الثلاثاء، 10 مارس 2015

بزنس داعش

بزنس داعش



بزنس داعش
من الصور التي لا ينساها متابعو مسلسل الزير سالم هو اللغز المحير في العلاقة بين الزير سالم وغريمه جساس قاتل إخيه كُليب.  فقد لاحظنا أن الزير كان يتحاشى مواجهة جساس رغم أن رأس الأخير هو المطلوب للثأر لمقتل كُليب.  لقد كان همُّ الزير الأوحد هو أن يبيد بكراً عن بكرة أبيها انتقاماً لمقتل كليب كما كان يظهر لنا، ومن ندري!! فربما كان ما يدور برأس الزير خلاف توقعاتنا.
لكن إن كنا نتفهم رؤية الزير وأسبابه لرغبة منا تعكس نفسيتنا ربما لرؤية المزيد من القتل والدم لأننا على ما يبدو نتلذذ بهذه المناظر؛ فإن عزوف جساس عن قتل الزير ما زال غير مفهوم للمشاهد حتى عندما أتيحت الفرصة له لذلك عندما جاءهم الزير أعزلاً ليسترد حصانه الذي سرقوه؛ هرب الزير أعزلاً بعد أن جاءهم متنكراً، فثار جساس وماج وأرغد وأزبد وطلب قوساً وسهماً ليرمي الزير؛ و عندما أحضروا له القوس والسهم رده لصاحبه وقال له اعزف به على الربابة ولم يرم به الزير ليقتله.
العلاقة بين داعش هذا الكيان الهش رغم صورته التي ضخمها الإعلام وبين التحالف لا تختلف كثيراً عن العلاقة بين الزير سالم وجساس أبداً.  فهناك أهداف لهذه العلاقة لم تظهر صورتها بعد، وربما ستظهر بعد عشرات السنين؛ أو ربما تذهب بذهاب أصحابها. فكلما اقتربت نهاية مسلسل التحالف - داعش على النهاية نكتشف أن له أجزاء أخرى في أمكان مختلفة من العالم العربي كحصْرِية اختص بها الله هذا الجزء من العالم، فبدأت بجيبٍ هنا ثم تمددت هناك وتوسعت، وأخيراً عبرت القارات إلى أفريقيا لتستقر مبدئياً بليبيا ولا ندري أين ستكون باقي الأجزاء لهذا المسلسل المرعب.
ولا يختلف وضع داعش عن حال جساس بالضبط. كلما وجدت داعش بعض التعاطف ممن ما زال لديهم بعض الشعور بأن خلفية هذه الجماعة إسلامية حتى تطلع علينا داعش بتأزيم جديد ضد التحالف فتزيدهم إصراراً على ضربها وقصفها، فتخسر مزيداً من مؤيديها.  فكما لو كان دورها فقط كدور جساس بحرب البسوس تماماً.
تقصفها طائرات التحالف فيظهر من يقول (الله أكبر) فيبادرونا بقتل مزيد من الأبرياء، ويقلبوا العالم ضدهم بخطف المسيحيين وتهجيرهم كما حدث بالعراق؛ وعندما أوشك المحيطون بها على نسيان هذه الواقعة يطالعوننا بحرق الشهيد معاذ الكساسبة. فيزداد القصف وتتململ الناس فيتحفوننا بفيديو ذبح أقباط مصر في ليبيا؛ وعندما يخرج مسئول ليبي ليصرح أن الأقباط لم يُذبحوا بمصر و أنه لا وجود لداعش على أرض ليبيا يظهر الدواعش باستعراضٍ مُصَوَرٍ بسياراتهم (الحديثة) ليؤكدوا وجودهم بليبيا فتُعطى مصر الذريعة بقصف أهدافها في ليبيا، وبهذا يتكوَن عندنا الجناح الأفريقي للتحالف ضد داعش.  ولا أدري لماذا لم تتوسع إشاعة المكان الحقيقي الذي ذُبِح فيه الأقباط كما جاء بالأخبار، فربما سيكون هناك مسلسل جديد لقضية داعش في مكان ما من هذا العالم بعد أن تهدأ العاصفة في أسيا وأفريقيا.
هذا بالنسبة لداعش (جساس)، فدورها ينحصر فقط في إعطاء التحالف المبررات لهذا الاستعراض. فما الأمر بالنسبة للتحالف (الزير سالم) وهو المستفيد الأكبر من هذا كله؟ طبعا، الهدف الظاهر يختلف من منطقة إلى أخرى ولكن الأهداف تقاطعت مع بعضها فكان هذا التحالف.  فأهداف أمريكا ظاهرها العدل والديمقراطية والحَمِيّة للشعوب الضعيفة وباطنها البزنس؛ لأن من يريد ظاهر الأهداف يسير بطريق غير الطريق الذي يسير فيه التحالف.  لكن ومع هذا تبقى أمريكيا المايسترو الذي يحمل بيديه عصا صغيرة يوجه بها الفرقة الموسيقية التي يعزف فيها كل الأطراف بما فيها داعش نفسها.
وينحصر دور تركيا على الوقوف في الجانب الآخر غير العسكري للتحالف فهي البوابة لعبور المئات من المتطوعين للانضمام لداعش ولا بأس إن كان من بين صفوفهم من يمثلون الأجهزة الإستخبارية للعديد من الدول. ومن خلال تركيا يتم التفاوض مع داعش بالأزمات والتي يتكلل معظمها بالنجاح. ومن خلال تركيا تتم عمليات تهريب الآثار التي يتحدث عنها الإعلام بصفقات خيالية من المال؛ ومن خلال التحالف تستعرض تركيا قوتها على جارتها سوريا فتسرح في أرضها وتمرح استعداداً لوضع جغرافي جديد ربما.
ويستثمر النظام السوري مسألة داعش لتبرير المزيد من القصف والقتل والتصفية لمعارضيه، فيصب جام غضبه وبراميله على مناطق لا علاقة لها بداعش في معظم الأوقات. ويبرر وجود داعش تواجد حزب الله بسوريا للوقوف كموضع قدم لإيران بوجه مخططات تركيا عند اللزوم إن جد بالأمور جديد.
وللقصة في العراق أوجه كثيرة ومتشابكة.  فبدأت القصة بهذا الاندحار السريع للجيش العرقي المسلحة أمام داعش ليمهد لها الطريق للسيطرة على بعض المناطق، وتتغاضى عن تعاون ظاهري بين هذا التنظيم وبين العشائر السُنية في العراق، لدرجة أن هناك من روج أن هذا التنظيم إنما هو تشكيل من الجيش العراقي المنحل بقيادة السيد عزت الدوري المختفي عن الأنظار. لا بل أن هناك من قال بقرب سقوط بغداد بأيدي داعش كمقدمة لرجوع حزب البعث للحكم، وتم اعتباره أنه انتصار للسنة في العراق.  ولم ينتبه مؤيدو حزب البعث أو الجماعات السُنية إنما نُصب للبعث والسنة شرك نسأل الله اللطف فيهم.
كان الإعلان بالبداية عن عدم جدوى القصف الجوي فقط للقضاء على داعش، إنما لا بد من الحرب البرية، فكثرت التكهنات بكيفيتها خاصة بعد زيارة مستشار جلالة الملك في الأردن إلى بغداد والذي أعلن أن الأردن مع العراق لمطاردة داعش في كل مكان.  نُفاجأ بعدها بتصريح عراقي أن الحرب البرية على داعش عراقية بحتة أهدافاً وتوقيتاً. فماذا حصل حتى تغير العراق وأصبح يتحدث بهذه القوة؛ وما الذي جرى حتى دبت الروح بالجيش العراقي من جديد فتحرك و تقدم وأحرز بعض النصر في بعض المناطق؟  إنه المدد الإيراني الواضح والمعلن عنه دون مواربة. وهذا يضيف بُعداً آخر في (بزنس) داعش ألا وهو البُعد الإيراني.
تزامن هذا الحضور الإيراني مع تصريحات لمسئولين عراقيين بأنه لا تفاوض مع البعث، واتهامه بالتعاون مع داعش: فيظهر ما بين سطور هذه التصريحات أن من أهداف الحرب القضاء على البعث وتصفيته نهائياً؛ وإذا أخذنا بالاعتبار أن داعش يمثل السند الحقيقي للعشائر السنية بالعراق أو العكس نستنتج أن هذه الحرب من الجانب العراقي هي مرحلة تصفية الخصوم من أتباع النظام السابق، وإنهاء التذمر السني هنا إلى الأبد أو إسكاتهم ليقبلوا بما يُعرض عليهم و كفى. و لا ندري ما إذا كانت باقي دول التحالف موافقة على هذه الأهداف العراقية الداخلية أم لا.
وإذا تم للعراقيين هذا الهدف الباطني وربطناه بالتصريحات الإيرانية الحديثة عن الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد فلا يجب أن نستغرب أن هناك ترتيباً داخلياً من الجانب الشيعي لتحقيق ما قيل عنه سابقا بالهلال الشيعي ممتداً من إيران إلى لبنان، فيتكمل الهلال الشيعي. وهنا وفي هذا التصور بالذات يجب الحديث عن الدور الأردني في كل هذا.
في كل هذه التشابكات يظهر الدور الأردني بخطيين ليسا متوازيين : الأول هو التصدر للدفاع عن الإسلام ليظهر المدافع الوحيد عن الإسلام في حين أن باقي الدول منشغلة بأوضاعها الداخلية أو أكتفت بالتمويل، فلا مواجهة حقيقية بينه وبين داعش على الأرض، ولولا حرقهم لمعاذ الكساسبة لَوُجِد الكثير من المعارضين الداخليين لهذا التوجه ألأردني.
أما الخط الثاني فيتمثل برغبة أردنية سيادية أن يبقى محوراً مهما في المعادلة الدولية في هذه المنطقة. ولهذا لا نندهش عندما نسمع بهذه الوفود من معظم الدول المعنية بالتوافد إلى العاصمة عمان للقيام بدورها حسب درجة اهتمامها بمسألة داعش إسلامياً أو سياسياً. 
ومن ضمن هذا البُعد الدولي أنه يريد أن يبقى ضمن المعادلة الدولية ليكون له دور برسم العلاقة الجديدة مع الجيران بالشكل الجديد الذي ستظهر به لاحقاً، أو حمايتها إن كان الأردن من ضمن البزنس الداعشي، أو حتى البزنس الإيراني الشيعي الجديد القديم هذه الأيام، وهذا ربما يكون أحد أسباب الزيارة الأردنية للعاصمة إيران بهذا الوقت، وتحدثت الأخبار أيضا عن زيارة لرئيس المخابرات الإيرانية لعَمان. 
وبالعودة لمسلسل الزير سالم نقول أنه إذا كانت أهداف الزير سالم وجساس الحقيقية من إطالة الحرب قد ذهبت بذهابهم وبقيت سراً فقط في عالم الغيب؛ فهل ستكون أهداف حرب التحالف – داعش كما توقعناها أم أنها ستؤسس لمرحلة جديدة يمكن تشبيهها بسايكس بيكو  من نوع جديد بحيث تكون سايكس بيكو ديمغرافياً بخلاف الأول الذي كان جغرافياً أم أن بجراب الحاوي الكثير الكثير الذي لا يعلمه إلا القُطبان (الزير سالم وجساس) فقط، فهما الوحيدان المستفيدان فعلياً من هذه الحرب وما باقي الأطراف إلا وقود هذه الحرب.

وبالنهاية يجب أن نسأل السؤال التالي: هل هناك حقاً من يريد إنهاء داعش؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق