الجمعة، 28 أغسطس 2015

الشعوب VS الأنظمة

الشعوب  VS الأنظمة
صورةٌ على صفحة إحدى الصديقات على الفيس بوك لمواطنة سورية تُقَبِّل يد شرطية أوكرانية سمحت لها بعبور الحدود لأوكرانيا لاجئة إليها استفزتني لأكتب العبارة التالية على حسابي هناك وهي " إذا سقطت الأنظمة سقطت الشعوب".  هذه العبارة اختلف معها اثنان من الأصدقاء فقال أحدهما (ملخص فكرته) أن الشعوب تبقى ولكن الأنظمة تزول.  وقال الثاني أن هذا ليس مع كل الأنظمة ولا مع كل الشعوب.  وفي الحقيقة كان في ذهني تفسير جلالة الملك عبد الله الثاني للنظام عندما تحدث بأوج ما يسمى الربيع العربي بالديوان الملكي عن مفهوم النظام حين ارتفعت مرة في إحدى المظاهرات كرتونة مكتوب عليها اسقاط النظام.  لقد لخص الملك أن النظام ليس شخصاً ولكنه منظومة الدولة ككل بأجهزتها وكيانها.  لهذا ما زلت عند رأيي في هذا المقام بأنه إذا سقطت الأنظمة سقطت الشعوب؛ وانظر حولك لترى صدق المقولة. وأظن أن صديقي الأول إنما قصد رؤساء الأنظمة.
هنا ربما يستشهد أحدهم بسقوط رأس النظام وليس النظام مستنداً للوضع الليبي والعراقي دليلاً على أن النظام هو الرئيس، وأنا أستند إلى النموذج السوري الذي لم يسقط رأس نظامه بعد، كدليل أن النظام ليس الرئيس فقط. فالقضية في تلك الدول ليست رأس النظام أو المنظومة،إنما هي شمولية النظام الذي صهر أو اختطف المنظومة كلها ليكون الرئيس هو نفسه النظام. لهذا سأتحدت عن شعوب تلك الدول الذين ساحوا في الأرض لاجئين بمجرد سقوط النظام؛ فالحال واحد سواء ذهب الرئيس الفعلي أو بقي ضمن منطقة معزولة لا يمارس أي سلطة خارجها.
وهنا يبرز السؤال المهم حول هدف الربيع العربي هل كان إسقاط رؤوس الأنظمة أو الأنظمة نفسها بمفهومها على مستوى كينونة الدولة لنجد أن إسقاط رؤوس الأنظمة سيكون تحصيل حاصل إن سقط نظام الدولة والمسألة مسألة وقت؛ فالهدف هو النظام الشامل وليس رئيسه؛ وربماكان هذا حال مصر لو لم ينتفض الجيش لإعادة نظام الدولة لوضعه الصحيح سواء أسميناه انقلاباً أو شرعية واستجابة للجماهير.  وكذلك الحال بالنسبة لتونس. أما الدول الأخرى (العراق وليبيا وسوريا)فقد خسرت أهم مكون من مكوناتها وهو الجيش سواء كان ذلك بحل الجيش أو إشغاله داخلياً فسقط نظامها فعلاً لا قولاً فقط.  فهل للجيش كل هذه القوة أو الرمزية بحيث تملك قوة إرجاع الأمور لوضعها الصحيح؟ فإذا كان الجواب بنعم، فأين المؤسسية التي يتشدق بها إعلاميو الأنظمة عندما كانوا يتحدثون عن دولهم بأنها دول مؤسسات؟ 
انتقل الآن لنقطة الصديق الآخر الذي اختلف معي بأن هذا لا ينطبق على كل الشعوب أو الأنظمة. وأسأل لماذا تختلف هذه المنطقة عن باقي المناطق من حيث الأنظمة أو الشعوب. إن أشخاص الأنظمة من رؤساء أو أتباعهم هم كالشعوب يؤمنون بحب التبعية لشخصٍ معين منذ قديم الأزل؛ فالشعوب مغرمة جداً بأن تكون من جماعة الشيخ فلان قَبَلياً؛ فكثيراً ما نشاهد بالمسلسلات البدوية عندما يسأل أحدهم الآخر من أي عرب أنت فيقول من عرب الشيخ فلان؛ فيطغى اسم الشيخ على اسم القبيلة.  وفي مصر مثلاً يتداول الناس هناك المثل القائل ( اللي مالوش كبير  يشتريله كبير) نلاحظ أنه يجب أن يشتري كبيراَ له لا أن يكون هو الكبير؛ فالكبير (أوي)  له مواصفات لا تتوفر في كل أفراد الشعب.  وربما كان هناك أمثلة مشابهة بالدول المحيطة الأخرى.
وفي ديار الاغتراب خلصتُ لتجربة وضعتها في كتاب سيرى النور قريباً إلى أن الأردنيين ميالون إلى البحث عن الشيخ أو الشخص الملهَم أو الملهِم فيجعلوه شيخاً ويصبح الخروج عن إرشاداته غير مقبول في المجتمع الصغير.  و لا يختلف حال باقي الجاليات كثيرا عن جاليتنا.  لهذا لا نستغرب إذا ارتقينا من وضع الجاليات إلى المستوى السياسي لنجد أن هذا الوضع الذي جعلنا مختلفين عن الآخرين شعوباً وأنظمة إنما هو مسؤولية مشتركة بين طرفي المعادلة الشعب وشخص الرئيس فتحول القادة الذي جاؤوا بشعاراتهم الرنانة وربما كانوا صادقين إلى حُكَّام شموليين يرون في طاعاتهم واجباً أساسياً والخروج عنهم خيانة؛ فاختطفوا الأوطان والنظام؛ لهذا انهارت الأنظمة بذهابهم وضاعت الشعوب بغيابهم.
قد أكون مصيباً في هذا التحليل أو مخطئاً لكني أعترف أنني اتفقت مع صاحب الاختلاف الثاني بأن هذه خصوصية لبعض الشعوب والأنظمة والتي منها شعوبنا وأنظمتنا في هذه المنطقة بالذات.
وبالعودة لموضوع الصورة التي أشرت لها كسبب لمنشوري إياه أتساءل عن الطريقة التي وصلت بها تلك المرأة إلى أوكرانيا وعن الدول التي عبرتها للوصول إلى هناك.  هل كانت الطريق على طريقة الأتوستوب مثلا دون تكلفة مالية؟  أتفهم مثلا أن يتشرد الناس كلاجئين عندما تلم ببلادهم الكوارث إلى الدول المحاذية لهم حدودياً باعتبارهم مشردين، ويحضروا سيراً على الأقدام، أما أن يذهب الناس إلى بلاد بعيدة بحجة اللجوء هرباً من الظلم فهذا مشكوك فيه طبعاً، إنما هي جزء من بزنس التهجير الذي تقوم وتسهله جهات معينة مقابل مبالغ مالية معينة. وقد سمعنا الأسبوع الماضي عن قرار مغربي بعدم قبول اللاجئين السوريين للمغرب؛ فكيف وصلوا للمغرب؟
المهم أكرر مقولتي وحسب مفهومي  للنظام أنه إن سقط سقطت الشعوب معه؛ فهل سيدرك الطرفان هذه المعادلة إلى أن تتغير عقليتنا فنفصل بين الشعوب ورؤساء الأنظمة والأنظمة التي نسعى أن تبقى حتى بعد ذهابهم فيخرج كل منهم من جلباب الآخر؟   




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق