حجر النواب الكبير
يُقال في الأمثال الشعبية الأردنية
" اللي بكبّر حجره ما بضرب؛ أي ليس جادا بتهديده" ، و هذا مثلٌ أتذكره
كلما رأيت أصحاب السعادة بالمجلس الكريم يناقشون القضايا السياسية الساخنة جداً، و
آخرها طبعا قضية الكنيست الاسرائيلي برفع الوصاية الهاشمية عن المقدسات، و مقتل الشهيد
القاضي زعيتر. و لا أدري إن كان أصحاب السعادة جادين في طروحاتهم أم أنها مجرد
مناكفة للحكومة كالتي سبقنها فقط لتحسين صورتهم أمام ناخبيهم بعد أن تجاوزوا أهم القضايا
التي تمس عيش المواطن و قوته اليومي، و أقروها.
ربما كان المواطن محقاً بالاعتقاد
أن الأردن دولة عظمى حتى تطرد السفير و تسحب السفير و تلغي معاهدة وادي عربة كلها
دفعة واحدة أو على دفعات و ربما تشن حرباً
على إسرائيل. لكن هل من المقبول من النائب
صاحب السلطة التشريعية أن (يطيش عشبر مية) كما قال الشاعر الزعبي و ليس الكاتب بقصيدته
(هظول إحنا) فيطلب نفس الطلبات؟ أليسوا مطّلعين على بواطن الأمور وخفايا السياسة
بحكم وضعهم النيابي. إذا كانوا حقاً
مطّلعين عليها فلماذا اللعب بمشاعر المواطنين؟ أما إن لم يكونوا يدرون ما يجري
فالمصيبة أعظم.
لا أقلل من أهمية الحادثتين، و
لكن ما أعرفه يا سادة أنه لا يوجد شيء في السياسة اسمه طرد السفير و لكن يوجد شيء
اسمه سحب السفير للتشاور، كمؤشر على توتر العلاقة أو احتجاج على تصرف ما من الدولة
الأخرى، و يعود هذا السفير إلى مكان عمله بعد أن تكون الرسالة وصلت. إن طرد السفير
دون سبب مقنع أهمه سلوك السفير نفسه في البلد المضيف و ليس موقف الدولة هو
عمل عدواني و غير مقبول سياسيا إلا إذا قُطعت العلاقة رسميا
بين الدولتين؛ و هذا ليس في صالح الأردن الذي خرج من حالة حرب مع اسرائيل و يتربط
بمعاهدة دولية معها، و إلغاؤها يعني الرجوع إلى حالة الحرب، فهل أنتم مستعدون لها؟
إن الحالة الوحيدة في الأردن التي
تم فيها طرد السفير في الأردن كان في عام 1970 كما جاء بمقابلة دولة السيد زيد
الرفاعي على الجزيرة، وكانت طرد السفير الأمريكي (نعم السفير الأمركي) عندما أساء للاردن بأنه بلد غير آمن لاستقبال
وزير الخارجية الامريكي، و لم أسمع بالتاريخ أن السفير الأمركي قد طُرد من أي
بلد. طبعا تفهمت أمريكا موقف الأردن و
عينت سفيرا جديدا.
عند نشر المقال هذا لا أدري ما ستكون
عليه نتيجة خطابات النواب بجلسة الثلاثاء و لكني أهمس في أذانهم أن الشعب ينتظر
منهم أن يقفوا مع قوته اليومي و لا يدخلوا البلد في أزمات سياسية إضافة لسلسة
الأزمات التي يعاني منها. أريحوا الشعب
بخبزاته و كازاته و لا تدغدغوا عواطفه؛ إلا إذا كنتم عاجزين عن هذا الأمر و أردتم
البحث عن إنجاز في مجال السياسة ؛ هذا إن
فعلتم شيئاً.
لا أتحدث عن استسلام أو انبطاح و
إنما أتحدث في سياسة فن الممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق