فك الارتباط وصفقة
لا يهم إن كان الحديث عن فك الارتباط وصفقة القرن مصادفة أو مقصودًا بحيث يشكل بارومتر لقياس الضغط الشعبي؛ وربما يكون توجيهًا لبوصلة شعوب المنطقة بحيث يكونوا بواد والمخططون لصفقة القرن بوادٍ آخر. المهم هو أنني أريد أن أبقي موضوع فك الارتباط الذي أعلنه جلالة الملك الحسين رحمه الله بعد ضغط كبير من منظمة التحرير يدعمه العرب جميعهم لأسباب معروفة. وكان يبرز بين الحين والآخر دعوات للرجوع عن فك الارتباط وكانت هناك أصوات تشكك بدستورية فك الارتباط نفسه. ولا بد من الاشارة أن الأرتباط نفسه لم يحظى بموافقة الدول العربية، ولا يُعرف لماذا.
لكن المصادفة الأجمل هي أن بالون الاختبار للرجوع عن فك الارتباط أو لحس القرار أردنيًا جاء مع الإعلان عن توقيع الممثلين عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لخروج الأخيرة من الاتحاد، واعتبرت هذا الخطوة الأولى على لإخراج القرار لحييز التنفيذ. وكان قرار بريطيانيا بالخروج من الاتحاد قد مر منذ زمن بقنوات دستورية ممثلة بمجلس العموم والاستفتاء الشعبي الذي كان بين مد وجزر (مع أو ضد) وقد أطاح هذا القرار بأكثر من رئيس وزراء بريطاني. وتذكرتُ هذا بعد أن قرأتُ منشورًا على صفحة الاستاذ جهاد المومني الذي يحضر فيه مادة لبرنامجه الإذاعي "رايك مهم"، وكان السؤال مباشرًا: هل أنت مع أو ضد فعلقت هنا التعليق التالي: ""من حيث المبدأ لا أعتقد أن هذا سيحدث؛ لكن استُشرت وحدا سألني زي باقي دول العالم عن رأيي فسأرفض. من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش بدولته. لكن والحمد لله تعودنا ما حدا يسألنا ولو مرة. لا حدا يسألنا ولا حدا بسأل الفلسطينيين. يا أخي بس يسألونا نعم أو لا أنا راح أضيف بند "مثل ما بدكو". بس يسألونا هم وما بصير خاطرهم الا طيب إن شاء الله".
ورغم الغُصة في حلوق الطرفين الأردنيين والفلسطينيين من عدم اللجوء لرأي الشعوب في مثل هذه الأمور المصيرية إلا أنه لم يلتفت أحد لموضوع من المعلقين لمسألة القنوات الشرعية إلا من رحم ربي وانخرطوا بموضوع أثر ذلك على القضية الفسلطينة، ولم يذكروا حتى أثره على الشعب الأردني أو الديموغرافيا الاردنية بعد أن برزت الهوية الفلسطينية التي أصبحت واقعًا لا يخجلون منه بعد أن كانوا يذكرونه على استحياء أيام الارتباط وأقصد أنهم ذاقوا حلاوة الاستقلال. كيف لبقعة جغرافية واحدة أن تحوي شعبين بهويتين، ومن يضمن عدم بروز صراعات للاستيلاء على السلطة؛ ولا يدير لي البعض اسطوانة شعب واحد لا شعبين؛ كانت هذه قبل فك الارتباط؛ الان سيأتينا هويات وجوازات سفر جديدة ووزراء جدد ...... الخ ولا يمكن أن يقبولوا بإعادة تذويبهم. فما العمل؟
أذكر أنه عند توقيع معاهدة وادي عربة أن طُرح موضوع الاستفتاءات على جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه فقال نحن عندنا قنواتنا الشرعية وهي الحكومة ومجلس النواب فالأعيان فالتصديق عليه من قبل الملك وبهذا تصبح نافذة. ربما كان هذا مقبولاً في القوانيين العادية، ولكن في قرارات مصيرية مفصلية يجب أن يلجأ مجلس النواب إلى فرض الاستفتاء الشعبي حتى يقوي مركزه قبولاً أو رفضًا لهذه القرارت المفصلية؛ وتعتبر نتيجة الاستفتاء داعمة للموافقين أو الرافضين وبنتيجته يصبح المجلس أكثر قوة. ولا يجب الخوف من الاستفتاء فهي دلالة قوة للسلطة التنفيذية أيضًا.
وبالمناسبة من يشككون بدستورية فك الارتباط هم بنفس قوة المشككين بشرعية الارتباط من أصله؛ فقد قرأنا في الكتب أن وفدًا من وجهاء فلسطين توجه إلى جلالة المرحوم الملك عبد الله الأول طالبًا أن يشملهم بعطفه ويقبل انضمام الضفة الغربية للمملكة حماية لها من الأطماع الصهيونية، فوافق جلالته وعرضت على مجلس النواب بتلك الفترة فوافق، وكانت بدون استفتاء أيضا. فالارتباط كان كفك الارتباط دون رأي الشعوب نفسها بل وافق عليها ممثلوا الشعب الأردني.
وفي الختام ليس أحب علي قلبي من وحدة الأمة العربية ولكني أريدها من صميم قلوب الشعوب حتى تجتمع على المحبة والوفاق والاتفاق لا أن تبقى متأرجحة بين هذه الضفَّة أو تلك، ومستعدة للانفصال عند أول إشارة لذلك من اللذين لا يعجبهم هذا النوع من الاتحاد الشعبي.
لماذا تخاف الدول العربية من الشرق إلى الغرب دون استثناء من الاستفتاءات الشعبية؟؟ بريطانيا استفتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي واستفتت سكوتلاندا على الخروج من بريطانيا واستفى إقليم كتالونيا للخروج من اسبانيا والأكراد للخروج من العراق. لماذا لا نستفتي نحن على أي شيء!!! هل هو حرام أو مكروه مثلاً؟