسألة، وتنتهي المقاطعة أو تضعفها. إن من يتابع هذه الحملة على وسائل التواصل يجد هذا جلياً واضحاً؛ فبدأت بصفحة وانتهت بصفحات.  تتلقى من هذا دعوة ومن ذاك دعوة فتحتار أين تقف؛ وكأني بدور جديد قادم ينتظر المواطن الغلبان وهو إرضاء أصحاب الصفحات أيضا إضافة للكومسينجي بالسوق المركزي.
 لا يخفى على الجميع أن هناك فئة تحرص على الظهور بأي مناسبة حتى لو كانت لا تعنيها وهم كُثُر ونراهم على صفحات الفيس يرقصون أحياناً حتى للمتناقضات؛ وكأن الهدف أن يبقوا بالشارع لاعتقادهم أنهم ربما يقودوه ويصبحوا نشطاء ولهم صوت مسموع فيبدأ الهتاف (للبطاطا)  وينتهي  بشعار من الشعارات السياسية التي ملها الشارع من زمنا وأصبحت ممجوجة حتى عند أصحابها الأصليين. وهذا جلي جداً ولا يخفى على أحد.
من المهم جداً عدم إغلاق قنوات الاتصال مع الجهات المعنية؛ فالهدف ليس المقاطعة إنما هي لتوصيل فكرة ومطلب حق  للمستهلك المنهك.  لهذا من الحكمة الحفاظ على الخيط الرفيع بين المنظمين وتلك الجهات لأن الخاسر الوحيد في حالة فشلها هو المواطن الذي قامت المقاطعة من أجله هو فقط.   
يجب أن لا تصبح المقاطعة موضة بحيث تصبح مقاطعة لأي شيء  قبل الانتهاء من الموضوع الرئيس. إن كثرة "النطنطة" من مقاطعة لأخرى يفقد المقاطعة الأصلية زخمها؛ لا بل ربما يكون سبب فشلها.  يجب اختيار موضوع المقاطعة الجاد والذي يمس وجع المواطن (ولا أفرق بين اساسيات أو كماليات هنا) فلا يجوز أن تكون لأي موضوع.
وفي الختام أسوق هذه المعلومة سمعتها من الإذاعة من مسؤول بجمعيات البيض وهي أن مدة صلاحية البيض هي شهر ميلادي واحد فيجب الانتباه لتاريخ الانتاج عند الشراء  ولا ننساق وراء رخص الأسعار عند تجار البكمات الذين ينشطون في مثل هذه الأجواء.  احرصوا على اقتناء بيض نظيف صحي ممتاز ولا تسعوا  للبيض المدِّر أو الي صوصه فيه  جاهز.
تمنياتي  للحملة بالنجاح وتحقيق الأهداف.


الخميس، 26 يناير 2017

التخوف العربي من الديموغرافيا

التخوف العربي من الديموغرافيا
لا أعتقد في حدود معرفتي أن هناك شعوباً تخاف التنوع الديموغرافي فيها كالشعوب العربية ومؤسساتها الرسمية؛ فهي تحافظ لدرجة الموت  إن لزم الأمر  للحفاظ على النسيج السكاني العِرقي لبلدانها على أرضها. تتغنى هذه الشعوب والدول بالعروبة والأخوة الإسلامية والحضارة الإنسانية ولكنها تقف سداً منيعاً ضد الاقتراب من ديموغرافيتها.  لهذا فهي حريصة جداً على أصولها التاريخية  من أنها جاءت من المنطقة الفلانية أو العلانية.
فقط بالدول العربية تبقى الشعوب تذكر القادمين إليها بأنهم مجرد أغراب مهما اجتهد القائمون على سياستها باختراع الألفاظ الخفيفة للتلطيف من وقع هذه الكلمة على المعنيين فيها؛ ومهما بلغت مساهمة القادمين اليها ببناء حضاراتهم إلا أن النظرة إليهم  هي انهم مجرد أغراب عملوا بأجرة.  ومن المفارقة أن هذه الدول لا تمانع أن ينتقل أفرادها إلى دول أخرى ليكونوا أغراباً هناك أو سمهم ما شئت ولا ترى في ذلك غضاضة.
وهي الوحيدة أيضاً التي تضع كل العراقيل أمام من يختار أن يحصل على جنسية هذا البلد عندما تطول إقامته فيه. وإذا مُنِح هذه الجنسية فهو مواطن صنف ثاني أو ثالث إذ لا يحق له الانتخاب أو الترشح أو الحصول على منصب كبير إلا إذا كانت الحاجة ماسة إليه، ومع ذلك يبقى درجة ثانية ويحق للمواطن الذي يقل عنه درجات أن يتقدم عليه اجتماعياً أو بالاحتفالات الرسمية حتى بدائرته الوظيفية الضيقة حتى لو لبس لباسهم الرسمي.
وفي الدول العربية فقط يمكن أن تجد الكثيرين يعيشون كالأغراب وهم ما يعرفون (البدون) وهذا بحث قائم بذاته لأناس يعيشون في بلدهم الأم  ويحرمون من جنسياتها لأسباب  لا نعرفها؛ ربما بسبب تواجدهم بمناطق حدودية حيث تضيع حقوقهم بالمواطنة بين هذه الدولة أو تلك.  وطبعا قد تجد هذه الظاهرة بمعظم البلدان العربية وليست دولة بعينها.  
والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً هو لماذا لا نجد هذا الخوف من الدول المتحضرة التي سعت  وتسعى لاستقطاب  المهاجرين  إليها لتعمير الصحراء وتمنحهم الجنسية ويصبحوا مواطنين درجة أولى وليس ثانية كأبناء البلد، فنسمع لاحقاً بأسماء من أصول خارجية وقد تبوأت أرفع المناصب تصل إلى درجة الرئاسة. ولا يوجد في تلك الدول من يذكر هؤلاء بأنهم أصلاً ليسوا من هنا وكلما (دق الكوز بالجرة) يتم تهديدهم بالترحيل وسحب الجنسية  أو تذكيرهم بأهم مجرد وافدين أو درجة ثانية.
السبب الرئيس برأيي هو سياسي بحت وهو الخوف على كرسي الحكم رغم التشدق الدائم بأن دولنا دولاً متعددة الأطياف أو المنابت؛ فهل ضر أمريكا أن يحكمها رجل كأوباما لدورتين متتاليتين. وهنا قد يسأل سائل السؤال التالي وهو محق فيه وهو هل تضمن لنا أن يكون ولاء الأغراب (القادمين الجدد) لبلدنا كولاء أوباما لأمريكا؟ أقول نعم نضمن ذلك بدول القانون. عندما يضمن القانون لهذا الوافد بمدة بسيطة ومعقولة أن يحصل على جنسية البلد الجديد ويصبح مواطناً كامل المواطنة.  هل يضمن القانون لهذا الوافد أن يحصل على حقه الاجتماعي فيتزوج ويُزَوِّج من أهل البلد دون النظرة الدونية له؟  هل سيبقى هناك من يلاحق هذا الوافد ليحصي عليه أنفاسه خوفا منه على البلد رغم أنه أصبح مواطناً فيها؟
لقد كانت العرب من قبل في طور البداوة وقبل ظهور الكيانات السياسية كلها أرضاً واحدة ينتقل فيها المرء  أنى شاء، ولهذا ظهرت امتدادات القبائل العربية من شرق العالم العربي إلى غربه؛ ومن النادر أن تبحث في أصول قبيلة في المشرق ولا تجد لها امتداداً في وسط وغرب هذا العالم العربي من المحيط إلى الخليج.  وعندما انتقلت هذه الدول من مرحلة البداوة إلى الحضارة وجدنا الخوف الكبير من هذا (البعبع) المسمى بالغريب.
لا أنادي بالرجوع الى نظام البداوة، ولا أشجع أن تكون حركة الناس بين البلدان العربية (سداح مداح) دون ضوابط؛ لكني أنادي بتنظيمها بحيث يصبح من أبسط الحقوق  لهذا الغريب أو الوافد أو الأجنبي أن ينال الجنسية في البلد الذي يقضي فيه زهرة عمره دون منية من أحد والسماح له بالبقاء فيها حسب القانون دون الحاجة لما يُسمى بالكفيل.  للدول العربية الحق أن تضع الشروط التي تريد من حيث مدة الإقامة ولكن إن حقق المقيم هذه الشروط  يصبح مستحقاً للجنسية دون معوقات إن أراد ذلك.
ويمكن التوفيق بين مختلف الآراء بهذا المجال بإعادة النظر بموضوع ازدواجية الجنسية؛ كما أعلم أن القوانين العربية جميعها أو معظمها حتى لا نقع بخطأ التعميم  ازدواجية الجنسية وبهذا يُحرم من يحاول التوفيق بين ممن  يتشبث بتراب بلده الأم ويحاول التمسك ببلده الثاني الذي قضى فيها عمره ونشأ فيه أولاده وترعرعوا ولا يعرفون بلدهم الأم إلا بالاسم.  أي عقوبة أشد من أن ينتقل المغترب لسنوات من اغتراب إلى اغتراب.
ما زال خبراؤنا الديموغرافيون غارقين بالبداوة التي تصر أن ما يلجأ اليهم هو قصيرهم أو مجاورهم لو أقام معهم ما شاء الله له أن يُقيم.



السبت، 14 يناير 2017

الفاتورة الضريبة

الفاتورة الضريبة
قادتني الظروف نتيجة حادث سير بسيط بعد وصولي للأردن من الاغتراب إلى محل ميزان ستيرنج لتعديل ميزانية السيارة ففوجئت بصاحب المحال يقول هل تريد فاتورة ضريبية؟ قلت لا؛ لا أحتاجها لأني سأدفعها من جيبي وليس من التأمين. عندها قال الأجرة ستون ديناراً.   وبعد الانتهاء دفعت له المبلغ وطلبت فاتورة فقال أنت قلت لا تريد الفاتورة.  فقلت له أنت تحدثت عن فاتورة ضريبية وأنا لا أريدها، أنا فقط أريد فاتورة عادية حتى أراجعك فيها إن جد بالسيارة جديد.  وبعد جدل طويل أعطاني فاتورة وهو يدعو علي لأني سأخسره ضريبة للدولة وأشك أنه سيدفعها لأن الفاتورة شكلها من الدفتر الاحتياط. وبصراحة كنت أعتقد أن الفاتورتين مختلفتين. بعده بفترة وعند الصناعية أيضاً تحدث صاحب المحل عن الفاتورة الضريبية والسعرين  في حالة طلب أو رفض الفاتورة، فلم أطلب الفاتورة طبعاً لأنني أصبحت أعرف المسألة.
خلصت من الموقفين أن هناك تحايل كبير وبملايين الدنانير تخسرها الدولة من جراء مثل هذا التهرب الضريبي السهل. ربما كنا نحن المواطنين أيضا شركاء بهذا، ولكن ما العمل إن كانت الضريبة ستكون من ظهورنا نحن وليس من ربح التاجر؟ فهل يوجد  لدى الحكومة طريقة لتحصيل مثل هذه الضرائب.
هذا التهرب لا يحصل بالشركات الكبرى فهي تدفع الضريبة من مبيعاتها المدونة حاسوبياً. لكن وجه الشبة بالحالتين هو أن الضريبة أيضاً ندفعها نحن الموطنين.  فلو أخذنا شركة من شركات الاتصالات  التي تبيع بطاقة الدينار بدينار وثمانين قرشاً لوجدنا أن الثمانين قرشا (كما قيل لنا ) هي الضريبة التي ندفعها نحن.  هنا تبرز عدة أسئلة حول هذه القضية :
السؤال الأول: هل تتابع الجهات المعنية القيمة الحقيقية للضريبة إن كانت حقاً ثمانين قرشاً أو أنها أقل من ذلك؟ تصوري أن شركات الاتصال أيضاً تستغل مسالة الضريبة وتبيعنا البطاقة بأكثر من قيمتها بحجة الضريبة. لا أصدق أن الضريبة هي 80% بالمائة للاتصالات. هل نعاقَب لأننا ( بنحكي). 
السؤال الثاني:  لماذا لا تجبر الحكومة هذه الشركات على دفع الضريبة من أرباحها المهولة التي تجنيها من بيع هذه الخدمة كما تفعل باقي الدول. نريد أن نشتري بطاقة الدينار بدينار وليس بدينار وثمانين قرشاً كما هو الحال بسلطنة عُمان مثلاً.  
السؤال الثالث : ألا تستطيع الحكومة كبح جماح وتغول القطاع الخاص؛ فنراها تتغاضى عن تقاضي هذه الضريبة من المواطن والربح من موضوع الضرائب.   إذا كان الجواب بنعم فليعطونا خيار (بدك فاتورة أو لا) على طريقة المدينة الصناعية. 
أخيراً سمعنا عن ضريبة السبعة قروش على بيع كل لتر من المشتقات النفطية ( أتحدث عن الضريبة المضافة ولا أتحدث عن بيعها) فلماذا لا تدفعها هذه الشركات أصلاً.  
السؤال الرابع لماذا لا تعلن الحكومة - حتى ندفع عن رضى - عن مدى مساهمة القطاع الخاص بمشاريع الحكومة والتنمية والوقوف على حقيقة مساهمتها في توفير فرص العمل للشباب الباحث عن عمل؟  نسمع دائماً الحديث عن وجوب مساهمة القطاع الخاص وهذا يعني أنه يجني الأرباح ويدفع ضريبتنا التي هي أصلا من جيوبنا ولا يساهم بدوره كما هو مطلوب.  ويعني أيضاً أن القطاع الخاص تاجر فقط يبيع ويشتري.
شخصيا لست ضد أن تجمع الحكومة الضرائب ولكن لتجمعها من أصحاب القطاع الخاص وليس من قوتنا اليومي.  أما إذا بقيت الحالة على ما هي عليه فلتشكرنا  الحكومة إذاً  لأننا نحن من يسهم بهذه التنمية وليس القطاع الخاص. 


بين الدين والتدين

بين الدين والتدين
مصطلح الدين والتدين أفهمه كما أفهم مصطلح الإسلام والأسلمة.  ولتوضيح الصورة أعود بالذاكرة  إلى عام 1974 وفي محاضرة التاريخ (متطلب كلية) للدكتور أحمد الشبول حيث كان يحدثنا عن الفتوحات الإسلامية، قال إن أول ما كان يحرص عليه الفاتحون المسلمون  للمدينة  هو أسلمة تلك المدينة.  وسأل بعدها من منكم يعرف  المقصود بالأسلمة؟ فأجاب الزميل "علي اسماعيل" مثل بناء المساجد" فقال الدكتور بالضبط.  إذاً فالمقصود هو إظهار مظاهر التواجد الإسلامي السياسي الاجتماعي بالمدينة.
تذكرت هذا المفهوم وأنا أتابع منذ نهايات القرن الماضي ظهور عبارات على الطرقات الخارجية  بين عمان وإربد على سبيل المثال " اذكروا الله"  وعبارات أخرى قصيرة ذات نفس الأسلوب، فنذكر الله مع الذاكرين. وعندما قُدِّر لي الذهاب لصلالة بسلطنة عُمان وجدت نفس الظاهرة مع أمكنة أخرى للصلاة مجهزة بالماء؛ ولطول إقامتي هناك تابعت نموها وازديادها كما هو الحال بالأردن. ولا أظن أن الوضع يختلف في باقي الدول العربية وربما الإسلامية.
  لكن عندما دخل هذا القرن ومع ظهور الحركات الإسلامية عموماً بدأت ألحظ ازدياداً كبيراً للظاهرة، ولم تعد تقتصر على الطرق الخارجية فقط ولكنها دخلت المرافق جميعاً إلى أن وصلت الإشارات الضوئية.  وبدأت تظهر بشكلٍ منظمٍ جداً وفيها استيلاء على المرافق العامة كالشوارع  الطويلة، فكتبت أسماء الله الحسنى مثلاً على شارع طويل مزدحم لا يمكن أن يقوم به أشخاص عاديون بجهد فردي؛ فلا بد من جهات معنية مهنية مصحوبة بمعداتها لتثبيت مثل هذه الصفائح المعدنية بشكل جيد. وربما احتاجت أيضا  للعمل بآخر الليل.  وهنا يبرز سؤال إن كان هذا الأمر يتم برعاية رسمية من البلديات عموماً (فالأمر لا يقتصر على العاصمة فقد رأيتها بإربد أيضا). ما أعرفه مثلاً أن كل مظاهر الانتخابات تزال بعد الانتخابات فلماذا تم الإبقاء على مثل هذه العبارات؟ هل هو الخوف من الاقتراب من كل ما يمس الجانب الديني مثلاً؟ أم هل دفع أصحابها رسوماً مالية لبقائها كباقي الإعلانات ؟ أكثر من شارع طويل تتوزع  فيه أسماء الله الحسنى التسع وتسعين اسما؛ إشارات ضوئية تحمل عبارات استغفروا الله أو اذكروا الله أو صلوا على النبي.  لا أمانع بتدريسها ضمن ملازم معينة بالمدارس فالاستفادة منها هناك أكثر من عرضها بالشوارع.
إذا أخذنا بالقول بأن هذه المظاهر  تقع في باب التدين فمن له مصلحة في ذلك ليظهر المجتمعات الاسلامية وكأنها مجتمات دراويش، وهنا أتحدث عن فرقة من الفرق الاسلامية فليس كل الفرق الأخرى توافق على مثل هذه الظواهر.  نعم هي طيف  واحد فقط ألا وهو الجانب التصوفي؛ فلم تحمل أي عبارة من العبارات أي دعوة تحث على العمل أو المعاملة إنما هي الاستغفار والذكر والجانب الروحي فقط؛ لا أدري أيهما أفضل على الإشارة الضوئية  تذكير السائق بالاستغفار أم عدم قطع الإشارة الحمراء مثلا؛ أليس الأفضل مثلاً أن نخبر السائق بغلق هاتفه  عند الضوء الأصفر  إلي جانب الاستغفار.  
إن الخطر في نمو هذه المسألة وإن كان ظاهرها الدروشة هو أن مثل هذا الطيف عندما يسود  ستقوده هذه السيادة إلى افتراض أنه الوحيد هنا وبالتالي هو الأفضل وبعدها الأقوى وبعدها محاولة التفرد بالسيطرة على باقي الأطياف الدينية وبالأخير رفضها. فهذا لا تعجبه صلاة الإمام الفلاني أو فتوى الشيخ العلاني  وتبدأ بعدها استقطاب  المريدين لها ولا أدري ماذا ستكون النتيجة.  يكفي  أن يكون أحدهم في المسجد ليعلو صوته منبها لهذه القضية أو تلك أو محتجاً لمجرد أنه يتمتع بالمظهر الديني . في حين يجلس حملة الدكتوراه في الشريعة  فلا يتحدثون في مثل هذه المواقف حرصاً على الهدوء بالمسجد. 
والنقطة الأخرى متعلقة بالجانب المالي . كما أسلفت أن عملية نشر هذه  الظاهرة هي عملية منظمة ولا يمكن أن تقوم بها أفراد فقط. ولا بد لها أيضاً من دعم مادي  فمن ينظم ومن يدفع؟ وهل يجوز مثلاً تلقي الاموال من جهة معينة بحجة نشر الاسلام وهي في الحقيقة تروج لجماعةٍ أو لمذهبٍ فتح الله عليه بخير وفير.   فهل يمكن القول أن الدول تغض النظر عن هؤلاء؟ ولماذا؟
وأخيراً هل مجتمعاتنا الإسلامية  بحاجة لمن يذكرها بذكر الله وباستغفاره بهذه الطريقة؟  القضية كما أراها  هنا هي إظهار الشيء للغير أكثر من المعنيين ذاتهم. وهنا السؤال أيضا إذا كانت الأسلمة  (المساجد والمآذن) التي تحدثت عنها بالفقرة الأولى كمدخل للموضوع إشارة لمن يدخل مدننا بأنه يدخل مجتمعاً إسلامياً فهل هذه الظاهرة التدينية هي إشارة للداخل  وليس الخارج بأن هذا المجتمع لهذه الفئة من المسلمين؟  كذلك فإن المساجد والمآذن ظواهر معروفة عالمياً ولا تحتاج لترجمة في حين أن العبارات والكتابات كلها بالعربية فهل هي للعرب فقط أم ستتم ترجمتها لاحقاً حتى يفهمها غير العرب؟ 
إن الأمر تطور جداً حتى غزا مواقع التواصل الاجتماعي والاتصال كذلك؛ فأصبح تداول المنشورات الدينية وخاصة الأدعية أو التي تحمل عبارات الوعظ والإرشاد الروحي يطوف العالم وكلها تحمل ذات الفكر ولا تحمل في ثنياها ( التي جاءتني ) أي دعوة للعمل  الفعلي. بات يشعر مناصروها أن قمة الدعوة للإسلام هي نشر هذه المواد والفيديوهات مع التذكير بضرورة نشرها لأصدقائنا هو المطلوب.
فهل هذا هو المطلوب للمرحلة القادمة في المجتمعات العربية؟
  

الدين كما اراه هو باختصار كما جاء بالحديث " الدين المعاملة" وما أراه بالطرقات هو التدين. وهناك فرق طبعا.