الخميس، 22 مايو 2014

التعايش أم العيش الإسلامي المسيحي الأردني؟


التعايش أم العيش الإسلامي المسيحي الأردني؟
تتصاعد وتيرة الحديث عن ما يسمى بالتعايش الإسلامي المسيحي بالأردن كلما حدث هناك أمر مسيحي كما هو الحال هذه الايام و الأردن يستعد لزيارة قداسة البابا له، أو بالمؤتمرات الدينية.  و في الحقيقة أنني ما ارتحت يوماً لكلمة التعايش هذه، فهي لغوياً و إن كان ظاهرها يحمل الخير إلا أن تركيبتها تعني الفصل بين مكونات المجتمع الأردني الذي طالما تغنينا بوحدته.  و حتى أستوضح الأمر بحثت عنها بالقواميس فوجدت نفس المعنى تقريباً إلا أنني فهمت بعداً آخر لها و هو التشارك بين فئتين أو حزبين أو مذهبين أو دينين يُفترض أنهما على طرفي نقيض، إلا أنهما و حرصاً على مصلحة المجتمع فإنهما يتعايشان، و لا أدري طبعاً إلى مدى سيتعايشان هذا التعايش المبني على القسمة و التقسيم.
أريد أن أستذكر مقولة للمرحوم جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه عندما قيل أمامه في أحد المؤتمرات الدينية لمؤسسة أل البيت أننا نريد الرجوع للإسلام، فقال جلالته  نحن نريد أن نتقدم للإسلام لا الرجوع إليه، فالإسلام سبقنا بقرون و نحن تأخرنا عنه.  و هنا أقول نريد أن نتقدم لبدايات تكوين هذه الدولة أو ربما  قبلها لأسأل هل منا من سمع من أجداده عن مثل هذا التقسيم الذي نسمع عنه هذه الأيام؟ 
لقد كان الإخوة المسيحيون منتشرين في معظم قرانا الأردنية مزارعين وتجاراً و أصحاب حرف، و لم تكن تميز هذا عن ذاك فالكل يسعى في مناكب الأرض بحثاً عن لقمة عيشه، و يعبد ربه آخر اليوم  بمسجد أو بكنيسة و باقي الأوقات أخوة متحابين يتقاسمون الماء و الهواء و شظف العيش و يسهرون (يتعللون) سوية على سطوح بيوتهم على ضوء القمر.  فما الذي حصل ؟ و كيف أصبحنا نسمع عن هذا مسيحي و هذا مسلم؟
و عند البحث عن سبب مصائب الأمم  تجد أن السياسية هي وراء كل همومنا. و قد بدأت قضيتنا هذه بضرب العيش الواحد الإسلامي المسيحي  في هذه المنطقة عند بداية نشوء دولة الكيان الصهيوني بوعد من بريطانيا. و للأسف كان يشار إلى بريطانيا بالدولة النصرانية؛  و من المحزن أنه تم توظيف البعد الديني في هذا المجال لإلهاب عواطف الناس من أجل الجهاد في فلسطين. و هذا كان أول الطريق المظلم.  لقد نسي الجميع أن بريطانيا عندما وعدت الصهاينة  و أنشأتها لم تكن بريطانيا النصرانية و إنما كانت بريطانيا الإستعمارية. و من ذلك الوقت نشأت الحراكات الدينية و المذهبية و كل حركات التحرر في هذه المنطقة و لعبت على كل شي بما فيها التقسيم الديني هذا.   
هنا يطيب لي أن أستذكر بعض الإخوة المسيحيين الذين عرفتهم ببداية ظهور النت و على موقع البالتوك، و أستذكر معهم و هم المغتربون عن وطنهم كيف أنهم كانوا ينتفضون غضباً إن سمعوا أن هناك غرفة  معينة يشتم بها الأردن و قيادته، فكانوا يرسلون لنا الرسائل لنتوجه هناك من قبيل النخوة و الواجب بصيحة ( عليهم يا شباب) فنذهب و نعلمهم أن الأردن له من يدافع عنه في هذا الفضاء الالكتروني.  كانت أغانيهم تراثية أردنية و لهجتهم من قراهم ما غيرتها أمريكا؛ و عندما ينوون الزواج يممون وجههم شطر الأردن؛  هل يخلو بيت من بيوتهم من الجميد؛ و هل منهم من نسي المنسف؛ و هل نسوا الأردن يوماً فلم يحتفلوا بأعياده الوطنية التي كان يغطيها التلفزيون الأردني أيام العز.  و الحديث يطول كثيراً لو تركنا للقلم العنان، مع الاعتذار طبعا للأصدقاء المسيحيين غير المغتربين.

بالعودة إلى الموضوع أتمنى فعلا أن نتقدم الى الماضي و نلغي من قاموسنا كلمة التعايش و نستبدلها بكلمة لا تحمل معنى التقسيم و التشرذم لتصبح العيش بدلا من التعايش؛ فنحن أصلا كنت نعيش  قبل أن نتعايش.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق