لغز الخاشقجي ولغز العرب
آخر ما رشح بالأخبار عن موضوع اختفاء الصحفي جمال الخاشقجي
أن السعودية اقترحت وتركيا وافقت على تشكيل لجنة مشتركة للبحث في مسألة اختفاء
الكاتب السعودي الخاشقجي الذي انشغل العالم بلغز اختفائه. وهذا يعني توقف
التحليلات بانتظار نتائج التحقيقات (كما يقال عندنا بالأردن بالقضايا المهمة) وفي
المحصلة النهائية تتوقف كل التكهنات وتبقى المسألة قيد البحث رهن القرار السياسي
في الإعلان عنها أو لا. ولأن التحقيقات
عادة ما تطول فإن المهتمين بالحدث (كما
يحدث عندنا بالأردن أيضا) ينسون الحدث ذاته وينشغلون بغيره؛ فالأحداث كثيرة.
إن موضوعي ليس اختفاء الخاشقجي الذي تصر تركيا أنه دخل القنصلية
وفي نفس الوقت تصر السعودية أنه خرج منها وبين الدخول والخروج لا يبقى إلا احتمال
الرفع إلى السماء كمعجزة لم تتكرر من أيام السيد المسيح عليه السلام، فأنا أيضاً
بانتظار التحقيقات. ما يهمني هو الموقف
العربي من الموضوع نفسه.
لقد اهتم العالم بالحدث وإن كان بدرجات متفاوتة بالقضية
ولكن الملاحظ هو سكون الموقف العربي والكثير من دول العالم الثالث والتي جُلُها إسلامية
أو فقيرة. لقد اختارت هذه الدول أن (تُكبِّر الجي وتروَّق الدِّي) أي تكبر
جمجمتها، وتروَّق دماغها لتعتبره شأنا سعودياً داخلياً أكثر من كونه تركياً. ومن المعروف عن السعودية عدم ترحيبها لا بل
غضبها لدرجة القطيعة واتخاذ الاجراءات الاقتصادية لأي دولة تدس أنفها بالشأن
السعودي الداخلي وما مثال دولة كندا عنهم ببعيد.
هل كانت هذه الدول العربية والإسلامية محقة بهذا الخوف
من تبعات إعلانها ولو على خجل لموقف إنساني حتى لا تظهر أمام شعوبها بأنها بهذا
التردد أو مُناصِرةً لمثل هذا التصرف للدول تجاه مواطنيها؟ هل أصبحت السعودية بهذا
الوزن الكبير الذي يملك العصا الاقتصادية التي يهدد بها من يعاديها باقتصاده تماماً
كما يفعل الرئيس ترامب الذي يملك القوة العسكرية؟ إن أمر السكوت في الدول العربية والإسلامية
أمر مقلق فعلاً، فهل يتضمن الموافقة مثلاً على مثل هذه التصرفات؟ لقد كانت الشعوب تأمل إدانة الحدث نفسه دون
الاشارة للجهة المسؤولة من باب الاحتياط حتى لا تتعرض للمساءلة، فهل هذا كثير؟
وإذا نظرنا للمحور القطري الذي تتناغم فيه قطر وتركيا وإيران
وسلطنة عُمان في مخالفة نهج المحور السعودي لوجدنا ماكنة قطر الاعلامية (الجزيرة)
قد تناولته ببداية الأمر بالتحليل والاتهام وأفردت له اللقاءات والبرامج باعتمادها على
الموقف التركي الذي اعتبر الموضوع مساساً بسيادته باعتباره قد حدث على أرضه وهو
كذلك فعلاً، ثم هدأت الأمور بعد أن أعلنت تركيا موفقتها على لجنة التحقيق، وطويت
الصفحات.
وحتى أكون منصفاً فقد أحببت أن أتأكد من المعلومة فبحثت
بالشبكة العنكبوتية لأرى إن كان هناك موقف عربيٌّ واحد فلم أجد؛ في حين أن هناك
قائمة طويلة تتصدرها الولايات المتحدة ودولٌ أخرى ومؤسسات عالمية، كلها تحدثت عن
الإسراع بكشف الحقيقة ولم تتهم أحداً. هل
استكثرت الدول العربية أن تقف موقفاً كهذا (الإسراع بكشف الحقيقة) حتى لا تظهر
بهذه التبعية؟
ومن باب الإنصاف أيضاً فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي
تغريدات وتغريدات مضادة بين مذيعتين عربيتين إحداهما تعمل بقناة العربية وأخرى
بقناة الجزيرة بعنوان ( ومن نافلة القول) وطبعاً كانت المواقف متناقضة فكل منهما
تبنت موقف قناتها. وخلاف ذلك لم نسمع كلمة بالعربية حول هذا الموضوع باستثناء ما
تدولها رواد الأنترنت كحال المذيعتين. ألا
يخشى مسؤولونا وهم يجوبون العالم أن يوجه لهم سؤالٌ مفاجئ في إحدى المؤتمرات
الصحفية التي يعقدونها عن رأيهم فيما حدث بالقنصلية؟
السؤال المهم الذي يشغل بال المواطن العربي المغترب هو متى
ستنتهي الدول من حوسبة الخدمات القنصلية فلا يحتاج المواطن لمراجعة قنصلية بلاده
ليصدق شهادة ميلاد ابنٍ له فيكون بزيارته قد كتب شهادة وفاته هو!!
ننتظر التحقيقات فقد تظهر التحقيقات ولكن هل سنرى موقفاً
للعرب بعدها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق