السبت، 18 مارس 2017

الراعي الرسمي للمسجد

الراعي الرسمي للمسجد
من الذكريات المفيدة بأيام الجامعة الأردنية أتذكر ما قاله معالي الدكتور عبد السلام العبادي أطال الله في عمره بإحدى محاضرات مادة نظام الإسلام عام 1975 عن موضوع خُطب الجمعة للمشايخ زمان (زمان كانت تعني بالخمسينات من القرن الماضي) أنه لم تكن للكثير من الأئمة رواتب من وزارة الأوقاف، وخاصة المعينين بالمناطق البعيدة؛ لكن قيل لهم أن الناس طيبون وما راح (يقصروا معهم)؛ لهذا  كانت معظم الخُطب تنصب بتلك المناطق على الصدقات والدعوات للولائم وخصوصاً تلك التي يُخص بها الأئمة وأهميتها للدخول للجنة من أوسع الأبواب. وقد سمعنا الكثير من القصص والنوادر حول هذه المسألة؛ وأذكر أن أحدهم قال قبل أن يتوجه لآخر المسجد لجمع ما تجود به النفس أن على الأمة أن تدفع للإمام ما يكفيه ستين عاماً؛ وكانت الأمة بالنسبة له من حضر بالمسجد بتلك اللحظة.
ما دفعني للحديث حول هذه الظاهرة أنها لم تختفي أبداً ولكنها أخذت شكلاً جديداً بعد تنظيم عمل الأئمة ودفع الرواتب لهم من قبل الدولة كموظفين. والشكل الجديد هو أن هذا التسول أو التبرع الذي يؤخذ بسيف الحياء إنما أصبح ظاهرة واضحة في العديد من المسجد باستثناء المساجد الرئيسة بالمدن الرئيسة أيضاً.  إذ لا تكاد خطبة جمعة تخلو من العبارة المشهورة (لا تنسوا هذا المسجد من فضل خيركم) ويعرض الخطيب مشاريع اللجنة المسئولة عنه بأنها ستدفع فاتورة الكهرباء أو تركب المكيفات للمسجد أو إنشاء مئذنة للمسجد وأخرها الدعوة للتبرع من أجل انظمة الطاقة البديلة (الخلايا الشمسية) لتخفيض فاتورة الكهرباء. ولا يتردد الخطيب أن يعلن مراراً عن عدم رضاه عن المبالغ المجموعة ويحث على المزيد لأن المبلغ المطلوب هو كبير جداً.
سؤالي ماذا تفعل وزارة الأوقاف حيال هذه الظاهرة التي تعم المساجد؟ هل تسير  على نفس النهج الذي أشار له معالي الدكتور عبد السلام العبادي (الذي شغل منصب وزير الأوقاف في حقبة معينة) وهو أن الناس لن تقصر بالتبرع لبناء المساجد وصيانتها للدخول إلى الجنة؟ إن كان الجواب بنعم سأقول  لها بأن هذه قسمة ضيزى!!  يدفعون رواتب الأئمة ويتركون صيانة المسجد علينا نحن المصلين! فلنتبادل الأدوار: نريد أن ندفع رواتب أسيادنا الأئمة ولتقم الوزارة بالصيانة فهي الأقدر على ذلك؛ ونسال الله العون بدفع راتب الإمام فهو أسهل وأخف كثيراً ويمكن أن يتدبر أمره المصلون.
سمعتُ قبل سنة أو سنتين على الإذاعة الأردنية بأن هناك ستة ألاف مسجداً منتشرة في الأردن وأتساءل هنا أي شعب يستطيع الإنفاق على هذا العدد الكبير منها؛ و لا نريد أن نناقش جدوى هذا العدد من المساجد إذا عرفنا بأنه وفي بعض المناطق يوجد أكثر من مسجد  لا يبعد إحداها عن الآخر إلا بعض المئات من الأمتار.
هنا أريد أن أرجع إلى فكرة الراعي الرسمي للمسجد والتي كان طرحها معالي الدكتور محمد نوح القضاة على التلفزيون ولا أدري أين ذهبت. وكانت تتلخص فكرة معاليه كما فهمتها هو أن يفتح باب الرعاية للمسجد من قِبل رجال الأعمال في المنطقة وأصحاب الشركات؛ فيؤجرون دينياً ويستفيدون دنيوياُ بتخفيض الضرائب عنهم؛ ولا بأس (وهذه من عندي أنا) بأن يكون هناك لافتة  مكتوب عليها بأن هذا المسجد تحت رعاية المحسن فلان أو الشركة الفلانية. إن هذا أفضل مرة من هذه الصناديق التي توضع قرب الباب لتجمع التبرعات.
لقد عملتُ في سلطنة عُمان وفي محافظة ظفار تحديداً محاضراً في الكلية التقنية بصلالة ربع قرن من الزمن ولم أشهد هذا المنظر الذي يحث فيه الإمام على التبرع لدفع فاتورة الكهرباء بنهاية خطبة الجمعة. وأرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أن سبب هذا هو أن السلطنة بلد نفطي وتغطي الحكومة كافة نفقات المساجد. بالعكس، فإن المساجد التي تقع تحت إشراف وزارة الأوقاف  العُمانية في صلالة هي ثلاثة مساجد فقط لغاية 2015 فقد غادرت صلالة بعد ذلك ولا أدري إن زاد العدد عن هذا؛ وأتحدث هنا عن الإشراف المالي فقط؛ أما خُطَب الجمعة والتعليمات فهي من وزارة الأوقاف طبعاً.
تنتشر المساجد حديثة البناء والمصليات بطول صلالة وعرضها ويشرف عليها مالياً أصحابها الذين بنوها لوجه الله من مخصصات شركاتهم الكبرى ولهذا فهي  تحمل أسماء هذه الشركات أو أصحابها ولا يتهم أصحابها بالرياء؛ ويشمل الإشراف تعيين الإمام وخادم المسجد وكل ما يتعلق بالمسجد من خدمات ولا تنتهي خطب الجمعة بالعبارة المشهورة بأن لا تنسوا هذا المسجد من فضل خيركم؛ لكنها طبعا تحمل الدعاء للمحسن صاحب الشركة التي تتكفل بالمسجد فيكون الدعاء لمن أجرى الخير على هذا المسجد ويخلف عليه بالحلال ....الخ. 
لتعلم الوزارة والحكومة أن ظاهرة جمع التبرعات للمسجد أصبحت مقلقة و لا تليق بالوزارة والمساجد فما لهذا الأمر وجدت المساجد.  وإذا لم يكن بالإمكان العناية بالمساجد فلتتوقف الوزارة عن  إعطاء المزيد من الموافقات لبناء مساجد جديدة؛ فكاهل المواطن لم يعد يحتمل المزيد من النفقات المالية نتيجة الضرائب المتلاحقة. فالتبرع لم يعد لدفع فاتورة فقط لكنه يتجاوزه لمشاريع جديدة والحديث عن الخلايا الشمسية أولها ولن يكون أخرها  فالمشاريع والأفكار كثيرة بما أن المتبرع هو المواطن.   
لم أتحدث عن الصناديق المنتشرة أيضا بالمساجد للتبرعات للأسر المحتاجة أو الجمعيات التي يصرح لها بالإنشاء لمجرد حصولها على العدد المطلوب من الأعضاء المؤسسين ليطلق لها المجال لتجمع التبرعات أيضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق