الأحد، 16 نوفمبر 2014

الأردن و عُمان حكاية حب أزلية

الأردن و عُمان حكاية حب أزلية
العلاقة بين سلطنة عُمان و المملكة الأردنية الهاشمية حكاية حب لا يدرك معناها و لا يسبر غورها إلا الراسخون بالعشق.  هذه العلاقة التي اتخذت من استعينوا  على قضاء حوائجكم بالكتمان طيلة هذه السنوات ضاربة جذورها في النهضة المباركة الأردنية العُمانية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.  حكاية أنار شعلتها  جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم و أخوه المرحوم جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه، و سار على دربه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم أطال الله في عمره. و هم من آمن بأن الإنسان في البلدين أغلى ما يملك البلدان، فتعاونوا على البِر بالإنسان رعاية و تعليماً و تثقيفاً و رخاء.  حكاية ارتأى لها موقدو شعلتها أن تكون بعيدة عن ريح الإعلام حتى لا تنطفئ، و حتى يبارك الله بها فتثمر أخوَّة ندر أن تجدها بين أي بلدين بالعالم العربي؛ و للقارئ أن يدحض هذا الكلام إن وجد علاقة تفوقها في المتانة بين أي قطرين عربيين؛ فالعلاقة بيننا تجازت البرتوكولات و الرسميات لتكون حيث ديمومتها إن شاء الله بين الشعوب.   
لهذا فعلاقتنا لم تكن بنت الساعة و لا وليدة اليوم فقط أو ردة فعل لمناسبة معينة تظهر و تحتفي.  لم نكن نحن الأولين على أرض السلطنة و لن نكون الأخيرين بإذن الله؛  فالسلطنة بلد خير و مقصد الجميع. و عندما أعود بالذاكرة سنوات طويلة إلى الخلف أتذكر أنني سألتُ عن عُمان قبل القدوم هنا فسمعت كل الخير؛ و عندما أحدّث أحد الأصدقاء هذه الأيام على الفيس بوك عن عُمان أجده قد سبقني بالقدوم إلى عُمان، أو زامنني بالقدوم رغم أننا لم نلتق. و يجمع كل من زار عمان أو أقام فيها مدة طالت أو قصرت عن نقاء عمان شعباً و أرضاً و مناخاً؛ و من قُدِّر له القدوم هنا لا يرغب بمغادرتها مطلقاً إن سمحت له الظروف طبعاً. فالكل يتحدث عن طيبة الشعب و قربه من عاداتنا و تقاليدنا، مما يجعلنا نشعر بالأمن و الأمان و ندعو الله أن يديمه على هذا الشعب الطيب. و عند الحديث عن الأمور المالية يجمع الكثيرون على بركة الراتب هنا، فالحياة هنا لا  مجال فيها للتبذير و أو ما شابه ذلك من أمور تستنزف رواتب الموظفين كما نسمع عنه بدول أخرى.
و عندنا تجمعني الظروف بأحد الإخوة العُمانيين هنا و خاصة كبار السن منهم، يسألني من أي المناطق بالأردن، لإتفاجأ بأن هذا الشخص يعرف الكثير عن الأردن و بعض عائلاتها و يحدثني عن المنسف الأردني و يخبرني ضاحكاً أنه أكل المقلوبة ليعرف فقط " كيف يكون الأكل مقلوباً و لماذا هي مقلوبة" مستغرباً من اسمها.  و لهذا نحرص كجالية أردنية مقيمة على هذه الأرض الطيبة بالمشاركة في كل المناشط العُمانية على كل المستويات بما تسمح به القوانين؛ و يشعر الجميع بأن هذا هو أقل القليل مما يمكن أن يُقدم بمثل هذه الأمور.
هذه الأيام تحتفل السلطنة العزيزة بالعيد الوطني الرابع و الأربعين الذي دشنه صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم بكلمةٍ لامست قلوب كل من سمعها على أرض السلطنة مواطنين و مقيمين من مختلف الجنسيات قبل أن تلامس آذانهم، و لولا ما بثته كلمات جلالته في النفوس من تشجيع و طمأنة لها على نجاح الفحوصات الطبية لجلالته لرأيت الناس يبكون بالشوارع؛ فهذه هي المرة الأولى فيما أعلم و أنا الذي حضر العيد الوطني العشرين بالسلطنة أن احتفلت عُمان بالعيد الوطني و جلالته خارج السلطنة للظروف التي يعلمها الجميع.  أي حب هذا الذي يربط جلالته بنا! هل هناك حب يشابه هذا الوفاء الكبير للقائد من شعبه الوفي!
و كلما أطل صاحب الجلالة السلطان قابوس بطلته البهية بكل مناسبة و التي عادة تُتوج بالأعياد العُمانية بالعيد الوطني بالثامن عشر من شهر نوفمبر المجيد، يستذكر الأردنيون المقيمون  على أرض السلطنة العزيزة أخا صاحب الجلالة  جلالة الملك الحسين بن طلال رفيق درب جلالته في مسيرة العطاء العُمانية الأردنية المشتركة، فيدعون لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بالعمر المديد و لجلالة الحسين بالرحمة، خاصة أن هذه المناسبة تصادف أيضا ذكرى ميلاد الحسين رحمه الله.
و إذا سُمح لي أن أستذكر بعض الذكريات هنا في صلاله لأكون شاهداً على تطور هذه المنطقة خاصة و أنني في صلاله منذ سبتمبر 1990 لهذه الأيام، فإنني أود البدء بالكلية التي عملت بها و التي كان اسمها الكلية المتوسطة للمعلمين بصلاله، فأذكر أنها كانت محدودة العدد موظفين و طلاباً و كانت عبارة عن بنائين فقط الأول منها للإدارة و المحاضرين و قاعات الدراسة و المكتبة و البناء الثاني سكناً للطلبة القادمين من الشمال أو المناطق البعيدة و مطعماً لتقديم الوجبات الغذائية لهم، إضافة للمسجد.
و كان الهدف الأول هم الطلبة لتأهيلهم ليكونوا مُدرسين عُمانيين ناجحين بغض النظر عن الحسابات المالية أبداً، و قد عدد المحاضرين  يفوق النسبة المعتادة بين المحاضرين و الطلبة في مؤسسات التعليم العالي العالمية. فعندما تكون الأهداف كبيرة لا يهم ما يصرف من مال.  تطورت هذه الكلية ليصبح البناء أبنية متعددة؛ و تصبح المكتبة مركز مصادر مستقل؛ و تطورت التخصصات لتصبح موائمة للعصر و الحداثة.
و تنطبق نفس الحالة على الكلية التقينة حيث أعمل الآن. فقد كانت بناء واحداً يقتصر القبول به على طلبة الاعدادية لتأهيلهم مهنياً، فتحولت إلى كلية و تطورت البرامج و تنوعت بحيث أصبحت تمنح البكالوريوس، و ظهرت الأبنية الحديثة الحديثة المجهزة بأحدث المختبرات عِوضاً عن الأبنية القديمة إياها. أما أعداد الطلبة فلك أن تتصور أنها بالآلاف في حين أننا بدأنا بالمئات أيام زمان.
و الحديث يطول و لا يمكن الإلمام بجميع مظاهر النهضة بالعقدين السابقين، لكني أحب أن أعرّج على جانب آخر و هو الجانب الصحي. فأذكر أنه لم يكن بصلاله الا مستشفى السلطان قابوس الذي تضاعفت تخصصاته و مساحاته و أبنيته بعد أن نشر المراكز الصحية العديدة بكل المناطق  للتخفيف من تزايد أعداد المراجعين. ناهيك عن انتشار العيادات و المراكز و المستشفيات الخاصة بصلالة.   
لهذا نتوجه إلى الله جلت قدرته أن ينعم الله بالصحة و العافية على راعي النهضة العمانية و قائد مسيرتها و ملهمها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، و أن تسعد عُمان بعودته سالماً معافى بإذن الله.
و نتوجه بالتهنئة الكبيرة لهذا البلد العزيز على قلوب الأردنيين جميعاً بهذه المناسبة داعين الله أن يديم نعمة الأمن و الآمان على هذا البلد الطيب ليزهو بين أشقائه العرب متباهياُ بنهضته و مستقبله، تماماً كما يفخر بتاريخه المشرف على مر العصور الذي صنعه الأجداد من عُمان و سطّره التاريخ بأحرف من نور.  
كل عام و أنتم بخير  يا أهلنا الطيبين.
أرجو المعذرة إن كان في الأمر إطالة، أو تقديم ما يجب أن يتأخر، أو تأخير ما يجب أن يتقدم؛ فالحديث عن عُمان له شجون و شجون، و لا يمكن إخضاعه لقوانين الكتابة و قواعدها.  لكني حاولت ما استطعت الاختصار؛ أما باقي حكاية الحب الأردني لعُمان فهي في كتاب سيظهر هذا الصيف إن شاء الله يحمل عنوان " الطريق إلى صلاله"؛ بُحت فيه بكل شيء و بقي في النفس الكثير، فالأسرار  بين المحبين ...... يا كثرها.
كل عام و أنتم بخير
كل عام و نحن جميعا بخير.

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

القدس في كتاب الدكتورة نهال مهيدات

القدس في كتاب الدكتورة نهال مهيدات
إهداء كريم من الدكتورة نهال مهيدات في الصيف الماضي جعل للإجازة هذا العام معنى آخر؛ فقد كانت إجازة اقتصرت على فترة عيد الفطر، إلا أنها حملت إلي إهداء الدكتورة نهال و هو نسخة من كتابها _ القدس في الخطاب الشعريّ العربيّ و الخطاب الشعريّ العبريّ الحديث (1967 – 2012).  لقد رأيت في هذا الكتاب إضافة لقيمته الأدبية و التاريخية نوعاً من وفاء الطالبة لإستاذها الذي درّسها في كلية حوارة بالنصف الثاني من الثمانيات، و لا يعلم سحر هذه الإهداءات على الأساتذة و هم على أبواب التقاعد إلا المتقاعدون أنفسهم.  لهذا حرصتُ على أن يرافقني الكتاب أينما ذهبت و حتى بالطائرة أثناء الرجوع لصلاله،  و كنتُ أحرص على القول أن هذا الكتاب إهداء لطالبة تجاوزت أستاذها علمياً فكان لها هذا الإنجاز الكبير.  فكل الشكر للدكتورة نهال على هذا الكرم و الوفاء.
و لا أخفيكم أنني وجدت لغة الكتاب منذ الحرف الأول صعبة كأنها تنحت من صخر، فقلت لنفسي هذا ليس كتاباً كباقي الكُتُب بالتأكيد، ليتبين لاحقاً أن هذا الكتاب إنما هو أطروحة الدكتورة نفسها، و هذا كان فصل الخطاب.  و لا أخفيكم أيضاً  أنني كنت ابتسم أثناء القراءة و أنا استرجع ذكريات الزملاء الكرام  من تخصص اللغة العربية ببداية الثمانينات عندما كانوا يتحدثون عن البِنويّة في اللغة التي ربما كانت حديثة العهد بتلك الفترة، و كان الحديث فيها على سبيل التندر؛ و كان استرجاع هذا التاريخ  الاجتماعي جزأً من إصراري على تكملة الكتاب رغم قوة لغته التي تجعل من غير المتخصص غير قادر على التركيز و المتابعة أحياناً.
و يظهرُ موضوع القدس الذي شغل العالم كدافع آخر لقراءة الكتاب لما لموضوعه من أهمية على الساحة الدولية كمحور للصراع العربي الاسرائيلي الذي لا يظهر له بالأفق أي نهاية.  و للقدس في النفس ذكريات لا تُنسى على المستوى الشخصي فعلى ثرى جبل الطور درجتُ بمرحلة الطفولة ( بعمر الولدنة) مع أقران هناك و درست نصف العام الدراسي بمدرستها. و ما زالت قبة الصخرة بضيائها اللامع بالعقل الباطن و لن يفارقه؛  و في أسواقها رافقت الوالد (الشاب الشرطي أبو طلال) عندما كان يصطحبنا هناك للتسوق و خاصة إلى ألاسواق الأثرية.  فكانت ذكريات قُدِّر لها أن تتوقف عندما  نُقل الوالد ليعمل بجزء آخر من فلسطين و هو الخليل، فكان القرار أن نعود برفقة خالي ( أبو سليمان رحمهما الله) و بشاحنة السائق (أبو ابراهيم) من قرى القدس فعدنا إلى جديتا، و العود أحمد.
كنتُ قد عزمتُ على الكتابة عن الكتاب من ذلك الوقت الذي أنهيت فيه قراءة الكتاب و لكن الأحداث تسارعت فطغى الحدث على الآخر فكان التأجيل مرة تلو مرة إلى أن قُدِّر له أن يكون هذه الأيام، ربما ليتوافق مع هذه الهجمة الصهوينة الشرسة على الأقصى هذه الأيام.  و كنتُ أتابع قبلها تلك الندوات الكثيرة التي كانت حول القدس و التي شاركت بها الدكتور نهال إلى جانب علماء أفاضل و آخرها الندوة التي أقيمت بمبادرة من نادي كفرنجة بعجلون بالتنسيق مع الدكتور رفعت الزغول.  و كان يشغل بالي كثيراً ما ستقوله الدكتورة نهال بمثل هذه اللقاءات، فالكتاب يحوي الكثير من المعلومات الموضوعية حول القدس و هذا الصراع الأزلي بين الأديان؛ و لو كنتُ بالأردن لحضرت كل ندواتها حول القدس.  فما سيقوله الشيخ و المؤرخ عن القدس معروف، و لكني كنت بحاجة لأسمع كلام الأدباء، أصحاب البيان؛ إن من البيان لسحراً.
و بالعودة لموضوع الكتاب نفسه فإنني لا أقدم نفسي مُحكّما لما جاء به أو ناقداً له على المستوى الأدبي أو الفني؛ فالكتاب نال موافقة من هم أقدر مني على ذلك و هم لجنة مناقشتها للدكتوراة، و لكني سأعرض لمجوعة خواطر استنتجتها من كل هذه الكنوز الأدبية التي عرضت لها الدكتور نهال بين دفتي كتابها؛ كنوز أين منها كنوز هرقل أو الإسكندر المكدوني و لا يهم الإسم لأن الأردنيين لم يتفقوا بعد على اسم صاحب الكنز الحقيقي إياه.  هذا الكم الكبير من المعلومات تاريخياً بمعرض حديثها بمقدمة الكتاب أو بالدراسات السابقة أو بالشعر العربي أو العبري موضوع الدراسة قد قال الكثير بالنسبة  لي.  و هنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه قناعاتي و ربما تخالفني فيها الدكتورة نهال نفسها, فإن أصبتُ فمن الله، و إن أخطأت الطريق فمن نفسي.
الخاطرة الأولى التي تبادرت إلى ذهني هي أن أكثر الدول و المناطق توتراً هي المناطق التي ما زالت تعيش التاريخ و تجتره كلما تحدث العالم حولها عن المتستقبل.  فكلما أوغل من حولهم بالانطلاق إلى أفق جديدة ازداد عشاقهم للتاريخ حفراً في سراديب الماضي ليقبعوا فيه و ليعشيوا فترة جميلة من الماضي الذي يعجزوا أن يحققوا  و لو جزءا يسيرا منه في الحاضر.  لهذا تبقى أمة كان و أخواتها في التاريخ و في صراع مع حولها و مع نفسها.
أما الخاطرة الثانية و هي حول القدس تحديداً و هي أن كل المدّعين بأحقيتهم بتملك القدس هم من أتباع الدينات السماوية الثلاث التي يقول أتباع كلٍ منها بأنهم الأفضل و الأصح على وجه البسيطة. و الغريب بالأمر أنهم جميعاً و في أثناء تأكيدهم على تقبلهم للآخر ضمن حكمهم الا أنهم بالواقع يسعون لإقصائه، مما يثير عند الآخر رغبة جامحة للمطالبة بحقه، و ربما يلجأ إلى القوة لذلك. و هنا يأتي دور الخاطرة القادمة، و لكن قبل الانتقال لها نطرح السؤال التالي و هو إن كان حقاً ما يقوله رجال الدين عن كل عبارات السماحة عند الجميع و بحرية الأديان فلماذا إذاً هذا الصراع الذي نشهد، و الذي يلعب فيه رجال الدين الدور الظاهر في شحن البشر ضد أتباع الأديان الأخرى.  و بالمناسبة أنا لا أتحدث عن أتباع دين معين، فالكل سواء و قد مارسه الجميع عندما تفوقوا بفترات زمنية معينة من التاريخ. 
الخاطرة الثالثة و المنبثقة من السابقة و هي أن رجال السياسة يقتنصون فرص الصراعات الدينية ليركبوا هذا الشعور بالاضطهاد الديني فيدعمونه و يثيروا الصراعات الداخلية التي تنهي بإرسال القوات للاحتلال في هذه الأراضي المقدسة و لا أريد أن أضرب الأمثلة فالهَمُّ سيطال الجميع أيضاً، فكل أصناف الإحتلال جاءت كما يقول أصحابه لإنقاذ البشرية؛ فيكون  عندها الظلم و القهر السياسي بغلاف  الدين و يتم اغتصاب الأراضي و تشريد سكان المنطقة لتثبيت واقع جديد يرفضه  أهل المنطقة المحيطة أيضاً.
و لكني هنا أستدرك قبل الانتقال للخاطرة الرابعة لأعلن عن حيرتي فعلاً، و لا أدري هل هي السياسة التي ركبت الدين أو الدين هو الذي ركب السياسية؟؟ لا أعرف حقاً؛ لكني متيقن أن هذا المُركَّب الجديد للسياسة و الدين هو الذي جلب كل هذه الحروب على هذه المنطقة؛ فبإسم الدين تم احتلال الدول و تقويض الأنظمة و قتل و تشريد الشعوب عبر العصور.  و قد تم أخذ التطور الزمني بالموضوع فكان التصنيف مؤمن – كافر ليصبح لاحقاً مسلم - مسيحي و مسلم – يهودي، و مسيحي يهودي و يهودي مسيحي و العكس بالعكس. ثم ها هو الآن يتطور ليصبح التصنيف مذهبياً و النتيجة مزيد من القتل و التشريد.     
الخاطرة الرابعة هي ثقافية، و أخص بالذكر هنا الشِعر كخصوصية لكتاب الدكتورة نهال؛ فبعد أن أكل الثقافيون عقولنا بالبُعد الإنساني للثقافة و الشعر خصوصاً، و جدنا أن بعض منظري الثقافة و الشعر تخصص بالتثوير و التحريض على الطرف الآخر لاعتقاده أنه صاحب الحق الأول و المظلوم في حين أن الآخر هو محتل و غاصب لهذا الحق التاريخي.  فتم صياغة القصائد التي تخصص بها شعراؤها بهذا المجال و حققوا مجداً ما كان يمكن أن يحققوه إلا إذا سلكوا شعر المرأة؛ لا بل أن شعر التثوير قد فاق شعر المرأة مما دفع بشاعر كنزار قباني لترك المرأة و سلوك شعر الثورات لأنه أكثر بريقاً و حضوراً على مستوى الإعلام.  و من المفارقات طبعاً أننا لم نسمع بأي من هؤلاء الشعراء قد حمل البندقية أبداً، إلا عندما كانت الثورات تقع تحت بند " شوفيني و شوفي طولي".
ما خلصتُ إليه من كتاب الدكتور نهال مهيدات عن القدس هو أن هذا الصراع بين الأديان على القدس  سيقى صراعاً أزلياً إلى أن تقوم الساعة كما جاء بالحديث الشريف الذي يحمل في ثنياه وصفا للصراع أكثر من البُشرى بالنصر كما يراه البعض.  أي نصر هذا الذي سيأتي عند قيام الساعة بعد أن يحول المنطقة المقدسة و ما حولها إلى دمار كامل، فعندما يختبئ اليهودي خلف الحجر فهذا يعني أنه لم يبق هناك لا بيت و لا ملجأ و لا شجر في المنطقة.   
إن الصراع على القدس  هو صراع ديني يخص الأديان الثلاث و لا يقتصر على الصراع الإسلامي اليهودي، فلو قُدِّر  لأحد الباحثين بالموضوع ربما برسالة دكتوراة قادمة لأن يضيف متغيراً أو بُعداً آخر ألا و هو الشعر الانجليزي لوجد الكثير من الإشارات المسيحية للقدس منذ القديم؛ و منها من آتى أكله أيام الحروب الصليبية المعروفة.  و عندما تُحل هذه المعضلة ربما نجد حلاً لقضية القدس و المناطق الدينية و المنطقة بأسرها بشكل عام.
و لهذا أرى أنه لو كان أتباع الديانات ( و لا أتحدث عن الأديان نفسها، فهي مصدرها واحد و لا يمكن أن تتناقض) مخلصين لدياناتهم لتنادوا إلى كلمة سواء، و وجدوا الحل الشافي لهذه المدينة المقدسة التي يسميها الجميع مدينة السلام.   فهي المدينة الوحيدة التي التقت فيها الأديان السماوية الثلاث و تركت فيها آثاراً واضحة يتنافس أصحاب الديانات على طمسها ليدحضوا حق أصحاب الدين الآخر بها.
و حتى تكون القدس مدينة السلام  حقا كما أرادها الله جل و علا فلا بد أن نخرجها من عباءة السياسة، و حتى نخرجها من هذه المِظلة فلا حل لها إلا بالتدويل لتكون كياناً دينياً فقط، و بهذا نخرجها من مأساتها.  لماذا لا يكون لها مؤسسة شبيهة بالفاتيكان ليتوقف الطمع السياسي فيها و حب تملكها بعد أن يكون الوصول للاماكن المقدسة سهلاً للجميع، و هنا أتحدث عن الأماكن المقدسة فقط و ليس القدس حتى لا يُساء فهمي.  و يصاحب هذا تسهيلات لإقامة زوار المقدسات بالقدس بعد أن تكون هناك ضمانات دولية يحترمها الجميع.
و هنا و بمناسبة  فكرة التدويل أجد أن الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس  قد تكون الحل الأمثل لهذا، فالهاشميون بتاريخهم الطويل من التسامح و الوسطية و تقبل الرأي الآخر مقبولون لكل الأطراف بما فيها الأطراف الدولية.  و لا يعارض وجودهم بهذا المكان إلا من يرغب بأن يكون مكانهم فقط حتى لو كان كان من خارج أقطار العالم العربي.   و  أتوقع أن ظهور مفهوم الوصاية الهاشمية في معاهدة وادي عربة ربما كان بداية التفكير في إيجاد مثل هذا الكيان.    
ختاما أكرر الشكر للدكتورة نهال مهيدات على إهدائها هذا الكتاب لي لما فيه من فائدة جمة و معلومات أكدت ما كان لدي من تصورات سابقة حول موضوع القدس.  و لا أدري إن كانت الدكتور بكتابها هذا قد خلصت إلى ما خلصتُ أنا إليه من أفكار أو كانت لها استنتاجاتها الخاصة، لكن كلي أمل أن تكون قد قالت في ندوات القدس المتعددة ما لم يقله الكثيرون من أفكار نعرفها جميعاً.  لقد جاء في هذا الكتاب الكثير مما يجعلها متميزة عن غيرها.
 شكراً دكتورة نهال مهيدات. 






الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

رئاسة مجلس النواب الأردني

رئاسة مجلس النواب الأردني
كنا نتساءل من باب التندر و النكتة بأيام الجامعة عن الدور الحقيقي للرئاسة أيام المجلس الاستشاري بذلك الوقت فلم نكن شهدنا برلماناً بعد.  و خلصنا - العبد الفقير لله تعالى و بعض الصحب من أيام الجامعة نتجاوز عن ذكر أسمائهم لأنهم أصبحوا بمراتب أكاديمية عليا، و منهم من يبقى إلى جانب التلفون عند الحديث عن تشكيل أو تعديل  وزاري قادم، لهذا لا أريد أن أكون شاهداً عليه أنه بمرحلة ما من عمره كان يُنكت على المجلس، فيحجوا عنه الثقة بالمجلس إن أصبح وزيراً.  المهم، خلصنا إلى أن دور الرئاسة تتلخص في نقطتين فقط لا ثالث لهما؛ أولاهما: أن يقول الرئيس :النصاب قانوني و أعلن افتتاح الجلسة و يرن جرس بداية الجلسة، و ثانيهما قرع جرس نهاية الجلسة؛ و بخلاف ذلك  لم نكن نشاهد شيئاً.
نعتذر عن هذا الفهم القاصر  لدور الرئاسة الجليلة ( كما أصبح يطلق عليها لاحقا)، فيبدو أن هناك نقاطا كثيرة كنا نغفل عنها لهذه الجهة.  فعندما عادت الحياة البرلمانية و بعد إجراء الانتخابات الجديدة  وجدنا لها أدواراً أخرى و خاصة عندما كان يحمى الوطيس بالنقاش للبيان الوزاري و منها ما جرى مثلا بعهد حكمة دولة السيد مضر بدارن، و هذا الدور كان توفيقياً ينتهي بفوز الحكومة بثقة المجلس.
و في كل مرة تجري فيه انتخابات جديدة نرى تطوراُ جديداً بالرئاسة بأن تملك الحق مثلا بتمديد خطبة هذا العضو أو ذاك. و بعدها تطور بموضوع كما نسمع عن منح السفرات و المياومات و اللجان و بدأنا نسمع  عن خدمات يقدمها الرئيس للنواب.  و لهذا كلما اقترب انتخاب رئيس المجلس بالدورات البرلمانية وجدنا الحديث يكثر على وسائل الاعلام بين النواب أنفسهم أنهم يدعمون فلاناً للرئاسة و ليس علاناً لأن فلاناً يقدم خدمات جليلة للنواب. و بصراحة كنت أشعر بالاندهاش عندما أتخيل أن هذا النائب الذي ينتظر أبناء منطقته الانتخابية أمام بيته المتواضع طلباً للخدمات، إنما هو أيضاً يقف أمام مكتب رئيس المجلس الكريم طلباً  للخدمات؛ فالدنيا مصالح و خدمات مهما علا المنصب؛ و لكن  لكلٍ خدماته؛ و خدمات سعادة النائب تختلف طبعاً عن الخدمات التي يطلبها طالب وظيفة على إحدى الفئات المتدنية.
بعهد رئاسة سعادة المهندس عاطف الطروانة للمجلس الكريم تم إضافة بُعدين جديدين لمفهوم الرئاسة:  الوجاهة و التشبث بالكرسي.  فقد شهدنا موقفين لسعادة الرئيس انسحب أو أحتج فيهما على عدم تلقيه الاحترام الكافي كرئيس لمجلس النواب  في جرش و في حفل السفارة السعودية. و هو كما قال لم يكن يسعى لتكريم شخصي له لا سمح الله، و لكنه يرى في عدم تلقيه الاحترام الكافي بالموقفين عدم احترام لهيبة المجلس نفسه.  و لم نكن قد سمعنا برئيس لمجلس النواب انسحب من حفل رسمي لهذى السبب.
أما التشبث بالكرسي فهم طبعاً سلوك بشري نضعف كلنا أمامه، و لكني استغرب من تحول سعادة الرئيس عن موقفه الذي أعلنه على شاشة التلفزيون بعد فوزه الأول بأن شكر معالي السيد عبد الكريم الدغمي على موقفه و تنازله عن الترشح لصالحه و وعد أمام الكاميرات بأنه سيدعم معالي الدغمي بالدورة القادمة. فما الذي جرى ليجعله يغير موقفه هذا! و إن كنت شخصياً أرى أنه لا يوجد ما يستوجب أن يتراجع المرء  عن وعد قطعه أمام الملايين إلا النزعة البشرية إياها بالتشبث بالكرسي؛ فللكرسي بريقه طبعاً.
لكن و بغض النظر عن كل ما ورد أعلاه، فلا أعتقد أن هناك سبباً مقنعاً يفسر الذي جرى بالمجلس الكريم بعد الانتخابات و فوز سعادة الطراونة مما أدى لغضب معالي مفلح الرحيمي  لنسمع ما قيل و نرى ما تم على شاشات التلفزيون.  لا نقبل بالتفسيرات التي تعقب  كل طوشة كانت تحدث بالمجلس سابقاً بأنها طبيعية، و هي خلاف بين الإخوة و تحدث بأحسن البرلمانات على وزن بتحصل بأحسن العائلات، و تنتهي بجاهة و ببيان يحمل في ثنياه الاعتذار عن ما جرى.   
نقدّر لهم بعض نجاحاتهم في بعض التشريعات و ربما عذرهم بعضنا في مواقفهم بالتشريعات الاقتصادية التي ذبحت المواطن اقتصادياً، و لكن ما يحصل بالمجلس الكريم و بما سبقه بالمجالس السابقة ينمي فكرة (فالج لا تعالج) بالحياة الديمقراطية النيابية الأردنية عند من مازل يرى أن مستقبلاً نيابياً قادمٌ في الإصلاح، و يفقدها الكثير من المتحمسين لها ممن كانوا يحثون على المشاركة في التسجيل و التصويت و يشاركون بهما. فالخط البياني النيابي في هبوط و أخشى ما أخشاه أن لا يتوجه للصندوق في الانتخابات القادمة إلا أقارب المرشحين فقط بعد أن يقوموا عن مناسف المرشح و ينقلهم بباصاته الشخصية حتى يضمن وصولهم للصناديق؛ و أن يتقوقع المؤيدون لفكرة الانتخابات على أنفسهم بأن ( كما قال أحد الكتاب بانتخابات الدوائر الوهمية) يشتروا دلو لبن و يطبخوا منسفاً و يعزموا عليه العنايا، أو يخرجوا في نزهة و لا ينتخبون.
نحن ما زلنا حريصين جداً على إنجاح التجربة، و ما زال يحدونا الأمل بأن يكون ما حصل خاتمة الطوشات  في المجلس الكريم.  فهل هذا الحلم بعيد المنال؟؟  لقد طرحت بمقال سابق لي هنا على هذا الموقع فكرة تولي سيدة رئاسة المجلس، فهل كنا سنرى مثل هذه الطوشات لو كانت الرئيسة سيدة مثلاً؟؟
بصراحة أملنا بالمجلس الكريم و بأعضائه الكرام أن يكونوا  على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم؛  أو أن تكون نزاعاتهم بعيدة عن كاميرات الإعلام على أقل تعديل.

و كل عام و أنتم عن الطوشات أبعد.