الحراك المفقود
حراك سيادة القانون
منذ بداية فترة
الربيع العربي و الحراكات بأنواعها
المختلفة و أعدادها الغفيرة بعرض الأردن و طوله تركز على موضوعٍ واحدٍ كشفت عنه
بالفترة الأخيرة من الحراك ألا و هو سلطة الشعب، و عودة السلطة لصاحبها ألا و هو
الشعب. و كان يصاحب كل هذه الحراكات (بغفلة أو تراخٍ من الحكومة و الحراكات) تراجع
اقتصادي و ارتفاع في المديونية و تراجع بتطبيق القانون، و هذا تطور إلى فلتانات
أمنية، و انتشار للأسلحة و تنوعها بين الناس، فأصبحنا نسمع بأنواع لم نألفها من
قبل، و لوحظ عدم التردد باستعمالها إلى درجة
وصلت الى بيت السلطة التشريعية ممثلة الشعب، و لم يجد الناس حرجاً باستعمالها بوجه
أقاربهم بالنسب و الدم؛ حالةُ تردي أمنية غير مسبوقة إذا استثنينا الفترة بين 1967
– 1970. لم يعد هناك كبيرٌ يسمع الناس قوله
و يمتثلون بأوامره إذا صاح المنادي حي على
السلاح.
كل هذا و أصحاب
الحراكات مشغولون بالمطالبة باسترجاع سلطة الشعب متناسيين الشعب نفسه. فالشعب الذي
يسعون لقيادته ( فهم طبعا يرون أنفسهم فقط قادة للشعب) يجب أن يكون آمنا أولاً،
فالأمثلة كثير عند من حولنا بموضوع الأمن. لم نسمع أو نشاهد أي شعار يُرفع أثناء
الحراكات ينادي بالأمن الاجتماعي للناس،
بل على العكس ربما رأى البعض في هذا الفلتان فرصة لرفع الشعارات العالية بما أن
السقف لم يعد موجوداً.
تنتفض الحراكات
كلها و تعتصم و تتظاهر إذا أعتقل شخصٌ من الحراكيين و يهددون بالويل و الثبور و
عظائم الأمور إن لم يُطلق سراحه، و تساندهم العشيرة بذلك فزعة لزلمتها، و لكنهم لا يقيمون اعتباراً و لا
يحركون ساكناً إن قُتل شخص و اشتعلت الفوضى بين منطقتين، و كأن الأمر لا يعنيهم إلا بالقدر الذي يمررون فيها بعض أجنداتهم فقط بالتحريض
على الدولة؛ و من المفارقات أنه و رغم كل هذا الذي نسمع من استقواء على القانون و
الدولة من قبل البعض، ما زالت هناك شعارات تُرفع ضد الدولة و يتهمونها بالقبضة
الأمنية و يطالبون برفعها!!!! و لا أدري ماذا سيبقى إن رفعوها.
و حتى نكون
متوازنين بالطرح يجب عدم إغفال دور الدولة بهذا الوضع عندما سعت لاسترضاء الحراكات
و خطب ودهم و ربما التباهي إعلامياً و عالمياً بالأمن الناعم الذي بالغ في نعومته حتى وصل
الأمر للهجوم على الشرطة ممثلة القانون. و إذا كان للدولة عذرها بهذا النوع من
الأمن ببداية وهج الربيع لامتصاصه، فلا عذر لها
بعد مرحلة النزول من نقطة الذروة (climax ) لهذا الحراك ليتستمر الأمن الناعم و تستمر معه
مظاهر العنف الاجتماعي في كل الأردن.
تتجه عيون كل
الأردنيين من شماله إلى جنوبه إلى الحكومة لإصدار قانون يمنع حمل السلاح و
اقتنائه؛ هناك شغف كبير لاقتناء الأسلحة كنوع من الدفاع عن أنفسهم كما يبررون ذلك،
و لهذا فهم يتهمون الحكومة ضمنياً بالتقصير في هذا المجال. و بصراحة أجد أننا نقترب شيئا فشيئا من النموذج
اليمني في هذا المجال و لا أستغرب إن سمعت أن بعض المناطق تمتلك سيارات مصفحة، و
لا أدري فربما تكون موجودة فعلا.
نقدّر للدولة
حفاظها على أرواح المواطنين بالحراكات حيث لم تزهق روح أردنيٍ حراكيٍ طيلة فترة
الربيع، و لكن هناك أرواحٌ أخرى أزهقت لرجال الأمن العام حماة الحراكيين، و هم
مأمورون بعدم إطلاق النار، و هناك أرواح ذهبت قتلا بالمشاجرات نتيجة التراخي
الأمني؛ فمن لهؤلاء الأبرياء؟ ألا يُعتبر هؤلاء
الأبرياء موطنون أردنيون أيضاً، لهم الحق بأن نحافظ على أرواحهم بنفس القدر الذي
نحافظ فيه على أرواح أصحاب الفضيلة أو الرفاق.
تتجه عيون
الأردنيين إلى الدولة لحمايتهم من عواقب اقتناء الأسلحة، و إصدار القوانين اللازمة
لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يحظى هذا القانون باهتمام أصحاب السعادة النواب ليقروه؛
فهذا القانون يتقدم على كل القوانين بما فيه قانون التقاعد النيابي و ليس المدني.
نريد الحرية، و
نريد اقتصاداً مزدهراً، و نريد التخفف من أعباء المديونية، و لكننا قبل هذا نريد الوجه الآخر للأمن و الأمان
وهو أن نكون آمنين في سربنا على أقل تعديل بما أن موضوع قوت
يومنا فيه قولان هذه الأيام. نريد لهذا الوطن أن يكون وطن الأمن و الآمان و
سيادة القانون.
كل عام و الوطن
بأمن و آمان من كل الجوانب.
كل عام و أنتم
بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق