الدور السعودي الجديد
لقد مرت سنواتٌ عديدة اكتفت السعودية بالدور الديني في
الدول الإسلامية واكتسابها لأهمية عالمية من هذا الجانب إضافة لوزنها الاقتصادي
والمالي نتيجة النفط؛ ولا يمكن نسيان المساعدات المالية السعودية للدول العربية و
الإسلامية من باب المسؤولية كشقيقة كبرى لهذه الدول، ولكن مساعداتها كانت للحكومات
مباشرة أو رؤساء الدول على طريقة "يا غلام أعطه ألف دينار" كلما دعت الحاجة؛ ولم نسمع بطلبٍ سعودي مقابل
هذا السخاء تجاه الدول متمثلاً بمواقف سياسية؛ إذ كان يكفيها كما أعلم أن تصوم
الدول الإسلامية برمضان وتفطر بالعيد حسب توقيتها.
لهذا ركزت السعودية على الجانب الديني من باب الدعوة الدينية؛
فكثرت أعداد الدعاة السعوديين في الدول الاسلامية وكثرت المشاريع الخيرية برعاية
الجمعيات الدينية مالياً وفكرياً طبعاً شأنها شأن الأحزاب الدينية المعاصرة للاعتقاد
أن هذه الشعوب أو الجمعيات يمكن أن تتحرك إن تعرضت السعودية لخطر خارجي؛ ولم تغب
هذه القضية عن ذهن خادم الحرمين الشريفين المرحوم جلالة الملك عبد الله بن عبد
العزيز عندما قال لرئيس جمهورية الصين " إن كان سكان الصين مليار فإن شعبي
مليار ونصف" وكان يقصد شعوب العالم الإسلامي جميعاً. وهي محقة طبعاً في هذا الموضوع؛ وكتب الفقير
إلى الله مقالاً من باب الفزعة لها بعنوان "السعودية لينا وحقك علينا"
على هذا الموقع الكريم عندما ظهرت بوادر نزاع قوي مع إيران إثر إعدام السعودية
لأحد المعارضين الموالين للدولة الثانية.
لكن الظروف السياسية أصبحت ضاغطة بوجوب التغيير في
الأدوار للدول وخاصة بعد موجة الربيع العربي.
لقد كانت الأنظار دائماً تتجه للسعودية للتحرك عندما كانت رياح التغيير تهز
عروش المنطقة وأسقطت بعضها فكان أن ألقت بكل ثقلها المالي والإعلامي لنصرة النظام
في مصر آنذاك ولم تنجح الجهود في ذلك الوقت وكان ما كان؛ وكفى الله المؤمنين القتال.
وعلى ما يبدو
فإن الخصم اللدود للسعودية في المنطقة أراد التحرش مباشرة بها بالاقتراب من حدودها
الجنوبية بحيث تصبح السعودية قاب قوسين من مدى أسلحتها الخفيفة. وأقصد بهذا إيران
طبعاً التي رمت بكل ثقلها باليمن نصرة للحوثيين. وأوشكت السعودية وهي حامي حمى
الطيف السُنّي أن تقع ضمن طوق شيعي
كامل. لقد كانت الشعوب العربية تنظر
للعواصم العربية وهي تذهب تباعاً لإيران (ولا
أقول تسقط) وكان التساؤل مباشراً عن العاصمة القادمة بعد صنعاء، والعيون تتابع
مستغربة الصمت السعودي عن ما يجري باليمن؛ فلزم الانتقال إلى مرحلة مهمة لم تكن
السعودية تسعى إليها قطعاً ولكنها دخلتها مضطرة.
أفاق العالم على عاصفة الحزم بقوة لم نشهدها عربياً منذ
عقود؛ فقد كانت القوى العربية دائماً بمواقف الدفاع على أرضها. وإذا أخذنا بشمولية الأرض العربية فهي أيضا في
حالة عاصفة الحزم كذلك من باب الدفاع عن الشرعية اليمنية والخليج. وبنفس الوقت تم
الإعلان عن إنشاء التحالفات العسكرية مثل التحالف العربي والتحالف الإسلامي لاحقاً
وكلها تدار بعصا المايسترو السعودي.
وجنباً إلى جنب طورت السعودية من دورها الاقتصادي للخروج
من صف المنح المالية إلى الشراكة بتمويل المشاريع نفسها لتصل إلى أهم نقطة في قلوب
الشعوب ألا وهي قوت الشعب بحيث ترى ذلك بعيون الشعوب العربية فلا تتردد (هذه
الشعوب) بدعم حكوماتها للوقوف لجانب السعودية إن جد الجد. لقد شكلت زيارة خادم الحرمين
الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر ثم إلى تركيا في مؤتمر القمة
الاسلامية نقطة مهمة جداً في الانتقال بالدور السعودي إلى مرحلة جديدة.
وقمة هذا التغيير كان في السياسة بمعناها العصري في
الدور السعودي الجديد وهي سياسة المصلحة؛ كان الإصرار على تطوير العلاقات مع الدول
حتى لو كان منها ما يخالف بعض الأجندات السعودية كما هو الحال في تركيا. لا أظن أن السعودية غافلة عن التنقل التركي
بينها وبين إيران وأوروبا بحثا عن مصلحتها
فكان الرأي السعودي أيضاً أن تبحث عن مصلحتها ولا علاقة لها بحجم الاستثمارات
التركية في إيران أو مراقبة تركيا وهي تغض الطرف عن داعش مثلاً أو موقفها (تركيا) من
النظام المصري الحليف العربي الأقوى للسعودية؛ فالسياسة مصالح في الدرجة الأولى.
شخصياً أنا سعيدٌ بهذا التطور في الدبلوماسية السعودية
بالانتقال من الدروشة قديماً الى السياسة
والقوة العسكرية لحماية كيانها فالقوة المالية وحدها لم تعد لغة العصر هذه الأيام.
ويجب أن تحميها القوة العسكرية بارتكازها
على قواعد صلبة. قديما قال الشاعر:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم
وأعتقد أن ظلم الناس هو المتمثل بالأبرياء الذين سيسقطون نتيجة هذه الصراعات
ولكن الحقيقة هي أن ذنبهم يتحمله من بدأ هذه الصراعات كلها، لا من يدافع عن حوضه.
نسأل الله حسن النتائج.