الأحد، 17 مايو 2015

لحس الخُمْرَة

لحس الخُمْرَة
أصبحت الخُمْرَة مفهوما تراثياُ بحتا بعد أن تعذر معرفتها لجيل الشباب؛ وهي تختلف عن حبيبات الخميرة التي تضاف للكيك أو خبز بعض الشطائر.  الخُمْرَة كما رأيتها بيدي والدتي رحمها الله هي قطعة عجين مختمرة من العجنة السابقة تضاف الى العجين الجديد ليختمر بسرعة، وبدونها يبقى العجين عويصاً ويتأخر كثيراً حتى يخمر.  وقد كانت الخُمْرَة تُستعار بين الجارات عندما تنفذ الخُمْرَة من إحداهن أو إن كان في عجلة من أمرها لم تتمكن من تربية الخُمْرَة الجديدة.  وللخُمْرة طعمٌ غير مقبول لتركز الخميرة فيها وتفاعلها  مما يجعل من المستحيل خبيزها والاستفادة منها كخبز؛ وللنساء رحمهن الله (فمعظم من تعاملن بها في رحمة الله الآن) طريقة في معرفة جودة الخُمْرَة بلحسها بطرف ألسنتهن ثم يتفلن ما علق منها. 
هذه الأيام والحديث عن الخبز الذي ما فـتئ دولة الرئيس يلمح لنا به ويصرح أحيانا برفعه بطريقة أيصال الدعم لمستحقيه وذلك لوضع قطار الاقتصاد الأردني على السكة الصحيحة؛ لا أدري لماذا تذكرت الخُمْرَة وتساءلت إن كان في نية دولته أن يلحسنا الخُمْرَة أم لا. ودولته رجل إن قال فعل رغم تصريحات معالي وزير الإعلام بالنفي الذي اعتدنا عليه.  لقد وعدنا برفع اسطوانة الغاز وفعل، ورفع كل شي وفعل، فلماذا لا يرفع سعر الخبز! لقد تجرأ على ما لم يفكر به من سبقه أبداً.
أدرك تماما أن لا نية لدولته أن ينضم لمجموعة تراثيات مع الشباب على الفيس بتلحيسنا الخُمْرَة ولكني أذكره بأننا لا نملك الخُمْرَة إن كان يعول أن الشعب ما زال يملك الخُمْرَة التي تسد رمق الطفارى من أبناء هذا الشعب الذي تحمل الكثير الكثير وما زال كاظم الغيظ، و يتسقبل دولته بكل ترحاب بكل محافظة يزورها، ويتسابق مع نفسه للإعراب عن اعتزازه بدولته كابن العشيرة المعروفة والبلدة العريقة ويمرر خلال الخطب الرنانة بعض العتب على السياسات.  لا أعتقد أن هذا الشعب  سيجد ما يقوله لدولته إن زار محافظة لا تعرف خطوط الطبقة الوسطى وما فوقها؛ كانت دوما تحت خط الفقر.
لقد تناوب على هذا الشعب الصابر العشرات من أصحاب الدولة؛ وكلهم طالبونا بشد الأحزمة من أجل وضع قطار الاقتصاد على السكة ولكننا كنا نلاحظ ضمور خصورنا ليس من الرجيم طبعا وانتفاخ بطونهم (معنويا فهم يحافظون على لياقتهم) ولكنهم والشهادة لله كانوا دائما يتركون لنا الخُمْرَة.
وللتاريخ نشهد بأن موضوع الخبز (وهو بروتينات الفقير) لم يتجرأ عليه أحد قبل دولة أبي زهير إلا دولة عبد الكريم الكباريتي الذي دفع قبل أن يرفع؛ دفع الدعم ورفع الخبز؛ وبعد فترة وجيزة طار ما دفعه لنا وبقي ما رفعه مرفوعاً إلى يومنا هذا.  هذه الأيام نعود للدعم ونعود للرفع والحجة هي ذاتها إيصال الدعم لمستحقيه. وعند الحديث عن الدفع تأخذنا الذكريات لأيام مستحقات  المحروقات ودفاتر الحكومة التي حسبت علينا الخارج منا على أنه دخل أضافي كالأقساط التي ندفعها للضمان الاجتماعي. ويتكرر  مسلسل دعم المحروقات.
إن كان هذا الرفع وما سبقه من رفوعات هو محاولة لقياس صبر المواطن كقصة (بدنا نشوف لحد وين معه)  أو (بدنا نشوف قديش بمشي المواطن بالرغيف) أذكر أصحابها بقصة ذلك الرجل الذي أراد أن يعلم حصانة قلة الأكل؛ فأصبح يقلل له الكمية يوماً بعد يوم إلى أن نفق الحصان؛ فقال في نفسه يا خسارة؛ لقد مات بعد أن تعود قلة الأكل.
لا تقربوا عيش المواطن؛  لقد رفعتم كل شيء، ويتيبن لنا بعد كل رفع أن قطار الاقتصاد لم يكن على السكة الصحيحة يوماً في حياته؛ وإن كان الجواب خلاف ذلك فأخبرونا  لماذا  نرفع  إذا؟  وإذا كانت كل هذه الاحتفالات التي تنفق على المناسبات بأنواعها عموما مؤشراً على أن القطار على السكة الصح، فلماذا نرفع؟ وإذا كانت كل هذه العلاوات والرواتب لأصحاب السلطات الثلاث  فلماذا نرفع؟  لم نسمع أن مستوى دخل أي من أبناء هذه السلطات الثلاث قد تأثر بوضع القطار سواء كان على السكة أم خارجها.     
إن كان هناك من جواب فأخبرونا يا رعاكم الله.  أم أن عينكم  على الخُمْرَة؟ أطمئنكم  بأن حساباتكم غلط؛ فالمواطن لم يعد يملك حتى الخُمْرَة.  من يدري ربما كان بنية الحكومة أن تعيدنا لأيام الخُمْرَة والخبيز بأفران الطابون!!  بجوز  بس وين الخُمْرَة؟
وبالعودة للحديث عن الخُمْرَة نذكّر بأنها  لا تُخبز لوحدها ولا تؤكل أبداً  ، هي تُلحس لحساً فقط عند الحاجة، وعندما يصل الوضع للحس الخمرة من أجل العيش فاعلم أن ما بعد الخمرة  هو صاج لقن العجين؛  فهل لحسنا الخُمْرَة أم لم نلحسها بعد؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق