الأربعاء، 17 مايو 2017

الباشا يريد أن يبقى باشا

الباشا يريد أن يبقى باشا
بداية يجب التأكيد على أن لفظة باشا وإن كانت تركية لغوياً إنما جاءت وبعد البحث والرجوع للويكبيديا من الكلمة الفارسية (شاه) وأعتقد أن التركية أضافت لها باش  فجاءت باشا؛ ولا أعتقد أنه لها علاقة بالأحذية أو ما شابهها فلا يُعقل أن تقبل جنرالات الجيوش التركية وغيرها من كبار البلد وكراسيها لاحقاً بهذا اللقب لو كان كما يشاع عنه من معنى.
بالتراث الأردني نعيد القارئ للمثل المعروف الذي نتداوله بيننا " فكرنا الباشا باشا: اثاري الباشا زلمة". ويبدو ونتيجة تسارع الأحداث وتغير الظروف قد طال هذا المثل أيضاً بعض التغيير بالمفهوم؛  فهناك رفض كبير من قبل الباشوات له وأدخلوا عليه بعض التعديل بحيث يبقى باشا على طول وليس فقط زلمة حاف : يعني زلمة باشا. وكذلك فقد توسعت مداركنا بأن ضممنا إليه المسؤولين الكبار كلهم وليس فقط من مُنح اللقب وظيفياً وهنا يمكن ضم أصحاب المعالي  والعطوفة والسعادة ضمن هذا التصنيف.
لا نمانع في اللقب فنحن في بلد يعشق الألقاب جداً ونحن نخلعها على من يقابلنا ربما ليس حباً فيه ولكن حتى نشعر مَن حولنا بأننا نعرف فلان باشا أو فلان بيك (أفندي  ما حدا جاب سيرتها) وهذا يعيدنا للتراث أيضاً حول الرجل الذي أراد أن يوهم الآخرين بأنه يعرف الباشا فخسر ما خسر نتيجة لذلك. وثاني الأسباب لخلعنا الألقاب على من يقابلنا هو أننا نريده أن يخلع علينا نفس اللقب  فنصبح بيك مقابل بيك أو باشا مقابل باشا.  شخصياً أخلع على معظم من يقابلني لقب باشا فأنا من هذا المجتمع وينطبق علي بيت الشعر التالي:
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت//   غويت، وإن ترشد غُزية أرشد
وتتحمل الدولة أيضاً جزءاً من المسؤولية تجاه هذه القضية لأنها تضفي عليهم هالة كبيرة أثناء الوظيفة  وتحمل همهم حتى بعد ترك الوظيفة ؛ فبالإضافة  لكل الامتيازات التي يحصلون عليها أثناء الوظيفة تراها ( أي الدولة) تسعى  كما قال الفنان موسى حجازين لتوظيفهم بالقطاعات الأخرى بعد التقاعد  فيبقون على نفس الامتيازات الاجتماعية وهي الهم الأكبر طبعاً وتتقدم حتى على الجانب المادي.  لهذا يبقى المسؤول السابق بنفس البرج العاجي الاجتماعي.
وبالمناسبة ليس حسداً بما هم فيه حتى لو حاولنا ذلك، فالحسد كما أفهمه يكون بين أفراد الطبقة الواحدة بمعني أن يمكن لباشا أن يحسد باشا آخر أو صاحب معالي يحسد صاحب معالي أما ما نكتبه نحن فلا يقع بباب الحسد، إنما مناقشة لظاهرة منذ القدم ولا أظنها زائلة قريباً لأننا نحن عامة الشعب من نقدمهم لا بل نسعى إليهم ليتقدموا جاهاتنا ويتحدثوا باسمنا بكل مناسبة حتى لو كانت زيارة لمسؤول كبير.
أنا أعتقد وأجري على الله أن كل امتياز (بما فيه اللقب) يحصل عليه أي مسؤول أثناء الوظيفة يجب أن يكون لوظيفته وليس لشخصه الكريم (مع وافر الاحترام) بمعنى أن يكون امتيازاً وظيفياً يتركه بعد مغادرة هذا المنصب حتى لو ذهب لوظيفة أخرى ولا يجوز أبداً أن تنتقل ملكية هذه الامتيازات له وتسجل باسمه شخصياً فهي ملك للمنصب ولمن جاء بعده. وربنا يفتح عليه بمؤسسة أخرى بعد ترك المنصب يرأس مجلس إدارتها ويبدأ عهده بسيارة كأول الغيث طبعاً.
 وبمناسبة الامتيازات أستغرب مثلاً عندما أسمع بمسؤول بدأ عهده بسيارة جديدة ؛ هل جاء للمؤسسة سيراً على الأقدام أو بباص مؤسسة النقل العام بحيث يحتاج لسيارة بمجرد جلوسه على كرسي المؤسسة ؟ أو أن المؤسسة فقيرة ولا يوجد بها سيارة لتقل سيادته أو عطوفته أو معاليه لبيته؟
وأستغرب أيضاً مسألة تحسين الوضع التي أسمع بها (غير موثقة بصراحة) ولا أدري مدى صحتها؛ لكن هذا الأمر إن صح يطرح التساؤل التالي: ألا يجوز أن يصبح المرء وزيراً أو عيناً أو نائباً ويسكن بيتاً متواضعاً مثلاً أو بقرية نائية؟ لماذا يجب أن ينتقل فوراً للعاصمة !! ولماذا يتوجب على الدولة نقله لفئة أو مجتمع الباشوات بيوم وليلة؟
ربما نكون قد اعتدنا على كبار القوم ولكن مشكلتنا هذه الأيام هي بتدوير أبنائهم. وبالعودة لأصل المثل التراثي حول الباشا أسأل معالي / سعادة / عطوفة  الباشا إن كان يفضل أن يبقى باشا أو زلمة حاف  مثلنا أقصد بعد ترك المنصب.
ولأن الأمور غير خاضعة للتعميم فإنني أتقدم من كل باشا خدم بلده بصدق وهو في موقع المسؤولية وعاد بعد التقاعد إلى صفوف أهله مواطناً صالحاً كما كان وعاش معهم بدون ألقاب؛ فالألقاب بعد التقاعد يمنحها الشعب وليست الدولة.   



السبت، 13 مايو 2017

معضلة الإعلام الديني الأردني (1)

معضلة الإعلام الديني الأردني (1)
قادني نقاشٌ عابر مع أحد الأصدقاء ذات لقاء عن داعش ومن لف لفهم إلى التساؤل عن مدى نجاح الجهود الدعوية الإعلامية الأردنية لتوعية الأجيال دينياً؛ وتفرع منه أيضاً الحديث عن كثرة حوادث القتل والانتحار التي نسمع عنها في مجتمعنا. والمتابع للإذاعة يسمع البرامج الدينية يومياً.  وكان السؤال لماذا كل هذا ونحن لا يكاد يمر يوم بدون برنامج ديني؛ ومن الغريب أننا نسأل في  هذه البرامج عن كل شيء متحريين الحلال والحرام بخصوص العبادات ونغفل عن المعاملات اليومية باستثناء ما يتعلق (بالقروض) التي تشغل  بال الكثيرين.  تزدحم شوارعنا الأردنية باللافتات الروحانية التي تدعونا للاستغفار والتسبيح ومراجعة أسماء الله الحسنى بالشوارع الطويلة بالمدن ولا نرى لافتة تشير  للجانب السلوكي؛ فما الذي يجري بمجتمع لا تسمع ولا ترى فيه إلا مظاهر التدين ؟ ولماذا لا تترجم هذه المظاهر سلوكياً؟
باعتقادي وكمدخل للحديث حول هذه الظاهرة أن المجتمع و الإعلام الرسمي الأردني متأرجحان بين مصطلح الدولة المدنية والدولة الدينية؛ ورغم كل مظاهر التأكيد أن الدولة المدنية لا تمس المعتقد الديني للشخص إلا أن هناك خوفاً كبيراً من أن لا يكون هذا هو الصحيح؛  ولهذا تحرص الناس أشد الحرص على الظهور بكل مناسبة على أنها مجتمع ديني كتلك الحملة الشعواء التي قادها البعض عندما اختفت كلمة الديانة من البطاقة الذكية واعتبرت طمساً للهوية الدينية رغم توضيح الدائرة بأن الديانة موجودة بالملف وستظهر عند طلب الهوية؛ وكنتُ أتساءل دائماً هل سيكون دخول الجنة والنار (عالهوية) مثلاً!!  ناهيك عن رفض كل ما أشيع عن النية بتنظيم مهرجانات كمهرجان الألوان والبيجامات رفضاً دينياً باعتبارها أعياد الكفار وليس لسبب اجتماعي أردني صرف.  لهذا يحار المواطن أحياناً كثيرة بأمره هل هو بدولة مدينة أو دينية.
وتشكل الموسمية في الطروحات سبباً آخر لعدم نجاح الإعلام الديني بشكل كامل. لا يوجد برنامج طويل الأمد لهذا الإعلام باستثناء محاولة وزارة الأوقاف الأخيرة لتوحيد خطبة الجمعة حتى توحد الخطاب الديني؛ وهذه أيضاً تجد أحياناً معارضة حتى من الخطباء أنفسهم. وأقصد بالموسمية هو أننا إن سمعنا بحالات انتحار مثلاً نجد كل البرامج تتحدث عن الانتحار على أنه حرام شرعاً؛ وتكثر حالات القتل فنسمع البرامج تتحدث عن حرمة قتل النفس إلا بالحق. وتأتي التعليمات بمحاربة الفكر الداعشي فيصبح الحديث كله عن الوسطية. والملاحظ بالأمر أن الحديث كله شرعي وليس اجتماعياً أو نفسياً، فلا نسمع رأياً لعالم اجتماع أو عالم نفس يتحدث حول هذه القضايا باستثناء محاولة البعض لتسييس هذه القضية والقول بأن الجوع سبب رئيس في الانتحار أو حتى الالتحاق بداعش. نسأل عن رأي دائرة الإفتاء بكل صغيرة وكبيرة ولا يهم بعدها أن نعمل بالفتوى أو لا. وهذه النقطة تقود لما بعدها وهو غياب الرأي الآخر.
وفي خارج الإطار السابق يسرح الإعلام المضاد ويمرح الرأي الأخر. نعم، هناك بعض الفئات من لا يقبل بفتوى دائرة الإفتاء ولهم فتواهم الخاصة في كل الأمور وهذا ليس بخاف على أحد فلماذا لا نصل إليهم ونحاورهم أو نبين بطلان حججهم أمام جماعاتهم وليس على منابرنا نحن. لماذا تبقى بعض المساجد حكراً على خطباء معينين ولا يقربها غيرهم. لقد شكى الكثير من المصلين على البرامج الدينية من أن الشيخ فلان قال كذا أو فعل كذا بالمسجد أو امتنع عن كذا مدعياً أنه ليس من الدين. فلماذا يترك لهم الحبل على الغارب؟  وأذكر أن أحد الخطاء المشهورين نبه إلى مثل هذا ذات مرة بأن هذه الفئة لا تسمعنا ولا تصلي معنا فكيف سنحاورهم؟ والسؤال هنا هل يعمل هؤلاء بمساجد وزارة الأوقاف أم بزوايا خاصة لا تصل إليها يد الوزارة؟  أين سياستنا الوقائية من كل ما يجري.  لا يجب الاكتفاء بالدعاء بأن ينير الله قلوبهم فقط.
نقول ما قلنا ونحن نعرف صعوبة الانتقال إلى الدولة المدنية وربما سيأخذ الأمر وقتاً طويلاً ما دام يوجد بين صفوفنا من يشكك بكل ما تقوم به الدولة تجاه هذه الخطوة. ولهذا سيبقى الإعلام الديني يلهث ولا يحقق الكثير حتى إن قال منظموه أو منظروه بأنهم نجحوا بذلك.
___
(1)  لقد تحدثت عن النموذج الأردني حتى لا أتهم بالتدخل بشؤون الآخرين مع يقيني أن الحال لا يختلف كثيراً بباقي الدول العربية.