الحاكم العربي والبطانة الصالحة
الحاكم العربي والبطانة
الصالحة
تلهج ألسنة
خطباء المساجد في العالم الإسلامي بالدعاء للحاكم بالتوفيق وأن يُقيِّض الله له بطانة
صالحة تُذكره إن نسي وتعينه إن ذكر؛ ونصلي بعدها ركعتي الجمعة وننصرف جميعاً إلى بيوتنا
وصلى الله وبارك فيما رزق. ولم يخطر ببال أحدٍ السؤال لماذا لم يُرزق هذا الحاكم
أو ذاك البطانة الصالحة التي يحدثوننا عنها. فهل صحيح أنه لا توجد لدى حكامنا
بطانات صالحات ليستشيرها في المُلمات؟
أعتقد جازماً أن
الحاكم لا ينقصه البطانة وإلا فماذا يمكن أن يُطلق على كل هذه الجيوش المجحفلة من
المستشارين والمجالس التشريعية بشقيها بين منتخب ومعين حول حكامنا أليست كل هذه
أشكالاً من أشكال البطانات؟ هي كذلك فعلاً
لكن المشكلة قد تكون بموضوع الصلاح.
أتابع هذه
الأيام المسلسل المصري الجميل بوابة الحلواني حيث كان الخديوي اسماعيل رئيساً
لمصر. وحدث أن دي لسبس مدير شركة قناة السويس قد حاول استغلال أزمة مصر الاقتصادية
فعرض عليه شراء قناة السويس لفرنسا بمبلغ سنوي وآخر شهري يضمن حل مشكلة مصر
الاقتصادية؛ فجمع الخديوي بطانته (الصالحة) ليشاورهم بالأمر؛ فمن هي البطانة؟ إنها
أحمد بيك الخازندار وكان أميرلاياً عسكريا وكان البارودي وهو أيضاً عسكري وشاعر
ووزير الداخلية اسماعيل المفتش وشخصا آخر نسيت اسمه؛ فانتفض الحضور رفضاً لبيع
القناة باعتبارها تشكل سيادة مصرية وفي عرض شرائها إهانة لمصر؛ وتم بعدها أن
استفرد الخازندار بناظر الخارجية المصري الوسيط بالبيع وأشبعه ضرباً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كانت هذه
البطانة تصلح لمناقشة مسألة اقتصادية؟
اذاً فالخديوي الذي كان وطنياً ويرفض البيع اختار البطانة التي ستوافقه
الرأي ولم يختر البطانة التي تصلح لمناقشة أمراً اقتصادياً مهما كان الذي تعاني
منه مصر. فالمشكلة هنا ليست البطانة ولكنه
تخصص البطانة لهذا صلاح البطانة في تخصصها بالموضوع محل النقاش. طبعا غنيٌ عن التعريف أن القناة قد تم تأجيرها لاحقاً
واستردادها في عهد عبد الناصر ولم تُحل أزمة مصر الاقتصادية لا بالتأجير ولا
بالتأميم.
شكل أخر من
أشكال البطانة الحديث هو المجالس التشريعية كما هو الحال بالأردن مثلاً التي يتم
بها الانتخاب أو بالتعيين بدول الخليج ؛ فالحال لا يختلف كثيراً عن فكرة الفقرة السابقة حيث ما زالت العقول
الانتخابية عاجزة عن انتخاب المختص لتوصله لقبة المجلس وذلك بسبب قوانين الانتخابات
السائدة. لهذا ترى أعضاء هذه المجالس
ومعظمهم من جماعة البزنس تعمل في محورين الأول تنمية البزنس والثاني ضمان
العودة للمجلس مرة أخرى، وفي سبيل هذين المحورين يختفي التخصص إن وجد ويتم التناغم
مع الحكومات لتنفيذ رغبات كليهما.
هذه الأيام ومن
خلال (الربيع) العربي ظهرت بطانةُ أخرى قوَّضت كل البطانات وتنبطح لها الحكومات
والمجالس في المُلمات ألا وهي بطانة الشارع
فيكفي أن تسير مظاهرة ليتغير قانون مهم أو يُلغى طلباً لرضى الشعب؛ وهذا
أسوأ أنواع البطانات حول الحاكم لأن البطانة لا يمكن أن تكون آلافاً تهتف؛ فهذه
الهتافات تصلح للشكوى والاحتجاج ولكنها قطعاً لا تصلح لرسم السياسات للدول.
والمؤلم في هذه البطانة الشعبية أنها متناقضة أحياناً ويسهل امتطاؤها وتسيرها من
جهات استخبارية فتصبح بلا هدف والدليل مثلاً ما حدث بمصر فغالبية الذين طالبوا
مبارك بالرحيل عادوا وطالبوا مرسي بالرحيل ولولا اسباب جَليّة جداً لعادوا مرة
أخرى.
ومع كل هذه
المتناقضات يلجأ الحُكَّام لمجالس ذات طبيعة متخصصة أو أحياناَ يطلق عليها
الحكومات الخفية أو الدولة العميقة أو حكومة الظل تمسك بيديها ملفات مصيرية تخص
الدولة وتصدر توصيات ضمن اختصاصها تنفذها الحكومات المعينة بعد اجراء التعديلات
التجميلية لتسير بالطرق التشريعية لإقرارها.
وتكاد تكون معظم الدول تجمع أن الشأن الاقتصادي والسياسية الخارجية والأمن
الداخلي من اختصاص هذه المجالس. ولأن
اجراءات هذه المجالس قد تكون موجعة فإن هذه الاجراءات خاصة الاقتصادي منها لا ينال
القبول من الشعب الذي ينصب غضبه على الحكومات الظاهرية.
وبما أن أفضل
أنواع البطانات التي ذكرت هي المجالس المختصة فإن الكرة الآن بعدها بمرمى الحاكم
ليختار البطانة المتخصصة إلا إذا كان هواه
كهوى الخديوي اسماعيل الذي جاء بالعسكر ليناقشوا أمراً اقتصادياً. وبالمناسبة لا
يمكن أن يكون كل هذا (العَك) الذي يجري ناتجاً عن تخصص.
لهذا وفي الختام
أرجو أن يُضمِّن أسيادنا المشايخ الدعاء التخصص للبطانة لأن الصلاح الذي يقصدون صلاحاً دينياً
ونحن نريده تخصصياً.