الاثنين، 27 يناير 2020

فك الارتباط وصفقة

فك الارتباط وصفقة
لا يهم إن كان الحديث عن فك الارتباط وصفقة القرن مصادفة أو مقصودًا بحيث يشكل بارومتر لقياس الضغط الشعبي؛ وربما يكون توجيهًا لبوصلة شعوب المنطقة بحيث يكونوا بواد والمخططون لصفقة القرن بوادٍ آخر. المهم هو أنني أريد أن أبقي موضوع فك الارتباط الذي أعلنه جلالة الملك الحسين رحمه الله بعد ضغط كبير من منظمة التحرير يدعمه العرب جميعهم لأسباب معروفة. وكان يبرز بين الحين والآخر دعوات للرجوع عن فك الارتباط وكانت هناك أصوات تشكك بدستورية فك الارتباط نفسه. ولا بد من الاشارة أن الأرتباط نفسه لم يحظى بموافقة الدول العربية، ولا يُعرف لماذا.
لكن المصادفة الأجمل هي أن بالون الاختبار للرجوع عن فك الارتباط أو لحس القرار أردنيًا جاء مع الإعلان عن توقيع الممثلين عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لخروج الأخيرة من الاتحاد، واعتبرت هذا الخطوة الأولى على لإخراج القرار لحييز التنفيذ. وكان قرار بريطيانيا بالخروج من الاتحاد قد مر منذ زمن بقنوات دستورية ممثلة بمجلس العموم والاستفتاء الشعبي الذي كان بين مد وجزر (مع أو ضد) وقد أطاح هذا القرار بأكثر من رئيس وزراء بريطاني. وتذكرتُ هذا بعد أن قرأتُ منشورًا على صفحة الاستاذ جهاد المومني الذي يحضر فيه مادة لبرنامجه الإذاعي "رايك مهم"، وكان السؤال مباشرًا: هل أنت مع أو ضد فعلقت هنا التعليق التالي: ""من حيث المبدأ لا أعتقد أن هذا سيحدث؛ لكن استُشرت وحدا سألني زي باقي دول العالم عن رأيي فسأرفض. من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش بدولته. لكن والحمد لله تعودنا ما حدا يسألنا ولو مرة. لا حدا يسألنا ولا حدا بسأل الفلسطينيين. يا أخي بس يسألونا نعم أو لا أنا راح أضيف بند "مثل ما بدكو". بس يسألونا هم وما بصير خاطرهم الا طيب إن شاء الله".
ورغم الغُصة في حلوق  الطرفين الأردنيين والفلسطينيين من عدم اللجوء لرأي الشعوب في مثل هذه الأمور المصيرية إلا أنه  لم يلتفت أحد لموضوع من المعلقين لمسألة القنوات الشرعية إلا من رحم ربي وانخرطوا بموضوع أثر ذلك على القضية الفسلطينة، ولم يذكروا حتى أثره على الشعب الأردني أو الديموغرافيا الاردنية بعد أن برزت الهوية الفلسطينية التي أصبحت واقعًا لا يخجلون منه بعد أن كانوا يذكرونه على استحياء أيام الارتباط وأقصد أنهم ذاقوا حلاوة الاستقلال.  كيف لبقعة جغرافية واحدة أن تحوي شعبين بهويتين، ومن يضمن عدم بروز صراعات للاستيلاء على السلطة؛ ولا يدير لي البعض اسطوانة شعب واحد لا شعبين؛ كانت هذه  قبل فك الارتباط؛ الان سيأتينا هويات وجوازات سفر جديدة ووزراء جدد  ...... الخ ولا يمكن أن يقبولوا بإعادة تذويبهم.  فما العمل؟
أذكر أنه عند توقيع معاهدة  وادي عربة أن طُرح موضوع الاستفتاءات على جلالة الملك الحسين  طيب الله ثراه فقال نحن عندنا قنواتنا الشرعية وهي الحكومة ومجلس النواب فالأعيان فالتصديق  عليه من قبل الملك وبهذا تصبح نافذة.  ربما كان هذا مقبولاً في القوانيين العادية، ولكن في قرارات مصيرية مفصلية يجب أن يلجأ مجلس النواب إلى فرض الاستفتاء الشعبي حتى يقوي مركزه قبولاً أو رفضًا لهذه القرارت المفصلية؛ وتعتبر نتيجة الاستفتاء داعمة للموافقين أو الرافضين وبنتيجته يصبح المجلس أكثر قوة.  ولا يجب الخوف من الاستفتاء فهي دلالة قوة للسلطة التنفيذية أيضًا. 
وبالمناسبة من يشككون بدستورية فك الارتباط هم بنفس قوة المشككين بشرعية الارتباط من أصله؛ فقد قرأنا في الكتب أن وفدًا من وجهاء فلسطين توجه إلى جلالة المرحوم الملك عبد الله الأول طالبًا أن يشملهم بعطفه ويقبل انضمام الضفة الغربية للمملكة حماية لها من الأطماع الصهيونية، فوافق جلالته وعرضت على مجلس النواب بتلك الفترة فوافق، وكانت بدون استفتاء أيضا.  فالارتباط كان كفك الارتباط دون رأي الشعوب نفسها بل وافق عليها ممثلوا الشعب الأردني.  
وفي الختام ليس أحب علي قلبي من وحدة الأمة العربية ولكني أريدها من صميم قلوب الشعوب حتى تجتمع على المحبة والوفاق والاتفاق لا أن تبقى متأرجحة بين هذه الضفَّة أو تلك، ومستعدة للانفصال عند أول إشارة لذلك من اللذين لا يعجبهم هذا النوع من الاتحاد الشعبي. 
لماذا تخاف الدول العربية من الشرق إلى الغرب دون استثناء من الاستفتاءات الشعبية؟؟  بريطانيا استفتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي واستفتت سكوتلاندا على الخروج من بريطانيا واستفى إقليم كتالونيا للخروج من اسبانيا والأكراد للخروج من العراق.  لماذا  لا نستفتي نحن على أي شيء!!! هل هو حرام أو مكروه مثلاً؟

الخميس، 23 يناير 2020

طرائف من الغربة

يتبع منشور الرشح حدثت معنا بالكلية بصلالة هذه القصة؛ إليكموها بالتفصيل.
ذات يوم اختفت زميلة لنا بالكلية وهي من مالطة اصلا وترباية ليبيا ومتزوجة من طبيب بيطري اسكوتلاندي.
وبعد اسبوع عرفنا عنها أنها مريضة بالزكام واجازها الدكتور بمستشفى خاص اسبوعين.. غضب رئيس القسم وارغى وأزبد ونقل الأمر للدكتور العميد وهو أردني الذي أرعد وأمطر  على رأس رئيس القسم وتوعد الأستاذة عندما تعود بالفصل والتفتيش وأقلها النقل.
عند انتهاء اجازة الرميلة الكسندرا شويرب (هيك اسمها) حضرت لقسم الموارد او شؤون الموظفين وقدمت الإجازة فقبلوها طبعا والتحقت بالقسم فتلقاها رئيس القسم بالترحاب والسؤال عن الصحة الان... اما العميد ففضل معاملتها بالحسنى او على رأي الاخوة المصريين (كبَّر دماغه).
حدث بعدها أن اصيب الفقير إلى الله حضرتي بالرشحة فطبعا لاني أردني حضرت للقسم اعطس وباكيت كلنكس أمامي ودائم المسح فقالت مستر طلال لماذا لم تذهب للطبيب وتأخذ اجازه (بتفكرني مثلها ههه) فقلت لها هيك وانا نافش ريشي احنا الاردنيين ليس من ثقافتنا ان نجلس بالبيوت لمجرد رشحة يعني.... كلها رشحة.   فقالت. هل من ثقافتكم أيضا ان تنقلوا العدوى لمن معك بالمكتب او الطلاب جميعا!!
فشعرت بالحرج ولغاية هذه اللحظة وانا مش عارف ليش دائما مختلفين عن باقي البشر.
نسيت اقللكم. سبب ثاني انني لا ناخذ اجازة عند الرشح هو اننا لسنا انجليز  هههه يعني لو أخذت اجازه احتمال يزعل الرؤساء علينا

الكاريزما

كلمة كاريزما جاءت لغويًا من الإغريق وتعني بالأصل أنها نعمة ربانية وُضِعت في أشخاص مُعينين لتلهم (هذه النعمة) الآخرين وليس الأشخاص نفسهم الهمَّة والسحر للقيام بالمهام دون تفكير أو تردد على الأغلب. ولاحظت أن أصحاب الكاريزما لا يقومون بشيء أساسي بذاتهم إنما يلهمون الآخرين؛ والأدهى من ذلك أن أخطاء هؤلاء مبررة لدى المعجبين بهم فلا يرون لهم عيبًا أو نقصًا، لا بل يعتبرونه جزءًا من كمال شخصياتهم. ولا تتحدد هذه الشخصيات بمجال معين؛ بل تتنوع: فهناك من أصحاب الكاريزما السياسيون وهناك علماء الدين والمفكرون بمختلف المجالات، ويلعب الإعلام ووسائله المختلفة دورًا كبيرًا في إبراز هذه الشخصيات، وفي الحقيقة لا أدري إن كان الإعلام يتأثر برأي الشارع فيسعى اليهم كنجوم بارزة أم أن الإعلام نفسه .هو من يصنعهم ثم يصبح ضحيتهم لاحقًا إن وقف ضدهم يومًا ما.
أعتقد في مجال السياسة أن تشرشل مثلاً يتمتع بمثل هذه الكاريزما، وربما كان شارل ديغول الرئيس الفرنسي في الحرب العالمية الثانية أيضا من أصحاب الكاريزما؛ ومن الطرائف التي سمعتها عن الجنرال ديغول أنه عندما سقطت فرنسا أمام المانيا وكان ديجول يوجه المقاومة من الخارج ويشجع المقاومين بأن فرنسا لا تقف وحدها ولا يخلُو بث له من هذه العبارة. وبعد انتصارها وعودته منتصرًا إلى فرنسا سألوه: كنتَ دائمًا تقول إن فرنسا لا تقف وحدها ! فمن كان يقف معها فقال نعم لقد كان معها ديغول. ومن المحتمل أن لا تكون هذه القصة حقيقية وهذا يضيف بُعدًا آخر لشخصيات أصحاب الكاريزما، وهي حب التابعين لنسج الأقاويل والقصص الخيالية حولهم فمنهم من تعجبه (حصريًا أقصد السياسيين) هذه القصص فينشئ لها أبواقاً على شكل إعلاميين أو مصورين لنسج مثل هذه القصص.
عربياً ولمن هم في جيلي من مواليد الخمسينيات أذكر مثلاً وفي مجال السياسية بزوغ نجم الرئيس جمال عبد الناصر، وأردنيًا الملك الحسين، وبعدها ظهر الرئيس صدام حسين، ولا يمكن طبعًا نسيان الرئيس ياسر عرفات؛ أما أدبيًا كان الدكتور طه حسين، وأردنيًا كان للدكتور ناصر الدين الأسد نصيب الأسد. وعلى مستوى علماء الدين ظهر الشيخ الشعراوي، وما زال أثره للأن لضخامة الضخ الإعلامي حوله. وهذا لا يعني أن الباب أغلق فلا يوجد غيرهم إنما لعب الإعلام بتسليط الأضواء عليهم، وبقيت الكاريزما عندهم محلياُ؛ وبهذا ينطبق على البقية ما كان يقوله الشيخ محمود غريب رحمه الله (مالهمش بخت) ولموضوع البخت قصة طريفة عنده لا يتسع الحديث لذكرها. وأذكر أن الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق سُئل حول قضية معينة وقال له صاحب السؤال أن الشيخ الشعراوي قال فيها كذا وكذا؛ فقال الدكتور علي لقد كان للشيخ الشعراوي كاريزما تجعل ما يقوله للناس ثابتًا ولهذا أقول ما قاله الشيخ الشعراوي.
ومن الملاحظ أن كاريزما هذه الشخصيات تبدأ بالاختفاء بعد موتها، وربما يكون السبب هو أن وجودها أمامنا يصرف نظرنا عن أخطائها فلا نعود نرى إلا شعاع الكايزما لهذه الشخصيات، وإذا أضفنا قوة القبضة الأمنية التي تصاحب كاريزما السياسي فهذا يجعل مهمتنا صعبة جدًا ويضيق الخناق على المُشاهد؛ لهذا يكثر توجيه النقد لهذه الشخصيات بعد موتها بنسبة أكبر من أصحاب الكاريزما الأدبية أو الاجتماعية أو الدينية، ذلك لأن شعوبهم تأثرت بقراراتهم السياسية والتي أصبحت تسمى بعدم نضوج أو رعونة هذه القرارارت بوقتها وجلبت المصائب لشعوبها؛ فأصبح الحديث عن الدكتاتورية لتلك الشخصيات وليس الكاريزما، ولم نعد ندري إن كان إعجابنا بهم هو بسبب الكاريزما أو بسبب دكتاتوريتهم أو قبضتهم الأمنية؛ فهل يمكن أن نعد الدكتاتورية أحد أسباب الكاريزما.
ولا يقتصر هذا الأمر على السياسين العرب حتى لا نُتهم بجلد الذات فلو استعرضنا نشاط من ذكرنا سابقاً من أمثلة على الكاريزما لوجدنا أنهم أيضا كانوا يتصفون بقبضة قوية كهتلر مثلاً أو ممن يرون أنفسهم فوق بلادهم، وقد سردت لكم قصة طريفة عن ديغول ولو أنني لم أجد لها مرجعية على الانترنت لكن وجدت ما لا يقل عنها فقد وجدت مقولة له " كنتُ فرنسا" وهذا يعيدنا إلى مقولة أنا الدولة والدولة أنا. كذلك ورد عنه أيضا احترامه لحق الطرف الأخر لكنهشخصيًا يرفضه. لهذا نتوقف عند هذا الحد بالنسبة للسياسيين.
يعتبر أصحاب الكاريزما الأدباء وعلماء الدين أقل خطورة ولهذا تُناقش أفكارهم بأريحية دون خوف من تبعات هذا النقاش كما هو الحال بالنسبة للسياسيين. فمثلاً عندما أسمع الشيخ الشعراوي والذي يكثر الحديث عن كراماته حاليًا أتوقف عند بعضها فأسال كيف لم ينتبه أحد لهذه النقطة؛ وعلى سبيل المثال شاهدتُ مقطع فيديو لدكتور في الاقتصاد يحدثنا عن كرامة من كرامات الشعراوي ولم ينتبه صاحب الفيديو لفكرة أن غضب الشيخ عليه إنما كان هروبًا من عدم معرفته بجواب سؤاله أو عدم رغبته بالحديث عن موضوع السؤال. وحتى لا أتهم بأنني لم أفهم الفيديو أسرد الحكاية كما هي ويمكن الرجوع للفيديو على اليوتيوب بعنوان حكاية عجيبة مع الشعراوي؛ يقول صاحب الفيديو التقيت الشيخ بمناسبة اجتماعية وسألته عن القروض بأنه "حضرتك تقول إن الربا هو كل قرض جر نفعًا، فقال نعم. فسأله فإن جر القرض خسارة وقصد التضخم الاقتصادي فغضب الشيخ وقال له انتو عاوزين تجيبوا نظريات من برا وعاوزين الشيخ يفتي"؛ ويذكر صاحب الفيديو لاحقا أن الشيخ جاءه البيت وصالحه بشكل أثيري أي لم يره أحد الا الطبيب نفسه حتى زوجته التي كانت معه بنفس الغرفة لم ترى الشيخ، أي زاره على طريقة الأولياء.
وظهر عندنا بالأردن معالي الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد أستاذ اللغة العربية، الذي لا تمل حديثه وهو من طلاب الدكتور طه حسين أو ممن كانوا يحضرون حديث الأربعار بصالونه. وله ايضا مواقف مشابه بالنسبة لغِيرته على اللغة العربية وقد سمعت مقولة منقولة عن أحد كتبه على الاذاعة الاردنية ولم استسغها ففيها مبالغة كبيرة بما يخص العلاقة بين العربية والدين وعندما سألت معد البرنامج لم يجب ووعد بأن يبحث عن كتاب الدكتور ولم يحضره للآن. وأخشى أن تكون العبارة من بنات أفكار معد البرنامج حماسًا للدكتور رحمه الله.
وبما أن الحديث عن الكاريزما تشعب فلا بأس أن نعرض لخيط رفيع ربما يربط الكاريزما بالفهلوة؛ إذ ترى الشخص فتعجب بطريقته بإدارة الأزمات مثلا أو من طاعة الناس له وبعد فترة تكتشف أنه مجرد فهلوي يلبِّس طاقية هذا لهذا وهو مفلس من كل شي. شاهدت حلقة ببرنامج مرايا السوري عن شخص فتوة قوي تخافه الناس، انفرد به أحد المواطنين وأهانه إهانة كبيرة ولم يرد هذا الفتوة على الإهانة. انتظر هذا الفتوة إلى أن جاء أتباعه وقال لقد أهانني هذا الولد وأنا لم أشأ أن أضربه حتى لا أتهور وأقتله؛ أدبوه أنتم . فانهال عليه الأتباع ضربًا، في حين كان الفتوة يدخن سيجارته والمضروب يصيح فيهم قائلاً فتوتكم جبان ولم يصدقوه.
فهل الكاريزما دكتاتورية أم إعلام أم فهلوة؟ تفضلوا أعطوني صاحب كاريزما لا تتقاطع شخصية مع أي من الخيوط السابقة. أفيدونا أفادكم الله.