التنسيق
مع الأردن على الطريقة السورية
قدمت
الحكومة السورية الأسبوع الماضي التعازي للحكومة الأردنية و الشعب الأردني و أسرة
الشهيد باستشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة و نددت بالطريقة الوحشية التي تم
بها قتل هذا الشهيد الكريم. فلسوريا رئيساً
و حكومة و شعباً نقول شكر الله سعيكم و لا أراكم الله مكروها بعزيز.
لكن هذه الأيام تطفو على وسائل الإعلام أخبار عن
(زعل) سوري على الاردن لأنه يتحرك متفرداً
لمكافحة إرهاب داعش دون استشارة سوريا. و
ربما يكون لهذا الغضب ما يبرره لو أن هذا الغضب أو العتب أو الزعل ( لا تهم
التسمية) كان أول عتبٍ على اﻷردن. فهل هو العتب الأول فعلاً؟ أو هل له ما يبرره
أصلا؟ و هل فعلا ﻻ يوجد تنسيق أردني مع سوريا فيما يجري بالشأن الداخلي السوري؟
و
لنبدأ بآخر الفرضيات مثلا ﻷنفيها نفياً تاماً؛ ذلك أنه ﻻ يُعقل بأي حال من الأحوال
أن يجري ما يجري داخلياً بسوريا دون تواصل أردني سوري على الصعيد الأمني بين
البلدين. فهناك أعراف بين الدول ﻻ يمكن
القفز عنها تقضي أن يكون هناك مثل هذا التواصل مهما كانت درجة انخفاض مستوى
العلاقات السياسية بين البلدين؛ فالهاجس الأمني له قنواته طبعاً بعيدة عن الخطابات
السياسية على شاشات التلفزيون. و من يشكك
بهذا، أعيده للخبر المنشور في بداية الأزمة
السورية على صحيفة القدس العربي حول تزويد الجيش اﻷردني السوري بالغذاء و الوقود؛
طبعا لم يصدر أي نفي أو تأكيد لهذا الخبر من كلا الجانبين و لكنه يبقى مؤشراً على
أن هذا التنسيق موجود و إن أخذ البعد الإنساني.
أما
بموضوع (الزعل) السوري على اﻷردن فهو ليس بالجديد و أذكر أننا و ببداية تفتح وعينا
على ما يجري حولنا، و في عام 1970
تفاجأنا ذات صباح باحتلال الجيش السوري لشمال الأردن.
ثم تحسنت العلاقات بعض الشيء على زمن المرحوم الرئيس حافظ أسد ثم توترت ببداية الثمانينات توتراً وصل لمرحلة حشد القوات
السورية على الحدود الأردنية. ثم تأزمت مرة أخرى عند الغزو العراقي الكويت. و في بداية الربيع العربي وصل الأمر لتأزيم آخر بين الأردن و سوريا رغم انشغال كل
بلدٍ بنفسه. و هذا يعني أن الإخوة في سوريا إنما يبحثون عن سبب لتأزيمٍ جديدٍ مع
الأردن.
نعود
لهذه التصريحات النارية أو الإعلامية الآن ضد الأردن لأرى أنها تهدف برأيي المتواضع لمحاولة النظام
السوري إبراز نفسه كقوة مؤثرة بالتحالف الدولي للقضاء على داعش لصرف النظر عن ما
يجري بالداخل السوري. أو ربما الإيحاء بأن لديه المفتاح؛ فهو تنافسٌ مع الأردن على
دور بالتحالف أكثر من كونه صراعاً حقيقياً بين بلدين. و هناك تفسير آخر ربما و هو أن النظام السوري و
في تاريخه الطويل كان يميل إلى ترحيل أزماته الداخلية للخارج و تحميل الجيران
وزرها، و يستفز جيرانه للدخول في حروب إعلامية على شاشات التلفزيون. و كان أكبر
استفزاز هو ما قام به سعادة السفير السوري قبل طرده وقد صبر عليه الأردن صبر
الجمل.
لهذا
ليس غريباً أن ترى فخامة الرئيس يُصرّح عاتباً على الأردن، و معالي وزير خارجيته يُصرّح مُتهِماً الأردن، و سفيره سليمان مستفزاً الأردن بألفاظه غير
الدبلوماسية. كل هذه هي محاولات لتذكير
العالم بأن سورياً تملك مفاتيح اللعبة كما كان الأمر أيام تواجد حماس في سوريا، أو
اللعب بورقة حزب الله في لبنان. حيث كان
هذان يلعبان لصالح سوريا سواء بفلسطين أو
لبنان. و على الساحة الأردنية ربما كانت
أيضا تراهن على البعثيين بالإضافة للقوميين
الذين يقفون مع سوريا ربما لتقاطع الأهداف؛ فمن القوميين من ﻻ يقف مع نظام البعث و
إنما يقف مع العروبة بشكل عام. و من يدري،
فربما كان النظام السوري يملك مفتاحاً
مهماً في داعش نفسها.
إذاً
هو زعل سياسي قديم لاحتواء للأردن ليصبح تابعاً، و ليس تنسيقاً بين دول ذات
سيادة. باختصار هو يريد للمبعوثين
الدوليين في التحالف المرور بدمشق قبل عمان أو ربما الاكتفاء بدمشق فقط.
و في الختام هل لنا أيضا أن نعاتب الشقيقة
الكبرى سوريا و نُذكّرها بواجباتها تجاه الحفاظ على حدودها الجنوبية بحيث لا تصبح مشاعاً
لكل من يريد أن يهرب الأسلحة للأردن؟ هل سيكون جوابها أنه لا سيطرة لها على تلك
الجهات؟ إن كان الجواب بنعم فليتركون التحالف الدولي يتعامل معها بالطريقة التي
يراها مناسبة؛ و إن كان من عتب فليكن موجها للتحالف كله و ليس للأردن وحده فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق