الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

المولد النبوي تراثياً

المولد النبوي تراثياً
تشكلت بالذاكرة ذكريات جميلة عن الاحتفال بالمولد النبوي من صغري لدرجة أنني تعلقت  بها كثيراً.  وكانت القراءة من كتاب يعرف بمولد العروس. يقرأ فيه الشيخ عن سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة إلى ولادته وبعثته وهجرته.
وكان يتخلل القراءة التواشيح الدينية التي أحفظ بعض المقاطع منها. فعندما يمرون على حمل السيدة آمين بالمصطفى صلوات الله عليه ينشدون :
يا آمنة بشراك 
سبحان من  أعطاك
بحملك  لمحمد
رب السماء هنّاك
 ومن الأناشيد أيضا
الله  الله
الله الله
ما لنا مولى سوى الله
كل ما ناديت يا هو
قال يا عبدي أنا  الله
المهم، ما يحضر بالذاكرة أيضا أن بعض الموالد كانت تقام أيضاً بالبيوت طلباً للأجر أو احتفالاً بمولود أو مباركة ببيت ويتبعها المولد الغداء أو العشاء والحلويات. ولا يمكن نسيان كميات الشعير التي كانت تتوسط جلسة المولد؛ وبعد الانتهاء منها يتم توزيعها على  الحبايب حتى يتم التَبَخّر بها بالمناسبات كمرض الأولاد ويقال عنه شعير مقري.
وقد كنا نتحدث أيام الجامعة عن الموالد وفينا زميل كريم يتقدمنا بالعمر فقال أنه كان يقرأ المولد  زمان. واستغل أحد طلاب الشريعة هذه المناسبة وقال له اشتري الكتاب على حسابي وأنا متكفل بباقي التكاليف. أعجبتنا الفكرة واشترى الزميل الكتاب وأحضر طالب الشريعة أسفاط من الراحة نسفناها بعد أن عملنا مولد بدار أبي هاني بصويلح عام 1976 على ما أعتقد.
كما أسلفت بعد مدة من قدومي لصلالة توصلت لبعض المقرئين والمداحين بصلالة وكان المولد عندي بالبيت تقليداً سنوياً، ولكن كنا نقيمه على غير الطريقة الصوفية القديمة: كنا نفتتح الجلسة بالقرآن الكريم يتبعها نفحات من أسيادنا المشايخ يتحدثون فيها من الرسول الكريم ثم يأتي دور المداحين والمنشدين، ويدير الجلسة شيخ جليل.  وطبعا كانت وجبة القبولي تتبعها الكنافة البيتية بعد المولد.
هذه من ذكريات زمان عن المولد.
وكل عام وأنتم بخير

صلي الله على محمد صلى الله عليه وسلم.  

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف أتقدم من جميع الإخوة هنا بأرق التهاني بهذه المناسبة المباركة داعيا الله جلة قدرته أن يعيد هذه المناسبة في العام القادم وقد عم السلام منطقتنا والعالم أجمع.



السبت، 19 ديسمبر 2015

اللغة العربية بين العامية والفصحى

اللغة العربية بين العامية والفصحى
كنا والزملاء في الصف الثاني ثانوي بمدرسة دير أبي سعيد (1973) جلوساً ننتظر الأستاذ فإذا بمدير المدرسة الأستاذ محمود العطار يدخل الصف ليخبرنا أن أستاذ المادة في إجازة وجاء هو ليشغل الدرس بدلاً منه.  لا أذكر ذلك الأستاذ ولا المادة، ولكن ما أفاض به سعادة المدير هو ما بقي في الذاكرة. وفي الحقيقة وجدت بعد هذه الخبرة الطويلة في التعليم أن ما يتحدث به الأستاذ خارج الكتاب ربما يرسخ في الذهن أكثر مما جاء في الكتاب نفسه كمعلومة وتثقيف للطالب لأن الطالب يستوعبه كإضافة وليس كواجب يمتحن به كمادة الكتاب.  وكذلك كانت تلك الحصة مهمة جداً إذ كشفت جزءاً مهماً في شخصية الأستاذ محمود وهي تتعلق بالجانب الإنساني والثقافي الواسع؛ وقد كنا نعرف الأستاذ محمود قبلها ذلك الصارم في الإدارة الذي تحصل على كفين على رقبتك  كمقطوعية الكهرباء (واحد وانت داخل وواحد وانت طالع) إذا دخلت الإدارة عنده حتى لو جئته سائلاً عن أمر ما لا علاقة له به لمجرد أن حظك السيئ ساقك للمرور بغرفته.  كذلك كنا نسمع صوته يومياً على السماعة من غرفته عندما يريد أن يقرأ لنا تعميماً حيث كان يحرص أن ينهي بيانه بكلمة انتهى. على فكرة اكتشفت لاحقاً أن هذه (الكفوف) كانت من نصيب المشاغبين فقط لأنهم فقط من كانوا يروون لنا هذه الحكايات.  على الأستاذ محمود السلام ودعائي له بطول العمر إن كان له في هذه الدنيا بعض من عيش أو رحمات الله عليه إن كان في ديار الحق. يا لذكريات المضي عندما تنساب .
إحدى إفاضات الأستاذ محمود كانت لغوية؛ ولا أدري سبب الحديث فيها فأنا لا أعرف تخصص سعادة المدير (ربما كان فلسفة) أو موضوع الحصة الغائب أستاذها.  لقد طاف بنا الأستاذ محمود في الغريب من اللغة، وأريد أن أتوقف عند نقطة المفردات التي نحسبها عامية؛ كانت المفاجأة أنه قال أن هذه المفردات ليست عامية في معظمها، لأننا لو بحثنا في أصولها لوجدنا لها أصلا في إحدى لهجات القبائل العربية وأظن أنه استعمل كلمة خوصة (سكين) كأحد الأمثلة. وعندما شاهد الاستغراب على وجوهنا باعتبار أننا نعتبرها عامية لأنها لم ترد في القرآن قال إن اللغة الموجودة في القرآن هي لغة قريش من العربية فعرفنا أن أيضا أن هناك لهجات أخرى غير قريش، ولهذا ومع مرور الزمن أصبحنا نعتقد أن  المفردات التي خالفت ما جاء بلهجة قريش عامية وهي ليست كذلك. ومن ذلك اليوم بدأت بالذاكرة تتكون عندي فكرة أن لا يوجد  هناك شيء هو الأفضل في هذا العالم؛ فأصبحت أقول أن هذا الشيء هو الأفضل لأصحابه وتابعية ومريديه فقط ولا يجب أن يفرضوه على غيرهم بالقوة.    
وأكد عندي ما تفضل به الأستاذ محمود الحديث النبوي الذي أجاب به الرسول الكريم وهو من قريش على سؤال لسائل من اليمن عندما سأله عن الصيام في السفر فقال صلى الله عليه وسلم  " ليس في امبر فمصيام فم سفر"  حيث حلت ( مــ)  بدلاً من أل التعريف.  وهذا يخرجنا من قضية العربية أن العربية هي فقط ما جاء على لسان قريش.
تذكرت هذه الأمور وربما عند المختصين أمثلة أخرى كثيرة عندما رأيت هذه الحملات في سياق الدفاع عن اللغة العربية  في يومها تهاجم أو تُعرِّض بمن يستخدم (العامية)  لأن هذا خطر على اللغة العربية. أما الحديث النبوي فقد تذكرته عندما قرأتُ التهكمات على الفيس حينما نُشِر خبرٌ  على المواقع الإلكترونية عن خطبة الجمعة باللغة البنغالية بالضليل لأن المصلين كانوا من العمال البنغاليين.
يا سادة نقدر حرصكم على هذه اللغة الرائعة ولكن لا تقولوبوها بقوالب قدسية لا يجوز الاقتراب منها؛ وهي لغة واسعة شاملة تستوعب كل اللغات وتصهرها وتخرجها إخراجاً لغوياً عربياً رائعاً؛ فكل اللغات التي تتقوقع على ذاتها ستندثر. ولن تندثر لغة القرآن وستواكب كل  العصور ولا مشكلة عند اللغة ذاتها ولكن نأمل من المختصين فيها أن يخِفّوا علينا شوي فالعربية بخير.
لله درك يا أستاذ محمود العطار مديرنا الذي غادرنا إلى  إربد وجاء بعده الأستاذ أحمد ياسين هياجنة عليه رحمة الله.  هكذا نذكر الكبار.  فهي سيذكرنا طلابنا إذا مر طيفنا ذات يوم بمجلس ليشهدوا لنا فيه شهادة حق!  

انتهى على طريقة الأستاذ محمود.     

الخميس، 17 ديسمبر 2015

هدير التحالفات

هدير التحالفات
أدرك جيداً أن يد الله مع الجماعة؛ وعندي فكرة عن بيت الشعر الذي يشير أن العصي تأبى أن تتكسر إذا اجتمعت وأنها تتكسر إذا أصبحت فرادى، وأعرف أن الاتحاد قوة فما بالك بالتحالف.  لكني لا أستسيغ هذا السيل التحالفي الجارف الذي يأخذ شكل الجماعة، وهذا طبعاً ليس التحالف الأول، فقد بدأ بالتحالف الدولي ضد  القاعدة في أفغانستان مروراً بتحالف دولي ضد العراق وآخر عربي في اليمن ولا أظنه سينتهي بالتحالف الإسلامي الجديد؛ فهو يبدأ بهدف معلن نبيل ولا غبار عليه ولكنه ينتهي نهاية مرعبة، لهذا نشك أحياناً بأن الأهداف المعلنة هي نفسها تلك الأهداف الحقيقية.  فالتحالف ضد القاعدة وطالبان جاءنا بأفغانستان لا يرى أنها ديمقراطية إلا أصحاب التحالف أنفسهم وبقيت القاعدة وطالبان؛ والتحالف ضد العراق بدأ لتحرير الكويت ثم بدعة أسلحة الدمار الشامل والحال الآن يغني عن السؤال؛ وهذا الحالي الذي يقذف حممه فوق رؤوس الحوثيين ( بالمناسبة أليس الحوثيون يمنيين!!) من الصعب الحكم على نتيجته الآن رغم أن الصورة الحالية قاتمة جداً.  وهنا يبرز السؤال حول التحالف الجديد الذي أعطي عباءة إسلامية لمكافحة الإرهاب وتشير البوصلة الظاهرة ربما لما يسمى داعش ولا نعرف مصير سوريا فيه فعلى ما يظهر أن تماسك سوريا ككيان ما زال عقبة في القضاء على إرهاب داعش!  
أمورٌ كثيرة عصية على فهم المتابع لما يجري وخاصة فيما يجري من تداخلات في كيانات هذه التحالفات التي نلاحظ تغيراً جوهريا في طريقة تشكيلها؛ فبعد أن كانت تأخذ الصبغة الدولية أصبحت تلبس اللباس العربي في موضوع اليمن والإسلامي في التحالف القادم ولا نعرف إن كانت نشاطات هذه التحالفات ستتجاوز المنطقة العربية لتصل أعماق العالم الإسلامي خارج المنطقة العربية.  لا ندري سبب توسعة مظلة الدول المشاركة بالتحالف هذا. أهي الرغبة بالغنيمة عند توزيعها، أم المشاركة بالأجر الرباني عندما يجتثوا الإرهاب.
وهناك أمر آخر ربما لم يفت القائمين عليه وهو الوجود الإيراني والروسي بسوريا؛ وهاتان القوتان لا علاقة لهما بهذا التحالف.  فإذا صح الاستنتاج أن هذا التحالف سيكون هدفه داعش فهل سيتعاون التحالف مع روسيا وإيران أم سيحاربهما أم سيقاسمهما ما سيفتح الله عليهم به.   
لقد أثبتت كل هذه التحالفات فشلها بتحقيق أهدافها (الظاهرة طبعا)  في كل الأماكن التي ضربتها قوتهم فلماذا لا نبحث عن أساليب أفضل من عسكرة التحالفات.  هذه المناطق المنكوبة بوضعها قبل دخول التحالفات أو بعدها بحاجة للتفاهم والحوار معها أكثر من حاجتها لتحالفات. فالتفاهمات تقود إلى تنمية البلدان ورخاء شعوبها وتشيع روح التعاون بين الدول وليس الكراهية والعدوان.  من قال أن الشعوب ستنسى ما حل بها من دمار نتيجة هذه الضربات المدمرة!

بالمناسبة لا علاقة لي بالقاعدة ولا أروج لداعش ولا أحب الحوثيين ولكني  لا أعتقد بهذه كمبررات كافية لكل هذه التحالفات العسكرية. لا يجب أن تنخدع الدول الداعية لهذه التحالفات بقوتها العسكرية أو المادية كما جاء بقصيدة الشاعر الانجليزي  Rudyard Kipling (Dane-Geld). وهناك أمر هام أن نتائج كل هذا الهدير ستقع على رؤوسنا جميعا ضحايا ومهاجمين.

في الختام عندي  سؤال وهو لماذا لا نجرب التحالفات الأيدلوجية مثلاً؟  لماذا لا نجفف منابع كل هذه العصابات فمنابعها  مالياً وفكرياً بين أيدينا نحن؟



وهناك سؤال صغير آخر وهو متى سنشهد تحالفاً عربياً إسلامياً أو تحت أي مسمى ترونه مناسبا ليواجه الإرهاب الأكبر في المنطقة وهي الدولة (الي ما تتسماش) كما يقول الإخوة المصريون.  طبعا عرفتوها؟  أم أن الأولوية الآن هي للإرهاب!!

السبت، 12 ديسمبر 2015

نص نصيص

"نص انصيص ..
من حكايا الزمن الجميل ...
تزوج ثلاث اخوة في يوم واحد ، و ما كاد يمضي العام الاول حتى انجبت زوجة الكبير ولدا اسموه سعد و زوجة الاخ الاوسط انجبت ايضا ولدا سموه سعيد ... و لم يشأ الله ان يكون لزوجة اخيهم الصغير "خِلْفِه" في ذلك الوقت فضاقت بها الحياة من "مقاهرة سلفاتها" و همزهن و لمزهن ، و كعادة نسوة القرية "ما خلّت وصفه الا جربتها و لا عشبه الا غلتها و شربت ميتها" و لا "ختياره بداوي للحبل" الا نصتّها و لا شيخ الا "حجبلها" ، لكن مشيئة الله هي النافذة ... كاد اليأس ان يقتلها الى ان مرّ رجل عجوز يقود حماره و يصيح "دوا للحبل ، دوا للحبل" فقالت في نفسها لعل الله يرزقها "الضنى" على يد هذا العجوز فاشترت منه حبة تفاح قال لها "هاي التفاحه للحبل هيّه بهيّه" ، اخذتها و دخلت بيتها و وضعتها على حافة الشباك و ذهبت لحاجة لها ، في هذه الاثناء دخل زوجها و كانت "اقماره معميه من الجوع" فاكل نصفها و اعاد النصف الاخر مكانه و خرج من البيت فيما عادت هي لتجد نصف التفاحة فقط ، تعوذت من الشيطان و اكلت نصيبها ...
مرت الايام سريعة و حملت المسكينة حملها و انجبت ولدا و كان حجمه قد لا يساوي نصف حجم المولود الطبيعي فحمد والديه الله على نصيبهما و اسموه "نص انصيص" لصغر حجمه ...
بلغ سعد وسعيد و ابن عمهمها نص انصيص مبلغ الشباب ... اهدى ابو سعد لولده فرسا يركبه و قوسا للقنص و كذلك كان لسعيد من والده ، اما نص انصيص فاعطاه والده خاروفا ركوبة له لصغر حجمه و "مقحارا" يسوق به الخاروف و يستعمله للقنص و "مُرْجيليه" جدلتها امه من خيوط الصوف يستعملها كذلك للقنص ...
خرجوا جميعا للصيد في البرية فلم يصطد سعد و لا سعيد شئ فيما اصطاد نص انصيص غزالا مما ولّد الغيرة في قلبيهما فضربا نص انصيص و اخذا صيده و تقاسماه و عاد كل منهما لاهله فرحا بما معه الا نص انصيص عاد حزينا ، و نكاية من "السلفات" كنّا يرمين عظام الصيد بعد طبخ اللحم و اكله امام بيت والد نص انصيص ...
تكررت هذه الفعال كثيرا من سعد و سعيد ، كل يوم "بطجّو نص انصيص كتله حشي جلده" و ياخذان صيده ، و تلقي امهاتهما العظام امام بيت ابو نص انصيص حتى كادت امه "اطّق" من "مقاهرة سلفاتها" و "مرارة ابوه فقعت" فقال له : يا مقطوع التالي ، اولاد عمامك كل يوم بصيدوا و اهاليهم بتبغددو باكل اللحم و انت بترجع اترط باذانك ما معك اشي ، ولّ ، عالقليله صيدلك ادويري وللا قنبوره" فقال نص انصيص "والله يابا اني اللي بصيد كل يوم و اولاد عمي ما بصيدوا اشي ، لكنهم بكتلوني و بوخذو اللي بصيده و اذا مش مصدقني اطلع بكره ورانا و راقب و شوف" ...
تبع ابو نص انصيص الاولاد خفية و شاهد ما يحصل حيث قنص ابنه ارنبين فهجم عليه سعد و سعيد كالعادة ليأخذا صيده الا ان والده كان لهما بالمرصاد ... "كتلهم كتله نصها موت" و قال لهما "والله اذا بتعيدوها ياهمل لاخلّص عليكوا" ... و هكذا انقلب الحال و صارت ام نص انصيص "ترد الصاع صاعين" و ترمي عظام و جلد الصيد امام بيوت "سلفاتها" ....
كبُر الحسد في قلبي "سلفات" ام نص انصيص فاتفقن مع ابنائن على الخلاص من نص انصيص ، و كانت خطتهن ان يجتازوا الاولاد البرية حتى يدخلون الغابة و هناك يتركان سعد و سعيد بعد مغيب الشمس ابن عمهما للوحوش تاكله او الغولة تخطفه  .
خرج سعد وسعيد للقنص و معهما نص انصيص و كان قد بيّتا الغدر به كما اتفقا مع اميهما ، و لم يطل بهما الوقت حتى اجتازوا البرية الى اطراف الغابة طمعا بصيد اوفر الا ان الحظ عاندهم و لم يصطادوا شئ حتى غلبهم التعب و الجوع بعد ان توغلوا بالغابة كثيرا و جلسوا في ظل شجرة يندبون حظهم العاثر ، و اشد ما كان يقلق سعد و سعيد انهما تائهان و لا يعرفان طريق العودة و فشلا في ترك نص انصيص في الغابة ليواجه مصيره وحده لكنه كان اذكى منهما فقد كان يضع علامة كلما توغلوا في الغابة قليلا حتى يعرف طريق العودة ، و حاول اقناعهما بالعودة و انه يعرف الطريق الا انهما ابيا ذلك و اصرا على الغدر حتى لو ضاعا معه في الغابة ، 
اثناء جدلهم ظهرت لهم امرأة عجوز "تهلّي و ترحب بهم" و اخذتهم بمعسول القول "هلا باولاد اخوتي ، يا مرحبا بيكوا ، انت الليله ضيوفي" ... استطاب سعد و سعيد كلامها و مضيا معها لبيتها فيما توجّس نص انصيص منها خيفة حيث لا عمة لهم تعيش هنا و تاكد ان هذه العجوز هي الغوله التي اخافت اهل القرى المجاورة لكنه لم يستطع ترك ابني عميه معها فحتما ستفترسهما و لحق بهما الى بيت الغولة ...
اعدّت الغولة لهم طعاما و قدمته و هي تقول بنفسها "خلّيهم ينصحوا شويه ، عشان بالليل اوكلهم" و سقت "خيلهم" الحليب بدل الماء و وضعت لها علفا اما خاروف نص انصيص فقد سقته ماء و وضعت له النخالة ... بعد ان اكل جميعا طعامهم فرشت لهم الغولة كي يناموا في وسط الغرفة رفض نص انصيص و قال "جيبيلي سله و علقيها بالسقف بدي انام فيها ، و جيبيلي عرام حب فول " ... تظاهر نص انصيص بالنوم و هو معلق بالسلة فيما راحا سعد و سعيد "بسابع نومه" ، اما الغولة فقد قامت منتصف الليل تتحسسهما و "ريالتها بتشقع" تريد اكلهما الا ان نص انصيص تناول حبة فول و "قَرَطَها" فتراجعت الغوله حين سمعت "القرط" و قالت "ليش ما تنام يا نص انصيص ؟" فقال لها "كيف انام و كيف انام و بطني خالي من الطعام" ... قامت الغوله تعد له طعاما على امل ان ينام لتتمكن من اكلهم الا ان تحضير الطعام استغرق حتى شروق الشمس فاجلّت مشروعها لليلة التالية و خرجت بعد ان قالت لهم "خذوا راحتكوا البيت بيتكوا" ...
حاول نص انصيص ان يقنع ابني عميه سعد و سعيد بالفرار الا انهما رفضا ذلك مطمئنين ان الغولة هي عمتهم و انتظروها حتى المساء حيث عادت "بثمها بقره و على راسها شجرها" فتاكد لهم انها غولة لكن الفرار بهذا الوقت اصبح صعبا فناموا على حذر بعد ان تناولوا طعام العشاء ، و كالليلة الماضية قامت تتحسسهم تريد التهامهم الا انها سمعت "قرط" الفول و نحنحة نص انصيص بالسلة فقالت "مالك بعدك مش نايم" فقال لها "كيف انام و كيف انام و بطني خالي من الطعام " ....اعدت لنص انصيص الطعام و راحت في غفوة بانتظار نومه الا انه استغل غفوتها و ايقظ سعد و سعيد و فروا هاربين ...
استيقظت من غفوتها لتجدهم قد ركبا خيلهما و نص انصيص ركب خاروفه و فروا جميعا فقالت "روب يا حليبي روب عقّد باجرين خيلهم عالدروب" و ما ان قالت قولتها حتى توقفت خيل سعد و سعيد عن الجري وتسمّرت مكانها فاركبهما نص نصيص خلفه على الخاروف و تابعوا فرارهم حتى عادوا الى اهلهم و قصوا عليهم قصة الغولة التي تبعتهم حتى ادركت خيلهم فافترستها و هي تتوعدهم ان ظفرت بهم ...
شاع خبر الغولة في القرية و خافها الناس فتعهد نص انصيص بالقضاء عليها و قال بداية ساحضر "جاجاتها" فركب خاروفه ليلا حتى وصل بيتها و هي نائمة فدخل "خم الجاجات" وراح يذبحها و يضعها في "الخرج" فصاح الديك "كو كو نص انصيص بالخم بذبح و بلم" ، سمعته الغوله فقالت "اسكت شو جاب نص انصيص بهالليل" ...
قبض نص انصيص على الديك و ذبحه مع باقي الدجاجات و قفل عائدا لبيته ...
في اليوم التالي تنكّر نص انصيص و ركب حمارا حمل عليه "جوز سواطر" لها اغطيه مملؤة بالعسل و الدبس و توجه نحو بيت الغولة حتى قاربه و راح يصيح "عسل و دبس للبيع ، عسل و دبس للبيع" ... سمعته الغولة فخرجت تشتري منه و كانت تحب العسل و الدبس كثيرا فسلم عليها فقالت "لولا سلامك غلب كلامك لخلّي القرود السود تسمع قريط عظامك" فاعطاها قليلا من حمله فاستطابته و قالت "خذ كل هاي المصاري و اشبعني عسل و دبس ولو اني شايف عينك بتشبه عين نص انصيص" و كان حين تنكّر قد اخفى احدا عينيه بجلدة و قال لها "مين هاظ نص انصيص اني ما بعرفه ، و لانه مصاريكي اكثار فوتي جوات الساطره و ظلّك اكلي تاتشبعي" ...
اعتلت الغولة الحمار و دخلت "الساطره" لتاكل منها فاطبق عليها نص انصيص الغطاء و احكمه جيدا و عاد مسرعا الى قريته و قال لاهله "هاي الغوله محجوزه بالساطره ولعوا نار تانحرقها" و كانت تصرخ و تقول لنص انصيص " اتركني باعطيك المال اللي تحت الدرجه ، اتركني و بعطيك الذهب اللي عالسدّه" ، لم يأبه لها نص انصيص و قال "كلّه اللي عندك صار الي " و تعاون اهل القرية و حملوا "الساطره" و القوها في النار التي اشعلوها فاحترقت و ماتت و ارتاح منها كل اهل القرى المجاورة لبيتها الذي عاد له نص انصيص و اخذ كل مافيه من اموال . 

وسلامتكو

للكاتب  عمر قديسات أبو صهيب

المضافة  على الفيس 

https://www.facebook.com/groups/677410542314982/?fref=nf