عودة المواطَنة للمواطن
شغلتني الظروف وزخم الأحداث هنا عن الالتفات لحدث مهم
يحدث لأول مرة لي منذ ربع قرن؛ لأول مرة
لا أنشغل بالبحث عن لحّام تراثي ليلحم لي
تنكات الزيت استعداداً للعودة للعمل في سلطنة عمان - صلالة؛ لأول مرة لا أسأل
المدام عن عدد كيلوات الجميد التي سنأخذها
معنا إلى صلالة؛ لأول مرة لا أتشاجر مع المدام أيضاً بخصوص الحقائب التي سنحمل
فيها الملابس وأتأفف قائلاً متى سنصل للوقت الذي نحضر ونعود كما يفعل الأجانب
بخفيف الحمل. لأول مرة سأبدأ بالبحث عن
الأضاحي هنا بعَمان وليس في صلالة. المهم
اكتشفتُ أن الرفاق عادوا لصلالة وبقينا نحن مجبرين بقانون الزمن.
لكن ومن جانب آخر فإنني بهذا البقاء الإجباري فقد استرجعت مواطنتي؛ وهل
كانت مفقودة؟ لم تكن مفقودة بالمعنى
الحرفي للكلمة لكنها كانت مُغيبة فعلياً.
لقد كنا هنا نوصف في صلالة (كما هو الحال بكل دول الخليج أيضاً) بالوافدين وعندما نعود للوطن في إجازة كنا نسمى
المغتربين. لهذا وبعد الرجوع لا مفر أمام من كان يصفنا بالمغتربين بالاعتراف بأنني
مواطن، إلا إذا كان بالقاموس مفردة جديدة مثل المغتربون سابقاً، أو العائدون من
الاغتراب أو أي مسمى آخر. ولِم الاستغراب؟
فهذا الوصف مفيد جداً طبعاً عندما تبحث عن مقعد لابنك في إحدى المدارس فتعطى
الأولوية لأنك عائد من الاغتراب.
لأول مرة سأخرج
من دائرة الاتهام. سوف لن أكون (سبباً)
رئيساً لأزمة السير التي كان يقول به المسؤولون عند الحديث عنها؛ والآن دعني كمواطن
أطمئن من عاد للاغتراب أن الأزمة الخانقة في تزايد ولم تكن يوماً أنت عزيزي
المغترب سبباً فيها. لن أكون سبباً
لانقطاع الماء أو التأخر في تقديم الخدمات للمواطنين. نعم خرجتُ من دائرة الاتهام
والحمد لله. لقد اكتشفتُ أن هذه الأزمات
إنما هي طقم على نظام الباكج تأتي مع بعضها صيفاً وشتاء بالمغتربين أو
بدونهم. سأخبركم في فصل الشتاء القادم عن
الأسباب التي سوف يسوقونها لتبرير هذه الأزمات.
ومع عودة المواطَنة أيضاً سأتمكن من ممارسة حقي السياسي
في بلدي ولن يقمعني أحد بحجة أنني مغترب ولا يحق لي الحديث عن ما يجري في الوطن أو
لا أعرف ما يجري في الحقيقة، رغم أنني لم
أكن يوماً بعيداً عنه. نعم سأمارس هذا
الحق وبقوة حيثما سنحت لي الفرصة بالانضمام لأي تكتل أو حزب سياسي بعد أن تتضح لي
الرؤيا بهذا الخصوص. لهذا سأبدأ بأول
الخطوات وهي ممارسة حقي الدستوري
بالانتخاب لاختيار من أراه مناسباً ولن تدغدغ عواطفي الشعارات
البراقة.
إنني سعيد جداً بعودة المواطنة لي فقد أوشكتُ أن أشك
أنني مواطن في بقعة ما على هذه البسيطة. فليس من السهل أن تقضي ربع قرن من حياتك مُهَمشاً
هنا وهناك، رغم أن لك الحرية أن تتحرك ولكن ضمن دائرة ضيقة بحيث لا تغضب المعازيب
هناك والأهل هنا، فتمضي حياتك مُجَامِلاً لهؤلاء
وساعياً لرضا أولئك.
لقد كان الطريق طويلاً إلى صلالة؛ لقد امتدت السنون إلى
ربع قرن لخَّصتُ بعضها في كتاب بنفس العنوان " الطريق إلى صلالة" ما زال
لم يرى النور بعد بسبب بطئ الناشر ولكنه قريب إن شاء الله. حاولتُ في هذا الكتاب
أن أسترجع الذكريات مع الناس والمكان والزمان
في هذا البلد الطيب. وما أكثرها!
المهم شعورٌ
جميل أن تعود لك مواطنتك بعد اغتراب. تمنياتي لكل من عرفت هناك في سلطنة عُمان
بشكل عام والكلية التقنية بصلالة على وجه الخصوص بالتوفيق؛ وأسال عن أخبارهم وأقول
خبووور؟ وانشد عن علومهم بقولي : شي علوم؟ ولهم جميعاً أقول
اجعلونا
بحل.
وكل عام وأنتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق