الخميس، 24 يوليو 2014

رِفقاً بالأردن يا أردنيون

رِفقاً بالأردن يا أردنيون
كلما جدّ بالمنطقة العربية أو الإسلامية جديد تقوم الدنيا و لا تقعد مطالبة الأردن بموقف حازم لنصرة الإخوة بتلك البلد؛ فكل العرب أشقاؤنا بحكم القومية و كل المسلمين إخواننا بحكم الدين.  و اشتد هذا الأمر ببداية الربيع العربي مطالبة بموقف حازم مع كل حركات الربيع بالوطن العربي، ناسيين أن الأردن دولة و ليست جماعة، و هي فقط من تتحمل تبعات موقفها عند اللزوم. لا بل أن المطلوب أن يتماشى موقف الحكومة مع المواقف المتناقضة أحيانا للحراكات؛ ففي نهاية الربيع رأينا الأجندات تغيرات عند الجميع بدأ مما حدث بمصر و انتهاء بما يحدث بسوريا.  الكل يرى الأردن تحت إمرته فقط و يجب أن يلبي طلباته هو فقط و القفز عن الآخرين باعتباره يمثل رأي الشعب.  فما هو السبب في ذلك يا ترى؟
هناك احتمال مثلا أن بعضهم يرى في الأردن أنه دولة عظمى يستطيع أن يقف بوجه كل التيارات لوحده، و يحقق للجميع طلباتهم القومية و الإخوانية و المحلية طبعاً. و منهم من يرى الأردن بحجمه الطبيعي طبعا كدولة في هذه المنظومة و لكنه يريد أن يسجل بالشارع أنه وقف و طالب و زمجر مذكِّراً الحكومة بواجباتها. فالمسألة إعلامية. و منهم من يماشي الظاهرة حتى لا يتعرض للتهكم و السخرية و ربما أكثر من ذلك إذا قال بخلاف ذلك.
و لا غضاضة طبعا في أن يكون لكلٍ رأيه في هذا و لكن من غير المقبول أن نطالب بهذا شاتمين واصفين الحكومة بصفات تنم عن أسباب دفينة كما يحدث  على صفحات الفيس بوك بمناسبة و غير مناسبة. و هذا يدل دلالة واضحة أن هذا التصرفات إنما تعكس حقيقة شعور بعض الناس تجاه البلد عموماً والحكومة خصوصاً؛ فلو لم يكن هناك غزة لاخترعنا (غزة) لنفرغ ما في جعبتنا تجاه هذا البلد الطيب الممثل بحكومته.
استفزني موقف أثناء تعليق على منشور لإحدى الصديقات قاد الخلاف معها أن انبرت إحدى المعلقات لتعليم صاحبة المنشور اللغة العربية حول استعمال اللام؛ فقالت (المعلمة) مثلاً " يا لوقاحة حكومتنا".  استغربتُ من هذا المثل و علقتُ موجها الحديث للمعلمة و نادرا ما أفعل ذلك: " الدرس عن حرف اللام، فما الداعي لوقاحة حكومتنا"؛ فقالت المعلمة إنه عنوان لمقال لفلان على الموقع الفلاني،  و تابعت ألا ترى معي أن حكومتنا وقحة؟ فأجبتها حديثنا عن درس العربي و ليس الحكومة، فلست مستعداً للدخول معها في نقاش حول هذه النقطة.
ما هذا!! ليس من المعقول أنه " كل ما دق الكوز بالجرة" أن يتسابق الأشخاص  هم هم ما غيرهم في ككيل الشتائم للحكومة.  و بالعودة لموضوع غزة فلننظر و نتابع و نسأل إن كان هناك من قدم لفلسطين كلها و ليس غزة فقط كما قدم الأردن و لا داعي لأن نذكّر بشهدائه و تواجده الدائم بكل أنواع المساعدات الإنسانية بعد فك الارتباط و دفاعه الدائم عن القضية بكل المحافل الدولية؛ و إذا تناسى البعض فلن ننسى نحن أن الأردن بأغواره و جباله كان ميدان العمل الفدائي ببدايات عهده و التي تُوِجت بمعركة الكرامة التي حمى فيها الجيش الأردني قوات الفدائيين في الأغوار.  و لكن الإنسان يتبع هواه، فإذا كان الهوى مع غير هذا البلد فلن يرى كل هذه و يفضل عليها حنجرة أردوغان؛ فالدنيا حظوظ.
إذا كان الأردن يتعرض بشكل دائم لضغوطات من كل الجهات لتحقيق مصلحة هذا الطرف أو ذلك، فلا أقل من أن ينصفه أبناؤه، فهم سنده الوحيد الذي يشد ظهره بهم إن هبت رياح الخماسين لا سمح الله.
حمى الله الأردن و أدامه سنداً لفلسطين و أهلها.
  

   

الأحد، 13 يوليو 2014

لذة القتل: غزة أحدث الأمثلة

لذة  القتل: غزة أحدث الأمثلة
لم يعد المرء يحار كثيراً من هذه الأمواج المتلاحقة من القتل التي ابتلى الله هذه  المنطقة في الفترة الحديثة من عمرها منذ أن سقطت بغداد، بل ما يحير المرء أمر آخر. و هذا الأمر لا علاقة له طبعاً بمن يدعم ماكنة القتل هذا مادياً أو فكرياً؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى  في سورة البقرة " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12(، مع الفارق أن من هؤلاء من يشعر بفساده و يمارسه عن سبق إصرار.  لكن الأمر المزعج في هذا هو التلذذ و الاستمتاع بالقتل الذي نشاهده و الذي (للأسف) وجد له من يشاهده على وسائل الاعلام؛ و هذا ساعد في انتشاره.
فمن كان يستمتع بمنظر الذبح (سواء كان القاتل أو المشاهد) على التلفزيون لمن قيل أنهم الجنود الأمريكان و وضع رؤوسهم على جثثهم بعد التكبير عليهم هم أنفسهم من أصبحوا  يقتلون بعضهم بعضا على الهوية بعد قرب الاستقرار بالعراق بحجة المذهب و طبعا يدعمهم الاعلام و اليوتيوب.
لا أتحدث عن القتل بالمعركة طبعاً التي تفرض على البلد، و لكني اتحدث عن اللذة التي تنتاب القاتل أو المجتهد سمه ما شئت. و لقد قادني التفكير بموضوع اللذة هذا إلى الرجوع بالذاكرة إلى جملة قيلت بفلم لورنس العرب ( Lawrence of Arabia) عندما عاد للقاهرة ليقدم تقريره للجنرال اللنبي عن الثورة العربية ضد الاتراك. و بعد التقرير  طلب إعفاءه من المهمة؛ و عندما طلب الجنرال تفسيراً لطلبه قال له: أنه قتل اثنين من العرب كانا ذا فضل كبير عليه شخصياً و عندما قال له لا مشكلة فهذه تحصل و لا تستحق التخلي عن المسؤولية قال أنه يستقيل ليس للقتل نفسه و لكن للشعور الذي راوده بعد قتلهم و هو أنه استمتع بذلك ( I enjoyed it ) و لم تفت الجنرال الذكي أن لورنس إنما يقدم له ميزة إضافية لشخصيته تضاف لسيرته الذاتية، فالتقطها الجنرال و تمت ترقية لورنس و عاد ليقتل بيده و يستمتع بالقتل.
هذه التلذذ الغريب بالقتل أصبح يمارس بشكل ملفت للنظر ببعض الدول التي اجتاحتها موجات الربيع العربي كما حدث كما هو الحال في ليبيا و اليمن و ما يجري في سوريا و ربما سيعود إلى العراق، و أكثرها شهرة الطريقة التي قُتل بها الرئيس الليبي معمر القذافي.
أما أردنياً فقد انعكس هذا على سلوك القتلة المدنيين بما أننا و الحمد لله ما زلنا خارج نطاق الربيع العربي.  فقد أصبح من الطبيعي  أن نسمع عن القتل بالأخبار اليومية  بين جريمة هنا و جريمة هناك لكن من غير الطبيعي أيضا هو ارتفاع منسوب التلذذ و الاستمتاع بالقتل كحادثة قتل الرجل و التمثيل به أمام أسرته، و حادثة قتل المرحومة نور العوضات و قتل المرحومة بتول حداد و غيرها من الجرائم البشعة..  هل هناك شك بأن القاتل لم يكن يشعر باللذة و هو يمارس هذا القتل المرعب.
و إن كانت الأمثلة السابقة هي نتاج فوضى ظرفية ببلد ما، فإن ما يجري في غزة العزة ( أحدث الأمثلة) هو نتاج لذة منظمة برعاية الدولة الاسرائيلية؛ فهل ما جري من خطف و قتل للثلاثة إسرائيلين يبرر كل هذا الدمار الذي تشهده غزة من قتل لأبنائها و تدمير لبنيتها.  هل هذا الجبروت بالبطش الذي قال الله عنه في عاد قوم هود عليه السلام " و إذا بطشتم بطشتم جبارين".   ما هذا!!  طيران و مدفعية و أساطيل بحرية !!  هل لهذا تفسير غير التلذذ المنظم للقتل.
و في الحقيقة أن هذا البطش المنظم الجبار ( اللذيذ بالنسبة للمحتلين) يجعلني أشك بأن من قام بقتل الصهاينة إنما قدم لهم السبب لكل هذا حتى ينكثوا باتفاقياتهم  مع الرئيس عباس و وعودهم له.
إن القتل يا سادة إنما فرضه الله قصاصاً أو جهاداً لردع ظلم أو رد عدوان و لكنه في كل الحالات لم يشرع لنا التلذذ بفعل القتل نفسه لنرويه لأجيالنا جيلا بعد جيل ليعطي الفرصه للخلف ليفهمه على طريقته فيتفنن و يتلذذ بقتل البشر.
ختاماً، إذا كانت مشكلة التلذذ بالقتل عند الأفراد تُعالج عند طبيب نفسي؛ فمن يعالج جنون الدول؟


الحركة بالمولات ليست دائماً مؤشر رخاء

الحركة بالمولات ليست دائماً مؤشر رخاء
تُثار بين الفينة و الأخرى ملاحظات فحواها بأن من ينظر إلى ما نراه بالمراكز التجارية من حركة يثير الاستغراب من الشكوى بالفقر التي يتحدث عنها الإعلام أو الناس، و يدعو للشك بصحتها.  ربما يكون الأمر صحيحاً كحكم عام على الأمور، و كثيراً ما تحدثنا عن حالة الأردني الذي نحج بأن يخترق بحالته الاقتصادية هذه حاجز السبع عجائب.  لكن استخدام ما نراه بالمراكز التجارية من حركة لا يصلح دليلاً لإثبات صحة هذه المقولة.  فالناس بهذه المراكز  ينقسمون إلى ثلاثة  أقسام لثلاثة أسباب.
القسم الأول هم المتسوقون حقاً؛ فتراهم يمشون خلف نسائهم أو إلى جوارهن و هم يدفعون بالعربات بكل إباء و شمم لا يعترضون و لا يشكون؛  واقفون كالأسود.  تضع النساء حاجات البيت كرتونة فوق كرتونة و علبة بجانب علبة و كيس بكتف كيس و هو يدفع العربة بكل فخر ليصل أخيراً للمحاسب فيناوله المقسوم ثم يخرجان.  و الغريب بالأمر أن الصورة تختلف بعد دفع المصاري؛ يكشر الأسد و يقطب جبينه و تسير أمامه المدام و لا كأنها عاملة شي. و هذا النوع من الناس ربما لن تراه بالمول إلا بعد أسبوع أو ربما الشهر لأسباب أمنية منزلية.
أما القسم الثاني فهم الشباب  رواد المقاهي التي تتواجد بهذه المراكز؛ فوجود المقاهي شجع الكثيرين على ارتيادها.  و هؤلاء لهم خبز مخبوز و ماي بالكوز؛ لا يحملون هم محمد بالمدرسة أو حمدة بالجامعة.  المهم أن يجد في جيبه مبلغاً يؤهله لجلسة مع أصدقائه.  و ربما طور الشباب طريقة مناسبة للدفع.  و هذا القسم من الناس هو الذي يرفع من نسبة رواد المراكز.
أما القسم الثالث فهو جماعة " شوفيني و شوفي طولي". لا همَّ لهم إلا المشي و التسكع بين المحلات، يمارسون فيه ما يشاؤون، بطريقة لا تنم إلا عن قلة الشغل، وقلة الشغل لا تعلم التطريز فقط. ترى هذا الوجه بمكان و بعد فترة تراه بمكان آخر و هكذا؛ نعم حاله كحال نزال في حمص. و نزال هذا (كما قال لي الشاعر الكويتي فواز المطيري) ليس من أهل حمص، لكن يتصادف دائما أن يكون أول من يروه عند وصولهم لحمص للسياحة.  فقال فيه شعراً، و أعتذر إن كان فيه خلل بالوزن فربما أكون نقلته خطأ:
الرابح اللي مثل نزال مرتاح //   لا حمل هم و لا تعكر مزاجه.
في حمص لا هو ساكن و لا هو بسواح //  يمشي و يقبل مثل راس الدجاجة.
 نعم هؤلاء هم رواد المراكز التجارية و ظاهر حالهم أنهم في حالة دعة و ثراء و سُمنة، و لكنها حالة في الحقيقة حالة من الإحباط و الورم و ليس السمنة.  فالأردني كما خبرناه مهندس بارع في تدبير أموره المعيشية حتى لا يظهر بمظهر العاجز أمام أسرته أو محيطه.  و لقد شهدت حالة مذهلة لشخص جاء ليدفع فواتير التلفونات، فلديه أكثر من تلفون. سأل عن الفواتير، و دفع لكل تلفون ما يبقي الخط فعّالا و لا ينقطع؛ فظاهر الأمر أنه (مفشخر) و لديه ثلاث  تلفونات مع أنترنت، و لكن حقيقة الأمر فإن مجموع ما دفعه لا يعادل نصف ما دفعته لتلفون واحد. 
أما حالة الإحباط فهي تلك المجموعة التي شعارها انفق ما في الجيب، و عيش يومك، و الأكثر جماعة (أسخم) من هيك ما راح يصير. فتراهم ينتقلون من دَيّن الى دَيّن؛ و قرض إلى قرض لا يهمهم ما ستؤول إليه الأمور.  جماعة (عيشني اليوم  و موتني بكره) و هم جماعة تلبيس الطواقي.
و لا ننسى المجموعة الأخيرة التي تستنكر على من يطلب منها أن تتقشف لأنها فقيرة فيكون جوابها كجواب المرأة التي استنفذت معها خبيرة تنظيم الأسرة كل الوسائل لتنظيم النسل و لم تفلح، و نصحتها بالأخير أن تتوقف  عن ممارسة حياتها الطبيعية مع زوجها، فقالت لها :  عزّا  !!!  أي هو فُقُر  و كمان قلة بسطيّة.
فهل _ بعد هذا_ ما زال ما نراه في الأسواق دليل رخاء؟
 هل هي البركة أم أنها مجرد بسطيّة.
كل عام و أنتم بخير.