الجمعة، 8 يناير 2016

في بيتنا مكتبة


في بيتنا مكتبة
دعوني أعترف شخصياً بأن المرات التي تذكرت أن في بيتنا مكتبة _ وهي في الحقيقة شبه مكتبة_  متواضعة عبارة خزانة من أرفف لوضع الكتب كان في مناسبتين رئيسيتين فقط. الأولى كانت عندما مارست دوري كرجل البيت  وأصررت أن أبدأ بتكوين نواة لمكتبة عندي رغم مقاومة المدام القوية للفكرة؛ فبدأت بخزانة صغيرة وضعت عليها ما توفر من كتب في ذلك الوقت ولم أزد عليها ؛ أما المرة الثانية فكانت عندما قررت الرحيل من الشقة التي أسكنها إلى شقة أصغر توفيراً للنفقات،  فكانت المشكلة أين سنضع المكتبة ( خلي بالك أنني أقول مكتبة  مش أي كلام)؛ فقررت الخلاص منها لأنه لا مكان لها بالشقة الجديدة.
استعرضت ما توفر من كتب فوجدتها تقع في ثلاثة أصناف: ديني وأكاديمي وثقافي مرتبة حسب عدد الكتب. لا أعرف عدد المصاحف الموجودة والتي لم يفتح معظمها لأنني كنت أقرأ من مصحف معين فقط.  وكذلك وجدتُ فيها كتباً دينية أخرى أهديت من أصدقاء على سبيل الاستفادة فلم أفتحها باستثناء  كتاب فقه السنة الذي اشتريته بنفسي، وقد لاحظت أن الكتب المهداة كانت بحالة ممتازة مما يدل أن مهديها  قد مررها كما جاءته دون لمس، وكما مررتها أنا بنفسي  لصديق هنا غلى طريقة أنشرها ولك الأجر بالرسائل النصية التي يمررها أصحابها دون النظر فيها.  كذلك كان هناك أشرطة لتسجيلات للقرآن الكريم وبعض المحاضرات لشيخ عزيز على قلبي من مصر الشقيقة (الشيخ محمود غريب رحمه الله) سمعتها كلها  في السيارة، ولكن بعد تحول السيارات من نظام الأشرطة إلى نظام السي دي  لم يعد بالإمكان سماعها فتم ركنها إلى جانب باقي الكتب الدينية. وعند قرار إهدائها للصديق الكريم  احتجت الزوجة بأن البيت يجب أن لا يخلو من مصحف؛ فقلت لها هناك  نسخة من القرآن على تلفوني وعلى تلفونك ويمكن القراءة منها؛ لكني رضخت للطلب وأبقيت نسخة منها.
أما باقي الكتب فقد اقتضت ضرورة العمل أن يكون جزء من الكتب التي أدرِّسها بالكلية بالبيت للتحضير أو وضع الأسئلة، وقد قلَّت هذه الحاجة تدريجياً بعد لجوء القسم لنظام المنسق للمواد؛ فأراحنا من وضع الأسئلة؛ ولأن هذه الكتب أصبحت قديمة فلا أدري كيف سأتخلص منها؛ ربما سأضعها على مدخل العمارة مع عبارة  تفضل نسختك مجانا.  ويبقى الجانب الثقافي وهذا لقلته سيكون من السهل إهداءه أيضا.
هذه المقدمة الطويلة ليست للاستعراض ولكنها لإثارة تساؤلات حول جدوى وجود الكتاب في البيت مهما كان مُهماً إذا كان بالإمكان الحصول عليه من تلفونك بمنتهى السهولة؛ لا بل يمكنك الحصول على الجزئية التي تبحث عنها بيسر بمجرد  نقرة على الجوجل.  وأزيد على ما سبق أن الانترنت تعطيك الأقوال المختلفة حول قضية ما؛ فلا تعود ملتزماً بما جاء في الكتاب الذي يتصدر مكتبتك.
أعرف تماماً أن هناك من سيقول ولكن متعة الكتاب الورقي  غير الإلكتروني؛ وهذا ربما يكون صحيحاً لدى بعض الناس، إلا أنه عند الآخرين لا يكون إلا للمظهر فقط كما جاء بمقال (Pretender to Learning) للكاتب (John Earle) وكان أستاذنا الدكتور عبد الرحمن شاهين أطال الله في عمره يشرحها بطريقة ساخرة.  وأكبر دليل على تفوق المجال الإلكتروني  على الورقي هو ما ثبت معي الآن حيث كنتُ أعتقد أن هذا المقال هو للكاتب  فرانسيس بيكون وبالبحث عن الشيخ جوجل وجدت أنه لجون أيرل.  أي كتاب يمكن أن يعطينها هذه المعلومة بدقة وأي عقل يمكنه التفاعل بسرعة مع الكتاب الورقي كما نفعل عند زيارتنا لجوجل!! خاصة إذا عرفنا أننا لسنا  كالمرحوم حسن الكرمي صاحب البرنامج الشهير بالستينيات ( قول على قول) على البي بي سي.   
أما النقطة الثانية التي أود أن أشير إليها أن الجانب الديني  ( عند غالبية الناس) يغلب على باقي أطياف المعرفة؛ فنجد المصحف الكبير والصغير ومصحف الجيب ( أقصد نسخاً من كل صنف) ونجد  مصحف التفسير الذي ما أن تخرج خارج البيت لتفاخر بتفسير آية حسب ما قرأت ليقابلك آخر بقوله (الله يهديك) هناك أقوال أخرى في هذه  الآية أو ذلك الموضوع فتسكت خاصة إذا كان الذي يجادلك شيخاً. فهل من الضروري كل هذه النسخ من المصاحف في البيت؟ ألا يكفي مصحف واحد مثلاً؟  ولا نغفل عن وجود النسخة الالكترونية  في المصحف.
وهذا يقودنا إلى نقطة ثالثة وهي لا تقل أهمية طبعاً عن ما سبق وهي هذا الصراع الجديد  الحديث  بين الكُتّاب الورقيين  والكُتّاب الإلكترونين ( إن جازت التسمية).  هل  هناك سبب لهذه الفوقية التي يمارسها أصحاب التيار الورقي على الإلكتروني ؛ وينطبق الحال على الصحافة.  ربما تكون حجة الوراقين أن المجال الإلكتروني  (فالت) وبحاجة لضوابط، وهذا قد يكون صحيحاً أحياناً ولكنه ليس سبباً كافياً.

وأختم بالسؤال هو هل فعلاً نحن بحاجة لمكتبة في البيت؟  من اليوم مكتبتي هي تلفوني ودمتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق