الإعلام بين
الحقيقة و التهويل
قرأنا قديماً في
أخبار الغزوات و الحروب عن أهمية و خطورة تناقل الأخبار المفزعة في العمل على
إضعاف العدو و تجهيزه للهزيمة عندما يحضر العدو، فينتصر بأقل الخسائر. و نذكر هنا
على سبيل المثال لا الحصر أن الأخبار التي كانت تسبق المغول بأنهم جيش خارق لا
مثيل له بالقوة و بشاعة الفتك بأعدائه و التمثيل بهم كان لها أكبر الأثر في هروب
الجيوش قبلهم إلى أن احتلت المشرق بما فيه؛ و كان من ضمن هذه القصص مثلا أن الجندي
المغولي كان إذا عطش ينزل عن جواده و يقطع شريان جواده فيشرب من دمه ثم يضمده و يتابع
سيره. و طبعاً
ظهروا في عين جالوت أنهم كباقي خلق الله.
و في التاريخ
الحديث و عند بداية الصراع العربي اليهودي في فلسطين هاجرت الناس من منازلها؛ و
عند وصولهم لمناطق آمنة يتم تقديم الطعام لهم من القرى المضيفة لهم. و يتم الحديث
من بعضهم عن قوة اليهود و خلو الرحمة من
قلوبهم بأنهم يقتلون الأطفال و يبقرون بطون النساء و يعتدون على الأعراض؛ و منهم
من كان يتطوع للإخبار أن اليهود قاب قوسين أو أدنى؛ فيهرب الضيوف مرة أخرى مصحوبين
بمعازيبهم إلى مناطق أخرى خوفاً من اليهود؛ و يتكرر الحدث مرة بعد مرة و يزداد
أعداء اللاجئين و يقل أعداد المعازيب، و يتم تفريغ الأرض ليستولي عليها اليهود.
وهذا مُثبت باعترافات بعض مؤرخي القادة
الفلسطينيين أنفسهم على الجزيرة، و جاء الدكتور وليد سيف على ذكره بالمسلسل الرائع
" التغريبة الفلسطينية". و لهذا
لم يستسلم الفلسطينيون لمثل هذه الشائعات في 1967 فثبتوا و اختلف الوضع.
هذه الأيام يلعب
الإعلام و بأساليب أكثر حداثة نفس اللعبة التي لعبها ناقلو الأخبار سابقاً. و ها هم يقدمون لنا داعش بنفس الطريقة إلى أن
كبرت و ترعرعت لتصبح من القوة بأن تهرب
أمامها الجيوش و تُهدد الدول سواء من دخلتها أو من تهدد بدخولها. طبعا لستُ هنا للحديث عن داعش نفسها و لكني
بصدد الحديث عن هذا الدور الإعلامي الذي أصبح يلهث وراء ما يسمى بالسبق الصحفي أو
الإعلامي دون توخي الدِقة أو الأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية للبلد بعدم نشر
الأخبار المفزعة.
إن موضوع
المصلحة الوطنية يجب أن يتقدم على موضوع السبق الصحفي عندما يتعلق الأمر بأمن الأوطان؛
إن أمن الأوطان يتقدم على الحقيقة. و هذا ما هدفتُ إليه سابقاً في مقالي قبل ثلاث
سنوات بعنوان " حافظ الميرازي الأردني"
على هذا الموقع الكريم. و من
المؤسف له أن ننشر الخبر ثم يأتي تكذيبه أو نفيه من قبل الجهات المعنية مع الطلب
بأن تكف المواقع عن نشر هذا أو ما يُعرف بتوخي الدقة بالنشر دون مسؤولية
يتحملها ناشر الخبر و كأن الأمر يتعلق
بخبر بارتفاع سعر الخُبّيزة أو انخفاضه.
قبل أيام كان
خبر إسقاط الطائرة بدون طيّار، و رغم أن الخبر كان من الجيش نفسه إلا أنه خرج
علينا من يقول و لكن لم يُعثر على أثار الطائرة؛ يعني يريد حضرة الإعلامي أن يُحمَل
في سيارة ليشاهد بأم عينه حطام الطائرة. و
أمس تناقلت المواقع خبراً (نفاه الجيش) عن اختراق الحدود من طائرة سورية.
رجائي لهؤلاء
الإعلاميين (بين عشرين قوس) أن يتريثوا قبل النشر أو أن لا ينشروه إن كان فيه
تهويل أو تخويف للناس. هل هم مع الوطن أم
عليه؟ أيُّ مصلحة للوطن من تتبع الأخبار
هذه و نشرها إلا إخافة الناس و ترويعهم و هم يروون بأم أعينهم ما يجري حولهم..
حسناً فعل الجيش
بالتهديد بتحويل ناشري هذا الأخبار لمحكمة أمن الدولة، فنشر هذه الأخبار بهذه
الطريقة يتوافق مع ما يهدف له العدو مباشرة و إن كان غير مقصود. فهل نكون عوناً
للعدو على بلدنا لمجرد زيادة عدد زوار المواقع للتنافس مع المواقع الأخرى؟؟
هل تريدون للناس
أن تحمل (هدومها) و تنحزح عن أراضيها؟ أو حتى بدون (هدوم)؟
كان الله في عون
الوطن و الجيش، فمهتهم صعبةٌ جداً في مواجهة مثل هذا الإعلام لأنه عندما يتوفر لهذا
الإعلام اليوتيوب و مواقع تواصل اجتماعية كالتي نشاهد تصبح مهمتهم أصعب لأن تسويق
مثل هذه الأخبار يُصبح أسهل من شرب الماء على العطشان.
حمى الله الوطن
و رد كيد أعدائه إلى نحورهم.