الجمعة، 5 يونيو 2020

العلاقة بين سلطنة عُمان ودول الخليج العربي


ينشغل هذه الأيام المهتمون بالشأن الخليجي كلٌ حسب هواه بالتسجيل الصوتي المُسرَّب حول حديث جرى بين العقيد معمر القذافي والوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان عن مستقبل الخليج العربي عمومًا والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. وقد انقسمت الأراء حول هذا التسجيل بين مستغرب أو غاضب كما يحصل عادة بمثل هذه التسريبات، لكن القليل فقط شكك بالتسجيل، وانصب الغضب على كيفية التسريب. شخصيًا،لم استغرب ما سمعت ببداية التسجيل من كلمات (نعم) التي كان يرددها معالي الوزير واعتبرتها محاولة من معاليه وهو السياسي المُحنَّك لتجنب غضب القذافي، فلا ندري في  أي خيمة  كان الاجتماع؛ فقلت بنفسي أن معاليه لا يريد أن يكون موسى الصدر رقم اثنين بعهد القذافي ففضل مجاراة القذافي بأفكاره خاصة أنه قد فرغ من إهدائه خنجرًا عُمانيا ثمينًا. إلا أن الإسهاب في الحديث جعل معاليه يطمئن وربما فتح شهيته للحديث بموضوع البديل للسعودية فتحدث واقترح النموذج الإيراني بديلًا  عن النظام السعوي وتطور الحديث عن تقسيم المملكة، وهذه سقطة لا تُغتفر وهي ربما غلطة الشاطر.  وأقصد بالغلطة ظهورها بالعلن لكن بالنوايا ربما لم تكن غلطة؛ فالرجل يعي ويدرك ما يقول دائمًا.
ومن فوائد مثل هذا التسجيل الذي بثته قناة ظفار الحرة  للمعارض الظفاري العُماني في لندن  أنه ربما كان إنذارًا لدول الخليج لوجوب تغيير نظرتها للسلطنة بحيث يكون التعامل معها بمنطق المثل والنِد أو الانتباه أو الحذر كما جاء بمقابلة الدكتور عبد الله النفيسي عندما تعرض للسلطنة ببرنامج الصندوق الأسود لقناة القبس الكويتية. فالسلطنة كما رأيتُها عن قرب وبعد خدمتي فيها مدة ربع قرن في كلياتها الجامعية يجب أن تكون محط اهتمام الخليج من حيث سياسيتها غير المعلنة؛ فالمعلنة عبَّر عنها جلالة المرحوم بإذن الله السلطان قابوس ذات لقاء بأنه يتمنى أن ينظر إلى الكرة الأرضية فلا يجد عداوة للسطلنة مع أي بلد على وجه الأرض.  وقد صرَّح وزير الإعلام العماني الأسبق من أيام التسعينيات معالي عبد العزيز الرواس أن السلطنة لا تميل للعداوة أو التمحور مع بلد ضد بلد من أجل بلدٍ آخر.  وهنا أراهم يتناغمون سياسيًا مع ما جاء بفيديو يتداوله الناس هذه الأيام على لسان  نيلسون مانديلا  بأنه من أخطاء المحللين السياسين أنهم يعتقدون أن أعداءهم يجب أن يكونوا أعداءنا أيضًا.
من منظوري الشخصي وعند تقييم علاقة سلطنة عمان مع دول الخليج ربما لإعادة النظر فيها للوصول إلى شكل أفضل يجب أن يُنظر اليها من جوانب سياسية ومذهبية واجتماعية؛ وقبل المضي بالتحليل الشخصي أحب أن أؤكد أن عُمان رغم انتاجها النفطي إلا أنها ليست غنية لدرجة الثراء الكبير كباقي دول الخليج فهي تعتمد أو كانت على الدعم الخليجي لتنفيذ بعض المشاريع الكبرى وخاصة المتعلقة بشق الطرق  الطويلة أو الصعبة بين جبالها الشاهقة وربما كان هناك أيضًا غيرها. وسأبدأ بالحديث عن هذه المجالات بشكل تفصيلي كما شعرت به أو رأيته خلال فترة إقامتي الطويلة.
ففي الجانب السياسي أعتقد اعتقادًا قريبًا للجزم أن الأسرة البوسعيدية الحاكمة في سلطنة عُمان هي الأقدم تاريخيًا على مستوى الخليج أو ربما العالم العربي كله؛ فجذورها تمتد إلى القرن الثامن عشر وكانت تسيطر على امبراطورية شاسعة تمتد من بلوشستان بشبه القارة الهندية إلى أواسط افريقيا في زنجبار وكلها تحت العلم العُماني وهذا التفسير لوجود أصول مختلفة يحملون الجنسية العُمانية فيها وأصبحوا وزراء فيها؛ كانت الإمبراطورية العُمانية الكيان السياسي الوحيد في المنطقة الذي جاب أسطوله عرض البحار والمحيطات وطولها حاميًا للحدود وناقلاً للبضائع من الشرق لأفريقيا وبالعكس؛ كانت الأقدم بإقامة علاقات وتوقيع اتفاقيات مع أمريكا، وكانت أساطيل الدول الكبرى تعبر المحيط الهندي تحت العلم العُماني حماية لها. وهم قديمًا أساتذة في علم البحار ولا مجال هنا للإطالة في هذا المجال فهو ليس موضوعنا.  
عندما قَدِمتُ لكلية المعلمين بصلالة 1990 وقفت أمام خريطة للامبراطورية العُمانية القديمة معلقة على جدار المكتبة، فقلت كم ظلم هذا البلد نفسه إعلاميًا عندما لم نكن نسمع بمثل هذا قبل أن أحضر لعُمان. والسبب لإطالتي بعض الشيء بهذا المجال لأعرج منه إلى علاقة عمان مع غيرها خليجيًا من خلال مجلس التعاون الخليجي. أرى أن دولة بتاريخ عُمان لا يمكن أن تقبل (ولو داخليًا) أن تكون مجرد تابعة لدولة كبرى أخرى في المنطقة ولا استغرب أن يكون قد دار في خلد بعض السياسيين فيها أسئلة من قبيل متى سيشعر هؤلاء أننا امبراطوية ومتى سيدركون أننا أثبت منهم وأقدر.  وهنا أريد أن استذكر مع القرّاء على سبيل المثال موقف السلطنة من قرار السعودية (نعم قرار السعودية رغم أنه أخذ صبغة مجلس التعاون لاحقًا؛ فقد كان دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بداية الأمر) بدعوة المملكة الأردنية والمغربية للانضمام لمجلس التعاون الخليجي. لقد سمعت الدول الخليجية بهذه الدعوة من الأخبار مما جعل السلطنة تنتفض بأنها غير موافقة على هذه الدعوة ليس كرهًا بالاردن والمغرب ولكن احتجاجًا على هذا التجاهل لباقي الدول رغم التبرير الظاهري بأن هذا يخالف مبادىء مجلس التعاون، وعندما اقتُرِح بأن يتحول المجلس لاتحاد للسماح بضم الأردن وغيرها قال وزير الخارجية العُماني صراحة أنه إذا قام هذا الاتحاد فعُمان خارجه ولن تكون فيه.  فهل يمكن أن تكون دولة بهذا التاريخ مجرد تابع!! 
لهذا لم تشغل السلطنة بالها كثيرًا بما يسمى العمل العربي المشترك فهي بالآخر تنفذ سياسيتها ولها أجنداتها وتبريراتها ومصالحها، ومن هذه على سبيل على سبيل المثال عدم قطع العلاقات مع مصر 1978  كما فعلت باقي الدول العربية بعد زيارة السادات لاسرائيل؛ وكانت حجتها أن العرب بعد سنوات عادوا لمصر: أي أن سياسيتها هي الأصح؛ وهذا التبرير غير  صحيح، فالعرب عادوا لمصر بعد تغيُّر نظام الحكم واغتيال الرئيس السادات وأصبحت العلاقة مع اسرائيل ضمن معاهدة، ولا يمكن للعرب أن يبقوا على مصر في عزلة فعادوا تباعًا؛ وكان جلالة الملك الحسين رحمه الله أول من استصدر قرارًا بالقمة العربية بعَمَّان بأن العلاقة مع مصر شأن سيادي يخص الدول نفسها، وكان أول من ذهب لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك رحمه الله وكان له استقبال حافل وألقى كلمة بمجلس الشعب المصري.  ولاحقًا حدث أن أقامت  السلطنة أو أعلنت ببداية التسعينيات من القرن الماضي عن علاقاتها مع اسرائيل على شكل مكتب تجاري كما فعلت قطر بنفس الوقت ولا أدري إن كان هذا قبل أوسلوا أو بعدها بقليل ولكنه قطعًا قبل معاهدة وادي عربة. وللحديث شجون في هذا  المجال لكن أشير الى التناغم الدائم بين عُمان وقطر بموضوع العلاقة الخليجية الداخلية وأرى الكويت في الدائرة كذلك مما قد يمهد لحلف جديد أو شكل جديد من أشكال التعاون السياسي ولا أستغرب إن ظهر لاحقًا لأيران دور فيه.  ومن يدري ربما هذا ما قصده معالي الوزير العُماني بمقابلته مع العقيد القذافي.
أما الجانب الثاني فهم جانب مذهبي يقابله مذهب مختلف بباقي دول مجلس التعاون الخليجي.  فمذهب  الدولة الرسمي هو الإباضي وفي مناطق أخرى بالسلطنة الشافعي كما كان في  صلالة التي تننشر فيها أيضا الصوفية وإن كان بنسبة تقتصر فقط على جزء من سكانها يطلقون عليهم السادة نسبة للأشراف؛ وقد كان لي حضور أحيانًا لبعض احتفالات الصوفية بالمولد ومنها احتفال برعاية معالي الوزير علوي  نفسه (وهو من السادة ايضا).  وربما قال قائل وما علاقة المذاهب بالموضوع؟ وله أقول: وهل كانت معظم مشاكلنا إلا لخلافات مذهبية فانظر حولك لترى ما يجري بالعراق واليمن وسوريا. لا تقنعني كل الادعاءات بأنه لا خلاف ولا تكتيكات سياسية في الشرق العربي لا تكون مرجعيتها مذهبية في الكثير من الأحيان، وربما تكون بعض التحالفات السياسية لو أمعنت فيها لرأيت مناكفة مذهبية بالموضوع.  لكن إذا كان الجانب السياسي يمكن أن يتم التعامل معه فإن هذا الجانب المذهبي (مُقفل) وسيطول إلا إذا تحولت هذه الدول إلى دول مدنية وهذه الأمنية ليست قريبة المنال كما تشير المعطيات ولا أريد الإفاضة في هذا الأمر حتى لا أغضبهم مني أو يتهمونني بعدم الوفاء؛ فهم قد يتغاضون عن أي انتقاد إلا إذا لمست الجانب المذهبي. وقبل أن اقفز للجانب الأخير اشير أن المذاهب أيضًا لها أجنداتها وحساباتها وهي بالأخير ستقف مع المذهب الأقرب لها مذهبيًا وهذه إشارة لا تخفى على لبيب.  
أما الجانب الاجتماعي فهو منصهر مع الجانب الاقتصادي.  كما أسلفت سابقًا لم تكن عمان يومًا دولة ثرية كثراء بعض الدول وخاصة في الحقبة التي سبقت حكم السلطان قابوس قبل 1970 لهذا كان الكثير من العمانيين ييتوجهون لدول الخليج الأحرى للعمل بمختلف المهن المتواضعة لهذا كانت نظرة تلك الدول لهم نظرة دونية كجنسيات عربية أخرى تعمل عندهم وأخشى أن هذه النظرة ما زالت موجودة. وبالمناسبة استمر العمانيون بالعمل بدول الخليج بعد النهضة مع اختلاف الحال عن ما قبل النهضة فأصبح منهم المهندسون والمعلمون مثلا في تلك البلاد، إلا أننا مثلاً لم نسمع بإماراتي أو قطري أو كويتي يعمل بعُمان. لهذا يراودهم شعور "متى سيتوقفون عن الاضطرار  وهم دولة بترولية للعمل عند الآخرين! فالعمل عند الآخرين يسلب الأشخاص بعض حريتهم وهو دليل أن حال بلادهم ليست كالبلاد الأخرى." وهذا خلق عندهم الشعور بالغيرة.
ومهما كان من أمر إن اعتبرتَ ما قلتُه سابقًا صحيحًا أو لا، فإن هذا لا يبرر أبدًا أن تصل درجة المناكفة السياسية للتآمر على شقيقة عربية.  إن ما قاله معالي الوزير واضح ولا يمكن أن يُقال عنه مجتزأ أو أخرج من سياقه.  أعرف أن السياسة مصالح لكن ليس لمرحلة الموافقة على تقسيم الشقيق واقتراح التنسيق مع أعداءه.  بالمناسبة لا يشكل دهاء القذافي نقطة في بحر السياسية العُمانية وما كان  لمعالي الوزير العُماني علوي أن يجاري القذافي لولا أن وجد الموضوع في نفسه بعض الهوى.  ولهذا يجب أن أعيدكم وأعيد مجلس التعاون الخليجي لنصيحة الدكتور  عبد الله النفيسي وهو أستاذ العلوم السياسية الجهبذ بجامعة الكويت بأن لا تغفل دول الخليج عن عُمان  فهي ليست سهلة كما يظن الغافلون، ورضاها واجب والتنسيق معها حِنكة سياسية كبرى.  لا تتجاهلوا سلطنة عُمان أو تغفلوا عنها فهي كبيرة وذات وزن سياسي عظيم. ولكم أن تأخذوا ما قاله الدكتور النفيسي على محمل النصيحة أو التحذير فهذا شأنكم.  
اختم بمقولة سمعتها من الرئيس صدام حسين حيث قال عندما عرضت سوريا التوسط بينه وبين إيران "عندما يتعرض الشقيق للاعتداء فمن العار على الشقيق الآخر الوقوف بموقف الوسيط بين شقيقه وعدوه".
دمتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق