البَرَكة وجنى وأخواتها
في حكايا التراث
يقال والعهدة على الراوي أن إحداهن اشتكت لشيخ درويش ممن
يسيرون على نهج الصوفية (ومعظم شيوخ زمان كانوا صوفيين) اشتكت بأن العائلة وأثناء
جلوسهم للإفطار صباحاً سمعوا صوتاً يشبه
صوت صب القمح خلف الكوارة (مكان حفظ القمح) فتهيأ لهم أن الكوارة فُتِحت والقمح
يخرج خارجها. فتسابقوا صائحين( يا ساتر!
شو بي؟ اركضوا) وعندما وصلوا للكوارة لم يجدوا أثراً للقمح، و أن الكوارة
سليمة ولا عيب فيها؛ فتحيروا مما سمعوا و لكنهم لم يحدثوا بالأمر حتى لا يتهمهم أحدٌ بالجنون.
عندما سمع الشيخ هذه الرواية ضحك ضحكة العارف بالأمر،
وقال للمرأة بعد أن وكزها بعصاه " هاي الكوارة بوركت يا هبيلة" طبعا
كلمة (هبيلة) لم تحمل معنى الشتيمة، ولكنها من باب المداعبة الدينية عندما يمازح الشيخ أحد أصحاب القلوب البيضاء؛
وهنا وفي هذا المقال كانت لتقول للمرأة أنها لم يكتمل علمها بأسرار وبواطن هذا
الأمر الديني بعد.
وعندما احتجت و أرادت المزيد من المعرفة قالت: (طيب) لماذا
توقف الصوت وطارت البركة؟
قال: لأنكم ( حكيتوا) والمفروض أن تبقوا ساكتين. فتندمت المرأة على كل صوت صدر منهم أثناء
البوركة.
فقال الشيخ معقباً: دائما "أعطوا البركة نَصْتِه"؛ أي أنصتوا عندما تسمعوا صوت بوركت الأشياء.
لسنا هنا طبعا بصدد الحكم على مثل هذه القصص التراثية
التي أعشق الحديث فيها مع محبي التراث على صفحة تراثيات بالفيس بوك؛ لكننا بصدد
فكرة الإنصات و عدم الثرثرة بمواقف يتوجب فيها العمل أكثر من الكلام.
أتذكر هذه القصة ومنذ زمن بعيد وليس هذه الأيام فقط. فقد درجت العادة أنه كلما هبت على بلدنا مواسم
الخير بفصل الشتاء من أمطار أو عواصف
مناخية لن تكون العاصفة (جنى) آخرها حتى يكثر الحديث والتحليل. فما أن تهطل (زخة) مطر حتى يبادر التلفزيون
ووسائل الإعلام الأخرى بمقابلة هذه المسؤول أو ذاك ليحدثنا عن الآثار الإيجابية
لهذه الزخة المطرية ؛ فهذا يحدثنا عن مخزون جيد من المياه الجوفية؛ و آخر يعدنا
بموسم زراعي خير على خير؛ و ثالث يبشرنا بامتلاء السدود بالمياه. هذه الأيام و بعهد العواصف الإعلامية ( على وزن
العواصف المناخية) زاد الأمر عن السابق، فأصبحنا نسمع عن الاستعدادات المسبقة
لمواجهة العاصفة. والكل يعلن عن جاهزيته ويصبح الأمر كأنه كرنفال إعلامي يتسابق
المسؤولون للحضور الإعلامي حتى وصل الأمر للحديث عن استعدادات وزارة السياحة للعاصفة
جنى؛ و فرحنا طبعاً لأنه عندما يصل الأمر
لوزارة السياحة فهذا يعني أن الكل جاهز من الأشغال الى الكهرباء الى إلى
المياه.
لكن ما أن تبدأ العاصفة المناخية حتى نبدأ نسمع بالمشاكل
بمختلف المجالات التي قالوا عن جاهزيتهم لها؛ ربما يدافعون طبعا على أنه لولا جاهزيتهم
لكانت الأمور أسوأ من هذا، فنقبل هذا التعليل منهم. وما أن يحضر الصيف حتى نسمع عن
تقشف مائي ويُعزى السبب فيه طبعا عن
الأعداد الكبيرة للمغتربين مثلا ( حسرة علينا يالمغتربين)؛ ونسمع عن مشاهدات جفاف
مائي يقتضي الأمر توزيع ماء الري بالدور، وليس وضع البندورة و غيرها من المحاصيل
بالصيف بأفضل من الوضع المائي.
لكن الأهم من هذا كله أننا لا نرى أو نشاهد أحداً من
أصحاب الجاهزية بالميدان أبداً باستثناء الجنود المجهولين من النشامى أبطال القوات المسلحة بمختلف أجهزتها وبمختلف
رتب أفرادها؛ فترى الضابط يتقدم الكاسحة وهي تفتح الطريق أو يساعد من علقت
سياراتهم بالثلوج. وهم أيضا من ييسرون أمر الجنود المجهولين الآخرين من إعلام و صِحة
للقيام بعملهم. و يتضح للجميع أنهم هم وحدهم الجاهزون دوماً.
و بالعودة للقصة التراثية بمقدمة المقال لماذا لا نجرب
أن نتعامل مع هذا الخير القادم بطريقة الدراويش أيام زمان والتوقف عن الحديث حتى
لا تطير بركة هذا الخير؟ لماذا لا
نتوقف عن الكلام و نترك المجال للعمل و
العاملين؟ فهم وحدهم من يحق لهم الكلام؛
فالأعمال صوتها أعلى بكثير من الكلمات .
ACTIONS SPEAK LOUDER THAN WORDS
تحية تليق بمقامكم أيها النشامى من أفراد قواتنا المسلحة
الباسلة.