الاثنين، 23 فبراير 2015

البَرَكة وجنى وأخواتها في حكايا التراث

البَرَكة وجنى وأخواتها  في حكايا التراث
يقال والعهدة على الراوي أن إحداهن اشتكت لشيخ درويش ممن يسيرون على نهج الصوفية (ومعظم شيوخ زمان كانوا صوفيين) اشتكت بأن العائلة وأثناء جلوسهم للإفطار صباحاً سمعوا  صوتاً يشبه صوت صب القمح خلف الكوارة (مكان حفظ القمح) فتهيأ لهم أن الكوارة فُتِحت والقمح يخرج خارجها. فتسابقوا صائحين( يا ساتر!  شو بي؟ اركضوا) وعندما وصلوا للكوارة لم يجدوا أثراً للقمح، و أن الكوارة سليمة ولا عيب فيها؛ فتحيروا مما سمعوا و لكنهم لم يحدثوا  بالأمر حتى لا يتهمهم أحدٌ بالجنون.
عندما سمع الشيخ هذه الرواية ضحك ضحكة العارف بالأمر، وقال للمرأة بعد أن وكزها بعصاه " هاي الكوارة بوركت يا هبيلة" طبعا كلمة (هبيلة) لم تحمل معنى الشتيمة، ولكنها من باب المداعبة الدينية  عندما يمازح الشيخ أحد أصحاب القلوب البيضاء؛ وهنا وفي هذا المقال كانت لتقول للمرأة أنها لم يكتمل علمها بأسرار وبواطن هذا الأمر الديني بعد.
وعندما احتجت و أرادت المزيد من المعرفة قالت: (طيب) لماذا توقف الصوت وطارت البركة؟
قال: لأنكم ( حكيتوا) والمفروض أن تبقوا ساكتين.  فتندمت المرأة على كل صوت صدر منهم أثناء البوركة.
فقال الشيخ معقباً:  دائما "أعطوا البركة نَصْتِه"؛   أي أنصتوا عندما تسمعوا  صوت بوركت الأشياء.
لسنا هنا طبعا بصدد الحكم على مثل هذه القصص التراثية التي أعشق الحديث فيها مع محبي التراث على صفحة تراثيات بالفيس بوك؛ لكننا بصدد فكرة الإنصات و عدم الثرثرة بمواقف يتوجب فيها العمل أكثر من الكلام.
أتذكر هذه القصة  ومنذ زمن بعيد وليس هذه الأيام فقط.  فقد درجت العادة أنه كلما هبت على بلدنا مواسم الخير بفصل الشتاء من أمطار أو عواصف  مناخية لن تكون العاصفة (جنى) آخرها حتى يكثر الحديث والتحليل.  فما أن تهطل (زخة) مطر حتى يبادر التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى بمقابلة هذه المسؤول أو ذاك ليحدثنا عن الآثار الإيجابية لهذه الزخة المطرية ؛ فهذا يحدثنا عن مخزون جيد من المياه الجوفية؛ و آخر يعدنا بموسم زراعي خير على خير؛ و ثالث يبشرنا بامتلاء السدود بالمياه.  هذه الأيام و بعهد العواصف الإعلامية ( على وزن العواصف المناخية) زاد الأمر عن السابق، فأصبحنا نسمع عن الاستعدادات المسبقة لمواجهة العاصفة. والكل يعلن عن جاهزيته ويصبح الأمر كأنه كرنفال إعلامي يتسابق المسؤولون للحضور الإعلامي حتى وصل الأمر للحديث عن استعدادات وزارة السياحة للعاصفة جنى؛ و فرحنا طبعاً لأنه عندما يصل الأمر  لوزارة السياحة فهذا يعني أن الكل جاهز من الأشغال الى الكهرباء الى إلى المياه.
لكن ما أن تبدأ العاصفة المناخية حتى نبدأ نسمع بالمشاكل بمختلف المجالات التي قالوا عن جاهزيتهم لها؛ ربما يدافعون طبعا على أنه لولا جاهزيتهم لكانت الأمور أسوأ من هذا، فنقبل هذا التعليل منهم. وما أن يحضر الصيف حتى نسمع عن تقشف مائي ويُعزى السبب فيه  طبعا عن الأعداد الكبيرة للمغتربين مثلا ( حسرة علينا يالمغتربين)؛ ونسمع عن مشاهدات جفاف مائي يقتضي الأمر توزيع ماء الري بالدور، وليس وضع البندورة و غيرها من المحاصيل بالصيف بأفضل من الوضع المائي.
لكن الأهم من هذا كله أننا لا نرى أو نشاهد أحداً من أصحاب الجاهزية بالميدان أبداً باستثناء الجنود المجهولين من النشامى  أبطال القوات المسلحة بمختلف أجهزتها وبمختلف رتب أفرادها؛ فترى الضابط يتقدم الكاسحة وهي تفتح الطريق أو يساعد من علقت سياراتهم بالثلوج.  وهم أيضا من ييسرون  أمر الجنود المجهولين الآخرين من إعلام و صِحة للقيام بعملهم. و يتضح للجميع أنهم هم وحدهم الجاهزون دوماً.
و بالعودة للقصة التراثية بمقدمة المقال لماذا لا نجرب أن نتعامل مع هذا الخير القادم بطريقة الدراويش أيام زمان والتوقف عن الحديث حتى لا تطير  بركة هذا الخير؟ لماذا لا نتوقف  عن الكلام و نترك المجال للعمل و العاملين؟ فهم وحدهم من يحق لهم الكلام؛  فالأعمال صوتها أعلى بكثير من الكلمات . 
ACTIONS SPEAK LOUDER THAN WORDS

تحية تليق بمقامكم أيها النشامى من أفراد قواتنا المسلحة الباسلة.

السبت، 14 فبراير 2015

14/ 2 في حياتي

14 /2 يوم مميز في حياتي ﻹمر ﻻ علاقة له بعيد الحب؛ أو ربما يكون له علاقة بحب العمل مثلا.
في مثل هذا اليوم من عام 1978 دخلت مدرسة كفرسوم الثانوية للبنات معلما للغة الإنجليزية هناك.و كنت أول معلم فيما أعلم يقيم في المدرسة كمعلم متفرغ؛ بعد ذلك جاء الأستاذ ضيف الله أبو غزال و تبعه الأستاذ المرحوم عبد النايل العبيدات ليقيموا بمدرسة البنات.
ما زالت أذكر ذلك اليوم الذي دخلت في صف التوجيهي حيث كان عدد الطالبات 10 أو 12 من كفرسوم و القرى المحيطة مثل سحم الكفارات و سمر و يبلا و حبراص و الرفيد.
صورة أخرى و هي صورة البنات و اﻷولاد الصغار يتعربشوا على الشبابيك و ينادوا بألقاب آبائهن هي يا بنت ..... (اللقب).
صورة ثانية و هي اللوح الخشبي اﻷسود و الطباشير . . ﻻ أنسى طبعا الحفرة بوسط الصف بقطر نص متر تقريبا و عمق 10 سم ﻷن اﻷرضية صبة كانت.
الدرس اﻷول كان أنثولوجي للفصل الثاني رواية Animal Farm. كان يعجبني تقمص شخصية الدكتور محمد عصفور أستاذ الدراما في الجامعة اﻷردنية في جديته و تحليله للشخصيات و شخصيات الدكاترة محمد شاهين و عبد الرحمن شاهين في مزحهم بالصف.
أذكر كذلك أن هذه الفترة التي بدأت فيها أسئلة المقترحة على زمن الدكتور عبد السلام المجالي.
المهم لله دري شو كنت أستاذ مهضوم.

التنسيق مع الأردن على الطريقة السورية

التنسيق مع الأردن على الطريقة السورية

قدمت الحكومة السورية الأسبوع الماضي التعازي للحكومة الأردنية و الشعب الأردني و أسرة الشهيد باستشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة و نددت بالطريقة الوحشية التي تم بها قتل هذا الشهيد الكريم.  فلسوريا رئيساً و حكومة و شعباً نقول شكر الله سعيكم و لا أراكم الله مكروها بعزيز.
  
 لكن هذه الأيام تطفو على وسائل الإعلام أخبار عن (زعل) سوري على الاردن لأنه يتحرك  متفرداً لمكافحة إرهاب داعش دون استشارة سوريا.  و ربما يكون لهذا الغضب ما يبرره لو أن هذا الغضب أو العتب أو الزعل ( لا تهم التسمية) كان أول عتبٍ على اﻷردن. فهل هو العتب الأول فعلاً؟ أو هل له ما يبرره أصلا؟ و هل فعلا ﻻ يوجد تنسيق أردني مع سوريا فيما يجري بالشأن الداخلي السوري؟ 

و لنبدأ بآخر الفرضيات مثلا ﻷنفيها نفياً تاماً؛ ذلك أنه ﻻ يُعقل بأي حال من الأحوال أن يجري ما يجري داخلياً بسوريا دون تواصل أردني سوري على الصعيد الأمني بين البلدين.  فهناك أعراف بين الدول ﻻ يمكن القفز عنها تقضي أن يكون هناك مثل هذا التواصل مهما كانت درجة انخفاض مستوى العلاقات السياسية بين البلدين؛ فالهاجس الأمني له قنواته طبعاً بعيدة عن الخطابات السياسية على شاشات التلفزيون.  و من يشكك بهذا،  أعيده للخبر المنشور في بداية الأزمة السورية على صحيفة القدس العربي حول تزويد الجيش اﻷردني السوري بالغذاء و الوقود؛ طبعا لم يصدر أي نفي أو تأكيد لهذا الخبر من كلا الجانبين و لكنه يبقى مؤشراً على أن هذا التنسيق موجود و إن أخذ البعد الإنساني.

أما بموضوع (الزعل) السوري على اﻷردن فهو ليس بالجديد و أذكر أننا و ببداية تفتح وعينا على ما يجري حولنا، و في عام 1970  تفاجأنا ذات صباح باحتلال الجيش السوري لشمال الأردن. ثم تحسنت العلاقات بعض الشيء على زمن المرحوم الرئيس حافظ أسد ثم توترت  ببداية الثمانينات توتراً وصل لمرحلة حشد القوات السورية على الحدود الأردنية. ثم تأزمت مرة أخرى عند الغزو العراقي الكويت.  و في بداية الربيع العربي وصل الأمر  لتأزيم آخر بين الأردن و سوريا رغم انشغال كل بلدٍ بنفسه. و هذا يعني أن الإخوة في سوريا إنما يبحثون عن سبب لتأزيمٍ جديدٍ مع الأردن. 

نعود لهذه التصريحات النارية أو الإعلامية الآن ضد الأردن  لأرى أنها تهدف برأيي المتواضع لمحاولة النظام السوري إبراز نفسه كقوة مؤثرة بالتحالف الدولي للقضاء على داعش لصرف النظر عن ما يجري بالداخل السوري. أو ربما الإيحاء بأن لديه المفتاح؛ فهو تنافسٌ مع الأردن على دور بالتحالف أكثر من كونه صراعاً حقيقياً بين بلدين.  و هناك تفسير آخر ربما و هو أن النظام السوري و في تاريخه الطويل كان يميل إلى ترحيل أزماته الداخلية للخارج و تحميل الجيران وزرها، و يستفز جيرانه للدخول في حروب إعلامية على شاشات التلفزيون. و كان أكبر استفزاز هو ما قام به سعادة السفير السوري قبل طرده وقد صبر عليه الأردن صبر الجمل.

لهذا ليس غريباً أن ترى فخامة الرئيس يُصرّح عاتباً على الأردن، و معالي وزير خارجيته  يُصرّح مُتهِماً الأردن،  و سفيره سليمان مستفزاً الأردن بألفاظه غير الدبلوماسية.  كل هذه هي محاولات لتذكير العالم بأن سورياً تملك مفاتيح اللعبة كما كان الأمر أيام تواجد حماس في سوريا، أو اللعب بورقة حزب الله في لبنان.  حيث كان هذان يلعبان لصالح سوريا  سواء بفلسطين أو لبنان.  و على الساحة الأردنية ربما كانت أيضا تراهن على البعثيين  بالإضافة للقوميين الذين يقفون مع سوريا ربما لتقاطع الأهداف؛ فمن القوميين من ﻻ يقف مع نظام البعث و إنما يقف مع العروبة بشكل عام.  و من يدري، فربما كان النظام السوري  يملك مفتاحاً مهماً في داعش نفسها.

إذاً هو زعل سياسي قديم لاحتواء للأردن ليصبح تابعاً، و ليس تنسيقاً بين دول ذات سيادة.  باختصار هو يريد للمبعوثين الدوليين في التحالف المرور بدمشق قبل عمان أو ربما الاكتفاء بدمشق فقط.     

 و في الختام هل لنا أيضا أن نعاتب الشقيقة الكبرى سوريا و نُذكّرها بواجباتها تجاه الحفاظ على حدودها الجنوبية بحيث لا تصبح مشاعاً لكل من يريد أن يهرب الأسلحة للأردن؟ هل سيكون جوابها أنه لا سيطرة لها على تلك الجهات؟ إن كان الجواب بنعم فليتركون التحالف الدولي يتعامل معها بالطريقة التي يراها مناسبة؛ و إن كان من عتب فليكن موجها للتحالف كله و ليس للأردن وحده فقط.



الأربعاء، 4 فبراير 2015

معاذيات معاذ الكساسبة



معاذيات معاذ الكساسبة
عندما ولد الشاب معاذ الكساسبة كان ابناً لأمه و أبيه؛ و عندما درج أول خطواته بفناء الدار أصبح ابناً لعائلته الصغيرة؛ و عندما خرج إلى مجتمعه أصبح ابناً للكرك.  لكنه عندما وضع إشارة النسر على صدره أصبح ابناً للوطن كله.  لهذا ليس غريباً أن نرى هذا الالتفاف الكبير حول اسمه عندما امتحنه الله ليكون ابناً للإنسانية كلها؛ ابناً للخير في مواجهة قوى أجمع العالم كله عليها أنها تشكل حالة خروج عن القانون البشري و الإنساني.
و عندما قرر الأردن الدخول في معسكر الخير ممثلاً بأبنائه النشامى أتراب و زملاء النسر معاذ الكساسبة كان يعرف أن الظُلمة لا بد لها من شموع تنير دياجير ظلمتها؛ فلم يتوقع أحد أن تكون هذه الحرب بمثابة نزهة. فهذه القوى الشريرة لها أيضا من يدعمها و يوجهها  حتى و إن تدثر بدثار التقوى و حب الخير للجميع.  فهذا الصراع لن يكون سهلا و قصير الأمد؛ لأنه على ما يبدو يمهد لوضع سياسي جديد في المنطقة كلها تكون إسرائيل هي الفائز الوحيد فيه.  لا بل أن هذه المنطقة ربما تشهد عودة القوى الاستعمارية من جديد و لكن بثوب مختلف.  فهذا الصراع هو مما ابتلى الله به هذه البقعة من العالم لأمر يعلمه الله وحده.
و لأننا أمة توحدنا الأزمات فقد توحد الأردنيون جميعا حول هشتاغ الوطن ممثلاً بالكابتن معاذ الكساسبة.  التف الجميع حول معاذ داعين الله أن يفك أسره و يعيده إلى أهله سالماً معافى بإذن الله.  و سيعود النسر إن شاء الله إلى عُشه بين رفاق السلاح من النسور الأشاوس ليحلق من جديد في سماء  الأردن.  سينير بيته من جديد و سيظهر و جه أبيه المربي الفاضل مجدداً و سيقر عين والدته و زوجته و أطفاله.  لكن قضى الله و ما شاء فعل.
كانت الفقرات السابقات مقدمة لمقال يوم أن وقع الشهيد أسيراً بيد هذه العصابة المارقة على على كل دين و عرف؛ لكني لم أستطع إكمال المقال لمشيئة يعلمها الله تعالي. ربما ليضيف الشهيد بُعداً آخر للمقال حتى تكتمل سلسلة المعاذيات التي أضاء بها الانسانية جميعها.
فمعاذ عندما اختار له الخالق هذه النهاية وحّد العالم أيضا ليصبح ابنا للإنسانية كلها؛  لقد سبق أن توحدت الانسانية حول أحداث كما حدث بضرب مركز التجارة العالمية و لكن لم نشهد توحدها حول شخص كما حدث بالتوحد حول شخصية الشهيد معاذ الكساسبة.   لهذا فقد أرتقى الشهيد  ببنوته من أن يكون أبنا لعائلة صغيرة العدد  في الكرك ليكون حيث يجب أن يكون ابناً للعالم كله بأديانه و أعرافه و أولوانه.
و المعاذية الثانية  هي أنه باستشهاده بهذه الطريقة الهمجية التي أرعبت جميع من شاهدها قد أظهر حقيقة داعش و جُبْنها بعد أن ضخم الإعلام صورتها لترعب الدول فتنهزم أمامها الجيوش.  نعم تقدم كما جاء بالقصيدة "منتصب  القامة يمشي" إلى قدره، رافع الرأس شامخا ينظر إليهم بازدراء، و هم مختفون حول أقنعة؛ شخص أسير أعزل إلا من إيمانه بالقضاء و القدر و الشجاعة التي ورثها من جدوده بالكرك و عززها من بطولات الجيش و جلاّدوه  مدججون بالأسلحة.  هذه الوجوه التي لم يهتم لها معاذ انهزمت أمامها الدول.  لم أشاهد الفيديو و لن أشاهده رغم أن أحد الأصدقاء أرسله لي فحذفته فوراً؛ و أعجب ممن ملك الجرأة ليشاهده كاملاً.  إذاً فالدول خافت و سلمت ديارها  خوفا من هذه الوجوه التي ضخمها الإعلام  ليصبحوا بهذه الضراوة، و معاذ واجهها بصدره.
و بنفس القدر الذي كان لرُقيِّه لجنة الخلد الفضل في كشف حقيقة داعش التنظيم فقد كان له الفضل أيضاً في لفت نظرنا أيضا إلى دواعش الداخل.  ليصبح حال الأردن كما قال الشاعر:
و سوى الروم خلف ظهرك رومٌ  // فعلى أي جنبيك تميل
 نعم  إلى متى سيبقى هذا الوضع قائماً مع دواعش الداخل، لا أحرض على أحد طبعاً و لا يهمني  الشيخ الفلاني هل شجب أم لا؛ أو استنكر أو وافق؛ أو ظهر هذا الوجهة على الجزيرة أو غيرها لينعق بأنكر الأصوات.  فقد اعتدنا على هذه الوجوه  من زمان؛  هي هي ذات الوجوه؛ تحت المظلة ذاتها و هي مناكفة الحكومة.  لكن ليس من المعقول أن نبقى بعد كل حادثة نتخوف من أي تصرف متوقع من هذا التنظيم أو ذاك إذا تهيأ لأحدهم أن صف الأردنيين قد ضعف.
لا يقلقني الأشخاص نفسها كما أسلفت، لكن  ما يقلق  هو تنامي منابع الدواعش بالأردن و من يقول بأنه لا يتنامى يغفل الحقيقة  كلها.  هناك تغلغل باسم الدين بين فئات المجتمع كاملا يشيع كل أشكال التطرف و شرذمة المجتمع و تفتيته دينياً فيفرقون بين أبتاع هذا الدين و ذاك ليصلوا  بعد ذلك و قد وصلوا إلى تفرقة الدين نفسه و كل منهم يدعي أنه الوحيد على حق. و في الوقت الذي يضعف فيه القانون و سلطة الدولة أو تنشغل بقضية خارجية تراهم يظهرون؛ ففي الربيع العربي  رأيناهم و في الأزمة السورية رأيناهم ورأينا تناغمهم مع ما يجري  بسوريا بمختلف أطيافها ضد الأردن، و في حربنا على داعش أيضاً ظهروا، و عندما أُسر الشهيد ظهروا و عند استشهاده  ظهروا.  فإلى متى؟  نحن لداعش و من وراءها في الخارج و لكن دواعش الداخل  يقف (ذوي القربي) بيننا و بينهم. فألى متى؟
و كجزء من تجفيف منابع الداعشية يمكن في المدرسة؛ يجب أن يكون هناك دراسة مستفيضة تكون كنتيجة لمعاذيات  الشهيد.  نريدها دراسة لمناهجنا؛  ففي ديننا الحنيف الكثير مما يمكن تلتقي حوله كل الديانات لوسطيته؛ و ليس المطلوب من أبنائنا أن يخرجوا فقهاء في فن الاختلافات المذهبية.  و يجب تأهيل المعلمين لهذه المهمة ليكونوا أيضا وسطيين يجمعون و لا يفرقون. 
و من تجفيف المنابع أيضا  هو البعد الاقتصادي؛ فالداعشية تنمو و تمتد في جيوب الفقر.  فلماذا نترك هذه الجيوب رهينة للمساعدات التي يدور بها أصحاب الجمعيات على هؤلاء الفقراء فيجعلهم رهناً لإشارة منهم فيتحركون لأنهم مقتنعون بأن الحكومة لا تعطيهم حقهم من مال المسلمين.
 ولكل ما تقدم سيبقى معاذ الكساسبة  الشهيد الحي عند ربه رمزاً عالمياً و وطنياً و فخراً للأردن و فخراً للجيش العربي الذي عاش معاذ بين صفوفه و فخراً لوالده و والدته الذين علموه حب الوطن و التضحية في سبيله.
بكل ما يستحق الشهيد من عبارات التعازي نعزي باستشهاده جلالة القائد الأعلى لقواتنا المسلحة  و لجميع فصائل جيشنا الأبي و خاصة رفاقه في سلاح الجو.
 و إلى والد الشهيد و والدته و زوجته و كل العشيرة الكبيرة نقول  عظم الله أجركم و أجرنا جميعا باستشهاده فمُصابكم مُصابنا جميعاً، و لا نقول  إلا ما يرضي الله و رسوله.  و لا حول و لا قوة إلا بالله. 
و همسة بأذن الكرك فأقول: حُق لكِ يا كرك المجد أن تزهي بعباءة العز و تتيهي فخراً؛ فهذا معاذ ينضم إلى الأكابر من أبناء الكرك ممن أرتقى قبله شهداء سجلوا أسماءهم في سجل الخالدين؛ ما نسيهم الأردن الذي عاش في وجدانهم دائماً.

المجد و الخلود  لشهدائنا الأبرار.  

الثلاثاء، 3 فبراير 2015




رحمه الله رحمة واسعة و تقبله مع الشهداء في عليين  يا رب.  إنا لله و إنا إليه راجعون.
اليوم بدأت حياة معاذ الكساسبة

الاثنين، 2 فبراير 2015

شركات قروض أم بورصات جديدة

شركات قروض أم بورصات جديدة
يحتار المرء و هو يُقلّب بالمحطات الفضائية الإعلانية  عندما يرى هذا العدد الهائل من شركات فاقت حاتم الطائي بكرمه بإغاثة الملهوف، و معن ابن زائدة في حِلمه على المحتاج.  تتسابق هذه الشركات في الإعلان عن قروض أشبه ما تكون بالمنح للطفارى و محدودي الدخل من الأردنيين؛ و أتخيل من رقتها و حِنّية عباراتها أن من صاغها ربما رش عليها بعض الدموع على طريقة غوار بمسرحية غربة عندما رش دموعه على الاستدعاء الذي نقشه لمواطن يشكو همه للحكومة.  كرمٌ أشبه ما يكون بالحلم.
سألت نفسي و من أعرف من الأصدقاء على الفيس بوك عن هذه الشركات، فارتفعت أصواتهم بالتحذير  منها باعتبارها التفاف على دخل المواطن كما أشاروا.  بل أن أحدهم أشار إلى أن هذه الشركات تبادر بالاتصال بالمتقاعدين لإقناعهم بأخذ القروض منها؛ و قال آخر بأنهم يطلبون رسوماً ماليه مقابل دراسة جدوى لمشروع محكوم عليه بالفشل و تكون النتيجة أن المشروع غير مجدي و يذهب رسم الدراسة في مهب الريح.  فظاهر الأمر دراسة جدوى و الحقيقة غير ذلك كما جاء بتعليقاتهم.
أنا لا أتهم أحداً و لكني أستغرب ما أشاهد على المحطات. أنا أسمع هنا عن شركات تمويل يذهب اليها الشخص فيحصل على قرض تمويلي لشراء سيارته أو مشروعه مقابل نسبة فائدة معينة؛ و لم نسمع أو نقرأ لهذه الشركات هذا الكم من الإعلانات الملفت للنظر؛ و هي شركات معروفة و لها أسهمها في السوق المالي للتداول.  و بالمناسبة لا أمانع طبعا في أي عمل استثماري للمال؛ فصاحب المال يهمه تنمية ماله و زيادته، و لكن المطلوب هو الانتباه لما يجري  طبعا على الساحة الأردنية.
و إذا أضفنا بُعداً آخر للقضية و هو أن الفئة المستهدفة التي يسعى أصحاب هذه الشركات للوصول إليها هي فئة المتقاعدين المدنيين و العسكريين الذين غالباً ما يكونوا بضائقة مالية من أول يوم بالتقاعد لاختلاف مستوى المعيشة بعد التقاعد، فتزغلل عينيه  بقرض محترم يصرفه هنا و هناك كتهيئة لمشروع كان برأسه ويتبخر  بعد أن يكتشف أن ما أخذه من مال لا يكفي  للمشروع. و بالمناسبة لا أدري إن كانت هذه الشركات توفر الخبرة لمساعدة المتقاعدين بمشاريعهم.  فيفقد المتقاعد القرض و راتبه و نجده يستغيث  بعد ذلك و وينك يا حكومة.  
و قد كان لفتَ نظري من سنوات إعلانات  أخرى قبلها تقول " قطعة أرض بكوشان لأغراض التقاعد العسكري"؛ و هذه بحد ذاتها كما أفهمها  أن يشتري كوشان أرض لا يعلم إلا الله مكانها ليحصل على قرض الإسكان العسكري، و لا أدري أن كانت مثل هذه الكواشين ذات فائدة لهم. طبعاً ربما كانت تسهل ذلك و لولا هذا  لما بقيت  طيلة هذه المدة موجودة لغاية الآن.         
يدور بالرأس ألف سؤال و سؤال حول هذه الشركات إن كانت شركات تمويل مهنية أم أنها مشروع جديد  لبورصات جديدة باسمٍ جديدٍ!! و ما هو دور الحكومة في مراقبة هذه الشركات؟  فهل ستكتفي الحكومة بموقف المتفرج؟
سمعتُ بأيام البورصة (تنذكر و ما تنعاد) من دولة السيد نادر الذهبي بمجلس النواب أن الحكومة لم تتدخل بالبورصات لأنه لا يوجد شكوى من المواطنين.  لكن طبعاً ما زالت الحكومات المتعاقبة متأثرة بنتائج تلك البورصات؛ و قرأنا أن أحدهم حُكم الأسبوع الماضي بالسجن؛ و لا أعرف عن حجم التعويضات التي نالها المتضررون  إن وصلهم شيء من هذا القبيل.
لا أؤمن بمقولة أن القانون لا يحمي المغفلين من النصابين.  فلماذا وُجد القانون إذاً؟ هل يجب أن يحضر المتضرر  للمحكمة كامل الأوراق بحيث يكون دور المحكمة النطق بالحكم فقط؟  إن على الحكومة دوراً كبيراً و هي صاحبة الولاية العامة أن تنتبه لهذه الشركات لتصوب  أوضاعها إن كان في هذه الشركات ما يشير  إلى شيء قريب من البورصات.  أنا لا أفترض سوء النية بالشركات و لكن الحذر واجب،  و حماية المواطن الغلبان و الشركات من طمع الجشعين فرض عين على الحكومة.
بصراحة ما يتناقله المواطنون من شكوكٍ حول هذه الشركات يثير القلق و نسأل الله السلامة؛ فالوطن ليس بحاجة لإزمة جديدة.
#الحرية_لمعاذ_الكساسبة