الرئيس بوتين في العراضة السورية
إن من أهم النتائج غير المباشرة التي نتجت عن مؤتمر
القمة ثلاثي الأطراف مع الرئيس الأمريكي هي أنها فتحت الباب على مصراعيه لتحالف
جديد مشروع (ربما) وهو بين الشيعة وروسيا ومن ترغب من الدول الأخرى الراغبة ذات
المصالح المشتركة. لهذا ستكون منطقتنا
وقود الصراعات القادمة بين الأقطاب والتي بدأ التخطيط لها منذ زمن. فالأقطاب لها أجنداتها طبعاً وباقي الأطراف ستنال
الفتات. وبما أن اللعب أصبح عالمكشوف وأصبحت الدولارات هي الهدف فليس مستغرباً أن
ترى الرئيس بوتين يرقص العراضة السورية وهي لا تختلف كثيراً عن العرضة السعودية؛ وليس
مستغرباً أن نرى الرئيس الروسي بوتين يلبس شروالاً سورياً ويحمل بيده سيفاً ويهتف
بعلو صوته : صلوا على محمد ؛ مكحول العين وعاليااااااااااا ؛ عريس الزين يتهنى. ليس المهم الاتقان ولكن الدولارات تبيح
المحظورات على رأي سيدنا الشيخ محمود غريب رحمه الله.
المهم خاض الكثيرون بأمر المؤتمر الأمريكي السعودي
الخليجي الإسلامي ونتائجه وما هو قادم من أمور، لكني بصراحة لا أرى ما يجري يختلف
عن ما جاء بقصيدة الجزية (Dane-Geld) للشاعر (Rudyard
Kipling) فهي تلخص العلاقة بين الدول
القوية المتغطرسة من جهة والدول الضعيفة الغنية مالياً من جهة أخرى فهو يراها ابتزازاً مالياً فقط. وحتى يتحقق مراد الطرفين يبرر هذا الطرف
ابتزازه والآخر يبرر خضوعه ويسوقون المسوغات لكلا الموقفين. يمكن البحث عن القصيدة
وقراءتها بالانجليزية لمن يرغب.
تقول القصيدة في المقطوعة الأول بلسان حال الأمة القوية
المبتزة المغرورة بقوتها "لقد غزوناكم من قبل ونحن مستعدون لهذا ثانية إلا إذا دفعتم لنا الجزية لنذهب" والتبرير
بالمقطوعة الثانية؛ فتقول الأمة المغرورة بقوتها " كل ما عليكم هو دفع المال
وبالتالي تجنبوا نفسكم عناء الحرب".
أما الأمة الضعيفة الخاملة فيأخذها الغرور بثرائها فتقول
في المقطوعة الثالثة " نعلم أن علينا أن نحاربكم ونهزمكم ولكننا حقيقة
مشغولون بما لدينا من أمور؛ لهذا - تقولها بعنجهية- سندفع لكم الجزية
لتذهبوا" ويقول الشاعر بالمقطوعة الرابعة " وهذا ما يسمى دفع الجزية؛
ولقد اثبتناها مرة بعد مرة أنه إن دفعت الجزية مرة واحدة فلن ينتهي هذا
الابتزاز."
ويمهد الشاعر لنصيحته الأخيرة بالمقطوعة الخامسة بأن من
الخطأ لكل الأمم وخاصة الدول الضعيفة الثرية أن يأخذها الغرور الزائف وتخضع
للابتزاز والتحرش من الغير، ويجب أن يكون ردها
وهنا ينتقل للمقطوعة السادسة "
لن ندفع لكم أي مبلغ مهما كان تافها بالنسبة لنا لأن الأمم التي تدفع
الجزية هي أمة منتهية وستزول."
لا أدري لماذا لم يقدم الشاعر النصيحة أيضا للدول القوية
المحتلة بأن تتوقف عن الابتزاز؛ ربما لأن النصيحة ستذهب أدراج الرياح؛ فللقوة
غرورها القوي. لكن ما أعرفه أن نصيحته للدول الغنية الضعيفة لم تُستجب أيضاً،
وذهبت دعوته مع الريح.
وبالعودة إلى مؤتمر القمة الأخير كان تخوفنا ليس على
المليارات التي تم ضخها في ميزانية الولايات المتحدة تلقاء بزنس الحماية؛ فهم
أصحاب المال ولا نملك الاعتراض على قراراتهم. لكن الخوف هو من الهدف الريس
منه. فعندما وضح أن الهدف ليس حماية
السعودية أو الخليج فقط ولكنه حلف لما يسمى بمحاربة الإرهاب وتحت هذا المسمى يتم
قوننة التدخل في شؤون الدول الأخرى كما يتم حالياً؛ رغم ورود ببند في البيان الختامي ضد التدخل في
شؤون الغير؛ فهذه الصراعات في دول ما يسمى بالربيع ما كان لها أن تكون دون تدخلات
من الخارج. من السهل جداً إشعال فتيل الفتنة في أي بلد عربي ويُسمى لاحقا إرهاباً
ويبدأ مسلسل تدمير هذا البلد أو ذاك.
أما الخوف الثاني كما أشرت بالبداية فهو فتح الطريق لحلف
جديد أو ربما أحلاف أخرى تجد نفسها مقصودة مباشرة بهذا التحالف؛ فلماذا لا تتحالف
هي أيضا تحت أي مسمى فالاسم لا يهم هنا. ويجب القبول بهذه الفرضية وإن لم
تعجب الحلف المقابل. ولا نستغرب عندها أن
نرى أن بعض الدول التي انضوت تحت الحلف الاسلامي الأمريكي تقفز الى الحلف الآخر إذا
كانت المكافأة أكبر هناك. لقد حيرت تركيا
مثلاً عقول العلماء منذ بداية الأزمة السورية وهي تارة مع هذا وتارة مع ذاك.
الله وحده أعلم كيف سيكون سيناريو الأحداث القادمة،
والخشية أن نكون نغوص بالفوضى ونحن نظن أنفسنا على طريق النجاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق