الجمعة، 26 أبريل 2013

الفشخة


الفشخة

جزى الله خيراً الاستاذ محمد أبو قديري الذي أوحي لي بفكرة المقال هذا؛ فقد قالي لي عندما رآني متجهماً لتسجيل الهدف الاول بمرمى الفيصلي من مضيفه نادي ظفار بصلاله:  عاين  خير يا ابو محمد؛ إحنا ما بنصحى إلا بعد ما (ننفشخ) وكان يقصد الهدف الأول؛ وهكذا كان؛ فقد حصل الفيصلي على هدف التعادل بعد ذلك، و حقق ما يصبو اليه من تأهل و عدنا جميعا مجبوري الخاطر، و لكن بعد أن فُشخنا بالهدف الأول.  و (الفشخة) هي شج بالرأس نتيجة ارتطامه بجسم صلب، و يا حبذا لو كان حجر صوان فيسيل  دمه، و يسمى الشخص المُصاب بالمفشوخ.

 و تستعمل هذه الكلمة للدلالة على  الاستفاقة من  الغفلة،  فيعود الغافل الى صوابه في اللحظة المناسبة أو بعد فوات الأوان.  فكما جاء بالتراث الأردني أن الضبع إذا أراد افتراس الرجل فأنه يخدره ببوله و يسير أمامه، فيصبح الرجل مُخَدَّراً يتبع الضبع الى وكره (الموكرة)    و هو يظن أنه يطارده؛ و في الحقيقة فإنه يسير الى حتفه.  فإذا قيّض الله لهذا المضبوع  ( الشخص المُخدَّر) من ينبهه و يعيده إلى رشده (وغالباً ما كانت يكون ذلك بإطلاق النار من بعيد) فأنه نجا و إلا فإن هذا المضبوع سيستفيق على فشخة برأسه بباب الوكر الضيق عندما يكون الضبع يسحبه للداخل لافتراسه، و هذا يكون بعد فوات الأوان حيث لا ينفع الندم.

و هنا أطرح السؤال نفسه حول ما يجري على الساحة الأردنية على السياسيين و الحراكيين و السلطة بطرفيها المتماحكتين التنفيذية و التشريعية؛ هل من الضروري أن نُفشخ كأردنيين لنعرف أن وطننا في خطر يتهدده؟  هل نحن بحاجة الى (فشخات) لننتبه الى أن ما يجري على حدودنا الشمالية ليس في الصين و إنما هو قاب قوسين أو أدنى من كل بيت، و سيؤدي الى أكثر من مجرد فشخة؛ إنما هو شج رأس يؤدي الى الهلاك و ليس الصحيان من حالة غفلة.  ربما لن نُهجَّر باعتبار أن البقعة الوحيدة التي كتب الله عليها أن تكون بقعة الاستقطاب للهجرة و ليست طاردة لها هي الأردن، ربما لأنها تحوي أخفض منطقة في العالم، و لكننا سنُهَّجر ونحن في أوطاننا و وسيمارس علينا كل ما نراه بالمخيمات و نحن في ببيوتنا. و  الغريب أن أخفض بقعة في العالم هذه لا تنساب اليها المياه و لا البترول و لا الغاز و لا أي مواد سائلة أبداً إلا السيلان البشري المُهجَّر.

أن أول فشخة بالرأس العربي كانت بالعراق، و ها هم العراقيون باستثناء الطبقة الحاكمة  يتحسرون على أيام صدام حسين: ليس حبا بصدام كشخص و لكن بأيام صدام.   هذه الأيام نسمع عن بداية صحوة بمصر و تذكّر لأيام مبارك و ليس لمبارك نفسه، فظهرت صور مبارك مذيلة بعبارة (آسفين يا ريس) على سياراتهم و حتى بالأماكن العامة. إن زيارة بسيطة للفيس بوك و للعديد من المحطات الفضائية المصرية يجعلنا ندرك حجم المأساة هناك. و من غير المعقول أن تكون كل هذه المحطات للفلول.

في الأردن بدأنا بالإفاقة من هذا الوهم و التنبه الى أن ما عندنا أفضل من غيرنا، و لا ندعي كماله، فالجمهورية الفاضلة بقيت خيالا برأس صاحبها، و العدل الكامل هو لله تعالى بيوم الحساب. نفيق جميعا باستنثناء من يداعب خياله الحكم و السلطة و ليس الإصلاح، فهل يحتاج هذا الى فشخة براسه ليدرك أن البلد أهم بكثير من أن يصبح حضرته حاكما عاما و يدعي أنه يحكم باسم الشعب.   

 ربما لن نصل الى مرحلة الآن فهمتكم و لكننا قطعا سنصل الى مرحلة الآن فهمناكم التي كانت عنوان مقالٍ سابقٍ لي. نحتاج الى أن نفهم سياسة فن الممكن، فنحن جزء من معادلة دولية ندور في رحاها شأننا شأن باقي دول العالم بدرجات متفاوته، فإذا كان العالم القريب و البعيد لا يرحمنا و يطلب منا المزيد مستغلاً ما نحن في من ضيق، فلا داعي لأن  نقسو على أنفسنا و نحملها أكثر مما تطيق و يظلم بعضنا بعضا، و يستقوى بعضنا على بعض كذلك لغاية في نفسه.

أما إذا قرر البعض انتظار الفشخة لاعتقاده أن رأسه سيسلم منها فهو واهم فالحجارة كثيرة إن حدث مكروه لأننا آخر حبات المسبحة في البريع العبي في هذه الفترة، و ستقع على رؤوسنا جمعياً إن لم نفق قبل فوات الآوان.

فهل نفيق أم ننتظر الفشخة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق