الخميس، 3 سبتمبر 2015

الإرهاب الجامعي الأكاديمي

الإرهاب الجامعي الأكاديمي
لا أدري إن كان الإعلام سيخرج علينا قريباً بفيديو آخر عن ذلك الطالب الذي بصق والذي صفع لكنه هذه المرة راكلاً لعضو هيئة تدريس آخر في جامعته التي درس فيها أم أنه سيكتفي بما ظهر.  وبكل عبارات الإدانة والشجب التي تعودنا علينا منذ بداية السقوط العربي في القرن الماضي ندين مثل هذه التصرفات؛ لا بل أننا وتمشياً مع روح العصر نعرب عن قلقنا (على طريقة بان كي مون) حيال القادم من الفيدوات. هذه تصرفات غير مقبولة ويجب أن لا تنتهي بجاهة يُسقِط فيها عضو هيئة التدريس حقه؛ وبنفس الوقت لا تبلغ عقوبتها درجة الشطط بالمطالبة بسحب شهادة الطالب الجامعيى لاستحالة ذلك قانونياً كما أعلم؛ فالأمران غير مقبولين  بالتأكيد. 
كذلك أؤكد أنني مع هيبة عضو هيئة التدريس أينما كان في الجامعة أو المدرسة، ومع هيبة المحامي، وهيبة الدكتور وهيبة الشرطي وهيبة عامل الوطن .... الخ من مسلسل الهيبات؛ ولكني بالمقابل أطالب أصحاب كل المهن السابقة بأن يعينوا الآخرين على إعطائهم مثل هذه الهيبة؛ و لا يكونوا عوناً لأصحاب الحقوق المشروعة بالقفز عن الهيبة والقانون والتصرف بطيش لا يراعي هيبة ولا مهيوب. وسأركز على موضوع التعليم العالي عموماً وأعضائه لأستذكر بعض المواقف التي يعرفها كل من انخرط في هذه المضمار طالباً أو عضو هيئة تدريس بصفتي عشت التجربتين طالباً في الجامعة الأردنية واليرموك لاحقاً وعضو هيئة تدريس في مناطق مختلفة في مؤسسات التعليم العالي.
لنبدأ من بدايات التفكير في الجامعة كطلاب في الثانوية، إذ كثيراً ما كان يشغل بالنا كيفية الدراسة في الجامعة وننصت باهتمام لحديث من سبقنا من الطلاب لقصص اكتشفنا أن بعضاً منها ضرب من الخيال حول صعوبة المواد وهيبة الدكتور الذي لا يقبل أن يناقشه أحد، وبُرجِه العاجي وما إلى ذلك مثل أن أسهل شيء على الدكتور أن يُرسِب الطالب لمجرد أنه يرى ذلك أو لأنه لا يصحح الأوراق. وكانت تعجبنا قصصٌ مثل تلك القصة عن دكتور في جامعة دمشق ( وسمعت القصة نفسها عن دكتور مغربي، مما يعني أن القصتين غير صحيحتين) أن هذا الدكتور كان في رحلة مع العائلة وقريباً من نهر أو بحر حسب المكان فسقط منه الكثير من الأوراق في الماء فهب أحد أصدقائه للنزول للماء لإرجاع الأوراق فما كان من الدكتور إلا أن قال ( اتركهم ؛ خلص كلهم راسبين أو ساقطين) هكذا ببساطة شديدة جداً.  ولطبيعة شخصيتنا كنا نمرر مثل هذه القصص تبريراً لفشلنا أو حباً في الخنوع للقوي أو ربما لرغبتنا في تقمصها إن سنحت لنا الظروف لاحقاً وأصبحنا أساتذة في الجامعات؛ ولكن في الحقيقة ما شهدت مثل هذه الواقعات سواء بمرحلة الدراسة أو التدريس رغم أن هناك من كان يصحح بشكل سريع لكنه لا يهمل الأوراق  فهي وثيقة للمراجعة.
لكن ليست كل القصص مثلا مستحيلة كقصة (كلهم راسبين) فهناك الكثير من التصرفات التسلطية المرفوضة من قبل أعضاء هيئة التدريس وخاصة في الجامعات التي تقول عن نفسها بأنها جامعات النخبة وتخرج أفضل الطلاب.  فمهما كان علم الأستاذ فلا يجب أن تصل فيه إلى مرحلة التحكم بمصير طالب لأنه الأستاذ الوحيد الذي يدرس هذه المادة وهي  إجبارية  فيقول له لتصرف ما لم يعجبه من الطالب ( اسحب المادة احسن لك) فعبارة اسحب المادة أحسن لك سمعنا بها ومعناها أن الطالب راسب سلفاً.  ربما كان الطالب يقبل بذلك بمرحلة أن تكون رسوم المادة مدفوعة فيسحب المادة ويعيدها لاحقاً حتى يرضى الدكتور، ولكن ماذا سيفعل الطالب إن كان على الموازي على نفقة والده وعائلته؛ ففي الموازي يكون الطالب على نفقة الأسرة جميعاً؟  ألا يخشى المدرس دعوة المظلوم!.
 لهذا وجنبا إلى جنب مع المطالبة بهيبة الأستاذ  فعلينا مطالبة الاستاذ بهيبة الطالب فلا يجوز  التحكم به بهذه الطريقة أو إحراجه. وعند الحديث عن الاحراج لا أقصد أن لا يسأل المعلم الطالب سؤالاً خوفاً من إحراجه أمام الطلاب أو تمرير إهماله المتكرر  للمادة مثلا لكن ليس بدرجة تعنيف الطالب أو طرده من  القاعة لسبب أكاديمي.  فهناك القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع.
تناقشت مع دكتور فاضل وهو عطوفة الدكتور مفيد حوامدة وهو أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة اليرموك سابقاً وأمين عام وزارة التربية والتعليم أيضاً سابقاً وأستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة ظفار حالياً حول لماذا يُفضِّل الطلبة الأساتذة الأجانب على الأساتذة العرب في الجامعات والكليات متعددة الجنسيات؛ فأسهب عطوفته بالشرح وتناقشنا وخلصنا إلى زبدة الحديث وهي أننا (أي الأساتذة العرب) شادين على حالنا كثير و(محبكينها) أكثر من اللزوم.  وطبعا كأساتذة عرب حاولنا إيجاد العذر لهذا التحبيك ولو أننا (كلانا) لم نكن مقتنعين كلياً بهذا التبرير.  لهذا ما يمكن أن يُدرك بالتحبيك يمكن أن يدرك باللين.  وهنا أجدها مناسبة لأعتذر شخصياً من كل طالب درسته بأي مرحلة وشعر بأنه تأذى نتيجة تحبيكي لبعض الأمور. إن حجتنا كانت بأننا نريد طلبتنا عباقرة زمانهم.
الخلاصة أنني لا أجد التبرير لهذا السلوك الشائن من الطالب الذي ظهر بالشريط الأول والثاني أو آخرين قد يستهويهم المنظر فيكرروه ولكني بنفس الوقت أطالب الطرف الآخر بأن يقف وقفة مراجعة مع النفس ليعود عن سياسة الغطرسة التي يمارسها تجاه المستضعفين من الطلاب ولا يستغل ما أعطاه الله من سلطان ليتحكم بخلق الله - الطلاب. يوماً ما، سيقف الدكتور وقفة مراجعة مع النفس عندما سيتقاعد ويجلس مستعرضاً شريط الذكريات.
وأختم بنهفة جامعية على زماننا. تذكرت أستاذاً بالجامعة كثيراً ما كان يصيح بالطالب (هات هويتك واعتبر حالك مفصول من الجامعة) وكنا نضحك لأنه لم يحدث أن أعطاه أحد هويته ولم يحدث أن فُصل أحد من الجامعة بسببه؛ الله يذكره بالخير. 

وتبقى الحياة الجامعية أحلى مرحلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق