الحركة بالمولات ليست دائماً مؤشر رخاء
تُثار بين الفينة و الأخرى ملاحظات فحواها بأن من ينظر
إلى ما نراه بالمراكز التجارية من حركة يثير الاستغراب من الشكوى بالفقر التي
يتحدث عنها الإعلام أو الناس، و يدعو للشك بصحتها. ربما يكون الأمر صحيحاً كحكم عام على الأمور، و
كثيراً ما تحدثنا عن حالة الأردني الذي نحج بأن يخترق بحالته الاقتصادية هذه حاجز
السبع عجائب. لكن استخدام ما نراه
بالمراكز التجارية من حركة لا يصلح دليلاً لإثبات صحة هذه المقولة. فالناس بهذه المراكز ينقسمون إلى ثلاثة أقسام لثلاثة أسباب.
القسم الأول هم المتسوقون حقاً؛ فتراهم يمشون خلف نسائهم
أو إلى جوارهن و هم يدفعون بالعربات بكل إباء و شمم لا يعترضون و لا يشكون؛ واقفون كالأسود. تضع النساء حاجات البيت كرتونة فوق كرتونة و
علبة بجانب علبة و كيس بكتف كيس و هو يدفع العربة بكل فخر ليصل أخيراً للمحاسب فيناوله
المقسوم ثم يخرجان. و الغريب بالأمر أن
الصورة تختلف بعد دفع المصاري؛ يكشر الأسد و يقطب جبينه و تسير أمامه المدام و لا
كأنها عاملة شي. و هذا النوع من الناس ربما لن تراه بالمول إلا بعد أسبوع أو ربما الشهر
لأسباب أمنية منزلية.
أما القسم الثاني فهم الشباب رواد المقاهي التي تتواجد بهذه المراكز؛ فوجود
المقاهي شجع الكثيرين على ارتيادها. و
هؤلاء لهم خبز مخبوز و ماي بالكوز؛ لا يحملون هم محمد بالمدرسة أو حمدة بالجامعة. المهم أن يجد في جيبه مبلغاً يؤهله لجلسة مع
أصدقائه. و ربما طور الشباب طريقة مناسبة
للدفع. و هذا القسم من الناس هو الذي يرفع
من نسبة رواد المراكز.
أما القسم الثالث فهو جماعة " شوفيني و شوفي
طولي". لا همَّ لهم إلا المشي و التسكع بين المحلات، يمارسون فيه ما يشاؤون،
بطريقة لا تنم إلا عن قلة الشغل، وقلة الشغل لا تعلم التطريز فقط. ترى هذا الوجه بمكان
و بعد فترة تراه بمكان آخر و هكذا؛ نعم حاله كحال نزال في حمص. و نزال هذا (كما
قال لي الشاعر الكويتي فواز المطيري) ليس من أهل حمص، لكن يتصادف دائما أن يكون
أول من يروه عند وصولهم لحمص للسياحة.
فقال فيه شعراً، و أعتذر إن كان فيه خلل بالوزن فربما أكون نقلته خطأ:
الرابح اللي مثل نزال مرتاح // لا حمل هم و لا تعكر مزاجه.
في حمص لا هو ساكن و لا هو بسواح // يمشي و يقبل مثل راس الدجاجة.
نعم هؤلاء هم
رواد المراكز التجارية و ظاهر حالهم أنهم في حالة دعة و ثراء و سُمنة، و لكنها
حالة في الحقيقة حالة من الإحباط و الورم و ليس السمنة. فالأردني كما خبرناه مهندس بارع في تدبير أموره
المعيشية حتى لا يظهر بمظهر العاجز أمام أسرته أو محيطه. و لقد شهدت حالة مذهلة لشخص جاء ليدفع فواتير
التلفونات، فلديه أكثر من تلفون. سأل عن الفواتير، و دفع لكل تلفون ما يبقي الخط
فعّالا و لا ينقطع؛ فظاهر الأمر أنه (مفشخر) و لديه ثلاث تلفونات مع أنترنت، و لكن حقيقة الأمر فإن
مجموع ما دفعه لا يعادل نصف ما دفعته لتلفون واحد.
أما حالة الإحباط فهي تلك المجموعة التي شعارها انفق ما
في الجيب، و عيش يومك، و الأكثر جماعة (أسخم) من هيك ما راح يصير. فتراهم ينتقلون
من دَيّن الى دَيّن؛ و قرض إلى قرض لا يهمهم ما ستؤول إليه الأمور. جماعة (عيشني اليوم و موتني بكره) و هم جماعة تلبيس الطواقي.
و لا ننسى المجموعة الأخيرة التي تستنكر على من يطلب
منها أن تتقشف لأنها فقيرة فيكون جوابها كجواب المرأة التي استنفذت معها خبيرة
تنظيم الأسرة كل الوسائل لتنظيم النسل و لم تفلح، و نصحتها بالأخير أن تتوقف عن ممارسة حياتها الطبيعية مع زوجها، فقالت لها
: عزّا
!!! أي هو فُقُر و كمان قلة بسطيّة.
فهل _ بعد هذا_ ما زال ما نراه في الأسواق دليل رخاء؟
هل هي البركة أم
أنها مجرد بسطيّة.
كل عام و أنتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق