ممدينة الجَلوة العشائرية وسؤال لدائرة الإفتاء
بما أنه ما زال بين ظهرانينا من يعتقد أن الناس تسكن
بيوت الشعر، وكل رزقهم (شوية) غنم وكم رأس من البقر أو الجمال؛ وهم أيضاً متأكدون
بأن أولادهم ترعى الغنم ولا تدرس بمدارس أو جامعات؛ وأصحاب العائلات لا عمل لها إلا
الرعي نهاراً و(التعليلة) ليلاً بديوان شيخ العشيرة بمجلس ما في نفوس ثقيلة؛ لذلك
فهم معذورون بأن يطلبوا من أهل القاتل الجلوة عن مرابعهم حتى الجد الخامس أو أكثر.
إن الأمر جد سهل؛ فهو لا يتطلب إلا أن (نهد) بيت الشعر ونلجأ لأقرب شيخ قبيلة كقُصَّر
وتحت حمايته. لم لا؟ ولم الاستغراب؟ أنا لا
أتحدث عن الأردن في القرن الثامن عشر، وإنما عن
الدولة الأردنية الحديثة في القرن الحادي والعشرين. أجل يا سيدي يحدث هذا
بالأردن وفي عام 2016.
هكذا بين عشية وضحاها تجد نفسك وأسرتك مطرودين من بيوتكم
التي صرفتم عليها كل ما جمعتم من مال (ربما عن طريق الاغتراب أو بيع ما تبقى من
أرض) لتستركم؛ تتركوها عرضة للسلب أو الحرق تحت تبرير فورة
الدم لمجرد أن أحد أقاربك قتل خطأ أو عمداً
شخصاً من القبيلة الأخرى أو ربما من نفس القبيلة.
نعم يا سيدي ولا تستغرب أيضاً، ففورة الدم تبيح لك أن تحرق وتكسر على شرط
أن تنجز ذلك ضمن الأيام الثلاثة الأولى التي تقع تحت الغطاء العشائري.
ويفغر المرء فاه
استغراباً عندما يجد (قوننة) لهذا الأمر
من الدولة؛ فعندما تندلع الأحداث نتيجة حادثة قتل تعمد الدولة إلى تأمين خروج أهل
القاتل وأقاربه حتى لا يتعرضوا للانتقام من أهل القتيل. نعم نعم
تؤمن خروجهم وليس حمايتهم ببيوتهم لأن هذا يتعارض مع قانون العشائر. قبل أيام سمعت تصريحاً من الداخلية بأن الجلوة
ستقتصر على أقارب القتيل للجد الثالث فقط؛ والمفارقة رغم غرابتها تم نقضها بنفس
الفترة بجلوة جماعة ممن يقربون القاتل حتى الجد الخامس. من يدري فربما لأن قانون الجد الثالث لم يمر
بمراحل دستورية كموافقة مجلس النواب مثلاً. كنت أنتظر سماع خبر إلغاء الجلوة وكل ما يتعارض
من أحكام قانون الدولة وليس تأطير الجلوة وحصرها للجد الثالث. شخصياً لا يهمني إن كانت للجد الثالث أو
الخامس. أنا ضد الجلوة كمبدأ. إنها تهجير قسري لأناس أبرياء.
ألا يصلح ما يجري من أحداث في هذا المجال مادة ضخمة لفلم
سينمائي ينافس على جائزة الأوسكار كالفلم " ذيب" مثلاً؟ وعلى فكرة ربما
كان سبب نجاح مسلسلاتنا البدوية عموماً هو أحاديث الغزو وخلافه؛ ولكن ومع احترامنا
لهذا التاريخ الذي كان سمة المنطقة كلها وليس شرق الأردن فقط ، إلا أنه من المحزن
أن باقي المناطق وهي أكثر منا قبلية وعشائرية قد تخلت عن هذا التاريخ واتجهت
للحداثة بينما بقينا نحن نراوح مكاننا عندما تظهر مشكلة كالتي نسمع عنها. لقد عشت في سلطنة عُمان وبالتحديد في محافظة ظفار ذات التركيبة القبلية كالأردن
تماما ربع قرن من الزمن ولم أسمع بالجلوة؛ بل على العكس فإن العشائر عون للدولة
على تنفيذ القانون بحذافيره.
نتطلع إلى حال الأردن في بعض الأمور فنعجب هل هو دولة
مدنية أم دينية أم عشائرية! فنجد الجواب أنه كل هذه الأمور مجتمعة بالوقت الذي يجب
أن تكون الحالة الأخرى. فعندما نقول لمن يطالب بالجلوة أن لا تزر وازرة ورز أخرى
يقال لك أن هذه عاداتنا؛ وعندما نقول (خلينا) عشائريين يقال لنا أن هذا يتعارض مع
الدولة المدنية، وعندما تطالب بالدولة المدنية تُطالب باحترام الحقوق المكتسبة لكل
أطياف المجتمع.
حسناً يا سادة؛ إن كان ولا بد من الجلوة والعشائرية ومع
التكلفة العالية للمجليين عن مناطقهم وبما أن الدولة تنفذ القانون العشائري وتجلي
المدميين عن مناطقهم فمن واجبها تأمين سكن لهم أسوة بباقي ضيوفنا الأعزاء من باقي
الدول العربية. وبما أننا أصحاب دار فإنني أراها صعبة جداً أن يسكن ألأردني بمخيم
فأقترح بناء مدن بمنازلها نسميها (مدن الجلوة) وتكون هذه المدن مجهزة بالمدارس
والمراكز الصحية وكافة الخدمات مجانا إلى أن تنتهي مشكلتهم؛ فمن غير المعقول أن
يتشردوا. وهكذا تُرضي الدولة أصحاب
القانون العشائري وتحمي المواطنين. وبما
أن من شروط الجلوة هي الرحيل لمحافظة ثانية فسيترتب على الدولة أن تبني في كل
محافظة مدينة لتكون سكناً للمجليين من المحافظات الأخرى.
وبما أننا مغرمون أيضا بالأردن في البحث عن غطاء ديني
لكل شيء فإنني كحال الباقين من أفراد هذا الشعب المسكين أتوجه إلى دائرة الإفتاء
الكريمة لتصدر بيانا توضح فيه موقف الدين من هذا التشرد القسري الذي يمارسه ابن
العم على ابن عمه من أجل عادات ليس مجالها القرن الحادي والعشرين أبداً. أدرك تماما أن لسان حال الدائرة هي فقط الإجابة
على أسئلة المشاهدين أو المواطنين؛ وبناء عليه ها أنا أسأل ويسأل معي الكثيرون
" هل الجلوة حلال أم حرام؟ "
نريد جواباً صريحاً جداً بهذا الخصوص.
هل نسمع قريباً أو نقرأ تصريحاً من الإفتاء وسأبعث بهذا
المقال لدائرة الإفتاء لمتابعته؟ أم أن الدائرة ستصنف هذا السؤال ضمن البنود الستة
التي لا تجيب عليها وهي موجودة على صفحة الدائرة !! من يدري
لعلنا نسمع جواباً وأنا واثق أن لجوابها سيكون صدى وأثرٌ طيبٌ لدى الجميع.
رد الله كل مغترب عن دياره إليها سالماً غانماً يا رب. أقصد بالمغترب المجلي عن دياره، أما المغترب
العامل فنسأل الله له التمديد. قولوا آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق