الأربعاء، 31 يوليو 2013

بركة إيده | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

بركة إيده | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

بركة إيده

البركة كما نعلم هي أن يكفي القليلُ من المال لتغطية الكثير من المصروفات؛ و يمكن أن يطلق مصطلح البركة على الكثير من جوانب الحياة الأخرى في المجتمع؛ فيُقال بركة الوقت و بركة العلم و بركة الولد و هكذا؛ و يعود الفضل فيها لله فهو صاحب البركة و مانحها؛ فنقول بارك الله لك و بالعامية " الله يطرح البركة".  و البركة بقيت معنى روحانياً سمعنا عنها و لم نرها مباشرة، إنما رأينا أثرها.   و كنا نسمع  بهذا التعبير صغاراً كقصص تراثية كثيرة عن بوركت الاشياء، كأن يقال أن الشخص قد وزن المحصول فوجده لم ينقص رغم أنه قد أخرج منه الزكاة. و هذه هي التسمية بالبركة للأشياء.  و لأن هذه البركة هي صِلة بين العبد و ربه فقد كان الجدود يحرصون على أن يبقوها سراً، فلا يحدثون بها الناس حتى لا تطير البركة، و كان يُنصح الشخص إذا أحس بالأشياء فيها البركة أن ينصت و لا يحدث بها؛ فكان يقال كمثل " أعطوا البركة نصْتِه، أي أنصتوا؛ ذلك أن منهم من حدّث أنه سمع صوت تزايد الأشياء، وهذه طبعا بقيت قصصاً لم يتأكد منها أحد.

أختلف الزمن فأصبحنا نسمع بشيء  اسمه بركة (إيد) الموظف؛ و بركة إيده تعبيرٌ اخترعه أصحابه لتفسير الاستثمار الحرام للوظيفة التي يقوم به الشخص المعني، و هي دائما تحصل مع من يتولى المال العام أو المصالح التي  ارتبطت بمال الشعب. و قد كان يتخذ شكل الرشوة مباشرة أو غير المباشرة مثلا عن طريق الهبات التي تهطل على موظف مسؤول بقدرة قادر. و هذه تكون حسب وزن المسؤول الوظيفي،  و نوعية الخدمة لمن أراد  أن تتيسر أموره مع هذا المسؤول.  و لا أدري لماذا يكثر الطمع بالمال العام؟ ربما كونه كما يعتقد  المرتشون أنه لا صاحبَ له،  أو أن صاحبه قد غفل عنه. فنسمع عن موظف بدخلٍ محدودٍ قد انتفخ و تدور حتى اختفت معالمه مالياً؛ فأصبح صاحب أملاكٍ و سياراتٍ و سيجارٍ بالشيء الفلاني؛ يلبس أغلى الثياب و يتعطر بأفخر أنواع العطور ( الله يرحم جده).

و هناك شكل  آخر لبركة اليد، و هو بيد الموظفين  البسطاء  فتكون بركة يدهم على قدر وظائفهم.  وقد كانت تتلخص هذه مثلاً عند الصرافين بمقولة "ما فيش فراطة" كنوع من لهف قروش بسيطة يجمعها؛  أو أن يتم إعادة تدوير الطوابع مثلاً، أو ما شابه ذلك؛ و هذا لا يظهر عليه الثراء الفاحش كصاحبنا أعلاه.

أليوم عشت صورة حقيقية لبركة يد موظف بسيط في القطاع الخاص؛ فبركة اليد أصبحت لا تقتصر على المال العام و العمل الحكومي.  فبعد أن إعتدنا على كنترولية الباصات و عدم إرجاع باقي الاجرة،  شاهدت اليوم   سرقة عيني عينك بإحدى محطات البنزينو هي و إن كانت أمراً قد يبدو شخصياً  إلا أنها تهم الكثيرين؛  هذه الظاهرة رأيتها مراراً بنفس المحطة التي نصحني ابني بها كونها حديثة، و عدادها ﻻ يعد الهواء. طلبتُ من عامل المحطة أن (يفلل)  السيارة و تفاجأت به يحاسبي بأكثر مما يشير العداد بقروش؛ أي أنه لا يتمم الدنيار على العداد و يحاسبني عليه كاملاً.  اليوم صرختُ فيهم بعد أن تكررت المسألة بأن هذا ﻻ يجوز، فنحن لسنا أغنى من  صاحب المحطة، و هو لا يحتاج  لقروشي أو قروش غيري. و بعد أن غضب العامل من (بخلي) اقترب رجل كبير السن يعمل بنفس المحطة قائلاً و موضحاً بعد إلحاح مني بأن فرق العداد يذهب لجيب الموظف الغلبان.  لا أخفيكم أنني خجلتُ من نفسي رغم أنني صاحب الحق و قلت للرجل سامحتك يا رجل و ذهبت؛ و بقي السؤال قائماً هنا و هو أنني سامحته و لكن هل سامحه العشرات و ربما المئات أمثالي؟

هذا النمط من بركة اليد يأخذ شكل السرقة بوضح النهار، و هي سرقةٌ مغطاة إجتماعياً كلحسة كفه، أو طباخ السم بذوقه، و لا يمكن طبعاً أن تُظهر نفسك أنك أقمت الدنيا و لم تقعدها من أجل قروش.
 انصرفتُ و في نفسي عدة أسئلة حول أنماط أخرى من بركة اليد نمارسها جميعاً كلٌ في مجال عمله وكلٌ حسب طول يده.

  تذكرتُ صيام هذا الرجل كمثال علينا جميعاً و هل يُقبل  خالصاً لوجه الله، و إذا كان يخرج صدقة الفطر أم  لا و  و من أي مال يخرجها بعد أن اختلط ما يحصل عليه من عرق جبينه مع تحصيل بركة إيده؟؟  توسعت الأسئلة و قلت ربما كان هذا الرجل من الذين يتظاهرون لمحاسبة الفاسدين! بل لعله أيضا يطالب بحكومة برلمانية نزيهة تجتث الفساد؟ و لعله من المطالبين كذلك بإصلاحات دستورية، من يدري؟

كثيراً ما نتساءل عن عدم استجابة الدعاء و يذّكرُ بعضنا بعضاً بالحديث إياه عن المال الحرام ( ...... فأنى يُستجاب له). و بعد أن نؤدي دور الورع ننصرف مباشرة كلٌ إلى وظيفته لممارسة بركة اليد هذه بانتظار سماعنا لموعظة أخرى عن عدم استجابة الدعاء.

بالمناسبة و عوْداً لقصة عامل محطة البنزين، فقد نصحني الرجل كبير السن(وربما يكون كبيرهم الذي علمهم السحر)  أن لا أطلب في المرة القادمة (تفليل) السيارة، و إنما أطلب قيمة معينة يضعها العامل برمجة على عداد البنزين فيعطيني بالضبط ما أطلب، لكن هل ضمن لي ذلك الختيار  أن لا يكون الفساد وصل لبرمجة العداد أيضا.

اللهم أغننا بحلالك عن بركة اليد هذه و عن لحسة الكف أو طباخ السم بذوقه و كل تبرير للحرام.



الأربعاء، 24 يوليو 2013

وفاء نشمية: الأستاذة زهرية الصعوب مثلاً | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

وفاء نشمية: الأستاذة زهرية الصعوب مثلاً | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

وفاء  نشمية:  الأستاذة زهرية الصعوب مثلاً
"سألوني: لماذا  لم تكتبين عن زوجك بعد رحيله؟ فأجبتهم : أو قد رحل؟" بهذا الجواب عبرت الأستاذة زهرية عن شعورها تجاه زوجها الذي توفاه الله قبل شهر تقريباً. أضافت إجابات  أخرى لمن نصحها بالتصدق بملابسه.  أختٌ فاضلةٌ تعرفتُ عليها على الفيس قبل عام فكان لي الشرف أن أكون ضمن الآلاف  على قائمتها.  كانت نشمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى أردني أصيل.  هذه مناسبة لأكرر لها العزاء بفقيدها الذي تأثر له كل من عرفها لأسباب عديدة.
كان للأخت الفاضلة منذ عرفتها حضورٌ كبير على مختلف مجالات الحياة الأردنية السياسية و الأدبية و الاجتماعية، و لم يقتصر نشاطها على الجانب النسوي فقط. و رغم هذا، ربما عرف القليل القليل من أصدقائها على الفيس  سراً أخفته عنا و هو أنها كانت زوجة و ممرضة لرفيق دربها الذي كان لا يقدر على الحركة حوالي ثلاث عشرة سنة. لقد كانت متفاعلة مع كل الأحداث حولها بما فيها الحياة السياسية حتى ترشحت للانتخابات النيابية للمجلس السابع عشر. و لم أشعر شخصياً أن هناك قصة أخرى تخفيها عن الكثيرين؛ و لا يمكن لأي شخص أن يحافظ على هذا التوازن بين الحياتين الظاهرة منها أو الباطن إلا من كان بشخصية أختنا الكريمة.
لقد كانت فاعلة على المستوى الأدبي و الثقافي كذلك فتتنقل كالنحلة بين محاضرة هنا الى أمسية هناك إلى ندوة في مكان آخر الى تجمع سياسي.  تراها مديرة لحوار أو ناصحة لأديب مبتدئ أو مدققة لنص طلب صاحبه النصيحة.  فهل يُعقل أن يكون هناك قوة كقوة هذه النشمية.
نعم سمعت عن قصص لنشميات أخريات ضحيّن بأحلى سنوات العمر من أجل أولادهن، و ربما كان هناك الكثير من القصص التي لم أسمع بها فلهن منا جميعا كل تحية و تقدير، و لكني حقيقة  أجدني متأثراً بقصة أختنا هنا أكثر، لأنني من الذين كانوا يثقلون عليها أحياناً بالاستشارة اللغوية و السياسية و الاجتماعية و لم أكن أعرف ما يجري خلف شاشة الكمبيوتر.
للأخت الكريمة و لكل نشمية مرت بظروفها قلت أم كثُرت كل التحية و التقدير لأخوات الرجال و شقائق النشامى.
لقد كنت مُقِلاً بالدخول على صفحتها على الفيس منذ علمي بوفاة رفيق دربها، و ذلك لأنني لم أكن أجد العزاء الكافي لها، و أتمنى أن أكون وفيتها هنا بعض ما تستحق.
أختي الكريمة
عظم الله أجركم و رحم فقيدكم و أدخله جنته، و ألهمكم و أنجاله من بعده الصبر و السلوان.



الأربعاء، 17 يوليو 2013

السيسي .. مرسي أردنياً | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

السيسي .. مرسي أردنياً | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

السيسي ....مرسي أردنياً
بما أن حرب السيسي... مرسي  قد وضعت أوزارها أو أوشكت، و أتحدث عن الجانب الأردني منها، فإن هذه الظاهرة أردنياً تستحق الوقوف عندها ربما كإضافة للبعد الاجتماعي للحراكات الذي كتبت عنه مسبقاً.  هذه الرغبة بالانقسام حول أي قضية يجب أن تكون محط اهتمام علماء النفس و الإجتماع.
لقد انقسمنا على أنفسنا عندما بدأت الحالة التونسية و إن كان ليس بالانقسام الكبير لأن هذا الربيع كان ببدايته، و لأن التدخل الأجنبي به لم يكن سافراً كما هو الحال بباقي الحالات.  و قد بدأ الانقسام يكبر بالحالة الليبية؛ ففيما كان البعض يهلل بالنصر لطلائع القوات الإنقلابية (الشرعية) كان هناك من يشير الى الطائرات الأمريكية التي تقصف فيقول: أنظروا إلى الأعلى.  لكن طبعاً للنصر حلاوته مهما كان الثمن.  ثم انقسمنا مرة أخرى حول مصر و أخرى حول النموذج الأفغاني في سوريا؛ نقبل الدعم من الشيطان الأكبر، لا بل نطلبه لنقف بوجه الشيطان الأحمر السوفيت و الصين.  و لا أدري لماذا لم ننقسم حول اليمن طويلاً، ربما لأن النتيجة لم تكن على مقاس البعض؛ و هذا أيضاً مؤشر على نوع القضايا  التي تثير اهتمامنا كأردنيين.
لكن الانقسام الأخير حول الحالة المصرية الجديدة ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلاً، فلم يعد الانقسام يتوقف عند تصنيف البعض بأن هذا سحيج و ذاك موالي؛ لقد تجاوز ذلك إلى مرحلة العداوة بين الفرقاء الأردنيين الذين كان البعض منهم مصرياً أكثر من المصريين أنفسهم أي أنهم كانوا ملكيين  أكثر من الملك  كما يقول المثل.  لقد كان هذا البعض يتحدث بثقة كما لو كان ساكناً للقصر الرئاسي بمصر أو كاتم أسرار الرئيس كمحمد حسنين هيكل، أو سكرتير عام مجلس الوزراء؛ يتحدث بثقة مطلقة لا تقبل النقاش، إنما التسليم بما جاء به حضرته.
لقد شكلت المواقع الالكترونية التي تنظر إلى عداد الزيارات و موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك ميداناً واسعاً لتفريغ كل شحنات الغضب من كل طرف على الآخر حول هذا الموضوع؛ فكانت كالقمقم المغلق من زمن سيدنا سليمان؛ فتحناه فخرج دخانٌ أسودٌ كثيفٌ؛ فكان الاتهام بالغباء و الجهل و التزوير و التلفيق أبسط الأمور.  أخبرني أحد الأصدقاء أنه تعرض لوصلة من الشتم لأنه وضع منشوراً على صفحته عن مؤهلات البرادعي العديدة، و قال لي بألم يا أخي  هل أنا قريب للبرادعي أو صهره حتى أشتم بهذه الطريقة. و في الحالة السورية رأيت ما هو أكثر من الشتم بين متناقشين حول قضية سوريا، و قد أضطر صاحب المنشور إلى حذف ذلك المنشور.
كذلك شهد موقع الفيس حالات حذف و حجب  لمن كانوا يسمون أنفسهم أصدقاء نتيجة لهذا الحالة، و من المضحك المبكي أن هذا الحجب و الحذف تم من الأشخاص الذين ينادون بحرية الطرف الآخر فكانوا من الذين يقولون ما لا يفعلون.  لقد ضحكتُ طويلا  عندما قرأتُ منشوراً لأحد الأصدقاء يهدد بحذف كل من يقف مع السيسي و بنفس الوقت يسألنا عن رأينا بالموضوع.
هذه الظاهرة أردنياً ذكرتني بمشهد للفنان دريد لحام  بمسرحية كاسك يا وطن، عندما عاد مضروباً من المخابرات و لا يجد قوت يومه فانهال على زوجته بالضرب متهما إياها بالتقاعس عن الوقوف إلى جانب القضايا في الدول النضالية و خاصة نكاراغوا. و عندما سألته (و مين هاي نكاراغوا؟ ليكون بدك تتجوزها؟) قال: لك أنتي أدا لنكاراغوا  لتجيبي سيرتها على لسانك!!
و من الغريب بالأمر و هو أيضا سببٌ آخر للتوقف عند هذه الظاهرة هو حالة الإنفصام بالشخصية التي تصيب البعض عندما يتعلق الأمر بالشأن الأردني. حراكيون يطالبون بإصلاحات بسقوف مرتفعة عندما يتعلق الأمر بالأردن و عندما يتعلق الأمر بدولة خارج الأردن فما يجري بها هو قمرا و ربيع، و يبررون ما يجري هناك و يدافعون عنه.
ربما كان الوجه الإيجابي لهذا كله هو ارتفاع الوعي السياسي عند الأردنيين، و لكن هذا التدافع للتناحر حول ما يجري خارج الأردن يجعلنا نسألهم هل تعتقدون يا رعاكم الله أن الأخوة التونسيين  أو الليبيين أو المصريين أو السورين مسرورون بما تفعلونه؟ أم هل هم على علمٍ بما يجري أردنياً حول قضياهم؟ لقد طلب البعض منهم صراحة بعدم التدخل بالشأن الداخلي لدولهم.
لا بأس من الاهتمام بما يجري حولنا لكن يجب أن لا يكون على حساب أخوّتنا كأشقاء أردنيين.
كل عام و النشامى الأردنيون بخير.
 

    

الأحد، 7 يوليو 2013

صورٌ من المساجد في رمضان بين يدي معالي الوزير | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

صورٌ من المساجد في رمضان بين يدي معالي الوزير | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

صورٌ من المساجد في رمضان بين يدي معالي الوزير
أثار حديث معالي الدكتور محمد نوح القضاة ببرنامج "فاسألوا أهل الذكر" على التلفزيون الأردني الشهر الماضي عن المساجد الشجون حول بعض الممارسات التي نقترفها أو نشارك بها جميعاً بفعلها أو بالسكوت عنها، و خاصة تلك التي نشهدها بشهر رمضان الكريم الذي بدأت تهل بشائره. و لا أدري إن كان المتصلون بالبرنامج قد تعرضوا لهذه الظواهر باتصالاتهم أم لا، فقد اضطررت لقطع المشاهدة لصلاة العشاء بالمسجد المجاور.  و ما شجعني على الخوض فيها هو معرفتي بشخصية الدكتور من خلال ما لمسناه في برنامجه المتميز الميزان فك الله أسره قريباً (أقصد البرنامج)  و مبادراته الكثيرة  في وزارة الشباب و أهمها مبادرة " اركب معنا" و في وزارة الأوقاف مبادرة " دمك غالي" ، فهو صاحب المبادرات  دائماً.  و قد أثلج صدري بالبرنامج عندما تحدث عن دور المسجد بأنه لا يقتصر على داخل المسجد، و تشجيعه لفتح صفحة على الفيس بوك لكل مسجد و توّجها بفكرة رائعة و هي أن يكون لكل مسجد شركة راعية.  أنا أعرف أنه سينجح بها لما لمعاليه من تأثير على الناس. لكل ما سبق أردت أن أعرض بين يديه هذه الخواطر.
سيدي الكريم ندرك  أن المساجد لله، و حكماً فهي للمسلمين الذين يقيمون دين الله جميعاً، و هي حقٌ للجميع دون استثناء بشرط أن لا تتعارض هذه الحقوق مع حقوق أكثر منها وجوباً و لهذا جاء قول صلى الله عليه و سلم " إن المصلي يناجي ربه ، فلينظر بما يناجيه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن   دلالة على أن قراءة القرآن حق و لكنها عندما تشوش على المصلين فإن الأولوية للصلاة.  و لهذا فالمساجد مفتوحة للجميع و لكن إذا تعارض ذلك مع الصلاة فالأولوية للصلاة طبعاً. 
و ندرك كذلك  أن الكثير من تصرفات البشر هي شخصية، و لا يمكن حلها إلا من قبل الأشخاص أنفسهم  وخاصة في صلاة التراويح كالحديث و الضحك في الصفوف الخلفية و هنا أًتحدث عن الكبار طبعاً، فلا يمكن أن نُحضر شرطياً لكل شخص. و أذكر أنني في رمضان الماضي  أشرت لأحدهم  بأننا في صلاة  و هو يضحك مع شخص آخر وراء الصفوف، فقال  "صلي منو قاظبك" ، فانصرفتُ إلى صلاتي داعياً الله لنا بالهداية جميعاً.  أما موضوع الخلاف على أن نفتح الشباك أم نغلقه في مسجد مكيف فهذا يأخذ نصف قراءة الفاتحة في الركعة الاولى غالباً.   لكن هذا كله لا يمنع أن نشير الى بعض الظواهر الأساسية الأخرى،  و التي تقع ضمن تخصص الوزارة أو الشركة الراعية للمسجد إن تحققت الفكرة، فتصوري للشركة الراعية أن لا يقتصر دورها على دفع مصاريف الفواتير.
تقع عملية جمع التبرعات في نهاية صلاة التراويح و أيام الجُمع في رأس هذه المشاكل كلها، فالتبرعات لا تقتصر على المسجد الذي نصلي فيه بل يحضر الى المسجد لجانٌ من مساجد مختلفة أو لجان لجمع الزكاة من أماكن متفرقة.  لسنا ضد الجمع كفكرة و لكننا ضده بهذا الشكل لعدة أسباب أهمها  التنافس بين السادة جامعي التبرعات الخارجيين، و ربما يكون المسجد الذي نصلي فيه آخرهم، فما أن يقول الامام السلام عليكم الأولى حتى يرتفع صوت بآخر المسجد قائلا "ما نقص مال من صدقة". طبعاً منهم من يقولها قبل التسليم الثاني باعتباره سُنّة. و يكون التنافس كذلك على من سيقف قرب الباب و ترتفع الدعوات  بالبركة لكل متبرع. و هؤلاء يكونون آخر من يدخل صلاة التراويح و أول من يخرج منها و يحرصون على الوقوف بأمكنة معينة و لا يكملون الصفوف  لهذا ترى الصفوف الخلفية مقطوعة. و إذا أراد الشيخ إعطاء درس بين التراويح يمكن تقدير عدد المستمعين له.  لماذا لا تخصص صناديق مشابهة لمقترح معاليكم بالبرنامج لتوضع بعد أخذ الموافقات الرسمية طبعاً على جدار المسجد و لا يقف عندها أحد. فيذهب إليها من أراد التبرع، إلا إذا أردنا جمع التبرعات بسيف الحياء، فهذا أمر آخر.
ثاني المشاكل البيع خارج المسجد و هذه ظاهرة في رمضان. لا أتحدث عن من يبيع في الشارع العام قريباً من المسجد، و لكني أتحدث عن ظاهرة ليست جديدة وهي من يُبَسّط بسيديهات دينية على باب المسجد ( على الدرجات الأولى) أو الكتيبات الصغيرة التي تعرفها. هل دخلت التجارة الدينية كجزء من المسجد؟ هل موضوع الكتب الديني يبيح للبائع ما لا يحق لغيره، هذا يحدث ذلك تحت نظر حراس المسجد من شركة الحماية مثلا كما هو الحال بمسجد الشيخ نوح رحمه الله بجامعة اليرموك؛  يشكل هؤلاء الباعة مع الباعة الآخرين عائقاً كبيراً للمصلين في دخولهم و خروجهم ، و تشكل أصواتهم مع أصوات الباعة في الخارج سنفونيّة مزعجة لمن ما زال يصلي ( كصلاة المسبوق) أو من يكثر من السُنن.
ولقد ركب المسجد هذه الأيام  مُكرهاً أو مماشياً موجة ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، فأصبح الكثير من المساجد مُسيساً بدرجات مختلفة حسب ميول الخطيب مع أو ضد. و من المساجد تنطلق المظاهرات، و تنطلق هتافاتهم من داخل المسجد و ليس خارجة و كذلك بعد التسليم الأول كما شهدتها و سمعتها، و لك أن تتصور الطريقة التي يخرجون بها.  ربما يقول قائل و ما علاقة الأوقاف بهذا ؟ فأقول له كل العلاقة؛ فمن ينطلق من داخل المسجد هم الإسلاميون و ليس غيرهم، و قادة هذه المظاهرات معروفون للأوقاف،  و يمكن التواصل معهم  بأن تبدأ الهتافات من خارج المسجد.
و كجزء آخر من  تسييس المساجد هو ركوب بعض الخطباء و الأئمة موجة السياسية فنراهم حراكيين أكثر من الحراكيين، و لا أتحدث عن معارضة رفع الأسعار مثلاً،  و لكني أتحدث عن التهكم على بعض المسؤولين و التعرض لهم بالسخرية و الاستهزاء.    بهذه المناسبة نقدر لمعالي الوزير مبادرته بإرجاع الخطباء الذين كانوا منعوا من الخطابة بالسابق ، و هذه تضاف إلى مبادراته الطيبة دائماً.
و في الختام أتمنى لمعاليه التوفيق و السداد و النجاح رغم بعض المحبطات التي تعترض طريقه و التي تدل على أنه يسير في الطريق الصحيح.
و كل عام و أنتم بخير  بمناسبة حلول الشهر الكريم، أعاده الله على الجميع بالخير و البركات و على الوطن بالأمن و الاستقرار.


  

الاثنين، 1 يوليو 2013

الإسلاميون : ضحايا .. ام أدوات؟ | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية

الاسلاميون : ضحايا أم أدوات

الإسلاميون: ضحايا ... أم أدوات؟
إن المتابع لحال  الحركات الإسلامية منذ منتصف القرن الماضي إلى هذه اللحظة يحار في أمرهم، هل هم ضحايا كما يظهرون أو أدوات أم أنهم لا يتعلمون من تجاربهم و يكررون نفس الأخطاء!  هذه مجرد تساؤلات و ليست اتهامات، و لا ننوي أن ندس أنوفنا بشؤون هذه الحركات الداخلية، لكننا نتحدث لأن المجتمعات العربية التي تسعى للاستقرار تتأثر بالأوضاع الناتجة عن دخول هذه الحركات عالم السياسة.
لقد وصل الإسلاميون في الجزائر ببداية الثمانينات من القرن الماضي بانتخابات قيل عنها أنها نزيهة ( فلم تكن عبارة شفافة معروفة بتلك الفترة)، و بجرة قلم عمد النظام الجزائري إلى إلغاء هذه الانتخابات دون أي مبرر تحت عين العالم الخارجي و ربما بمباركته؛  أي ضحية يمكن أن تكون أكثر من هذا؛ تنجح بالانتخابات و تُطرد منها.  و كانت النتيجة نهر من الدم الجزائري أين منه تلك الدماء التي سالت بحروبها مع فرنسا للاستقلال!. و انتهى نهر الدم كما انتهت حرب العراق و ايران الكل مهزوم و يظن نفسه المنتصر، و اقتصاد متدهور للبلد.
و بانتخابات نزيهة أيضا فازت حماس بفلسطين و تم تكليف الرئيس هنية بتشكيل الوزارة، و بدأ الشرخ من جديد بين التيارين الحاكمين و هم فتح بشخص الرئيس عباس و حماس بشخص هنية منذ لحظة التكليف. بدأ الانفلات و من ثم الانقسام و الاكتفاء بغزة كنتيجة لهذه الغزوة، و لا تزال صور الاقتتال بطرد فتح من غزة عالقة بالذهن لم تمحها الأيام بعد، و انتهت بأن تصف حماس الرئيس عباس بالرئيس المنتهية ولايته، و تصف فتح هنية و حكومته بالمقالين.  و قد بدأت حماس بتحقيق بعض الاعتراف باستقبال رؤساء الدول كالشيخ حمد أمير قطر السابق، و فرش السجاد الاحمر و استعراض الضيف و هنية حرس الشرف كرؤساء الدول، و ربما يكون هذا بداية الاعتراف بحماس كدولة في غزة؛ و لا أستغرب إذا استمر الحال على ما هو عليه أن يتم تبادل السفراء بين حماس و السُلطة الفلسطينة، فمن يدري؟
و ها هم الآن و برياح الخماسين العربي (الربيع العربي)  فازوا بالانتخابات بمصر، و بوادر الانفلات الأمني و الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي كان المصاحب لعهدهم الجديد؛ ترتفع سقوف الهتافات و يرتفع معها لغة التهديد من الرئيس المصري،  و ستنجر البلاد الى بحر من الدم إن لم يدرك الحكماء المصريون ذلك إن كانت لهم كلمة بالموضوع.  و هذا أيضاً يظهر مبدئياً الاسلاميين المصريين ضحايا  لمؤامرة تحاك ضدهم، و لا ندري ان كانت النتيجة ستكون كما حدث بالجزائر و حماس.   
لا أريد التعريج على باقي الحركات الاسلامية بالدول العربية و آخرها سوريا؛ التي تم توريطها بالنزاع السوري الداخلي المُطالب بالإصلاح، و يتم الآن سحب البساط من تحت قدمي الحراكات لتواجه الترسانة العسكرية السورية لوحدها.
هنا يبرز السؤال مجدداً هل هم فعلا ضحايا كما ظهر من الصور الثلاث الأولى أم أنهم أدوات أريد للمجتمعات العربية أن تنتهي إلى ما انتهت اليه بالجزائر و بفلسطين و مصر و سوريا على أيدي هذه الحركات. هل خُلقوا  لهذه الأهداف مثلاً؟  نحن نذكر أن حركات الإخوان المسلمين نشأت في ظل الأنظمة العربية كإبنة مدللة لهذه الأنظمة كرأس حربة يحاربون بها المد الشيوعي القادم من الشرق. و أعطيت لهم المساجد فصالوا فيها و جالوا محذرين الناس من هؤلاء و تكفيرهم، و سمح لهم بتأسيس المراكز و الجمعيات الإسلامية لتلقي الصدقات داخلياً و خارجياً و توزيعها على الفقراء و المحتاجين بمناطق يمكن أن يكون دور بنشاط سياسي مستقبلي،  و هذا أتاح لهم التمكين في الأرض؛ و هذا هو السبب بتفوقهم على باقي الاحزاب بأي انتخابات.  لهذا يساور الناس الشك إن كانت النوايا لهذه الجماعات باطنها كظاهرها؛ إذ لا يمكن للتلميذ أن ينقلب على معلمه.
 إن الأمثلة الثلاث التي قدمتها إنما هي أدلة تشير الى أنهم ضحايا بنفس القدر الذي يمكن أن نشير بإصبع الاتهام أنهم أدوات لتقسيم البلاد و خرابها اقتصادياً . لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا سلمّنا بأنهم ضحايا و هو: ألم يتعلموا من تجاربهم السابقة؟ ألم يتعلموا لماذا يتآمر العالم و يتكالب عليهم بكل مرة ينجحون بها بأي انتخابات؟  
إن الوصول إلى السلطة بأي بلد لا تحدده نتائج الانتخابات فقط، إنما تحدده أيضاً تفاهمات سياسية دولية؛ لهذا نجد أن الحركات الإسلامية العربية ( إن كانت ضحايا) ما زالت لا تتقن مخاطبة العالم بلغة يفهمها حتى يقبلها و يتوقف عن التآمر عليها.  لماذا لا يغيروا من طريقة خطابهم للعالم، لماذا بقيت نفس اللهجة الفوقية عندهم كما لو كانوا يملكون الأمر وحدهم في هذا العالم؟  لماذا نجحت (بدرجات متفاوتة) التيارات الإسلامية في بعض الدول غير العربية و التي ترفع شعار الاسلام كإيران و تركيا في كسب العالم الخارجي وجعلته يعترف بها؟ في حين أن الدنيا تقوم و لا تقعد إن وصل الإسلاميون العرب الى الحكم. 
إن أكثر ما يخيف العالم من الأحزاب الدينية العربية هي هذا الضجيج الديني الاعلامي الفوقي و ربما الاستفزازي الذي يصاحب تفوق كل حزب ديني بأي انتخابات بمجرد الفوز وقبل التمكن؟  و هذا التسارع بالفتاوى بتكفير هذا أو تجريم هذا او تحليل دم ذاك و ما يُنشر على موقع اليوتيوب مما يفعله بعض العرب المتدثرين بالشعارات الدينية يجعل كل القوى تتكالب عليهم حتى لا يفوزوا.  فبمجرد تولي أحد الإخوة منهم منصباً تنقلب الدائرة كلها منهم و يكون الاستعداء للأطراف الأخرى، مما لا يجعلهم يختلفون عن أنظمة الحزب الواحد التي جلبت الخراب للدول التي حكموها.
إذا كان خدمة الوطن غايتهم كما يقولون وهم جماعة دينية فقط فلماذا الإصرار على الدخول في عالم السياسة و يجعلوا أنفسهم واجهة تُعرض عليها كل عيوب و فساد من سبقهم. كان المفروض أن يبقوا في صف المعارضة حيث سيكون صوتهم أعلى و أقدر على التأثير بالسياسات، و إن لم تنجح جهودهم فلن يلومهم أحد.  
لكن أما و قد قرروا خوض السياسة فيجب عليهم أن يقدموا أنفسهم كحزب كباقي الأحزاب دون الظهور بمظهر الحزب الديني، فمهمة رجال الدين كبيرة و أخطاؤهم لا تغتفر، و لن يقبل المجتمع أن يخطأ الشيخ الفلاني، فهم ليس الشيوعي الفلاني أو البعثي العلاني مع الاحترام للجميع. هؤلاء هم رجال دين كما نراهم نُجلّهم و نحترمهم و لكنهم ليسوا سياسيين.
شيء مرعب هذا الذي يجري بمصر و يجب أن لا ينتقل إلى بلدنا الأردن.  نقدر لكل من الحكومة الأردنية و جبهة العمل الإسلامي حرصهما على سلمية الحراكات لهذه اللحظة، و لكن تصريح قيادي جدلي كزكي بني أرشيد للقدس العربي يحدثنا بلغة باطنها تهديدي بقوله أن سياسة الإخوان المعتدلة أثبتت فشلها يشير الى التفكير بالوجه الثاني من سياسة الإخوان وهي سياسة العنف، و هذا لا يبعث على الإطمئنان، و يداخلنا يقين أنهم سينتقلون إليه إن بدأ بالشقيقة الكبرى مصر.  
ختاماً كل الأردنيين يحبون الإخوان فهم عِشرة عمر و لكنهم قطعاً يحبون الأردن أكثر.  حمانا الله جميعا من كل شر بما فيها شرور أنفسنا.