الجمعة، 27 ديسمبر 2013

عاملة الوطن في الأمثال الشعبية



عاملة الوطن في الأمثال الشعبية
في بداية الحديث عن مهنة المرأة هذه الأيام أسأل السؤال التالي : متى كانت مهنة المرأة عموما مقبولة اجتماعياً في الأردن؟؟  فبالرغم من كل ما يُقال عن حقها في المشاركة في بناء المجتمع و وقوفها إلى جانب الرجل.... إلخ من الأسباب من قبل مؤسسات حقوق المرأة، و إذا استثنينا بعض الحالات الترفيهية الاستثنائية، لوجدنا أن ما يُخرج المرأة للعمل و القبول بأي وظيفة هي الحاجة المادية فقط؛ فنحن مجتمع لنا طبيعته التي تأنف أن ترى المرأة بالعمل خارج البيت إلا للضرورة.
  فلو استعرضنا مراحل مرور المرأة وظيفياً نجد أنها خرجت من البيت إلى المزرعة عندما احتاجها الرجل إلى جانبه لعدم تمكنه من القيام بمهمته لوحده و لعدم قدرته على استئجار عمال لمساعدته.
و لم يتم قبول مهنة (معلمة) لاحقاً أبداً ببداية عهدها، حيث كانت تقابل بالاستهجان، و كانت تتعرض المعلمات إلى مختلف الأقاويل حول المهنة؛ و هنا تذكرت معلمتين فاضلتين كانتا من أوائل المعلمات اللواتي دخلن قريتي  جديتا و هما الست فيروز و الست نهيل، و لهما مني كل التحية و الاحترام.
و عندما دخلت مهنة التمريض للفتيات قوبلت بالرفض القاطع و حدّثنا دولة الدكتور عبد السلام المجالي عن معاناته الكبيرة عندما حاول إدخال الفتيات للتمريض. لكن هذا الرفض لمهنة التمريض للفتيات كان له فائدة و هو إقبال الناس  على دخول الفتيات لمهنة (معلمة) فوجدوها أكثر ملائمة للمجتمع من التمريض.
و استمر المسلسل من التمريض للعمل بالقطاع الخاص  كسكرتيرات و عاملات في المصانع  الى آخره من الوظائف الأنثوية.  و كانت كل مهنة تُقدِّم لأخرى أشد صعوبة و  لكنها بنفس الوقت تبرر قبول المجتمع للمهنة السابقة.
 بالفترة الأخيرة دخلت الفتيات مهناً أخرى أشد قسوة و تحتاج إلى جَلَد الرجال ليثبتن أنهن كالرجال، فدخلن الجانب الشرطي كمجندات ميدان، و رأيناهن نشميات يفخر الوطن بهن.  و طبعاً كانت الحاجة المادية للعائلة السبب الرئيس وراء ذلك.
هذه الأيام تثور ثائرة المجتمع على القرار الحكومي بخصوص  عاملات الوطن. و للتوضيح فهو يقول " السماح" و ليس الإلزام؛ فلن تذهب البلدية لسحب السيدة من دار أبيها للعمل كعاملة وطن؛ إنما هي كما قال المثل " شو اللي بوزيك على المُر؟ قال اللي أمَر منه". و مع التقدير و الاحترام لمهنة موظف عامل وطن إلا أنها و لطبيعة مجتمعنا ما زالت لا تحظى بالتقدير اللازم حتى بالنسبة  للرجال، لهذا لا يلجأ اليها إلا من هو تحت سوط العوز و الحاجة سواء كان ذلك رجلاً  أو إمرأة؛ و ربما تكون حاجة الرجل أكبر لأنه لا يقبل أن يكون عالة على أحد. 
أما بالنسبة للمرأة فإن ما يلجئها للعمل بمثل هذا المهنة ربما يكون ما هو أقسى من المُر، ألا و هو الأسواء: كأن تكن مسؤولة عن عائلة قضت الظروف أن تكون هذه الفتاة (أرملة أو مطلقة) مسؤولة عنها لغياب الرجل. فما العمل؟  قد يقول قائل التنمية الاجتماعية و لا أدري كم ستغطي ميزانية التنمية من طبقات ببلد نعرف جميعاً إمكانياته بارتفاع مستوى خط الفقر بالأردن.
لهذا و أعود للأمثال الشعبية و هذه المرة يقول المثل " بدل ما تقول كش، إكسر إجرها"  يعني أن نعالج السبب بدلاً من النقد الدائم. لم أسمع و لم أقرأ بكل ما جرى من حراكات  أو احتجاجات توجهاً اجتماعياً بتقديم اقتراح عملي لحل أي مشكلة و من ضمنها مشكلة عاملات الوطن.؟ و العملية كلها مناكفة للحكومة يقودها البعض و نساعدهم نحن بهذا بطيب قلب و نية صادقة لإنقاذ المرأة؛ فعلى كل من يعارض انضمام  الفتيات لهذه المهنة أن يقدم لهن الحل و المساعدة.  
هنا أعيد الجميع لاقتراح الشيخ غالب الربابعة إمام مسجد الملك حسين طيب الله ثراه بإحدى خطبه عندما كان الحديث عن قضية الجوع. لقد  اقترح الشيخ (جزاه الله كل خير و جعل كل شتيمة تعرض لها حسنات في ميزانه يوم يقف الجميع ليوم الحق) إنشاء صندوق على مستوى العشيرة أو الفخذ أو البيت يدفع فيه كل موظف خمسة دنانير تعطى لكل محتاج آخر الشهر؛ لكننا نغضب ممن يواجهنا بمسؤوليتنا تجاه هذا المجتمع.
لهذا يا سادة عندما ترون السيدات يعملن كعاملات للوطن فلا تصبوا جام غضبكم عليهن و على الحكومة فقط و لكن لينظر أحدنا لنفسه و يرى ماذا قدّم (كمجتمع) لهذه المرأة لتبقى في بيتها مع أطفالها.
و لا بد لنا قبل أن نختم أن نعرج على مثل شعبي آخر و هو " إجا يكحلها عماها" ذلك أننا و في جملة حماسنا للدفاع عن المرأة قد أسأنا من غير قصد إلى المهنة ككل بإرجاعها إلى اسمها الأصلي زبّال. 
تحياتي  لكل عامل وطن و اعتذر له إن جرحنا شعوره و نحن ندافع عن ماجدة أردنية اقتضتها ظروفها أن تكون عاملة وطن لأننا لم قدمنا لها الجعجعة و لم نقدم لها الطحين. 
كتلخيص لما سبق أقول أنني لست مع عمل المرأة كعاملة وطن بشرط أن نقدم لها البديل.
كل عام و الجميع بألف خير



الخميس، 19 ديسمبر 2013

ولفي يشاري الموت لابس عسكري




في الوقت الذي كان أصحاب الدولة (باستثناء جولة دولة الرئيس على عجل) و أصحاب المعالي أصحاب الوجوه الدافئة من التدفئة المركزية  التي لا ينقطع وقودها ليلا نهاراً قابعين بفللهم، و أصحاب السعادة النواب الذين يتدثرون بفرواتهم باعتبارهم شعبيين معتكفين ببيوتهم؛ و في الوقت الذي جلس معظمنا أمام شاشات الفيس نتداول الصور على الثلج، و ننتقد الأداء الحكومي للتعاطي مع الموجه. كان جلالة القائد الاعلى بين قواته يؤدون ما عليهم من واجبات  تجاه الشعب الكريم الذي ما خذلهم يوما فلم يخذلوه، و أحبهم دوما فبادلوه حباً بحُب.
و كان قائد الجيش  الأعلى جلالة الملك  بوسط الثلوج يداً بيد مع الذين أبوا إلا الوقوف بجانب إخوانهم يساعدون المواطنين ممن تقطعت بهم الأسباب، و طار إلى بقاع الوطن المختلفة يطمئن أبناءه بأن البلد بخير.  و  من يعرف الأردنيين  يعرف تماماً ما تعنيه زيارة  جلالة الملك لأبناء المنطقة، فالخير في ركابه دائماً.
و الجيوش بالدول عموماً هي الجانب الأكثر انضباطاً بجهاز الدولة، و هو مصدر قوتها  و عزتها؛ و بقاؤها  إشارة واضحة إلى قوة الدولة. و لهذا ربما كان من (بركات) الخراب العربي تسليط الضوء على الجيوش العربية لإضعافها؛  فكان التساؤل دوما عن ميزانية هذه الجيوش و مدى الحاجة إلى هذه الأعداد الغفيرة من الجنود. و تساءل أصحاب الحراكات و قياداتهم في مختلف وسائل الاعلام عن السبب في هذه الميزانية  (الضخمة) في حين أننا نعيش بحالة سلم مع من حولنا بموجب معاهدات سلام؛ و الغريب أنهم ببعد أن ينهوا الحديث عن الميزانية ينصرفون للحديث عن المعاهدة و وجوب الغائها  لأننا أرض حشد ورباط.
هنا نحيل السادة المعارضين لميزانية الجيش و القوات الأمنية الى إعصار اليكسا و ما رافقه من تقطيع لأوصال الدولة  من ناحية المواصلات و الاتصالات التي كانت  ستنتهي الى كارثة لولا رعاية المولى التي قيّضت لها يد الجيش  الباسل التي امتدت الى كل محتاج، و وصلت آلياتها  إلى الجميع.  و عندما نشير الي الجيش فإننا في الحقيقة نشير إلى باقي الأجهزة العسكرية: جيش و أمن عام و دفاع مدني و درك؛ فهم جميعاً تحت مظلة العسكرية العامة و ان اختلفت واجباتهم و مسمياتهم.
يجب البقاء بعيداً عن اللعب مع هذه المؤسسة النظيفة و مناكفاتها سواء بميزانيتها أو الاطلاع على خصوصيتها و طبيعة عملها، فهي إضافة الى أنها الرمز كما - أسلفت- نخوتنا  إذا دبينا الصوت و صحنا "وين راحوا النشامى؟"؛  و للتذكير  فقط فإن طبيعة عمل الجيش بمنطقتنا لا يقتصر على الحروب التي خاضها جيشنا حيث كانت (بواريده  رجّادة)  كما قال المشير المرحوم حابس المجالي بقصيدته الشهيرة؛ نعم لقد لعلع رصاصه على أسوار القدس إلى الكرامة  مروراً بكل الوقائع المشرفة بفلسطين.
و لابد من التذكير  بالجانب المدني للعسكرية التي تستفيد منها كل من حولها من القرى و التجمعات السكنية، فهم أصحاب المشاريع الكبيرة في المدارس بالماضي و شق الطرقات بين القرى  ومنها بلدتي جديتا على سبيل المثال، حيث ما زلنا نذكر للجيش هذا الصنيع الكبير  الذي غير وضع البلدة من قرية نائية بآخر خط الكورة إلى بلدة بشوارع نافذة إلى ما حولها، و ليست نهاية خط؛ و لا ينسى أهل بلدتي  السيد مطيع حماد الذي كان له الفضل الكبير في ذلك، و على ذلك قس. 
لهذا لا نستغرب إن طالب البعض بعسكرة الخدمات بجهاز الدولة حيث الضبط و الربط و تنفيذ الأمر و الذي نفتقده  و بكل أسف  بالجانب المدني من الدولة.
لا نتحدث عن مثالية طبعا في ظرف  كظرف إصرار  اليكسا  على البقاء بيننا، و لكننا نتحدث عن همة عالية و فزعة وطن وصلت لكل ملهوف.  يضاف إلى ذلك و بكل صراحة إنني دائما أنظر لهذا الجهاز بعين الرضا، لأنني شأني  شأن كل أردني  ابن شرطي و أخ لعسكري و أبٌ لطبيب في الخدمات الطبية الملكية و عمٌ و خال لعسكر.  فالعسكرية في دم الأردنيين جميعاً. 
أصحاب الدولة و المعالي و السعادة أفراد الجيش و الأمن و الدرك و الدفاع المدني  ورقباء سير: أنتم  خير من استحق الألقاب؛  أنتم من يبيض وجه الدولة عندما يتراجع من قلده ولي الأمر (خطيتنا) و وضعها برقبته.  لكم منا كل الحب و التقدير و نرجو منكم المعذرة، و تقبلوا اعتذارنا  عن قصورنا  نحن إن صدر من البعض منشور هنا أو تعليق هناك على الفيس بوك ، أما أنتم فما قصرتم و جدتم بأكثر من الموجود.
بيّض الله وجوهكم  دائماً و بارك فيكم.
عاش الوطن و عاش جلالة الملك و عشتم جميعاً بكل خير،
و ليبق الأردن دائما أولاً.

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

إشي بفقع المرارة يا أبو صقر.





طالعتنا أخبار عمّون هذا الصباح بخبر اسئصال مرارة فنان الشعب الاستاذ موسى حجازين؛ و لكون الخبر يتعلق بشيخ الكوميدين الأردنيين، جاء عنوان الخبر كوميدياً أيضا فكان " الفنان حجازين فقعت مرارته".

و فتحتُ الخبر و أنا أتوقع رسما كاريكاتيريا ل " ابو صقر و سمعة" ، إلا أن الخبر للأسف كان صحيّاً؛ فقد أبى مشرط الجراح الا أن يمر _و ربما رسم بعض الألم_ على من رسم البسمة على شفاهنا بأوائل عهده بالكوميديا "بحارة أبو عواد"، و هو الذي جعلنا نضحك بمراره على خيباتنا المتلاحقة بمسرحياته الناقدة و كليباته الساخرة. فلا بأس ، الف لا بأس عليك يا فناننا الكبير ، و إن شاء الله طهور و تكفير ذنوب ، و الحمد لله على سلامتك من محب لك بديار الاغتراب الجسدي.

و في الحقيقة يا فناننا و الشيئ بالشيئ يُذكر و بمناسبة فكعان المرارة على راي المرحوم الإعلامي مازن القبج ، لا بد من المرور على ما يفقع المرارة عموماً بهذا الوطن الغالي الذي هو نبضُكَ و نبضُ كل وطني شريف. و مع كل التقدير و الإعجاب بقوة هذا الشعب الجبّار الذي يتحمل كل ما يُلقى على عاتقه و لم تفقع مرارته، إلا أنني ساشير إلى بعض الأمور و سأذكرها على سبيل المثال لا الحصر.

نعجب لهذا الشد و التناحر بين السلطات بأنواعها و كأنما هي ليست في مركب واحد و تقول " و إشي بفقع المرارة" و نعجب أيضا لهذا الشد بين الحكومة و الحراكات فكل يدّعي أنه الأصح ، مع أنه هناك مساحة كبيرة للاتفاق بينها للخروج بالوطن من كل ما يجري؛ فالكل يدّعي أنه هو الذي يملك الحل السحري؛ و نقول و الله شي بفقع المرارة.

تعودنا على تسييس الاشياء لمناكفة الحكومة، فسيسنا كل شيئ، لكن هذه الأيام تجاوز الأمر التسييس لنخرج بالأحداث من التسييس الى استغلالها لشرخ وحدة النسيج الأردني ، فتجد حادثة طعن المغدورة الطابة الجامعية نور العوضات في مجمع الزرقاء من قبل مجرمٍ لم تعرف الرحمة طريقها إلى قلبه من ينفخ في أتون العنصرية البغيضة ، و يحرّض على الفتنة؛ و لا يُدرك أن رجلينا جميعا بالفلكة بسبب هذا الفلتان الأمني. أليس هذا سبباً كافياً لفقع المرارة!.

حكومة تعارض كل رغبات الشعب بتوقيت يخرج الأطفال إالى مدارسهم، و الشباب إلى جامعاتهم قبل أن تخرج العصافير من أعشاشها : أليس هذا سبباً كافياً لفقع المرارة!

لقد كنت يا سيدي محظوظاً إذ تمكن الجراح من اللحاق بك لتعود إلينا سالما معافى؛ كل خوفي أن لا يكون الجراح قادراً على اللحاق الوطن إذا انفجرت مرارته و أصابه التسمم و مات.

عندها هل سيجد من يبكي عليه!! أم أننا ربما سندخل في أشياء "بتفقع المرارة" من نوع آخر و هو من الذي كان السبب؛ فنحن مغرمون بالبحث عن اسباب فقع المرارة.

المهم شو بدنا بطولة السيرة. الحمد لله على السلامة و ربنا يعطيك الصحة و العافية لتعود لنا صاروخاً كوميدياً ساخراً يشق عنان السماء بكوميديته الهادفة؛ و طبعاً ستكون بإضافة جديدة تضاف إلى مجموعة الإضافات ( OPTIONS) عندك و هي أنك ستعود هذه المرة بحُلّة جديدة و هي أنك بلا مرارة هذه المرة.
سلامات سلامات يا أستاذ موسى حجازين .

الاثنين، 2 ديسمبر 2013









حزب وصفي التل
بمناسبة مرور اثنين و أربعين عاماً على جريمة اغتيال دولة المرحوم وصفي التل بالقاهرة، هذه الشخصية التي أجمعت على نزاهتها كل الأطياف الأردنية بعد استشهادها، أما في حياتها فقد نالها من سهام الأعداء ما نالها. نستذكر هذا التاريخ مع الترحم على هذه الشخصية الفذة التي أصبح ضريحها قبلة الحراكيين في الربيع العربي. و أرجو أن يسمح لي محبو الشهيد و أنا منهم أن أتوقف عند بعض الأمور التي تخص المناسبة.
أول هذه الأمور هي تسييس الشهيد، وذكرى استشهادة و ضريحه، و هذا جزء من الربيع العربي. فلم نسمع بأحد ذهب لضريح الشهيد ليستذكر مآثره قبل موضوع الربيع. و على ما أذكر فان الزيارة الأولى للضريح ضمت شخصيات ربما لم يكونوا (أو آباؤهم) على وفاق مع سياسة الشهيد بتلك المرحلة. فجاءت زيارتهم للضريح من باب مناكفة الدولة ليس إلا. إلا أن الزيارة هذه السنة جاءت من قبل شخصيات أحسبها وصفيّة التشكيلة و الروح و لا أزكي أحداً، فلا يعلم أسرار البشر إلا خالقها.
الأمر الثاني هو أن هذه الزيارة تشكل إشارة لنزاهة المسؤول، و تظاهرة من أجلها؛ فزيارة الصحب إلى ضريح الشهيد هي رسالة لمن يهمه الأمر حول نظافة يد المسؤول و ليس لمكافحة الفساد بالدولة. فالشهيد لا يختلف على نزاهته الشخصية أثنان، و يدلل على نزاهته بيته المتواضع في الكمالية الذي لا يخفى حاله على أحد ممن زاره. أما الفساد في الدولة عموماً فهو كالفساد البشري، و كأنه يُولد مع الأشياء. فلم ينتهي الفساد بحكومة دولة الشهيد، تماما كحال من سبقه و من بعده من الحكومات. لا أدري أن كانت جرت محاكمات لفاسدين في عهده أم لا! لهذا يبقى ذكر الشهيد كنزيه فردي طبعاً، و ربما حاول من خلال ذلك أن يضرب القدوة لمن معه في الحكومة، و لا أدري إلى أي مدى تحقق له ذلك.
الأمر الثالث هو أن قوة المسؤول من قوّة الدولة؛ فهو يضرب بسيفها. و الدولة جزء من تنظيم دولي فهي ليست بمعزل عن العالم، و تتصرف بميزان علاقاتها الدولية. تقوى الدولة فيقوى المسؤول و تضعف فيضعف، و يلجأ للأمن الناعم. و كل الأمور التى قَوي فيها المرحوم وصفي التل كانت بعهد قوة الدولة. لهذا جاءت قوة الشهيد من قوة المرحلة التي عاش بها و التي تطلبت إجراء حازماً، و أتحدث هنا عن حوادث 1970 و التي أدت إلى استشهاده. و لا ننكر طبعا تنوع خبراته العسكرية و القيادية و التي أشار اليها الكاتب ناهض حتر بمقاله حول ذكرى الشهيد.
الأمر الرابع و هو أنه من الظلم للأردنيين القول بأن النساء لم يلدن مثل وصفي؛ و قد يُقبل مثل هذا القول من قبيل المبالغة في حبه؛ أما إن كان من يقوله مؤمناً بأن لا يوجد في الأردن من هو بشخصية و قوة إرادة المرحوم فهذا إجحاف بحق رجالات الأردن؛ و إلا فكيف أديرت الدولة من عام 1971 إلى هذه اللحظات. نعم هناك رجال كنا نتغنى بهم في فترة معينة، و قادوا الحراكات و تحكموا في بوصلته و سار خلفهم قيادات حراكية بتناقضاتها، و لم يأفل نجمهم إلا بعد أن قبلت زوجة ابنه بالوزارة؛ و أتحدث عن دولة السيد أحمد عبيدات الذي قبلت به الحراكات جميعاً كقائد لها. و لا أريد أن أعرج على أسماء أخرى حتى لا ندخل بمن مع أو ضد، لكن يكفيني أن أذكر أيضا الدكتور عون الخصاونة. ومن يشكك بهذا أعيده الى الفقرة السابقة.
الأمر الخامس و الأخير و هو يتعلق بالمناسبة نفسها؛ فحتى لا تكون ذكرى استشهاده مجرد بكائية فقط نقف على أطلال الذكرى و نخطب و نندب و نبكي و نعود أدراجنا، فإنني أقترح تأطير فكر الشهيد بإطار يكون مدخلا لتشكيل حزب يحمل أفكاره و التي ترتكز على نظافة (شليل) المسؤول نفسه، قبل أو بالتزامن مع محاربة الفساد، فالمسؤول الذي يمد يده قطعاً لن يكون بإمكانه أن يمد رجله بوجه الفاسدين. فالفساد إخطبوط لم تنهه أي حكومة على مستوى العالم، و لن تستطيع. و هذا الطرح يتقاطع مع ما يذهب اليه الدكتور محمد نوح القضاة في طروحاته بموضوع الحلال و الحرام.
و ربما يكون من الأفضل البدء بتيار نسميه تيار وصفي قبل موضوع الحزب.
رحم الله الشهيد و جعل الجنة مثواه، و عظم الله أجر كل أحبابه.
كل ذكرى و الوطن بخير.