للفلسفة جزء مهم في ذاكرتي بالمدرسة, فقد درستها في الصفين الثاني
والثالث الثانوي في مدرسة دير أبي سعيد الثانوية عام 72 - 73 و 73 - 74 على يدي أستاذين
كريمين الأول كان الاستاذ الفاضل خالد الفاضل الذي درسني أيضا اللغة الانجليزية
وفي التوجيهي كان الاستاذ حمد ولا أعرف اسم عائلته مع الاعتذار.
اكشفنا لاحقاً أن الأستاذ خالد الفاضل لم يكن متخصاً في الفلسفة وإنما
هاوياً لها أو لنقل أنه كان محباً لها ومن محبي الخروج عن المنهج وقد تعلمت منه
الكثير ومنه عرفت المعنى الحقيقي لتعبير انفعالات الدهماء والمعنى الحقيقي للإمعة بطريقة
طريفة وربما بعض مما أفكر فيه حالياً يعود الى تلك الفترة وأهمها الخروج عن
القوالب الجاهزة.
لكن للأسف لم يرسخ في ذهني من فلسفة التوجيهي إلا أن الغزالي ولد
في طوس وغيرها صفر رغم أننا نجحنا بها بالتوجيهي مع العلم أن الأستاذ حمد كان يحمل
البكالوريوس في الفلسفة ولكن وزارة التربية وتوزيع المعلمين كتب عليه خدمة سنوات
طويلة في المرحلة الابتدائية رغم حاجة المدرسة التي تقع في نفس البلد الى تخصصه
ولم يتذكروه إلا عندما شغر مكان استاذ عندنا ونقلوه رغماً عن ارادته فقد كان يرفض
لأسباب خاصة لديه لتدريس التوجيهي. أو ربما كان قد عُين بشهادة التوجيهي بالمدرسة
الابتدائية وأكمل دراسته بالجامعة عن طريق
الانتساب.
وفي الجامعة درسنا مادة تاريخ الفكر الإسلامي على يدي العلامة
الدكتور فهمي جدعان أمد الله في عمره ولا أدري كيف يمكن لطالب جامعة أن يتخرج دون
المرور بمواد من قسم الفلسفة في الجامعة.
المهم ما وددت الخلاص اليه من موضوع المدرسين أن حب المادة قد يغلب
التخصص اذا دُفن هذا التخصص بغير مكانه كما حصل معنا. لهذا والحديث هنا عن حراك
فلسفي قادم كما سمعت يهدف إلى المطالبة بإعادة
تدريس مادة الفلسفة في المدارس. أنا مع هذا المطلب الحق ولكن بشرط توفير المتخصصين
العاشقين لهذه المادة الفكرية التي شكلت ركناً مضيئاً من تاريخنا الاسلامي الذي
نفاخر به الأمم بوقت ازدهار هذه الحضارة.
كذلك يجب الانتباه لنقطة توفير الفضاء العقلي الواسع لمدرس الفلسفة
ليخرج من دفتي لكتاب، فقد أثبتت تجارب السبعينيات أن معلم الفلسفة الأردني لم ينجح
كثيراً في النقاش لأنه لم يدرس إلا كتب الجامعة لشهادة البكالوريوس والتي كان
معظمها عن طريق الانتساب وهذا يعني أن هذا الشخص لم يشهد أي نقاش فكري. وقد ظهر
هذا جلياً عندما استعانت وزارة التربية والتعليم في المملكة المغربية بالمدرسين
الأردنيين لتدريس مادة الفلسفة والتاريخ واللغة العربية ولم يُكتب لهذه التجربة
النجاح ولم تتكرر؛ ومن قُدّر له العمل مع الأشقاء من المغرب العربي عموما سيعرف
لماذا لم تنجح لأن سقف فكرهم عالٍ جداً ولا يتقولب بقالب هذا يجوز وهذا يجوز حتى
بالسمائل الدينية فقد تعاملنا مع زملاء يحملون شهادة الدكتوراه بالشريعة ولهم
منهجهم العقلي المستقل.
وبما أن القرار سيكون حكومياً بإعادة الفلسفة للمدارس فيجب أن
يواكب الإعلام هذه النقلة فيوفر لها الفرصة للظهور فلن يكون دخولها المجال التربوي
في المدارس أمرا سهلاً. يجب أن يعود إعلامنا للندوات الفكرية التي اختفت منذ مطلع
هذا القرن لوم نعد نرى ندوات إلا السياسية أو الاقتصادية منها؛ لنستذكر مثلاً حلقات المفكر ظافر القاسمي على
شاشة التلفزيون مع كوكبة من المفكرين الذين كانوا يثروا عقل المشاهد بما يتم
تداوله وطرحه من قضايا فكرية.
أنا أؤيد بقوة مثل هذا الطرح وأدعو الجميع للتوقيع على تلك العريضة
إن عرضت عليهم؛ فهذا الإرهاب لا يحارب إلا بالفكر والذي تشكل مادة الفلسفة ميدانه
الواسع.