ألجواب و ببساطة شديدة (لا) لم
ننفذ بعد، و أخشى أن يطول بقاؤنا فيها. و الحديث هنا عن ما يُسمى "الربيع
العربي" الذي تلفح وجوهنا رياحه كل يوم؛ أي ربيعٍ هذا الذي جلب لنا ريح
السموم فأهلكت الحرث و النسل! نعم إن كان الحديث عن الألوان فإنني أتفق مع من
يقولون أن ربيعنا ليس أحمرا ؛ و لا أقلل من شأن هذا الأمر طبعاً؛ فالإصلاح الذي لا
يحافظ على أرواح البشر ليس بإصلاح أبداً، و أكرر ما قلته دائماً: لأن يتأخر
الاصلاح مائة عامٍ أفضل عندي من أن تُزهق روح واحدة.
لكن السؤال الأهم و الحديث عن الألوان هو: هل
كان ربيعنا أخضرا و دون مضاعفات؟؟ أشك
بهذا. و لمزيد من التوضيح ربما كان من الأفضل النظر كمقدمة إلى حالات الربيع العربي من المحيط إلى
الخليج؛ فمخطىء من يظن أن تسونامي هذا الربيع إنما ضرب الدول الظاهرة للعيان فقط،
فقد كانت له فقاعات في كل العالم العربي، و ربما كان تسليط الضوء هنا أو هناك هو
سبب ظهورها و تضخمها بقوة هنا و ضعفها هناك.
و يبرز السؤال المهم هل كان الهدف من الربيع العربي إسقاط الأنظمة أي
الرؤساء ؟ فإذا كان الجواب بنعم، فما بال هذا الخراب الذي يطالعنا في كل يوم في
الدول التي سقط رؤساؤها؟ هنا تتضح النظرة
الثاقبة و التفسير المنطقي لجلالة الملك عبد الله الثاني بخصوص مفهموم النظام و هو
شمولية الدولة و ليس الأشخاص، فالمطلوب هو الدول ذاتها و ليس الأشخاص.
نتوقف عند الشأن الأردني لنطالع
الصورة المحليه من بدايات هذا الربيع؛ إنبهار بكل ما يجري حولنا فرقصنا له و عيون
الراقصين و المسحجين له (و لا أتحدث عن السحيجة الذين أشار إليهم مراراً الدكتور
أمجد قورشة، فالربيع له سحيجته أيضاً) متلهفة ليكون لها نفس الربيع. مظاهرات و
مطالبات و استجابة فورية لكل طلبات الحراكات ( و أول طلباتهم و أهمها كان العودة لدستور
52) ثم ارتفاع سقف المطالب، فأمنٌ ناعم بالغ في نعومته إلى أن أصبح أنعم من الحرير،
حالات عديدة و متزايدة لفلتان و استقواء على الدولة و على هيبة الدولة، انشتار
المظاهرات و الاعتصامات إلى أن أصبحت موظة و فُرجة؛ نعم فرجة، فأصبح لها معجبوها؛
رفضٌ تام للحوار مع الدولة باعتبارها غير جادة بالإصلاح، و بنفس الوقت لهاثٌ مسموع
و قبولٌ سريع لأي منصب يُعرض عليهم أو على أقاربهم، و ينقلب الحال من المطالبة
بالإصلاح إلى ضرورة التروي و أخذ العبرة مما يجري مع غيرنا و حولنا.
و بين كل هذه المظاهر يبقى
المواطن الأردني الذي لا أجندة لديه يتابع العلاقة بين السلطتين التنفيذية و
التشريعية و هما محور الإصلاح الذي ينشد بعين الدهشة. فهو تفهّمَ الضغوط على الحكومة بالرفع الاول
للمحروقات و وضع يده على قلبه خوفاً من إنهيار الدينار، و طمعاً في أن نضع قطار
الإصلاح الاقتصادي الشامل على السكة الصحيحة، و لغاية اليوم ما زال هذا القطار لم
يجد السكة الصحيحة ليكون عليها، و الخوف على الدينار ما زال قائماً رغم رفع الدعم
و رغم الضرائب التي أصبح ينتظرها المواطن كل يوم. و أصبحت جملة " لا نية لدى
الحكومة لرفع الدعم عن المادة الفلانية إشعاراً بقرب الرفع، و جملة لا ضرائب هذا
العام تهيئة لضرائب لا تنقطع بشهر يناير من العام الذي يليه. و الغريب أنه و رغم
كل هذه الإجراءات القاسية فإننا لا نرى أثراً ملموساً لها إلا ارتفاعاً مرعباً
للمديونية التي ترتفع على البلد بشكل مضطرد مع كل رفع حكومي للأسعار؛ وكان آخر الأخبار
وصولها الى سبعة عشر مليار دينار أردني بدون الفراطة.
يتابع المواطن كل هذا و يُنفّذ
تعليمات الحكومة بشد الأحزمة و توجيهات خطباء المساجد بالتقشف و الإقتداء بسنة
النبي المصطفى بوضع حجرٍ على بطنه الشريف، و النصائح الطبية بضرورة المشي و تخفيف
الأكل؛ لكنه مع هذا لا يرى التقشف بالحكومة نفسها؛ فسياراتها الفاخرة بازدياد، و
مصاريفها كما لو كنّا دولة خليجية، و لم نعد نسمع بقرارات حكومة دولة السيد سمير
الرفاعي باقتطاع 20% من رواتب الوزراء لصالح صندوق الفقير، بل لم نعد نسمع
بالصندوق نفسه. لم نسمع بقرار _ رغم
لهفتنا لذلك _ يلزم الوزراء بالسفر على الدرجة السياحية مثلاً كما فعل الدكتور
محمد نوح القضاة مثلاً. لا نجد أي أثر
لهذا كله على أصحاب المعالي أبداً، إلا إذا كانوا يعملون بالخفاء طمعاً في الأجر و
الثواب. لماذا لا يشاركنا أصحاب المعالي
مثلا شد الحزام؟
شارك المواطن الغلبان بالعملية الديمقراطية
الانتخابية النيابية، و لم يستمع لكل الدعوات المناهضة بمقاطعتها، و لم يأخذ
بنصائح بعض الكتاب بأن يشتري دلو لبن و لحم و يذهب ليهش و ينش و ينسى الإنتخابات؛
ذهبَ و انتخبَ رغبة منه في الوصول لبرلمان الشعب ليمثله، و لم يكن هدفه أن يكون
مجلساً مناكفاً للحكومة و لنفسه. يشعر كل مشارك بالانتخابات بالخجل و يتكور على نفسه عندما يشاهد على
التلفزيون مظاهر العنف اللفظي و الحركي من أصحاب السعادة، و لا يقتنع بالتبريرات
النيابية أن هذا يحصل بكل برلمانات الدنيا. برلمان يلحق بعضه بعضاً بما طالته
الأيدي و لا يحرك نظامه الداخلي ساكناً لتبييض وجهه أمام ناخبيه إلى أن وصل الأمر
لإطلاق النار. و هنا أقول حيا الله جلالة الملك، فلولا تدخل جلالته لما حدث شيء و
لمرت الحادثة كما مر غيرها و تم لفلفة الأمر بجاهة كما جرت العادة.
يعُضّ المواطن على شفتيه حزناً و
ألماً عندما يرى المجلس يمرر الرفع تلو الرفع و الضريبة تلو الضريبة التي تُقتطع
من لقمة عيش أبنائه ثم يراهم أسوداً في الدفاع عن رواتب تقاعدهم، و هنا لا بد من
الإشارة إلى أن جلالته رد قانون التقاعد المدني لهم ليناقشوا كل القانون لكل
الموظفين من الآذن بمدرسة الرويشد إلى أكبر منصب. و لم يكن ببال جلالته أن يرجعوا
لتقاعد النواب؛ و الأمل معقود أن يُرد هذا القانون مرة أخرى. إن أسوأ ما في هذا الأمر أن أصحاب السعادة
يتهموننا بعدم فهم ما كان ببالهم و هو تخفيض راتب الوزير و ليس رفع رواتب النواب.
كيف يريدوننا أن نصدق هذا و هم يحدثوننا عن الحقوق المكتسبة لبعض النواب بالجمع بين الراتبين فلا يقربوها و بنفس الوقت
يريدون أن ينقضّوا على الحقوق المكتسبة للوزراء.
نتيجة لهذا الوضع أصبح عندنا في
الاردن حالة عدم ثقة مبررة بين الأطراف كلها و هذه لا تطمئن المتابع للربيع
الأردني: فالحكومة لا يعجبها
الشعب لأنه كثير الشكوى و التذمر، والشعب لا تعجبه الحكومة لأنها لا ترحمه؛
و كلاهما غير معجب بمجلس النواب، و النواب لا يعجبهم الإعلام لأنه يبرز أخطاءهم و يُغفل إيجابياتهم
..... الخ. الخ. فالقائمة تطول و تتجه
خطوطها باتجاهات متفرقة و لا تتقاطع أبداً، و محورها تبادل الاتهامات بأن الأطراف
الأخرى هي من تعطل الإصلاح المنشود.
و إذا أضفنا الى كل ذلك هذه
الموجات المتلاحقة من اللاجئين فإننا سنخلص إلى أن رياح الربيع ما زالت تضربنا في
الأردن بقوة رغم كل محاولات الدولة الصمود بوجه هذا الإعصار؛ تهزنا بعنف، متأثرة
بكل ما يجري؛ و العدو ينتظر تهاوينا لتمرير مخططاته، و القريب ينتظر ضعفنا لنأتيه
راكعين ساجدين مسبحين بفضله الدائم كما ورد بتراثنا واضعين عُقُلنا (جمع عقال)
برقابنا معترفين بذنوب لم نرتكبها راجيين السموحة و طامعين بوصّلِهِ القادم.
لست متشائماً، و أشعر بالفخر لعدم
سقوط أي قتيل أردني بهذا الربيع، و أفاخر الدنيا ببلد الأمن و الآمان،و سأفاخر
الدنيا أيضاً إن استطعنا الخروج من عنق الزجاجة إياه؛ و لكني أيضاً أرى أننا ما زلنا في فيها و لم نخرج
منها بعد، و الوطن كله أمانه في أعناقنا جميعا.
وفي الختام لا نملك نحن المواطنين إلا الدعاء
لله بأن يحمي هذا البلد من كل سوء و يحبط كيد أعدائه داخلياً و خارجياً إنه سميع
مجيب الدعاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق