في فن التوقيف و
الإخلاء الأردني
أذكر أنني و
ببداية ما يسمى زوراً و بهتاناً الربيع العربي قد كتبتُ مقالاً بعنوان "ثلاث
من عجائب الدنيا أردنية بامتياز" على هذا الموقع. فالحكومة و منذ بداية
الربيع تحاول إرضاء جميع الأطراف رغم تناقضاتها في أحيان كثيرة. و لا أنكر أن مسلسل
العجائب قد توالى و تعددت أشكاله ؛ لكنه هذه المرة قد أخذ شكلاً جديداً يستحق أن
نتوقف عنده. هذه الأعجوبة هي فنٌ قائم
بذاته: فن التوقيف و الإخلاء, و هو حصرياً أردنيٌ بامتياز.
ما أن تكاد
تطالعنا الأخبار بتوقيف فلان أو مجموعة الفُلانين بتهمة معينة حتى تتبخر فرحتنا
بتطبيق القانون بعد هذه الأخبار بفترة
قصيرة جداً، حيث تُطيّر الأخبار أن هذا أو هؤلاء قد تم إخلاء سبيلهم بوقت قصير. و الغريب أن التوقيف يبرر بأنه قانوني و لا أحد فوق القانون، و بنفس الوقت يمرر لنا الإخلاء بصيغة قانونية
أيضاً كالكفالة مثلاً، و لا نعود نسمع عنهم خبراً بعد هذا الإخلاء؛ لقد أصبحنا
ننتظر أخبار الإخلاء بدون استغراب و كأن الإخلاء هو المرحلة التالية للتوقيف و ليس
المحاكمة و الحكم. لا بل أن السؤال
التقليدي بعد كل توقيف هو: متى سيكون
الإخلاء بإذن الله؟ و هذا كله مع كل الحالات باستثناء بعض الحالات المعدودة على
أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.
لا يوجد مبرر
أبدا لإخلاء سبيل كل حالات التوقيف بدون المحاكمة باعتبار أن هذا الاخلاء يشجع على
استمرار الأسباب المؤدية للتوقيف، و التي هي بالأصل تعد صارخ على هيبة الدولة و حق
المواطن بعيش آمن؛ فكل الحالات التي سمعنا عنها فيها انتهاك صريح للقانون و لا
يملك أحد مهما كانت ولايته أن يخلي سبيل أحد قبل المحاكمة. و لهم في جلالة الملك أسوةٌ حسنة عندما كان
يتعلق الأمر بقضايا إطالة اللسان؛ حيث كان
العفو يأتي بعد صدور الحكم.
و الجانب الآخر
لهذه الأعجوبة هو تناغم السلطة التشريعية مع التنفيذية بهذا الفن الجديد. فهناك من
يعزف و هناك من يغني؛ فأصحاب السعادة المشرِّعون هم من يجر عباءاتهم للتوسط بإطلاق
سراح الموقوفين، و لا يترددون (أصحاب الوسطات) بالتهديد بموضوع الثقة أو عدم التصويت على قرار معين
للحكومة فترضخ الحكومة لهذا.
و من المؤسف جدا
أن يصل البلل الى لحى السادة المشرِّعين أنفسهم بموضوع الكلاشنكوف إياه، فكان
التعامل مع القضية بنفس الطريقة، و بلغ بهم الأمر أن التفوا على إرادة رأس الدولة بالوقوف بحزم بوجه هذه
الظاهرة؛ و ها هو راعي الكلاشن المتهم
بالشروع بالقتل حر طليق ( طبعاً بكفالة) و سنرى كيف سينتهي موضوع الكفالة؛ و زميله
الذي جُمدّت عضويته ما زال بالمجلس بدون حضور الجلسات كما جاء بالأخبار.
و تستحق قضية
النائب يحى السعود التوقف عندها لما فيها
من طرافة؛ فمنذ اللحظة الأولى التي تم توقيف سعادة النائب بتهمة التحريض يتسابق
دولة رئيس الوزراء مع رئيس المجلس بخطب ود سعادة النائب يحى السعود؛ فدولته بنفي
التهمة عن نفسه بأنه ليس وراء التوقيف، و بنفس الوقت صدر أكثر من بيان و تصريح من
رئاسة مجلس النواب (معالي سعد هايل السرور) بنفي التقصير بمتابعة قضيته بعدم جواز
التوقيف؛ رغم أن هناك أراء قانونية لا أظنها غابت عن بال القاضي الذي أمر بتوقيف
سعادة النائب لا تعارض توقيفه كون المجلس بإجازة. فكل من دولته و معاليه يسعون
حثيثا لإثبات براءتهم أمام سعادة النائب يحي السعود و يرجونه السموحة.
ألا يدرك ذوو
الشأن بهذا الموضوع أن هذه اللغوصة بالتوقيف والإخلاء تهز مصداقيتهم أمام الشعب؟
ألا يدركون أن هذه أيضا تسير بالمجتمع إلى دركٍ سحيقٍ من الفوضى تؤدي إلى مقولة خذ حقك بيدك و لا تنتظر القانون؟ ألا
يدركون أن هناك من أصبح يؤمن بمقولة
" اللي له ظهر لا تخاف
عليه".
ختاماً نذكّر
بأكثر من تصريح لمعالي حسين هزاع المجالي عن تكلفة الأمن بهذا الموضوع، و هنا نقول
بما أن القضية هي مجرد توقيف و إخلاء على السريع، فلماذا لا نريح رجال الأمن
توفيراً للنفقات. لماذا لا ندع الناس تخلص
حقوقها بيدها!
أين هيبة الدولة
و القانون؟ إن الأمور إذا فلت عقالها فلن
يعيدها إلى جادة الصواب إلا الدم؛ هذا الدم الذي ما سال إلا من أجل الحق و في
ميادين الرجولة.
حفظ الله البلاد
و العباد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق