الأردن و عُمان حكاية حب أزلية
العلاقة بين سلطنة عُمان و المملكة الأردنية الهاشمية
حكاية حب لا يدرك معناها و لا يسبر غورها إلا الراسخون بالعشق. هذه العلاقة التي اتخذت من استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان طيلة هذه السنوات ضاربة
جذورها في النهضة المباركة الأردنية العُمانية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. حكاية أنار شعلتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم و أخوه
المرحوم جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه، و سار على دربه جلالة الملك عبد
الله الثاني بن الحسين المعظم أطال الله في عمره. و هم من آمن بأن الإنسان في
البلدين أغلى ما يملك البلدان، فتعاونوا على البِر بالإنسان رعاية و تعليماً و
تثقيفاً و رخاء. حكاية ارتأى لها موقدو
شعلتها أن تكون بعيدة عن ريح الإعلام حتى لا تنطفئ، و حتى يبارك الله بها فتثمر أخوَّة
ندر أن تجدها بين أي بلدين بالعالم العربي؛ و للقارئ أن يدحض هذا الكلام إن وجد
علاقة تفوقها في المتانة بين أي قطرين عربيين؛ فالعلاقة بيننا تجازت البرتوكولات و
الرسميات لتكون حيث ديمومتها إن شاء الله بين الشعوب.
لهذا فعلاقتنا لم تكن بنت الساعة و لا وليدة اليوم فقط
أو ردة فعل لمناسبة معينة تظهر و تحتفي. لم
نكن نحن الأولين على أرض السلطنة و لن نكون الأخيرين بإذن الله؛ فالسلطنة بلد خير و مقصد الجميع. و عندما أعود
بالذاكرة سنوات طويلة إلى الخلف أتذكر أنني سألتُ عن عُمان قبل القدوم هنا فسمعت
كل الخير؛ و عندما أحدّث أحد الأصدقاء هذه الأيام على الفيس بوك عن عُمان أجده قد
سبقني بالقدوم إلى عُمان، أو زامنني بالقدوم رغم أننا لم نلتق. و يجمع كل من زار
عمان أو أقام فيها مدة طالت أو قصرت عن نقاء عمان شعباً و أرضاً و مناخاً؛ و من
قُدِّر له القدوم هنا لا يرغب بمغادرتها مطلقاً إن سمحت له الظروف طبعاً. فالكل
يتحدث عن طيبة الشعب و قربه من عاداتنا و تقاليدنا، مما يجعلنا نشعر بالأمن و
الأمان و ندعو الله أن يديمه على هذا الشعب الطيب. و عند الحديث عن الأمور المالية
يجمع الكثيرون على بركة الراتب هنا، فالحياة هنا لا مجال فيها للتبذير و أو ما شابه ذلك من أمور
تستنزف رواتب الموظفين كما نسمع عنه بدول أخرى.
و عندنا تجمعني الظروف بأحد الإخوة العُمانيين هنا و
خاصة كبار السن منهم، يسألني من أي المناطق بالأردن، لإتفاجأ بأن هذا الشخص يعرف
الكثير عن الأردن و بعض عائلاتها و يحدثني عن المنسف الأردني و يخبرني ضاحكاً أنه
أكل المقلوبة ليعرف فقط " كيف يكون الأكل مقلوباً و لماذا هي مقلوبة"
مستغرباً من اسمها. و لهذا نحرص كجالية
أردنية مقيمة على هذه الأرض الطيبة بالمشاركة في كل المناشط العُمانية على كل
المستويات بما تسمح به القوانين؛ و يشعر الجميع بأن هذا هو أقل القليل مما يمكن أن
يُقدم بمثل هذه الأمور.
هذه الأيام تحتفل السلطنة العزيزة بالعيد الوطني الرابع
و الأربعين الذي دشنه صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم بكلمةٍ لامست قلوب كل من
سمعها على أرض السلطنة مواطنين و مقيمين من مختلف الجنسيات قبل أن تلامس آذانهم، و
لولا ما بثته كلمات جلالته في النفوس من تشجيع و طمأنة لها على نجاح الفحوصات
الطبية لجلالته لرأيت الناس يبكون بالشوارع؛ فهذه هي المرة الأولى فيما أعلم و أنا
الذي حضر العيد الوطني العشرين بالسلطنة أن احتفلت عُمان بالعيد الوطني و جلالته
خارج السلطنة للظروف التي يعلمها الجميع.
أي حب هذا الذي يربط جلالته بنا! هل هناك حب يشابه هذا الوفاء الكبير
للقائد من شعبه الوفي!
و كلما أطل صاحب الجلالة السلطان قابوس بطلته البهية بكل
مناسبة و التي عادة تُتوج بالأعياد العُمانية بالعيد الوطني بالثامن عشر من شهر
نوفمبر المجيد، يستذكر الأردنيون المقيمون على أرض السلطنة العزيزة أخا صاحب الجلالة جلالة الملك الحسين بن طلال رفيق درب جلالته في
مسيرة العطاء العُمانية الأردنية المشتركة، فيدعون لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن
سعيد بالعمر المديد و لجلالة الحسين بالرحمة، خاصة أن هذه المناسبة تصادف أيضا
ذكرى ميلاد الحسين رحمه الله.
و إذا سُمح لي أن أستذكر بعض الذكريات هنا في صلاله
لأكون شاهداً على تطور هذه المنطقة خاصة و أنني في صلاله منذ سبتمبر 1990 لهذه
الأيام، فإنني أود البدء بالكلية التي عملت بها و التي كان اسمها الكلية المتوسطة
للمعلمين بصلاله، فأذكر أنها كانت محدودة العدد موظفين و طلاباً و كانت عبارة عن
بنائين فقط الأول منها للإدارة و المحاضرين و قاعات الدراسة و المكتبة و البناء
الثاني سكناً للطلبة القادمين من الشمال أو المناطق البعيدة و مطعماً لتقديم
الوجبات الغذائية لهم، إضافة للمسجد.
و كان الهدف الأول هم الطلبة لتأهيلهم ليكونوا مُدرسين
عُمانيين ناجحين بغض النظر عن الحسابات المالية أبداً، و قد عدد المحاضرين يفوق النسبة المعتادة بين المحاضرين و الطلبة
في مؤسسات التعليم العالي العالمية. فعندما تكون الأهداف كبيرة لا يهم ما يصرف من
مال. تطورت هذه الكلية ليصبح البناء أبنية
متعددة؛ و تصبح المكتبة مركز مصادر مستقل؛ و تطورت التخصصات لتصبح موائمة للعصر و
الحداثة.
و تنطبق نفس الحالة على الكلية التقينة حيث أعمل الآن.
فقد كانت بناء واحداً يقتصر القبول به على طلبة الاعدادية لتأهيلهم مهنياً، فتحولت
إلى كلية و تطورت البرامج و تنوعت بحيث أصبحت تمنح البكالوريوس، و ظهرت الأبنية
الحديثة الحديثة المجهزة بأحدث المختبرات عِوضاً عن الأبنية القديمة إياها. أما
أعداد الطلبة فلك أن تتصور أنها بالآلاف في حين أننا بدأنا بالمئات أيام زمان.
و الحديث يطول و لا يمكن الإلمام بجميع مظاهر النهضة
بالعقدين السابقين، لكني أحب أن أعرّج على جانب آخر و هو الجانب الصحي. فأذكر أنه
لم يكن بصلاله الا مستشفى السلطان قابوس الذي تضاعفت تخصصاته و مساحاته و أبنيته
بعد أن نشر المراكز الصحية العديدة بكل المناطق
للتخفيف من تزايد أعداد المراجعين. ناهيك عن انتشار العيادات و المراكز و
المستشفيات الخاصة بصلالة.
لهذا نتوجه إلى الله جلت قدرته أن ينعم الله بالصحة و
العافية على راعي النهضة العمانية و قائد مسيرتها و ملهمها صاحب الجلالة السلطان
قابوس بن سعيد، و أن تسعد عُمان بعودته سالماً معافى بإذن الله.
و نتوجه بالتهنئة الكبيرة لهذا البلد العزيز على قلوب
الأردنيين جميعاً بهذه المناسبة داعين الله أن يديم نعمة الأمن و الآمان على هذا
البلد الطيب ليزهو بين أشقائه العرب متباهياُ بنهضته و مستقبله، تماماً كما يفخر
بتاريخه المشرف على مر العصور الذي صنعه الأجداد من عُمان و سطّره التاريخ بأحرف
من نور.
كل عام و أنتم بخير
يا أهلنا الطيبين.
أرجو المعذرة إن كان في الأمر إطالة، أو تقديم ما يجب أن
يتأخر، أو تأخير ما يجب أن يتقدم؛ فالحديث عن عُمان له شجون و شجون، و لا يمكن
إخضاعه لقوانين الكتابة و قواعدها. لكني
حاولت ما استطعت الاختصار؛ أما باقي حكاية الحب الأردني لعُمان فهي في كتاب سيظهر
هذا الصيف إن شاء الله يحمل عنوان " الطريق إلى صلاله"؛ بُحت فيه بكل
شيء و بقي في النفس الكثير، فالأسرار بين
المحبين ...... يا كثرها.
كل عام و أنتم بخير
كل عام و نحن جميعا بخير.